فى حى الزمالك، تقع مكتبة القاهرة الكبرى، حيث انعقد معرض “الأوراق الخاصة للمناضلة وداد متري” لمدة خمسة أيام بداية من 25 أكتوبر الجاري.
«ولها وجوه أخرى» زارت المعرض، وتفقدت جنباته، لتنقل لكم فى هذا التقرير تفاصيله، فى محاولة للتعرف على هذه الشخصية الاستثنائية.
بوابة كبيرة مطلية بالأسود، فى شارع محمد مظهر المكتظ بالسيارات، يمكنك أن ترى من خلال فتحاتها الخضرة الهادئة التى تحتضنك بمجرد عبورك للداخل بعكس ما كان بالخارج، بعد عدة خطوات يقابلك سلم بدرجات قليلة العدد، حتى تصلي للبوابة الثانية، والتى يتبعها مباشرةً المعرض المنشود، بمجرد المرور على جهاز التفتيش، سيقابلك طاولة مستديرة فى وسطها شاشة تعرض مجموعة صور نادرة للمناضلة الشيوعية “وداد مترى”، وفى خلفيتها صوتها تتحدث خلال حوار أجرته مع الدكتورة “هدى الصدة” – رئيس مؤسسة المرأة والذاكرة وعضو لجنة الخمسين لتعديل دستور 2014-، قبل وفاتها فى عام 2007.

DSCF3934

الطاولة الزجاجية، تضم مجموعة من الأوراق، وملزمات وكراسات، مكتوب فيها تفاصيل شخصية، لــ”متري”، خطتها بيدها، فيما يشبه المذكرات، تحكى فى نقاط أحيانًا وفقرات متتابعة أحيانًا أخرى، أحداث وتفاصيل فى حياتها الشخصية، مثل وقائع تخص اجتماعات كانت تشارك فيها داخل مصر وخارجها، ورحلات قامت بها إلى مدن داخل مصر أو دول أخرى، إلى جانب وريقات عمل ومستندات عامة، مثل كارنيه دخول جامعة الدول العربية للمشاركة فى اجتماع لجنة المرأة العربية عام 1994، ودعوة رسمية من نقابة المهن التعليمية لحضور الجمعية العمومية السنوية للنقابة عام 1973، أيضًا نجد عددًا من الأسطوانات الموسيقية، التى كانت تحتفظ بها “وداد متري”.

DSCF3937

يحاوط الطاولة المستديرة، أربع لوحات كبيرة، معلق عليها صور كبيرة ترصد مراحل مختلفة فى حياة “وداد مترى”، ومجموعة من الأوراق الخاصة بها، مثل شهادات المدرسة، والجامعة، بالإضافة إلى وريقات تضم أقوال محفوظة للمناضلة، من بينها: “تاريخك يُعرف الناس بك”
وفى ورقة أخرى، قول اَخر منسوب لها: “من الناحية السياسية، قمت بالأمور المعتادة، فقد شاركت فى المظاهرات ضد الاحتلال، وبعدها ضد الملك – جزء من الحس القومى العام.”
وعلى ورقة أخرى معلقة على إحدى اللوحات، يمكننا قراءة هذه السطور باللغتين العربية والإنجليزية “عندما سُئلَت إذا ما كان يمكن وصفها، ناشطة فى مجال حقوق المرأة، أجابت وداد كالاَتى: ليس حقًا..بالرغم من أنه يمكنك ملاحظة أن معظم الأرواق التى تم جمعها، تتعلق بقضايا النساء، واعتقد أنى قدمت مثالًا عمليًا، عما تمثله هذه القضايا.”
وفى وريقة أخرى إلى جانب صورتها على أحد الشواطئ، نقرأ جملة، قالتها فى حوارها مع الدكتورة هدى الصدة – الذى يبث فى خلفية المعرض- وتقول فيها “لم يكن هناك أبناء من الذكور، فى أسرتي، لذلك اعتبرنى والدى رجل المنزل.”
على مساحة كبيرة من إحدى اللوحات، تظهر قصاصة خبرية من إحدى الصحف بمانشيت عريض “الجامعة تحارب حكم النساء!”، القصاصة، ترصد ترشح ثلاث فتيات فى جامعة فؤاد (القاهرة حاليًا)، لعضوية اتحاد الجامعة، ولم تنجح منهن سوى “وداد متري”.
وتنقل القصاصة، شكاوى المرشحتين الاَخريين، من الاضطهاد والمحاربة لكونهن إناث من قبل الإخوان المسلمين الذى روجوا للحديث القائل ” لعن الله قومًا ولوا شؤونهم امرأة”، ومن قبل قطاعٍ من الطلاب الذكور والأساتذة معًا.

DSCF3908

أثناء تفقدك للمعرض، فى حركة دائرية، لا يغيب عن اَذنك، صوتها الرخيم، وهى تتحدث عن أسرتها وطفولتها، وتروى أنها تنتمى لأسرة متوسطة، كن ثلاث فتيات، يعشن مع أمهن، بينما يقضى الأب أغلب وقته بعيدًا عن المنزل، وهو ما دفعه لأن يشعرها دائمًا بأنها بديلًا عنه “هى رجل البيت”، لذلك شعرت بالمسؤولية مبكرًا.
تواصل “مترى” فى الجزء الذى وُضِع له عنوان بـ”النشأة والتعليم”، وتقول أنها كانت متفوقة، درست المرحلة الابتدائية فى مدرسة الأمريكان، ثم انتقلت لمدرسة النهضة للبنات، لافتة أنها نفس المدرسة التى كان يدرس بها الرئيس الراحل عبد الناصر، ولكن فى فرعها للبنين.
أشارت “وداد”، إلى أنها كانت تتمنى أن تلتحق بكلية الطب، ولكن لم تحقق مجموع الدرجات اللازمة لدخول الكلية، ومن ثم التحقت بكلية الاَداب قسم الفلسفة.
فى جزء اَخر عنوانه الحياة المهنية، تحدثت “مترى” عن ظروف تعيينها بإحدى المدارس بمدينة سوهاج، على الرغم من أنها كانت تتطلع للعمل بالإذاعة، إلا أن تعيين الخريجين كانت تحدده الدولة وقتذاك.
عند هذه النقطة، تروى كيف انتقلت للعيش بسوهاج للعمل هناك، على الرغم من أن أهلها لم يستسيغوا فكرة السفر بعيدًا عنهم، وتصف عامها الأول فى العمل هناك بأنه كان أجمل ما يكون، من ناحية الخبرة.
عن النشاط السياسي، نستمع إلى حديثها عن ثورة الجزائر وكيف دعمت مصر الثورة هناك، وكيف دأبت هى على دعم المناضلة “جميلة بوحريد”، وخرجت بمظاهرة تدعو لانقاذ المانضلة اجلزائرية من الإعدام والتى وصفتها بأنها مظاهرة نسائية خرافية.
فى نهاية رحلتنا بين أروقة هذا المعرض الثري، ما يمكننا استخلاصه هو أن “وداد متري”، شخصية غير معهودة، حالة نادرة، سيدة عشقت حياتها بكافة تفاصيلها، لدرجة جعلتها، صانت بقلمها هذا الكم من الأوراق، إلى جانب احتفاظها ليس فقط بصورها، وإنما بكافة المستندات، التى لا تفصح لنا فقط عن مراحل حياتها العامة والخاصة، وإنما تحكى قصة مراحل تاريخية بعيون هذه السيدة.