حِكَايَاتهـــــــنّ: فنادق تخـــاف من النساء
النسخة المصوّرة من التقرير: إعداد وتنفيذ ريهام غريب
لا تزال إقامة النساء في الفنادق بمفردهن معضلة مزعجة تُقيّد حركة وانتقالات كثير من المصريات، في ظل تعدي العديد من إدارات الفنادق، خاصةً المُصنّفة ضمن فئة الثلاث نجوم أو أقل، على الدستور والقانون المصريين الذين لا يشملا أي نصوص تفصح أو تضمر إشارة إلى إمكانية حظر إقامة ومبيت النساء اللاتي تقل أعمارهن عن 40 عامًا، إذا لم يكن برفقتهن أزواجهن أو ذكور من أسرهن.
برزت القضية بشكل ملحوظ خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، بعد أن تداعت قصصُ النساء اللاتي منعتهن فنادق من الإقامة فيها، بسبب اتخاذ أصحابها قرارات باشتراط وجود أقارب ذكور من الدرجة الأولى بصحبة المرأة الراغبة في حجز غرفة بالمنشأة. ولا تزال هذه الممارسات التعسفية والخروقات القانونية مستمرة بيد أن وزارة السياحة قد خرجت قبل عامين ببيان رسمي تقطع فيه بأحقية النساء في الإقامة بالفنادق بمفردهن، مشددةً على أن المنع يمثل مخالفة للقانون المصري يستتبعها توقيع عقوبات بحق المنشآت السياحية التي ترتكبها، وبعض العقوبات تصل إلى الإغلاق التام، فضلًا عن أن محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة أكدت في قرار أصدرته مع بداية العام 2022 على غياب أي سند قانوني أو تعليمات حكومية سواء من وزارة الداخلية أو وزارة السياحة والآثار تقضي بمنع النساء من الإقامة وحدهن في الفنادق.
ترتكب الفنادق بمنعها النساء من الإقامة في غرفها تمييزًا بينًا ضد النساء، ورغم أن الدستور يضع على عاتق الدولة مسؤولية اتخاذ ما يلزم للقضاء على مختلف أشكال التمييز، فإن كثيرًا من المنشآت السياحية تمارس الخروقات من دون أن تطالها العقوبات الواردة في المادة 161 مكرر من قانون العقوبات التي تنص على أن «يعاقب بالحبس وبغرامة لا تقل عن ثلاثين ألف جنيه ولا تجاوز خمسين ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من قام بعمل أو بالامتناع عن عمل يكون من شأنه إحداث التمييز بين الأفراد أو ضد طائفة من طوائف الناس بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة، وترتب على هذا التمييز إهدار لمبدأ تكافؤ الفرص أو العدالة الاجتماعية أو تكدير للسلم العام.»
مروة حسن، شابة مصرية تقيم في محافظة الدقهلية بينما يوجد مقر عملها في العاصمة، مما يستدعي سفرها يوميًا ذهابًا وإيابًا بين المحافظتين، وفي بعض الأحيان تضطرها الظروف إلى البحث عن فندق للمبيت فيه، كي تدرأ عنها مشقة العودة المتأخرة إلى المنزل ثم السفر مجددًا بعد سويعات إلى القاهرة، إلا أن مروة لم تفلح في شتى محاولاتها من أجل حجز غرفة في نُّزُلٍ لقضاء الليل، فتارة يرفض مسؤول الاستقبال لأنها تقيم في نطاق القاهرة الكبرى، فليس هناك من وجهة نظره المرتابة في أمرها ما يدفعها للإقامة في مدينة غير مدينتها، وتارة أخرى يقال لها بوضوح «إحنا ما بنسكنش بنات لوحدها.»
إجحاف الفنادق والأنزال أرغم مروة على التجول في الشوارع والجلوس في المقاهي طوال الليل إلى أن يأتي الصباح فتذهب إلى العمل. لكن المشقة لم تكن في الإرهاق البدني فقط، فهذه الليالي لم تمر بسلام على صحتها النفسية، فقد لازمها الخوف في كل ليلة منها، وكانت نظرات المارة المتشككة تثير قلقها، وتتبُّع المتحرشون لها بسياراتهم يرهبها، وكل هذا لا مفر منه.
تقول مروة إن الخيار الذي اضطرت إليه لم يكن آمِنًا على الإطلاق، لكن بديله كان يعني أن توقف سير حياتها وتترك عملها، ولذلك تحملت المشقة والخوف، إلا أن ثقل المعاناة المعنوية والمادية تعاظم مع الوقت فلم تعد قادرة على تحمله.
مروة ليست «حالة فردية» كما تزعم بعض الأصوات التي تسعى إلى كبح احتجاج النساء على الوصاية الذكورية التي تمارسها بعض الفنادق على أجسامهن وأنماط حيواتهن، أو تحاول التعتيم على اعتراضات المنظمات النسوية على التعسف الذي تواجهه نساء كثر في مصر، لا سيما العزباوات.
واحدة من أبرز هذه المنظمات هي منظمة المرأة الجديدة التي وثقت في ربيع العام 2022 منع شابة مصرية من الإقامة في فندق بمحافظة مرسى مطروح الساحلية، وقد طالبت المنظمة آنذاك السلطات المصرية باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة تجاه القائمين على الفندق، نظرًا لارتكابهم جريمةً تخالف نصوص الدستور الذي يقر الحق في المساواة وحظر التمييز على أساس الجنس، ويكفل حرية التنقل لجميع المواطنات والمواطنين سواسية.
وفي تصريحات لـ«ولها وجوه أخرى»، تقول نيفين عبيد رئيسة مجلس أمناء مؤسسة المرأة الجديدة والباحثة في النوع الاجتماعي والتنمية إن المنظمات الحقوقية النسوية بإمكانها أن تنفذ تدريبات مكثفة للعاملات/العاملين في قطاع السياحة الداخلية بهدف رفع وعيهم وتحسسهم تجاه النوع الاجتماعي، وتعزيز مقبولية حضور النساء في المجال العام، بالإضافة إلى تغيير الصورة النمطية الشائعة عن المرأة التي تتنقل باستمرار بين المحافظات والتي يكتنفها سؤال أخلاقي حول سلوكها.
من ناحية أخرى، يكشف لنا المحامي الحقوقي هاني سامح الذي التقيناه في مكتبه، أنه قد حرك دعوى قضائية ضد أحد الفنادق بالإسكندرية لارتكابه جريمة التمييز، على خلفية إصداره لائحة تنص في أحد بنودها على حظر إقامة النساء اللاتي يحملن الجنسية المصرية أو جنسية إحدى دول مجلس التعاون الخليجي الست إلا إذا كان برفقتهن مَحْرَم.
ويشدد سامح على عدم وجود سند قانوني لما قرره الفندق، بل إنه يعد جريمة تصل عقوبتها إلى الحبس ثلاث سنوات، وهي من الجرائم التي لا تسقط بالتقادم.
كان مسؤولو الأنزال يبررون رفضهم استقبال مروة وتمكينها من الإقامة بمفردها بالخوف عليها والحرص على حمايتها، وهي المزاعم التي لم تصدقها أبدًا، مشيرةً إلى أن الحقيقة بالنسبة لها هي أن الآخرين (الرجال) يخافون من النساء ويتعمدون إخفاتهن طوال الوقت.
تختتم مروة حديثها معنا بقولها إن أصحاب الأنزال «إذا كانوا يخافون حقًا على النساء، فالأجدر بهم ألا يجبروهن على البقاء في الشوارع أو المقاهي طوال الليل، وأن يقبلوا بإقامتهن في أماكن توفر لهن الأمان كالفنادق، ولكن في واقع الأمر هم لا يخافون على النساء كما يدّعون.»
لمشاهدة التقرير المصور – انقرن/وا هنا