كتبت: شهد مصطفى

عندما انطلقت حركة #MeToo (أنا أيضًا) في أكتوبر من العام 2017، والتي امتد تأثيرها خارج الولايات المتحدة، كان هدفها الرئيس هو تمكين الناجيات من رفع أصواتهن والكشف عن ما تعرضن له من انتهاكات، لتحريك التضامن فيما بينهن من ناحية، ولفضح المعتدين والإيقاع بهم من ناحية أخرى. لكن بمرور الوقت، تطوّرت أهدافها فباتت تسعى إلى خلق بيئة آمنة للنساء الأمريكيات في أماكن العمل، يتمتعن فيها بالحماية من العنف والابتزاز الجنسي.

كما أفرزت #MeToo حركة أخرى وهي «Time’s Up- انتهى الوقت» التي أطلقتها مجموعة من العاملات بمجال صناعة الأفلام في هوليوود، في يناير من العام 2018، بهدف تعديل القوانين القائمة وأنظمة العمل، وتعزيز فرص التدريب والحماية داخل أماكن العمل، والدفع باتجاه تمكين مزيد من النساء من الوصول إلى المواقع القيادية التي يهيمن عليها الرجال.

ما زالت البداية: هوليوود تغير القواعد إذعانًا للحِراك

تسعى الحركتان إلى القضاء على النزعة الذكورية التي تسيطر على صناعة السينما الأمريكية، ويتبدى تأثيرهما في عدد من الإجراءات التي تتخذها كيانات كبرى ومؤثرة خلال الفترة الأخيرة، ومنها الاتحاد الأمريكي لفناني التليفزيون والإذاعة الذي أعلن عن حزمة من الإرشادات لشركات الإنتاج، كان من بينها: تعيين منسقين بين أبطال العمل (Intimacy coordinators)، وظيفتهم هي ضمان تنفيذ المشاهد الحميمة والجنسية وفق ضوابط تضمن حماية الممثلات من الشعور بالاستغلال، وتحول دون إرغامهن من قبل المخرج أو المنتج أو الممثل المشارك في المشهد، على القيام بأفعال لا يردن القيام بها أو على القبول بأمور لا يشعرن بالراحة إزائها.

 وكانت شركات مثل HBO وNetflix وApple قد أعلنت منذ شهور، عن تعيين منسقين للمشاهد الحميمة، في ضوء تزايد المطالبة بوجود من يقومون بهذه المهمة.

كما يظهر تأثير الحركتين أيضًا في تتابع إنتاج أفلام ومسلسلات تتناول قصص الناجيات من العنف الجنسي في أماكن العمل، خاصة اللاتي يعملن في مجال الإعلام، مثل: مسلسل «البرنامج الصباحي – The Morning Show» الذي صدر في نوفمبر الماضي، وفيلم «قنبلة – Bombshell» الذي صدر في ديسمبر الماضي (في العام 2019).

أما على صعيد تمكين النساء في مجال صناعة الدراما الأمريكية عمومًا وليس السينما فحسب، فقد أطلقت حركة «Time’s Up» ومبادرة أننبرغ للشمول، في يناير من العام 2019، حملة تحمل اسم «تحدي الـ4%»، ترمي إلى الضغط على أعضاء صناعة السينما الأمريكية، حتى يتعهد الأفراد وشركات الإنتاج السينمائي، بأن يتعاونوا مع مخرجات خلال الأشهر الـ18 المقبلة.

وتأتي هذه الحملة كمحاولة لتصحيح الوضع القائم وإيقاف إقصاء المخرجات، الذي تؤكده أحدث دراسات مدرسة أننبرغ للاتصال والصحافة. إذ كشفت الدراسة أن نسبة الأفلام التي حصدت أعلى الإيرادات فيما بين العامين 2007 و2018، وكانت من إخراج نساء لم تتجاوز الـ4 في المئة.

وقد حصلت حملة «تحدي الـ4%» على تعهدات من عدد من شركات الإنتاج الكبرى في مجال صناعة الأفلام، مثل: يونيفرسال (Universal)، ومترو غولدوين ماير (MGM)، وباراماونت بيكتشرز (Paramount)، ووارنر برذرز (Warner Bros).

المفاجأة في هذا الصدد، هي شركة «ديزني- Disney» التي تعد واحدة من أكثر شركات الإنتاج السينمائي مقاومةً للتعاون مع المخرجات، إذ أنها لم تستجب فقط لطلب الحملة بإنتاج «فيلم من إخراج امرأة خلال الـ18 شهرًا المقبلة»، وإنما أعلنت عن شيء أكبر.

بعد عقود من التغييب.. «ديزني» تتباهى بزيادة أفلام «المخرجات»

في الـ31 من يناير الماضي، غرد بوب إيغر، الرئيس التنفيذي لـ«ديزني- Disney»، معلنًا إن 40 في المئة من قائمة الأفلام المقبلة للشركة ستكون من إخراج نساء.

وقد كتب في تغريدته «لقد تواصل معنا كثيرون، من أجل قبول تحدي الـ4 في المئة، لكنني فخور بأن أعلن أن 40 في المئة، من قائمة الأفلام المقبلة لــ«Disney Studios»، ستكون من إخراج نساء، ونحن نسعى جاهدين لأكثر من ذلك.»

حتى العام 2013، لم تكن «ديزني» قد تعاونت مع أي مخرجة لإخراج فيلم من أفلام الرسوم المتحركة ذات التكلفة العالية، إلى أن شاركت جينيز لي في إخراج فيلم «ملكة الثلج –Frozen» مع المخرج كريس بك، مثلما تعاونا معًا في كتابته. وقد أضحت لي بسبب إيرادات هذا الفيلم التي تخطّت حاجز المليار دولار على المستوى العالمي، أول مخرجة تحقق هذا الإنجاز في تاريخ السينما العالمية.

في العام نفسه، صدر لـ«ديزني-Disney» أول فيلم رسوم متحركة من إخراج امرأة منفردة من دون شريك، وهو الفيلم القصير «إحصل على حصان- Get A Horse» الذي يستعيد شخصية ميكي ماوس، وقد قامت بإخراجه لورين ماكمولين.

وفي إطار أفلام الأكشن الحي التي تنتجها «ديزني-Disney»، كان أول فيلم تخرجه امرأة هو «شائبة في الزمن – A Wrinkle in Time»، الذي أخرجته الأمريكية آفا دوفيرناي وصدر في فبراير من العام 2018، وتستعد  الشركة لطرح ثاني فيلم أكشن حي من إخراج امرأة في شهر مارس الجاري، وهو «مولان» للمخرجة النيوزيلندية نيكي كارو.

استجابة «ديزني» للمطالبات النسوية بتمكين المخرجات، وإفساح المجال لهن للمنافسة مع نظرائهن الذكور، تبعها خطوة أخرى لا تبدو بعيدةً عن حركة #MeToo، وما أحدثته من هزة في السينما الأمريكية.

لمعالجة الخلل: حذف الشخصية الذكورية الرئيسة في «مولان»

في فبراير الماضي، وقبل طرح فيلم «مولان» في نسخته الواقعية بدور العرض السينمائي، أعلنت شركة «ديزني -Disney» أنها قد حذفت الشخصية الذكورية الرئيسة في الفيلم الأصلي (فيلم الرسوم المتحركة الصادر في العام 1998)، وهي شخصية لي شانغ، قائد إحدى وحدات الجيش الصيني والقائد المباشر لمولان، وبذلك تكون هذه هي المرة الأولى التي تُسقِط فيها «ديزني» شخصية «الأمير» التي تعتبر أساسية في لائحة شخصياتها، منذ أن أصدرت فيلمها الأول «سنووايت والأقزام السبعة – Snow White  and the Seven Dwarfs» في العام 1937.

صدر فيلم الرسوم المتحركة «مولان – Mulan» في يونيو من العام 1998، وقد استوحت «ديزني» قصته من أسطورة صينية، بطلتها فتاة تتمرد على القالب النمطي للأنثى، وترفض أن يقتصر دورها على أن تكون زوجة وربة منزل، وعندما تدخل الصين في حرب مع الغزاة، وتصبح كل أسرة في البلاد مُلزمة بإرسال رجل منها للانضمام إلى الجيش، تقرر مولان أن تتخفى في شخصية رجل وتلتحق بالجيش، حتى تبعد عن والدها المُسن مشاق الحرب.

وخلال فترة تجنيدها، تقع مولان في حب قائدها لي شانغ الذي تنقذه من الموت المُحتّم مرتين. وبعد انجلاء هويتها يبدأ لي شانغ مبادلتها مشاعر الحب، وتنتهي القصة بعودتها إلى أسرتها بعد أن تنقذ الإمبراطور وبلادها من الأعداء، ليلحق بها شانغ فتدعوه إلى تناول العشاء، بينما تدعوه جدتها للبقاء مع حفيدتها للأبد.

وقد أفادت «ديزني» على لسان المنتج جايسون ريد أن سبب الاستغناء عن هذه الشخصية هو حركة #MeToo، إذ قال في تصريحات للموقع الفني «Collider»، إنه يعتقد أن وجود شخصية قائد بالجيش (البطلة تحت قيادته) وفي الوقت نفسه تجمعه بها علاقة حب، ليس أمرًا مريحًا بالأخص في عصر #MeToo.

لقد ذاعت حركة #MeToo في أعقاب نشر شهادات لعدد من العاملات بمجال صناعة الأفلام في هوليوود، تعرّضن لاعتداءات جنسية على يد المنتج الأمريكي الشهير هارفي واينستين، الذي استغل مكانته في هذا المجال ووجوده في موقع سلطة، مما فتح نقاشًا جادًا حول العلاقات بين الرؤساء والمرؤوسات التي قد تبدو في ظاهرها رضائية، نتيجة خوفهن من الإعلان عن الاستغلال والابتزاز، وركونهن إلى الصمت حتى يحمين أنفسهن من الانتقام الذي قد يأتي في صورة طرد من العمل أو تشهير بهن؛ ولذلك رأت «ديزني» أن علاقة مولان ولي شانغ قد تسوّغ هذا النوع من العلاقات، ففضلت تنحية الشخصية.

قبل #MeToo.. كيف ألقى الحِراك النسوي بظلاله على «ديزني»؟

ما فعلته «ديزني» في فيلم «مولان» لمواكبة التغييرات التي يفرضها الحِراك النسوي، تعود جذوره إلى منتصف التسعينيات في القرن الماضي بالتزامن مع صعود الموجة النسوية الثالثة في الولايات المتحدة، إذ حاولت الشركة العملاقة أن تقدم أفلام رسوم متحركة تتصدرها شخصيات نسائية تتسم بالقوة والشجاعة والانطلاق، وتبدو أكثر تحررًا من سابقاتها، وكان منها: مولان في الفيلم الذي يحمل اسم الشخصية والصادر في العام 1998، وبوكاهانتس في الفيلم الذي يحمل أيضًا اسم الشخصية والصادر في العام 1995، وإيزميرلدا في فيلم «أحدب نوتردام» الصادر في العام 1994، وتيانا في فيلم «الأميرة والضفدع» الصادر في العام 2009، إلا أنها احتفظت في أغلب أفلامها بثلاثية الأميرة والأمير والنهاية السعيدة التي تجمعهما، إلى أن تجاوزت هذه الإشكالية نسبيًا في فيلم «ملك الثلج» الصادر في العام 2012، فيما بدا استجابة للموجة النسوية الرابعة التي يرجح كثيرون انطلاقها مع بداية العقد الثاني من الألفية الجديدة.

ورغم كل ما سبق، فإنه لا يمكن القول بأن «ديزني» انحازت طواعيةً أو كليًا إلى النساء ونضالهن. لكن هذه الخطوات التي تتخذها واحدة تلو الأخرى، تمثل تعديلًا في مسارها الذي كان يمضي باتجاه ترسيخ التصوّرات النمطية عن الفتيات والنساء لسنوات طويلة.