اعترافًا بتأثيرهن الكبير: مجلة «التايم» تعيد إنتاج أغلفة «شخصية العام» على مدار قرن.. وتقصرها على النساء
يحتفي العالم بشهر مارس باعتباره شهرًا لتسليط الضوء على إنجازات النساء، وقد بدأ هذا التقليد في الولايات المتحدة باسم «شهر تاريخ المرأة»، حيث أقره الكونغرس الأمريكي في العام 1987، ثم انتقلت الفكرة إلى دول أخرى، وأقرّتها بعضها بشكل رسمي، بينما تتبناها الحركات النسوية في بلدان أخرى كمبادرة يأملن في أن تعترف بها الحكومات أو أن تعلن الأمم المتحدة اعتمادها.
ويأتي اختيار مارس ليكون شهرًا للاحتفال بتاريخ النساء وإنجازاتهن، بهدف توسيع مساحة الاحتفاء بهن وبمساهماتهن، وهو ما كان ينحسر غالبًا في يومهن الدولي الذي يوافق الثامن من هذا الشهر في كل عام. وقد بات هذا الشهر فرصة لاستعادة تاريخ النساء ونشره على نطاق واسع، وتسليط الضوء على سيرهن ومعاركهن التي كثيرًا ما يتم تجاهلها. وهذا ما قررت أن تقوم به «مجلة التايم – Time Magazine» الأمريكية البالغة من العمر 97 عامًا، والتي تعد المجلة الأسبوعية الأكثر توزيعًا في العالم، ولكن بطريقة مختلفة لا تقتصر دلالتها على التقدير، وإنما تُمثّل مراجعة لموقف المجلة ومحاولة لتقديم الاعتذار عن انحيازها للرجال خلال 93 عامًا، منذ أن تبنت تقليدًا سنويًا يعرف باسم «رجل العام» الذي غيرته إلى «شخصية العام» في العام 1999. إذ اعتادت المجلة منذ العام 1927 أن تختار في نهاية كل عام شخصية (لفترة طويلة كان لا بد أن تكون شخصية ذكورية) من أي دولة من دول العالم، وتضع صورته أو صورتها على غلاف عدد خاص يحتفي بالتأثير الكبير الذي أحدثته هذه الشخصية خلال الـ12 شهرًا المنقضية.
وعلى الرغم من أن المجلة قد توقفت عن قصر هذا التقليد، الذي يترقبه سنويًا كثيرون حول العالم، على الرجال فقط قبل 21 عامًا، فإن أغلب الاختيارات اللاحقة كانت لرجال، إذ يبلغ عدد النساء الحاصلات على تسمية «شخصية العام» حتى العام 2016، سبع سيدات فقط.
اعترفت «مجلة التايم –Time Magazine» مؤخرًا بهذا الأمر وأقرت بوجود مشكلة في اختياراتها، وفي محاولة منها لإعادة الحق لمجموعة من النساء اللاتي كن جديرات بالاختيار في سنوات سابقة، أعلنت عن مشروع بعنوان «مئة امرأة لهذا العام»، يشمل إعادة إنتاج أغلفة «شخصية العام» خلال قرن من الزمان يبدأ مع العام 1920، بما يعني إنتاج عدد أكبر من العدد الفعلي للأغلفة الأصلية التي بدأ إصدارها في العام 1927.
وتقول إدارة تحرير المجلة الأشهر عالميًا في إعلانها عن المشروع (والمنشور في الخامس من مارس الجاري)، إنها تسعى من خلاله إلى تسليط الضوء على النساء المؤثرات اللاتي يتم تجاهل إنجازاتهن في أغلب الأحيان.
ومن أجل الوصول إلى قائمة نهائية وتحديد أي عام من المئة لكل شخصية، شرعت «مجلة التايم – Time Magazine» في عملية الاختيار قبل شهور، وقد بلغت الترشيحات الأولية 600 ترشيحًا لنساء من مختلف دول العالم، منهن من لا يزال حيًا وأخريات رحلن منذ سنوات. وبعد إتمام عملية الاختيار، صممت المجلة 89 غلافًا جديدًا للنساء اللاتي تم تحديدهن في نهاية العملية، بينما أبقت على 11 غلافًا من أغلفة «شخصية العام» التي صدرت في سنوات سابقة، مزينةً بصور سيدات حظين بالاختيار كأكثر الشخصيات تأثيرًا في تلك الأعوام، وآخرها غلاف نهاية العام 2019 الذي برزت عليه صورة الناشطة السويدية غريتا غوتنبرغ (17 عامًا)، التي أضحت مؤخرًا واحدة من أبرز الناشطين في مجال حماية البيئة ومواجهة التغيّر المناخي.
وفي نص الإعلان عن المشروع، يقول فريق «مجلة التايم – Time Magazine»: لقد أثارت عملية الاختيار أسئلة كثيرة وإجابات بالقدر نفسه، ومنها: ما معنى أن تكونين امرأة؟ وكيف أخفق المجتمع في الاعتراف بمساهمات النساء؟
وفي كلمتها عن «مشروع مئة امرأة لهذا العام»، تقول نانسي جيبس رئيسة التحرير السابقة لـ«مجلة التايم –Time Magazine» إن «النساء اللاتي تم إبرازهن هنا، استطعن توسيع عالمهن واكتشاف عوالم جديدة، تحررن من العقيدة والقيود.»
وتتابع «ولذلك فإن هذا المشروع المميز هو عبارة عن اكتشاف وإعادة اكتشاف للاحتمالات، التي تأتي عندما ننظر ونستمع بشكل مختلف إلى العالم، الذي صنعته هؤلاء النساء.»
في صفحة خصصتها المجلة عبر موقعها الإلكترونية، يمكن الوصول إلى قائمة لمئة امرأة مؤثرة فيما بين العامين 1920 و2019، وتتابع الأغلفة في عشرة صفوف، وبالنقر على كل غلاف، تظهر صورته بحجم أكبر مرفقة بنبذة عن الشخصية النسائية، تركز على أبرز المحطات في مسيرتها، وبالأخص تلك التي اختيرت بسببها وحددت المجلة على إثرها عامًا بعينه، لتكون هذه السيدة أو الفتاة شخصيته.
نوال السعداوي.. المصرية الوحيدة في القائمة
اختارت «مجلة التايم –Time Magazine» أن تكون شخصية العام 1981، الناشطة والكاتبة النسوية المصرية نوال السعداوي (88 عامًا)، وهو العام الذي شهد تعرضها للاعتقال نتيجة انتقاداتها اللاذعة للنظام الحاكم وقتذاك، وذلك ضمن ما عُرِف على نطاق واسع محليًا ودوليًا باسم «اعتقالات سبتمبر». وتلفت المجلة إلى قوة السعداوي في مواجهة هذا القمع، التي تمثلّت في الكتابة على أوراق المناديل باستخدام قلم كحل، حيث سجلت تجربتها داخل السجن. وقد تحوّلت هذه النصوص إلى كتاب بعنوان «مذكرات في سجن النساء»، صدر في العام 1983، ويعد حتى الآن من أشهر منتجات أدب السجون في العالم.
كما تشير المجلة في النبذة المصاحبة للغلاف الخاص بالسعداوي، إلى كتابها «المرأة والجنس» الذي نشر في العام 1974، معتبرةً أنه قد عزز صورتها كامرأة شجاعة خاصة في التعليق على وضع حقوق النساء في مصر.
كما تصف التايم الأمريكية أعمال نوال السعداوي بـ«الأساس الذي شكّل الخطاب المتعلق بتحرير المرأة في العالم العربي.»
إعادة الحق لهن: أغلفة للنسويات الأوليات في سنوات إنجازاتهن الكبرى
كما أشرنا سابقًا، كانت «مجلة التايم –Time Magazine» تختار سنويًا «رجل العام» فيما بين العامين 1927 و1999، وبالتالي فقد أغفلت المجلة إنجازات النساء طوال هذه السنوات، أو بالأحرى لم تكن تكترث إليها أو تجدها توازي في أهميتها ما ينجزه الرجال، ولذلك لم تعترف بالتأثير الكبير للفيلسوفة والمفكرّة النسوية الفرنسية سيمون دي بوفوار (1908- 1968) سواء خلال حياتها أو وبعد وفاتها.
دي بوفوار هي صاحبة كتاب «الجنس الآخر – Second Sex» الذي يعد محركًا للموجة النسوية الثانية في العالم الغربي، وما فتئ مرجعًا أساسيًا للحركات النسوية حول العالم.
تناولت دي بوفوار في كتابها عددًا من القضايا الجدلية وحللتها، ومنها تحوّل المجتمع الإنساني من كونه أموميًا إلى مجتمع ذكوري، مما أدى إلى سيطرة مطلقة للرجل على المرأة، فأضحت مجرد تابع وملكية خاصة له. كما يعد هذا الكتاب بذرة نبتت عنها نظرية النوع الاجتماعي (الجندر)، إذ عمدت سيمون دي بوفوار في أحد فصوله إلى التمييز بين مفهومي الجنس والنوع، وكان أكثر ما رسخ في الأذهان من كتابتها في هذا الشأن هو قولها «إن المرأة لا تولد امرأة .. بل تصبح كذلك.»
وفي مشروع «مئة امرأة لهذا العام»، تعيد المجلة الحق إلى دي بوفوار وتختارها شخصية العام 1949، وهو العام الذي صدر فيه كتابها «الجنس الآخر – Second Sex». وتشير المجلة في النبذة المرافقة للغلاف إلى حربها ضد تجريم الإجهاض في فرنسا، وإلى جرأتها عندما أقدمت على التوقيع مع 342 امرأة أخرى، على خطاب عرف باسم «بيان 343»، طالبت فيه ناشطات وكاتبات وصانعات أفلام وممثلات ومطربات، بالاعتراف بالإجهاض قانونيًا وتمكين النساء الفرنسيات من الوصول إلى وسائل منع الحمل من دون قيود. وقد نُشِر هذا البيان التاريخي في مجلة «لو نوفيل أوبسرفاتور-Le Nouvel Observateur»، في الخامس من إبريل في العام 1971.
وتظهر فيرجينيا وولف الأديبة والكاتبة النسوية الإنجليزية (1882- 1941) في قائمة المئة، بعد أن غابت طوال حياتها الثرية عن أغلفة «شخصية العام»، وتضع المجلة صورتها على غلاف– مصمم بشكل رجعي – للعام 1928، وهو العام الذي ألقت خلاله محاضرتين في جامعة كامبريدج البريطانية. وكانت الأفكار التي طرحتها في هاتين المحاضرتين عماد مقالتها المطولة «غرفة تخص المرء وحده» التي نشرتها في العام 1929، وناقشت فيها الظلم والتهميش الذي تتعرض له الأديبات، والمعوّقات التي يخلقها المجتمع الأبوي لتظل الساحة الأدبية في قبضة الرجال. وتظل واحدة من أشهر الجمل الواردة في هذه المقالة هي «يجب أن تمتلك المرأة غرفة ومالًا، إذا أرادت أن تصبح أديبة.»
علاوة على ذلك، تتضمن القائمة شخصيات لم يتوقف التاريخ أمامها كثيرًا ولم يعطها حقها من التأريخ، مثل ملكة أفغانستان ثريا الطرزي (1899 – 1968) التي سعت في العشرينيات إلى منع تعدد الزوجات، وكانت ترفض ارتداء الحجاب في الأماكن العامة ونادت بالتحرر منه، فضلًا عن إيمانها بأحقية الفتيات في التعليم مثل الذكور، ودفاعها عن هذا الحق قولًا وفعلًا، ولذلك أسست أول مدرسة للفتيات في أفغانستان.
وقد اختارت المجلة ثريا الطرزي لتكون شخصية العام 1927، وهو العام الذي أصدرت فيه أول مجلة نسائية في بلادها، التي حملت اسم «إرشاد النسوان- Ershad-I-Niswan».
أغلفة تعترف بقوتهن في كسر احتكار الذكور لمواقع «السلطة»
تبرز على بعض الأغلفة صور نساء كن أول من يكسر احتكار الرجال للمناصب القيادية ومواقع السلطة كـ«رئاسة الدول» و«رئاسة الحكومات»، حيث تضم القائمة إلين جونسون سيرليف، أول امرأة تتولى الرئاسة عبر انتخابات شعبية في القارة الإفريقية، وقد توّلت زمام الحكم في ليبيريا فيما بين العامين 2006 و2018، وقد اختارتها المجلة شخصية للعام الذي أضحت فيه رئيسة لبلادها.
كما خصصت المجلة غلافًا لرئيسة الوزراء البريطانية السابقة، مارجريت تاتشر التي كانت أول امرأة تشغل هذا المنصب في بلادها في العام 1979 واستمرت على رأسه حتى العام 1990، إلا أن المجلة لم تختر تاتشر لتكون شخصية العام الذي تولت فيه هذا المنصب، وإنما اختارت العام 1982 الذي سجل انتصار بريطانيا في حرب الفوكلاند بين الأرجنتين والمملكة المتحدة، بعد نجاح الحملة العسكرية التي قادتها تاتشر ضد الأرجنتين، حيث أرغمت الأخيرة على الانسحاب من جزر الفوكلاند التي تقع تحت السيادة البريطانية، وذلك بعد أن قامت القوات العسكرية الأرجنتينية بعملية اجتياح للجزر. وكانت هذه الحرب سببًا في رفع شعبية تاتشر وفوزها برئاسة الوزراء للمرة الثانية في العام 1983.
تضم قائمة المئة أيضًا الفنانة المكسيكية فريدا كاهلو، والناشطة الباكستانية والمدافعة عن حق الفتيات في التعليم ملالا يوسفزي، والممثلة الأمريكية مارلين مونورو، ورئيسة الوزراء الهندية السابقة أنديرا غاندي، وعالمة الكيمياء الصينية تو يويو التي توصَّلت إلى دواء فعّال لعلاج مرض الملاريا، والمرشحة السابقة لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية هيلاري كلينتون، والصحافية والناشطة النسوية غلوريا ستاينم التي تعد رمزًا من رموز الموجة النسوية الثانية في الولايات المتحدة، وكانت إحدى مؤسسات المجلة النسوية الأمريكية Ms. Magazine.