إلى أي مدى ساهم الأدباء المصريون في تنميط صورة المرأة؟
الأدب هو أحد أهم منظومات التعبير الإنساني، فهو مرآة لمجموعة من التفاعلات الثقافية والإنسانية التي تثير الأديب وتمس وجدانه ليعبر عنها شعرًا أو نثرًا، لذلك يعد الأدب نافذة جمالية علي روح العصر وموثقًا للحالة المجتمعية التي يعاصرها الأديب.
وقد تسمو مكانة الأدب في التوثيق المجتمعي عن كافة فروع المعرفة الأخري ذات الصلة، لما يضفيه من ترفيه ومتعة من نوع راقي للقارئ. و بهذا لا تقتصر أهمية الأدب علي عائده في تسليط الضوء على مشاكل المجتمع و صوره النمطية، بل تمتد لتشمل عنصر البهجة والحس الجمالي الذي ينميه لدي القارئ.
لذلك ومن هذا المنظور، ننطلق محاولين البحث فى دروب توثيق وضعية المرأة في الأدب المصري ونحاول الإجابة عن السؤال الأكثر إلحاحًا “هل ساهم أبرز الأدباء المصريين في تكوين صورة ذهنية إيجابية أم سلبية عن المرأة؟ ”
المرأة ضحية مجتمع جاهل في أدب طه حسين
تنوعت الشخصيات النسائية في روايات عميد الأدب العربي “طه حسين”، ولكن يبقى العامل المشترك بينهم هو أن المرأة ضحية المجتمع الذى يرتع فيه الجهل والتسلط الذكورى، وما أكثر النساء اللاتي تستسلمن لهذه القبضة القاهرة، مثل “أم تمام” في رواية (المعذبون في الأرض) وأخريات يدفعن ثمن تلك القبضة مثل “هنادى” فى (دعاء الكروان).
بينما تقف على الجانب الاَخر شخصية “اَمنة” التي قدم من خلالها “طه حسين” نموذج الفتاة التي تعتزم المواجهة والثورة على العادات والتقاليد في (دعاءالكروان).
قدم “إشكالية تعامل المجتمع مع المرأة كدمية لابد و أن تتسم بالجمال الشكلى الظاهر وذلك من خلال شخصية (جلنار) فى رواية “شجرة البؤس” تلك الفتاة البائسة التي كُتب عليها أن تكون قبيحة الوجه دميمة الصورة أخوتها يتجاهلونها ويسخرون منها و حتى تتلافى ذلك، عملت على خدمتهم لتلفت انتباههم واهتمامهم، وبالفعل باتوا يشكرونها على خدماتها ويثنون عليها، ويومًا بعد الاَخر تحولت الخدمات التي تتفضل بها جلنار طواعيةً إلى واجب إن تأخرت فيه يحل عليها سخطهم.
المرأة في أدب نجيب محفوظ..الانكسار يلازمها فى ظل مجتمع ذكورى متعجرف
برع الأديب العالمى “نجيب محفوظ” في تصوير أدق تفاصيل المجتمع المصري ونقل واقع الوعي المصري المعاصر. و يعتبر من الكتاب الذين عالجوا الصورة الروائية للمرأة التي كشفت عن الطابع الذكوري للمجتمع المصري الذي يعمد إلى إقصاء المرأة و قهرها، فيميل إما إلى تسليعها فتتحول إلى عاهرة لتتكسب من جسدها، و هو ما عرضه في: القاهرة الجديدة، اللص والكلاب، بداية و نهاية، زقاق المدق وأفراح القبة، أو تصبح فاقدة الأهلية لا تستطيع العيش دون وصاية ذكورية تتحكم في كل تصرفاتها رغم أنفها كما ظهر فى؛ الثلاثية {السكرية و قصر الشوق وبين القصرين} حديث الصباح و المساء، والمرايا.
ركز “نجيب محفوظ” فى نصوصه على المرأة المقهورة المسيرة كنموذج الأم والزوجة المقهورة تحت وطأة ثقافة ذكورية فيماجسدته شخصية “أمينة” فى الثلاثية أو”زينب” فى الحرافيش، وفي حالات أخرى عرض النموذج الذى يعكس الفكرة التقليدية عن المرأة “الجسد” الغاوية وأبرز ما قدم فى هذا الصدد هو واقع الغانيات المتمثل فى نماذج الثلاثية، حيث واقع العوالم والراقصات اللواتي وجدن بالفعل فى المجتمع فى هذه الفترة التاريخية، إلا أنه أيضًا لم يتجنب كليًا عرض النماذج النسائية الإيجابية فى نصوص أخرى مثل شخصية “سمارة بهجت” فى نص ثرثرة فوق النيل.
“سمارة” عكست الشخصية النسائية الواعية التي تدرك القضايا الإجتماعية والإنسانية فى المجتمع، وترصد الخلل فى الجوانب المختلفة من الحياة.
“محفوظ” فى شتى أعماله تحدث عن الشخصيات النسائية بواقعية حتى لو كانت صورًا سلبية، عبر عن التناقضات التي تستوعب الخلل الأخلاقى الاجتماعى، بجانب إبراز عناصر وجوانب إنسانية عميقة داخل كل شخصية منهن، إلا أنه ظل فى كافة رواياته ينقل الواقع كما هو بقيوده وبمكبلاته للمرأة، بعجرفته، بذكوريته لكنه لم يقدم مخرجًا ثوريًا للمرأة فى رواياته، مكتفيًا بمحاكاة الواقع كما هو.
توفيق الحكيم عدو المرأة.. فى أدبه حمقاء لا يشفع لها سوى الجمال
كان “توفيق الحكيم” صريحًا في عداوته للمرأة واحتقاره لها وكما هو معلوم أن الحكيم هو صاحب لقب بـ”عدو المرأة” و أعلن عداوته تلك في العديد من مقالاته معتبراً المرأة كائن تافه لا قيمة له، وظيفتها الوحيدة هي أن تحب الرجل فهي تجيد الإخلاص إلا للأشخاص فقط لا المبادئ.
كما كان هجومه الشديد لأسلوب “هدى شعراوي” في تشكيل عقلية المرأة المصرية أثره فى تشكيل صورة عنه تتمثل فى”الرجل الرجعى” ورغم أن الحكيم يرى المرأة تافهة وحمقاء، إلا أنه أيضاً كان يرى أن جمالها يغفر لها، فيقول: “إن الجمال هو العذر الوحيد الذي يغفر للمرأة كل تفاهتها وحماقتها.”
ظهر موقفه المناهض للمرأة في العديد من أعماله، أبرزها رواية (عودة الروح) ومسرحية (المرأة الجديدة) التي عادى فيها حركة تحرير المرأة.
إحسان عبد القدوس..كرس أدبه للدفاع عن تحرير المرأة فاتُهِم بالإباحية
طالما كان “إحسان عبد القدوس” ناقدًا لسلبيات المجتمع ومحاربًا للموروثات المغرضة، وفي هذه الرحلة من الكفاح احتلت المرأة مكانة رئيسية، داعيًا لمساواة المرأة بالرجل في الحقوق والواجبات، وتحريرها من كافة القيود المجتمعية الرجعية كانت حرية الفتاة عنوانًا عريضًا فى رواياته حتى أن أدبه اتُهِمَ بالإباحية.
حينما نتحدث عن المرأة فى أدب “إحسان عبد القدوس” يتعين علينا أن نستحضر صورة المرأة التي ترسخت فى ذهنه منذ الطفولة وهى صورة أمه “روز اليوسف” أو “فاطمة اليوسف” تلك الكاتبة والصحافية العظيمة والتي كانت أحد أعمدة الدفاع عن حقوق المرأة وتحررها واستقلالها.
ولعل أبرز شخصية روائية تعكس هذا الرأي هي “أمينة” المتمردة على تربيتها وتقاليد المجتمع المقيدة لها في رواية (أنا حرة) عام ١٩٥٩.
العقاد… العشق فى الواقع ينقلب لمقت فى الأدب
يعتبر الكثير أن “العقاد” من أشد المنتقصين من درجة المرأة، إذ يري أنها دائماً تابعة والرجل هو السيد المتبوع.
وقد أودع مجمل آراءه عن المرأة تحديداً في ثلاثة كتب قدمها وهى التى تعكس صورة ثلاثية الأبعاد عن طبيعة المرأة والكتب هى: المرأة هي اللغز، والمرأة في الإسلام، وسارة. فالبعد الأول للصورة يتمثل في المرأة الغاضبة التي تشكل له لغزاً يسعى إلي تشفيره، والثاني في المرأة الصريحة المندفعة كالعقاد ذاته، أما الثالث فهي المرأة الوهم التي نسج خيوطها من الخيال و الواقع معًا.
تجدر الإشارة إلى أن سارة تعد الرواية الوحيدة للعقاد وكتبها على هيئة سلسلة مقالات تحدث فيها عن قصة حب عاشها مستخدماً اسم مستعار للحبيبة وهو “سارة”.
و هذه الرواية جاءت لتكشف مدى إنتقاصه للمرأة، ففيها برر لنفسه اللعب بالمرأة والخيانة ، و كثيراً ما أشاد فيها بالرجل على حساب المرأة ، مبرراً كرهه للمرأة بأنها السبب في هلاك الرجل والحكمة .
ويتبين لنا في ثنايا الرواية أن الرجل هو المحب المخلص بينما المرأة متمثلة فى سارة هي المرأة المتمردة على العادات والتقاليد
أخيراً، مجمل حديث العقاد عن حقوق المرأة أقامه على أساس القراَن الكريم ” وفق تفسيرات” معتبراً أن حدود دور المرأة فى القراَن هو صون رسالتها الفطرية وأن يلتزم كل من الرجل والمرأة بما هو أوفق له وقدر عليه ويبتعد عمّا لا يناسبه إلا فى حالة الاضطرار.
إبراهيم ناجي..هى الملكة والرجل عبد لها .. ومهما تجبرت عليه لا عنوان له سوى بلاطها
إبراهيم ناجى، عبر فى أغلب شعره عن المرأة كونها كل شيء بينما الرجل لا شيء أمامها
اعتبره الباحثون من “المازوشيين” الذين استمروا في عبوديتهم للمرأة مهما كان العذاب فى حبها يشتعل قلبه من لهيب الحب تارة ومن لوعة الشوق وعذاب الجرح تارة أخرى.
تتألق المرأة في شعر “إبراهيم ناجي” ككائن عذب رقيق، حتى نمط الباحثون المرأة عنده في إطار عذري تغلب فيه الروحية علي سواها.
“كلٌّ له “ليلى” ومن لَم يَلقها .. فحياته عبثٌ ومحضُ هباءِ.
كلٌّ له “ليلى” يرى في حبها .. سرّ الدُّنى وحقيقة الأشياءِ”
من النمطية إلى التعددية.. للمرأة وجوه عدة فى أدب أمير الشعراء
تنوعت صورة المرأة في مسرح أمير الشعراء”أحمد شوقى”ما بين المرأة البطلة التي تشغلها قضية استقلال بلادها و يطغي عليها نوع من المثالية، و ذلك في : (مصرع كليوباترا، وقمبيز)، والمرأة الجميلة العفيفة راقية الإحساس والمشاعر، شأنها شأن “ليلى” في (مجنون ليلى). و يحسب لشوقي عدم حصر المرأة في صورة نمطية واحدة أو حصرها في دور دون غيره.
إلا أننا لا يمكن أن نغفل أن “أحمد شوقى” أيضاً هو من هجى ورفض ما جاء به قاسم أمين فى كتاب تحرير المرأة .
بناءً على ما سبق، نرى إذًا أن كل أديب وشاعر ترسخ فى باطن عقله صورة ذهنية عن المرأة، متأثرًا بمجموعة من العوامل المتمثلة فى السياق التاريخي الذي تواجد فيه، وخلفيته الإجتماعية، وميوله النفسية الذاتية وتجاربه الشخصية مع المرأة، لتصيغ صورة روائية قد تكون منصفة أو ظالمة للمرأة..