قبل أن تكتمل سيطرة طالبان على الحكم في أفغانستان منتصف أغسطس الماضي، شرعت عناصر الحركة  في فرض شكل محدد ولون معين من الملابس على النساء في شتى المقاطعات الأفغانية التي استطاعت أن تسيطر عليها، ومنها مقاطعة بلخ التي شهدت قتل فتاة رميًا بالرصاص على أيدي عناصر من الحركة لأنها لم ترتدي الحجاب المفروض من قبلها على النساء، ذلك وفقًا لما نقلته صحيفة أفغانستان تايمز المستقلة (Afghanistan Times)، في الخامس من أغسطس الماضي.

وبعد أن بسطت الحركة سيطرتها على العاصمة كابول واستولت على حكم البلاد، صارت القرارات الملزمة بشأن الزي تصدر على مستويات أوسع، كان أولها إعلان الحكومة في سبتمبر الماضي فرض ما أسمته بـ«الزي الإسلامي» على النساء داخل الجامعات، الذي أوضح لاحقًا مرسوم للحركة أن المقصود به هو النقاب لإخفاء الوجه وعباءة سوداء لتغطية الجسد بالكامل.

وبعد أن كانت الحركة قد استبعدت الفتيات في المرحلتين المتوسطة والثانوية من العودة إلى المدارس مع بداية العام الدراسي، قررت في شهر أكتوبر الجاري السماح لهن  بالذهاب إلى المدارس في أربع مقاطعات في شمال أفغانستان بشرط الالتزام بالحجاب والامتناع عن ارتداء الأحذية المفتوحة التي تكشف القدم، بينما تظل الفتيات في بقية المناطق محرومات من مواصلة الدراسة لحين إشعار آخر.

من ناحية أخرى، تجمعت عشرات النساء في شهر سبتمبر الماضي، داخل إحدى قاعات المحاضرات بالعاصمة كابل، وقد ارتدين النقاب الأسود الذي يغطي الجسد من أعلى الرأس إلى أخمص القدمين، ليعلنّ دعمهن لحركة طالبان وتأييدهن لفرض النقاب على جميع النساء.

أجج هذا التجمع مشاعر الخوف والغضب لدى النساء الأفغانيات المحتجات على حكم طالبان، اللاتي اعتبرنه إنذارًا بشأن الزي الذي ستفرضه الحركة كما فعلت إبان فترة حكمها الأولى فيما بين العامين 1996 و2001، ومنهن الأكاديمية بهار جلالي (تقيم حاليًا في الولايات المتحدة) التي نشرت تغريدة تعلق فيها على صورة لسيدة ترتدي البرقع الأسود قائلة «لم ترتدي أي امرأة مثل هذا الزي في تاريخ أفغانستان. هذا غريب تمامًا وغريب على الثقافة الأفغانية»، ثم نشرت صورة شخصية لها تظهر فيها بفستان تزينه زخرفة ملوّنة، وقد ألحقت بها عبارة تقول «هذه هي الثقافة الأفغانية. أنا أرتدي الزي الأفغاني التقليدي.»

شجعت هذه التغريدة كثير من الفتيات والنساء الأفغانيات، على نشر صور لهن يرتدين فساتين ملوّنة من الأزياء الأفغانية التقليدية، وقد أرفقن بها الوسمين الذين استخدمتهما بهار وهما #لا_تلمس_ملابسي (#DoNotTouchMyClothes) و#ثقافة_أفغانستان (#AfghanistanCulture)، لتنطلق حملة واسعة تتحدى بها النساء الأفغانيات مساعي حركة طالبان لإعادة فرض النقاب كزي موحد لهن.

وفي إطار الحملة، نشرت الناشطة الحقوقية هوميرا ريزاي عبر حسابها على موقع تويتر صورة لها ترتدي فستانًا من الأزياء الخاصة بقبيلة الهزارة الأفغانية، وقد كتبت عليها «هذه ملابس هزارة جي التقليدية. لقد تم توارثها عبر الأجيال. فساتين هزارة جي الملوّنة من ثقافتي! لباس الحجاب الأسود الطويل لا يمثل كل نساء أفغانستان. لن نسمح لهم باستعمار ثقافتنا وهويتنا مرة أخرى.»

من جانبها، قالت بهار جلالي، مؤسسة الحملة، في تصريحات لموقع يورو نيوز (Euronews)، إن النساء يواجهن وضعًا مخيفًا تحت حكم طالبان، مشددةً على أن حقوقهن الإنسانية الأساسية تتعرض للهجوم.

وتأتي هذه الانتفاضة الإلكترونية بينما تواجه النساء تضييقًا على حقهن في التظاهر للمطالبة بحقوقهن، حيث فضّت عناصر حركة طالبان أكثر من مظاهرة نسائية خرجت احتجاجًا على سياسة إقصاء النساء من المجال العام التي تتبعها الحركة، آخرها مظاهرة نظمتها مجموعة من النساء في العاصمة كابول في نهاية شهر سبتمبر الماضي، وفرقها متمردو الحركة بإطلاق الرصاص في الهواء  والاعتداء على المتظاهرات. بالإضافة إلى ذلك، أعلنت طالبان حظر أي مظاهرات أو مسيرات لم يحصل منظموها على إذن مسبق من وزارتي العدل والداخلية التابعتين لها، وهو ما اعتبرته ناشطات أفغانيات محاولة لإسكات أصواتهن المحتجة.

في ضوء ذلك، وصفت مصممة الأزياء الأفغانية أنجيلا صديقي، في حوار مع منصة رابلر (Rappler) الإخبارية، ما تحاول طالبان القيام به بأنه «استئصال النساء الأفغانيات من المجتمع بشكل عام»، لافتةً إلى أنهم يسعون أيضًا إلى القضاء على الثقافة الأفغانية. وجزء من ذلك هو اللباس.

قبل أن تستولي حركة طالبان على الحكم لأول مرة في العام 1996، كان شائعًا بين النساء ارتداء الفساتين التقليدية المطرزة بالزخارف خاصة المعروف منها باسم «بيراهان» وهو فستان مصنوع من القطن والحرير وأقشمته ذات ألوان زاهية. لكن بعد وصول طالبان إلى الحكم قبل عشرين عامًا، ألزمت الحركة النساء بارتداء النقاب الذي يغطي كل الجسد، باستثناء فتحة صغيرة تكشف العينين لتمكنهن من الرؤية.

ظل النقاب إجباريًا حتى اجتاحت القوات العسكرية الأمريكية البلاد وسقطت حكومة طالبان، لينتهي بسقوطها فرض ارتداء النقاب، مما أدى إلى تخلي كثير من الفتيات والنساء عن غطاء الوجه والعباءة مكتفيات بغطاء الرأس.

ومع ذلك، لا يمكن القول بأن النساء الأفغانيات قد تمتعن خلال العشرين عامًا الماضية بالحرية الكاملة في اختيار ما يرتدين، بل كن مقيدات بالأعراف والتقاليد، فملابس النساء في أفغانستان  – كغيرها من البلدان – يستغلها المجتمع الأبوي للتحكم في أجساد النساء، والمجتمع الأفغاني مجتمع قبائلي يرتكز على الهيكل الهرمي الذي يضع الرجال في القمة ويمنحهم سلطة التحكم في كل الأمور التي تخص النساء، ومن بينها مظهرهن.