كتبت: شهد مصطفى

تنطلق سنويًا «الـ16 يومًا الدولية من النضال ضد العنف القائم على النوع الاجتماعي»، في الـ25 من نوفمبر بالتزامن مع اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة، وتستمر حتى الـ10 من ديسمبر الذي يُصادف اليوم العالمي لحقوق الإنسان.

هذه الحملة الدولية التي بدأت في العام 1991، تستهدف نشر الوعي بشأن ظواهر العنف ضد النساء، وحشد الجهود من أجل التغيير والقضاء على شتى أشكال العنف القائم على النوع. كما يأتي بين أهدافها الرئيسة، دفع المجتمع المدني والحكومات إلى اتخاذ حلول جديدة ومبتكرة، لمعالجة الأزمات طويلة العمر التي تضع النساء والفتيات في خطر يدوم طوال حياتهن.

في هذا الإطار ننشر سلسلة من حلقتين ننظر فيهما من زوايا مختلفة، على عدد من ظواهر العنف التي تنتهك الحقوق الأساسية والأصيلة للفتيات والنساء المصريات. وهذه هي الحلقة الثانية التي نتعرض فيها إلى: الاغتصاب – التمييز بين الجنسين في الأجور – جرائم القتل بزعم الدفاع عن الشرف

الاغتصاب

الاغتصاب هو أحد أشكال العنف الجنسي، ويُعرّف بأنه ممارسة الجنس مع شخص رغمًا عنه، عن طريق إيلاج جزء من الجسم أو أداة إما في المهبل وإما في فتحة الشرج وإما في الفم.

ويأتي بين التعريفات الأكثر شمولًا لجريمة الاغتصاب، التعريف الذي أقرته وزارة العدل الأمريكية في العام 2012، والذي ينص على أن الاغتصاب هو «إدخال بالإكراه لجزء من الجسم في المهبل أو الشرج، أو إدخال العضو الجنسي لشخص ما في فم شخص آخر بالإكراه»، ويعد هذا النص تعديلًا لنص سابق كان يُقصِر الاغتصاب على إدخال القضيب في العضو التناسلي الأنثوي من دون موافقة المرأة.

لفظيًا: الوصف الأدق لهذه الجرائم هو «الاغتصاب»، ولا يجوز وصفها بـ«الاعتداء الجنسي»، لأن الأخير يستخدم لوصف طيف أوسع من الجرائم ذات الطبيعة الجنسية، بدءًا من اللمس ثم التقبيل عنوةً، وإجبار الناجية أو الناجي على لمس الجاني بطريقة جنسية، وصولًا إلى الاغتصاب.

الأرقام: لا تتوفر إحصاءات متجددة حول جرائم الاغتصاب في مصر، وتعد أحدث الدراسات المرتبطة بهذا الشأن هي الصادرة عن المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية في العام 2016، والتي كشفت أن مصر تشهد سنويًا وقوع 20 ألف جريمة اغتصاب وتحرش جنسي، بما يوازي وقوع جريمة كل ساعتين.

كما أفادت الدراسة بأن 98.2 في المئة من جرائم الاغتصاب أو الشروع فيها بالإضافة إلى جرائم التحرش الجنسي لا يتم الإبلاغ عنها، وذلك بسبب خوف الناجيات من الوصم الاجتماعي بالدرجة الأولى، ثم خوفهن من الجناة.

المعاهدات والاتفاقيات الدولية: اتفاقية مجلس أوروبا للوقاية من العنف ضد النساء والعنف المنزلي ومكافحتهما (المعروفة باسم: اتفاقية إسطنبول)

تنص المادة رقم (36) التي تختص بالعنف الجنسي بما فيه الاغتصاب، في الفقرة رقم (1) منها على: تتخذ الأطراف التدابير التشريعية أو غيرها من التدابير الضرورية، لتجريم ما يلي، إذا ارتُكِب عمدًا:

(أ) الإيلاج المهبلي أو الشرجي أو الفموي، غير الرضائي، ذو الطبيعة الجنسية، في جسم الغير، وبواسطة أي جزء من الجسم أو بواسطة أداة.

(ب) سائر الأفعال الأخرى ذات الطابع الجنسي الممارسة بشكل غير رضائي على الغير

(ج)  إكراه الغير على ممارسة أفعال غير رضائية ذات طابع جنسي مع شخص آخر.

وتنص الفقرة رقم (3) من المادة نفسها على: تتخذ الأطراف التدابير التشريعية، أو غيرها من التدابير الضرورية، لضمان تطبيق بنود الفقرة (1) أيضًا على الأعمال المرتكبة ضد الأزواج والعشران السابقين أو الحاليين، وذلك وفقًا للقوانين الداخلية.

جدير بالذكر أن التوقيع والتصديق على اتفاقية إسطنبول لا يقتصر على الدول الـ47 الأعضاء بمجلس أوروبا، بل هو مفتوح أمام دول شمال وجنوب البحر الأبيض المتوسط. ومع ذلك، لم توّقع مصر عليها حتى الآن.

قانونيًا: تنص المادة رقم (267) من قانون العقوبات المصري على أن «من واقع أنثى بغير رضاها يُعاقب بالسجن المشدد، فإذا كان الفاعل من أصول المجني عليها أو من المتولين تربيتها أو ملاحظتها أو ممن لهم سلطة عليها أو كان خادمًا بالأجرة عندها أو عند من تقدم ذكرهم يعاقب بالسجن المؤبد.»

وتنص المادة رقم (269) على «كل من هتك عرض صبي أو صبية لم يبلغ سن كل منهما 18 سنة ميلادية كاملة بغير قوة أو تهديد يُعاقب بالسجن، وإذا كان سنه لم يجاوز 12 سنة ميلادية كاملة أو كان من وقعت منه الجريمة ممن نُص عليهم في الفقرة الثانية من المادة (267) تكون العقوبة السجن المشدد مدة لا تقل عن 7 سنوات.»

ويُعرّف القانون المصري «هتك العرض» بأنه أي تعدٍ منافٍ للآداب يقع مباشرة على جسم شخص آخر أو أي إخلال عمدي وعلى نحو جسيم بحياء هذا الشخص، عن طريق فعل يقع ويمس فى الغالب عورة فيه ويقع بالقوة أو التهديد.

الإشكاليات القانونية: تحدد المادة رقم (267) الاغتصاب بإيلاج العضو الذكري في العضو الأُنثوي، وهو تعريف شديد القصور لا يعترف بالاغتصاب الشرجي أو الفموي، إذ لا يشمل التعريف إدخال القضيب في الشرج، أو استخدام أدوات وأشياء مادية في الإيلاج، أو إدخال العضو الذكري في الفم بالقوة.

كما يأتي استخدام المُشرّع لمصطلح «هتك العرض» في المادة رقم (269) – رغم أن تعريفه المحدد في القانون هو الخاص بجرائم «الاعتداء الجنسي» – ليرسخ للتنميط المرتبط بجرائم العنف الجنسي التي عادةً ما يتم لصقها بكلمات مثل «العرض» و«الشرف»، بما يثبت القيم الذكورية ويعزز من التعامل مع أجساد الستات، باعتبارها ملكًا للأسرة والعائلة.

تُمثّل المادة رقم (17) من قانون العقوبات المصري عائقًا أمام تحقيق العدالة للناجيات، وهي المادة التي تعطي للقضاة حق استعمال الرأفة في أقصى درجاتها وتُمكّنهم من النزول بالعقوبة المقررة درجتين، فيصبح بالإمكان النزول بعقوبة الإعدام إلى السجن المؤبد أو المشدد، أو بعقوبة السجن المؤبد إلى السجن المشدد أو السجن، أو تخفيف عقوبة السجن المشدد إلى السجن أو الحبس الذي لا يجوز أن ينقص عن ستة شهور، وبموجب المادة نفسها قد تتحول عقوبة السجن إلى الحبس الذي لا يجوز أن ينقص عن ثلاثة أشهر.

علاوة على ذلك، لا يعترف القانون المصري بـ «الاغتصاب الزوجي» رغم أنه يندرج ضمن أشكال العنف المنزلي وفق العديد من التعريفات والاتفاقيات الدولية (ومنها اتفاقية إسطنبول، في مادتها رقم (36) المشار إليها سلفًا). ويُعرّف الاغتصاب الزوجي بأنه إرغام أحد الزوجين للآخر على ممارسة الجنس، وتكفي عدم الموافقة لاعتباره اغتصابًا حتى إن لم يقع اعتداء جسدي.

التمييز بين الجنسين في الأجور

يُعرّف التمييز في الأجور على أساس النوع الاجتماعي بأنه فجوة بين متوسط الدخل للموظفين الرجال عن النساء، حيث يحصل العاملون على رواتب أكبر من رواتب العاملات، رغم أنهم يقومون بالأعمال نفسها وبالكفاءة ذاتها. وبحسب أحدث تقارير منظمة العمل الدولية، فإن الفجوة في الأجور بين الجنسين تبلغ 20 في المئة في المتوسط على الصعيد العالمي.

لفظيًا: يوّصف هذا الشكل من التمييز بين الجنسين، إما بالفجوة في الأجور بين الجنسين أو التمييز في الأجور على أساس النوع الاجتماعي.

الأرقام: كشفت بيانات المؤشر العالمي للفجوة بين الجنسين، الخاصة بالعام 2018، أن النساء المصريات يتقاضين أجورًا شهريًا أقل من نظرائهن الرجال بنسبة تصل إلى 32 في المئة. وبحسب بيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، هناك تفاوتًا بين متوسط الأجر النقدي الأسبوعي، يبلغ نحو 12.9 في المئة، إذ يبلغ متوسط الأجور للإناث فى مصر 850 جنيه أسبوعيًا، بينما يبلغ متوسط الأجور للذكور في مصر 960 جنيه أسبوعيًا.

المعاهدات والاتفاقيات الدولية: الاتفاقية رقم 100 الخاصة بمساواة العمال والعاملات في الأجر لدى تساوي قيمة العمل (المعروفة باسم: اتفاقية المساواة في الأجور بين الجنسين)

تنص الفقرة (ب) من المادة رقم (1) على: تشير عبارة «مساواة العمال والعاملات في الأجر لدى تساوي قيمة العمل» إلى معدلات الأجور المحددة، دون تمييز بسبب اختلاف الجنس.

بالإضافة إلى ذلك، تنص اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (CEDAW)، في مادتها رقم (11) وتحديدًا الفقرة (د) على: الحق في المساواة في الأجر، بما في ذلك الاستحقاقات، والحق في المساواة في المعاملة فيما يتعلق بالعمل ذي القيمة المساوية، وكذلك المساواة في المعاملة في تقييم نوعية العمل.

قانونيًا: ينص قانون العمل المصري في مادته رقم (35) على «يحظر التمييز فى الأجور بسبب اختلاف الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة.»

بينما تنص المادة رقم (247) على «يعاقب صاحب العمل أو من يمثله عن المنشأة بغرامة لا تقل عن مئة جنيه ولا تجاوز خمسمئة جنيه، إذا خالف أيًا من أحكام المواد (33، 35، 37، 38، 40، …..) من هذا القانون والقرارات الوزارية المنفذة له.»

الإشكاليات القانونية: تبدو العقوبة التي نصت عليها المادة رقم (247) في حالة عدم التزام أصحاب الأعمال بتطبيق المساواة في الأجور بين الجنسين، غير رادعة لأنها اقتصرت على الغرامة، فضلًا عن ضآلة قيمتها المالية.

كما تضم المادة رقم (1) من قانون العمل المصري عددًا من التعريفات الخاصة بالأجر وملحقاته، وقد نصت في متنها على أن «الأجر هو كل ما يحصل عليه العامل لقاء عمله ثابتًا كان أو متغيرًا، نقدًا  أو عينًا.»

وقد اعتبرت المادة العمولة جزءًا من الأجر، بالإضافة إلى العلاوات والمزايا العينية التي يلتزم بها أصحاب الأعمال، إلى جانب المنح والبدلات التي تُعطى علاوة على الأجر.

هذا الاتساع في تعريف الأجور يفتح الباب أمام التفرقة في الأجور، حيث يوّقع العاملات والعاملون على عقود عمل بأجر أساسي متساوٍ، إلا أن المزايا النقدية كالبدلات والعلاوات والعمولات، غالبًا ما يستغلها أصحاب الأعمال للتمييز في الأجور.

جرائم بدعوى الدفاع عن الشرف (القتل بزعم الدفاع عن الشرف)

وفقًا لـمنظمة هيومن رايتس ووتش، فإن الجرائم التي تتم بزعم الدفاع عن ما يسمى «الشرف» هي أعمال عنف وعادةً ما تكون جرائم قتل يرتكبها ذكور بحق إناث تربطهم علاقات عائلية، ويستهدف القتل النساء اللاتي يظن ذويهم أنهن جلبن العار لعائلاتهن. هذا العار يتمثل في إقامة علاقات عاطفية من دون علم العائلة، أو الدخول في علاقات جنسية خارج منظومة الزواج التقليدية، وقد يكون تعرض المرأة للاغتصاب أو الهروب من زوج مُعنّف مصدر عار من وجهة نظر أفراد العائلة.

لفظيًا: لا يجوز وصف هذه الجرائم بـ«جرائم الشرف» أو «جرائم الدفاع عن الشرف»، لأن مفهوم «الشرف» في ثقافة المجتمع الذكوري ينحصر في جسد الأنثى، الذي يتعامل معه الرجل والعائلة باعتباره ملكية خاصة لهم، بينما لا تملكه المرأة ولا سلطة لها عليه.

الأرقام: بحسب استطلاع أصدرته مؤسسة تومسون رويترز، في العام 2013، فقد جاءت مصر في ذيل قائمة الدول العربية، فيما يتعلق بوضع النساء نظرًا لارتفاع معدلات جرائم العنف ضدهن، بما فيها جرائم العنف الأسري، ومنها جرائم القتل العمد.

ووفقًا لدراسة أعدّها المركز القومي للبحوث الاجتماعية في العام 2015، فإن 70 في المئة، من الجرائم المرتكبة بزعم الدفاع عن الشرف في مصر، اعتمد مرتكبوها على الشائعات، وهمسات الجيران والأصدقاء بشأن سلوك المجني عليها، وأوضحت الدراسة نفسها أن تحريات المباحث في 60 في المئة من هذه الجرائم أكدت سوء ظن الجاني، وعدم صحة المزاعم المحيطة بسلوك الفتيات والنساء اللاتي قُتِلن.

المعاهدات والاتفاقيات الدولية: إعلان الأمم المتحدة لعام 1993 بشأن القضاء على العنف ضد المرأة

تنص المادة رقم (4) على: ينبغي للدول أن تدين العنف ضد المرأة وألاّ تتذرع بأي عرف أو تقليد أو اعتبارات دينية بالتنصل من التزامها بالقضاء عليه،. وينبغي لها أن تتبع بكل الوسائل الممكنة ودون تأخير، سياسة تستهدف القضاء على العنف ضد المرأة.

كما تنص الفقرة (و) من المادة نفسها على: أن تصوغ  الدول على نحو شامل، النهج الوقائي وكل التدابير القانونية والسياسية والإدارية والثقافية، التي تعزز حماية المرأة من جميع أشكال العنف وتكفل أن لا يتكرر إيذاء المرأة بسبب وجود قوانين وممارسات إنقاذية وأشكال تدّخُل أخرى لا تراعي نوع الجنس.

قانونيًا: تنص المادة رقم (237) من قانون العقوبات المصري على أن «من فاجأ زوجته حال تلبسها بالزنا وقتلها في الحال هى ومن يزني بها، يعاقب بالحبس بدلًا من العقوبات المقررة فى المادتين 234 و236.»

كما تنص المادة رقم (274) من قانون العقوبات على أن «المرأة المتزوجة التي ثبت زناها يحكم عليها بالحبس مدة لا تزيد على سنتين، لكن لزوجها أن يوقف تنفيذ الحكم برضائه معاشرتها له كما كانت.»

وتنص المادة رقم (277) على أن «كل زوج زنى في منزل الزوجية وثبت عليه هذا الأمر بدعوى الزوجة يجازى بالحبس مدة لا تزيد على 6 شهور.»

الإشكاليات القانونية: يستفيد الزوج بموجب المادة رقم (237) من تخفيف العقوبة، التي تتحول من جناية إلى جنحة، فلا يعاقب بالعقوبات المقررة لجريمة القتل العمد أو الضرب الذي أفضى إلى موت، وإنما يعاقب بالحبس الذي تنص المادة رقم (18) من قانون العقوبات على أن مدته لا يجوز أن تنقص عن 24 ساعة ولا أن تزيد على ثلاث سنوات. في المقابل، لا تستفيد المرأة مثل الرجل من تخفيف العقوبة، إذا ارتكبت جريمة القتل بحق الزوج حال تلبسه بالجريمة نفسها، وتحاكم باعتبارها جريمة قتل عمدي.

تكشف المادتان (274) و(277) التمييز القائم بين عقوبة الرجل وعقوبة المرأة في جرائم الزنا، إذ أن الرجل في حال اتهامه بالزنا يواجه عقوبة الحبس لمدة لا تزيد عن ستة أشهر، بينما تواجه المرأة عقوبة الحبس لمدة قد تصل إلى سنتين، فضلًا عن أن القانون يعطي الزوج وحده حق إيقاف تنفيذ العقوبة إن أراد.

في جرائم القتل المرتكبة بزعم الدفاع عن «الشرف»، كثيرًا ما يستخدم القضاة المادة رقم (17) من قانون العقوبات المصري، التي أشرنا آنفًا إلى أنها تمنحهم السلطة التقديرية لتخفيف الحكم الأصلي بدرجتين أدنى من العقوبة المنصوص عليها في القانون بدافع الرأفة. وبسبب الإبقاء على هذه المادة، تصدر كثير من الأحكام في صالح الذكور وعلى حساب أرواح النساء.

لمطالعة الحلقة السابقة: العنف ضد النساء في مصر.. إشكاليات تبقي الوضع المأزوم على ما هو عليه – (1)