تشهد كوريا الجنوبية خلال السنوات الأخيرة موجة متصاعدة من العنف اللفظي والجسدي ضد الناشطات النسويات، ويحل الشباب من الذكور على رأس مصدّري هذا العنف، فقد كشف استطلاع أجراه مُستَطلِع الرأي الوطني ريل ميتر (RealMeter) في العام 2018، أن 76  في المئة من الرجال الكوريين في العشرينيات من العمر، و66 في المئة من الرجال في الثلاثينيات من العمر يعارضون ويعادون «النسوية». وقد أجبر هذا العداء المستشري الكثير من المدافعات عن حقوق النساء في كوريا الجنوبية إلى تجنب الإشارة إلى أنفسهنّ كنسويات أو إلى كونهنّ جزءًا من الحركة النسوية حفاظًا على أمنهنّ، ومنهن الناشطة الكورية شين سيت بيول التي قالت في حوار مع شبكة إن بي سي (NBC) الأمريكية، إنه «من الخطير في كوريا الجنوبية أن تطلقي على نفسك نسوية»، لافتةً إلى أن أغلب النسويات في دائرة معارفها يتعين عليهن استخدام هويات مجهلة لضمان سلامتهنّ.

كذلك تتحاشى الناشطة الكورية سيرا بارك أن تصف نفسها بالنسوية، رغم نشاطها الدؤوب في سبيل دعم النساء وتمكينهنّ وحمايتهنّ من العنف القائم على النوع الاجتماعي، وقد أوضحت في حوار مع مجلة فايس (Vice) الأمريكية-الكندية، أنها لا يمكّنها أن تعلن عن نفسها كناشطة نسوية طالما أنها تتواجد في كوريا الجنوبية، «ربما كنت لأقول أنني نسوية إذا لم أكن في كوريا، فثمة وصمة عار وصورة نمطية تصاحب هذا اللقب هنا.»

أجواء تنضح بالكراهية

الغضب الموجّه ضد النسويات في كوريا الجنوبية يتخطى الإساءات اللفظية في كثير من الأحيان، فقد شهدت السنوات الثلاث الأخيرة هجمات متتابعة على التجمعات والمسيرات الاحتجاجية النسوية، من بينها حادثة وقعت في شهر أغسطس الماضي، حيث اعتدى مجموعة من الرجال على تظاهرة نسوية في مدينة دايجيون، كانت قد خرجت احتجاجًا على الأرباح التي يجنيها المعلنون من مقاطع تروج لكراهية النساء على موقع يوتيوب (YouTube)، وفوجئت المشاركات في المسيرة حينها بأحد الرجال يتوعدهنّ بالقتل.

ويأتي تزايد العنف ضد الحراك وناشطاته كرد فعل إزاء نجاح المجموعات النسوية لا سيما الراديكالية منها في الوصول بخطابها إلى قطاعات عريضة من النساء الشابات عبر الإنترنت منذ العام 2015، ومن أبرزها مجموعة ميجاليا (Megalia) الإلكترونية التي تستخدم تكتيك «الانعكاس»، حيث تحتج على الكراهية والتمييز ضد النساء باستخدام خطاب يناظر ذلك الذي يتبناه الذكوريون، يعتمد على التقليل من شأن جنس الآخر، والتشكيك في قدراته، والتحديد المسبق لحزمة من التنميطات، وذلك يقينًا من المجموعة  بأن الرجال لن يتسامحوا مع أي خطاب مسيء أو معادٍ لهم، وهو ما قد يدفع بعضهم إلى شحذ أذهانهم وإعادة النظر في أفكارهم وأفعالهم التمييزية تجاه النساء.

وقد نجحت بالفعل المجموعات الراديكالية في أن تجعل مطالب الحراك موضوعًا مطروحًا للنقاش المجتمعي على نحو أكبر من ذي قبل، إلا أن ذلك توازى مع زيادة في حدة الهجوم والتحريض ضد الناشطات والمدافعات عن حقوق النساء، سواء كان موجهًا من أفراد عاديين أو شخصيات عامة مثل مغني الراب الشهير سان إي (San E) الذي أصدر في العام 2018 أغنيةً بعنوان «نسوية»، سخر في كلماتها من مطالبة الناشطات النسويات بالمساواة في الأجر بين الجنسين واصمًا إياهن بـ«الجنون».

جدير بالذكر أن الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية تصل إلى 31.5 في المئة، وفقًا لبيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) للعام 2020.

بعض السياسيين أيضًا يتبنون خطابًا معاديًا للنسوية مثل يون سوك يول عضو حزب سلطة الشعب المحافظ والمرشح للانتخابات الرئاسية المزمع إقامتها خلال الشهر الجاري، الذي حمّل الحركة النسوية الكورية مسؤولية الانحدار الكبير والمزمن في معدل المواليد، متجاهلًا تأثير التباطؤ الاقتصادي وارتفاع أسعار العقارات.

إضافة إلى ذلك، ارتأى بعض الرجال الكوريين مواجهة الحركة النسوية عبر تنظيم حركة معادية لها، فشكّلوا تكتلًا باسم الرجال الجدد في تضامن (New Men in Solidarity)، يرفعون من خلاله شعارات كـ«النسوية مرض عقلي»، و«حتى يوم إبادة جميع النسويات!»، ويستهدفون تحت مظلته المدافعات عن حقوق النساء عبر الإنترنت إما بالتحرش الجنسي وإما بالتهديد بالقتل، ويقودون باسمه حملة شعواء ضد وزارة المساواة الجندرية والأسرة، مطالبين بإلغائها زاعمين بأنها تروج لتمييز ضد الرجال.

وكانت وزارة المساواة الجندرية الكورية قد أعلنت في العام 2017 عن خطة خمسية، تسعى إلى زيادة تمثيل النساء داخل الحكومة، والمؤسسات الحكومية، والمدارس العامة، ثم اقترحت في العام 2019 توسيع نطاق الخطة لتشمل كذلك القطاع الخاص، وهي الخطوات التي أثارت حفيظة المناهضين لأي إجراءات من شأنها تسريع وتيرة التقدم نحو المساواة بين الجنسين.

في ظل هذا المناخ الملّبد بكراهية النساء، لا تبدو الحكومة الكورية متخاذلة فقط بل إنها تتخذ مواقف تدعم من يقفون خلفه، فقد استجابت الحكومة في شهر مايو الماضي إلى عريضة أطلقتها مجموعات مناهضة للنسوية عبر منصة البيت الأزرق (Blue House) التي تتيح للمواطنات والمواطنين تقديم عرائض رسمية، وقررت إجراء تحقيق حكومي فيما ورد بالعريضة من اتهامات للمعلمات في المدارس بمحاولة غسل أدمغة التلاميذ وشحنهم بالأفكار النسوية.

كي لا تنطفئ شعلة النضال

أدى تصاعد العنف ضد المدافعات عن حقوق النساء إلى تراجع العديد منهن عن مواصلة النشاط النسوي، لإصابتهن بالإحباط أو لتمكن الخوف منهن، وتقول إحدى عضوات منظمة هايل (Haeil) النسوية الكورية  في تصريحات لمجلة هذا الأسبوع في آسيا (This Week in Asia) «لقد رأينا بالفعل انسحاب عدد كبير من الناشطات في مجال الدفاع عن حقوق النساء من المعركة بسبب الإرهاق الذهني»، ولذلك قررت المنظمة تقديم خدمات الدعم النفسي للعديد من الناشطات النسويات لإبقاء الحراك قويًا متماسكًا.

قبل نحو ست سنوات، خرجت النساء الكوريات بأعداد كبيرة إلى الشوارع ليعلنّ غضبهن، بعد أن قُتِلت فتاة كورية على يد رجل أدعى أنه يكره النساء بسبب تجاهلهن له طوال حياته، وقد قرر بعضهن أن يكتب رسائل قصيرة احتجاجًا على العنف ضد النساء ويعلقها على جدران محطة كانغنام، محطة القطارات الشهيرة في العاصمة سيول، وكانت إحدى الرسائل تقول «إذا كنا متضامنات.. يمكننا أن نكون أقوى»، وهي الرسالة ذاتها التي تتشبث بها عضوات منظمة هايل (Haeil) ويسعين إلى بثها على أوسع نطاق بين النساء الكوريات.