نيروبي، كينيا

«مثلما كان المؤتمر الدولي للسكان والتنمية الذي عقد في القاهرة في العام 1994، نقطة تحوّل في مستقبل النساء والفتيات، ستُذكَر قمة نيروبي كلحظة فاصلة تحوّلت إلى إجراءات أنقذت الأرواح، وحمت ملايين النساء والفتيات وأسرهن ومجتمعاتهن من الإقصاء والتهميش.»

عقدت كل من حكومة كينيا والدنمارك وصندوق الأمم المتحدة للسكان، في الفترة من 12 إلى 14 نوفمبر الجاري، قمة نيروبي (ICPD 25) التي تأتي استكمالًا لما أقره المؤتمر الدولي للسكان والتنمية، الذي انعقد في العاصمة المصرية القاهرة قبل 25 عامًا.

انعقدت القمة في العاصمة الكينية نيروبي، بمشاركة نحو 12000 شخص مما يزيد عن 160 دولة، كما شاركت أكثر من 200 مجموعة ومنظمة فاعلة في المجتمع المدني، وقد توّحد الحضور حول جدول أعمال مشترك يهدف إلى تحقيق ما جاء في برنامج عمل المؤتمر الدولي للسكان والتنمية.

لماذا «قمــة نيروبي»؟

تأتي هذه القمة بهدف تعبئة الإرادة السياسية وحشد الموارد المالية، لتحقيق مجموعة من الأهداف، لا سيما المتعلقة بتوفير المعلومات والخدمات الخاصة بالحقوق الجنسية والإنجابية، والقضاء على وفيات الأمهات والأطفال التي يمكن الوقاية منها، وإنهاء العنف الجنسي والممارسات الضارة ضد النساء والفتيات.

وقد افتتح الرئيس الكيني أوهورو كينياتا القمة، بكلمة أكد خلالها على أن تمكين المرأة هو تمكين للأسرة والمجتمع والأمم، وأضاف «إننا موجودون اليوم لنحتفل بالتقدم الذي تحقق خلال 25 عامًا، ولنحدد التزامات جديدة من شأنها التعجيل بتنفيذ توصيات مؤتمر القاهرة كاملةً.»

ولفت كينياتا إلى أن أهم المعنيين بالقمة ليسوا مشاركين في المؤتمر، وأوضح قائلًا «أنا أقصد امرأة من بين كل خمس نساء في جميع أنحاء العالم، خلال هذا العام وحده، سيتعرضن للعنف القائم على النوع الاجتماعي، وعلى الأرجح من شخص قريب منهن.»

لكنه أشار أيضًا إلى بعض مؤشرات التقدم، وقال إن عدد الأشخاص الذين يعيشون في فقر مدقع الآن أقل بنحو مليار شخص عن العدد في العام 1990، فضلًا عن ارتفاع فرص الحصول على التعليم الابتدائي، والوصول إلى وسائل منع الحمل، وتابع «كما نرى زيادةً  – وإن كانت بطيئة – في تولي النساء المناصب القيادية ومواقع صنع القرار في جميع القطاعات.»

يُذكر أن تقرير «النساء في مجال الأعمال: بناء مخطط للعمل» للعام 2019، كشف أن النساء سجلن حضورًا في مواقع الإدارة العليا بنسبة 29 في المئة على الصعيد العالمي، فضلًا عن أن 87 في المئة من الشركات العالمية، تشغل فيها امرأة واحدة على الأقل منصبًا من مناصب الإدارة العليا خلال العام الجاري (2019).

شهد اليوم الأول للقمة، الكشف عن بحث جديد يوضح قيمة الوصول إلى: إنهاء وفيات الأمهات، وإنهاء الحاجات غير الملباة لتنظيم الأسرة، وإنهاء العنف القائم على النوع الاجتماعي والممارسات الضارة، خلال العقد المقبل.

وتبلغ التكلفة الإجمالية لتحقيق هذه النتائج في شتى دول العالم نحو 264 مليار دولار، وفقًا لدراسة أعدّها صندوق الأمم المتحدة للسكان بالتعاون مع جامعة جونز هوبكنز، وجامعة فيكتوريا، وجامعة واشنطن، بالإضافة إلى مؤسسة أفينير هيلث  – ِAvenir Health .

ما الذي خرجت به قمــة نيروبي؟

في ختام القمة، قالت ناتاليا كانيم المديرة التنفيذية لصندوق الأمم المتحدة للسكان، إن قمة نيروبي تمثل رؤية جديدة وحيوية، ومجتمعًا يعمل من أجل الإنجاز والتنفيذ، وأضافت «سنجعل السنوات العشر المقبلة عقدًا من العمل، والنتائج لصالح النساء والفتيات، وستكون حقوقهن وخياراتهن في صميم كل ما نقوم به.»

ومثلما سعت قمة نيروبي إلى الخروج بآليات جديدة لتحقيق ما تبقى من أهداف برنامج مؤتمر السكان والتنمية، نجحت أيضًا في استجلاب تعهدات تصب في صالح خطة التنمية المستدامة 2030، وهي الأجندة الدولية التي تحمل اسم «تحويل عالمنا: أجندة عام 2030 للتنمية المستدامة»، وتضم في طياتها مجموعة أهداف، عددها  17 هدفًا وضعتها هيئة الأمم المتحدة، ومن بينها: مكافحة الفقر، والقضاء على الجوع، والصحة الجيدة والرفاهية التامة، والتعليم الجيد، والتوازن بين الجنسين، والمياه النظيفة والنظافة الصحية، والحد من حالات عدم المساواة، والعمل المناخي.

أما جوزفين كيبارو – مباي، المدير العام للمجلس الوطني الكيني للسكان والتنمية، فقد وصف المؤتمر بـ«مجرد بداية»، قائلًا «إننا نغادر نيروبي بخريطة طريق واضحة للإجراءات التي يجب علينا جميعًا اتخاذها للمضي قدمًا، في إطار جدول أعمال المؤتمر الدولي للسكان والتنمية، وتحويل العالم من أجل النساء والفتيات.»

وكانت هيئة الأمم المتحدة قد نظمت المؤتمر الدولي الثالث للسكان والتنمية في مدينة القاهرة في العام 1994، في الفترة ما بين 5 إلى 13 سبتمبر، بمشاركة 183 بلدًا، بما يزيد عن 10 آلاف ممثل. ونتج عنه برنامج عمل وتوصيات ركزت على تعزيز حقوق الإنسان وإقرار الحق في تنظيم الأسرة، والحق في الصحة الإنجابية، وتكريس المساواة بين الجنسين، والتصدي للعنف ضد النساء، والقضاء على الفقر، وتحقيق الاستقرار في النمو السكاني، والمساواة الكاملة في التعليم  بين  الإناث والذكور.

انتهت قمة نيروبي بنجاح في الحصول على تعهدات من حكومات النمسا وكندا والدنمارك وفنلندا وفرنسا وألمانيا وأيسلندا وإيطاليا وهولندا والنرويج والسويد والمملكة المتحدة، إلى جانب المفوضية الأوروبية، بتقديم دعم مالي قدره مليار دولار لتنفيذ الأهداف التي اجتمع عليها المشاركون، ومن المزمع العمل على تحقيقها خلال السنوات العشر المقبلة. كما أعلن عدد من المؤسسات والشركات الكبرى مثل مؤسسة فورد، وجونسون آند جونسون، وفيليبس، وورلد فيجن، تقديم دعم مالي قدره ثماني مليارات.

وعن الحضور العربي

شهدت القمة مشاركة الأمانة العامة للجامعة العربية، بوفد رفيع المستوى برئاسة السفيرة هيفاء أبو غزالة، الأمين العام المساعد للجامعة ورئيس قطاع الشؤون الاجتماعية، التي أشارت خلال كلمتها أن الأمانة العامة لجامعة الدول العربية التزمت بإقرار «إعلان القاهرة حول صحة المرأة العربية» الصادر في مارس 2017، والذي نص على حصول الجميع على خدمات الصحة الانجابية، بما في ذلك خدمات ومعلومات تنظيم الأسرة، وإدماج الصحة الانجابية في الاستراتيجيات والبرامج الوطنية.

ولفتت أبو غزالة إلى أن الجامعة التزمت بوضع وإقرار الخطة الاستراتيجية العربية متعددة القطاعات، حول صحة الأمهات والأطفال والمراهقات (2019-2030)، بغية تطوير الخطط الوطنية للارتقاء بصحة الأمهات والمراهقات والأطفال، ومساعدة الدول الأقل حظًا في التنمية في تحقيق معدلات أفضل لخفض وفيات الأمهات والأطفال.

على هامش القمة، تسلّمت المغنية اليمنية إيمي هيتاري (28 عامًا) جائزة صندوق الأمم المتحدة للسكان والتنمية، للقيادة والالتزام بتحقيق الحقوق والخيارات للجميع، وذلك لدورها في مواجهة ظاهرة زواج القاصرات المنتشرة في بلادها من خلال أغانيها.

يذكر أن إيمي هيتاري هي مغنية يمنية تقوم بمحاكاة أغاني الأنمي اليابانية وتحويلها إلى اللغة العربية بنفس الوزن.