هل حدث أن قررت الإستماع للراديو وتحديدًا إذاعة القراَن الكريم و وجدت اَيات من القراَن ترتل بصوت سيدة؟ بالطبع لا
هل سألت نفسك عن السبب؟
هل هناك مبرر منطقى ودينى لاحتكار الرجال هذة المهنة؟
وإن كانوا يرجعون ذلك للقول أن “صوت المرأة عورة” لما إذن من سبقوهم لم يستندوا لهذا “القول الضعيف” وكان الباب مفتوحاً للسيدات المقرئات
نعم..كان فى مصر سيدات مقرئات للقراَن الكريم منذ أكثر من خمسين عامًا وأكثر من ذلك وكن معروفات فى الداخل و الخارج يستمع لهن الجميع دون أن يردد كلمة ” حرام”
سابقاً، كان القراَن يتلى بصوت الرجل والمرأة على حد سواء لا تمييز، ولا إنتقاص، وإدعاءات باطلة بعدم أحقية المرأة فى قراءة القراَن علناً وبصوت مرتفع أمام العامة.
ويبدو أنه ومع دخول التيار الوهابي لمصر و تغوله فى عقول المصريين تبدل الحال كثيرًا واختفت الكثير من المنطقيات لعلل لا تتسم بالحضارية والتماشي مع وسطية الدين وإنما تتوقف فقط على ثقافة البداوة والقبيلة التى تنال من المرأة وحقوقها المشروعة
ولهذا السبب لما جاء حديث نقيب القراء المصريين الشيخ “أبو العينيين شعيشع” -منذ سنوات قليلة – بأحقية المرأة فى تلاوة القراَن والعمل كمقرئة و فتحه باب العضوية بالنقابة للسيدات ، أثار ذلك الغضب فى نفوسهم وأشعلت نار المتنطعين الذين إعتبروه يحلل الحرام ويدعو للمنكر وكانت محل جدلاً واسعاً من النساء أنفسهن.
حيث قال شعيشع : “القرآن نزل للرجال والسيدات وكان هناك سيدات قارئات للقرآن الكريم في الإذاعة المصرية منذ حوالي 50 سنة ولم تقتصر تلاوته على أحد”
شيعشع الذى وعد بعودة الأصوات النسائية لتلاوة القراَن إعتبر أن تحريم تواجد المرأة على ساحة المقرئين “ردة فكرية” بعد أن كانت مصر تحتضن قارئات شهيرات يقرأن القرآن بالإذاعة، وبين العامة والحكام على وجه سواء .

وكان رأى الشيخ الطبلاوى يصب فى نفس الإتجاه، حيث قال أن صوت المرأة في حد ذاته بصورته العادية ليس بعورة، وبالتالي فهو صالح لتلاوة القرآن الكريم مادامت تلتزم بآداب التعامل مع كتاب الله، وتقرأه بصوت ليس فيه إغراء يثير المشاعر والشهوات.

أم محمد.. أول سيدة مقرئة للقراَن الكريم فى مصر..سيدة لا نعلم عنها الكثير

سكينة حسن .. أول صوت نسائي تسجل تلاوتها للقراَن على أسطوانات

كريمة العدلية.. الصوت النسائي الذى غزى الإذاعات الأهلية بتلاوة القراَن

منيرة عبده.. أصغر مقرئة قراَن ، صوتها تعدى حدود مصر حتى أتى وأسكتها المتنطعون

وعن سيدات كان بريقهن ملء البصر فى زمن لم يكن فيه التحريم حظ كل درب تسلكه المرأة ، فلنا مثال الشيخة “سكينة حسن” التى تعد أول إمرأة سجلت تلاوتها للقراَن على اسطوانات.

والسيدة “كريمة العدلية” التى كانت تتلو بصوتها القراَن فى الإذاعات الأهلية {مجموعات إذاعات صغيرة إزدهرت فى عشرينيات القرن الماضى قبل تأسيس الإذاعة المصرية}

والفتاة “منيرة عبده” التى كانت أصغر المقرئات ففى عامها ال18 بثت لها الإذاعة (1920م) تلاوة رصينة، صحيحة،صافية للقراَن يصعب أن تخرج من فم فتاة فى سنها.

رغم أن منيرة كانت كفيفة إلا أنها تمكنت أن تكون الوحيدة التى يسمح لها بقراءة القراَن فى الإذاعة وكانت تتقاضى عن ذلك 5 جنيهات وذاع صيتها حتى بلغ دول عدة فى الوطن العربي، حتى أن أحد أثرياء تونس عرض عليها إحياء ليالي شهر رمضان فى قصره إلا أنها لم تستطع السفر.

استمرت منيرة عبده تتلو القراَن بصوتها العذب لما يقارب ال10 سنوات حتى ظهر قليل من المشايخ المتطرفين قبيل الحرب العالمية الثانية يفتون بأن “صوت المرأة العورة” لتستسلم الشيخة منيرة والإذاعات لظلامية هؤلاء وانزوت بعيداً حتى أن إذاعتى لندن و باريس توقفتا عن إذاعة اسطواناتها خوفاً من سخط هؤلاء المشايخ.

أيضاً اشتهرت الشيخة “مبروكة” التى وجد لها مؤخرًا تسجيلًا عمره أكثر من قرن تقرأ فيه الجزء الأول من سورة الإسراء بصوتها القوى.
وتسبق هؤلاء جميعاً الشيخة ” أم محمد” و هى تعتبر أول سيدة مقرئة للقراَن الكريم فى مصر، ظهرت فى عهد “محمد على” وكان من عادتها إحياء ليالى شهر رمضان في حرملك الوالى

وكانت تقوم بإحياء ليالى المآتم في قصور قواد الجيش وكبار الدولة، وكانت موضع إعجاب محمد على وأمر بسفرها إلى اسطنبول لإحياء ليالى شهر رمضان في حرملك السلطان

ماتت الشيخة “أم محمد” في أواخر حكم محمد على ودفنت في مقبرة أنشئت لها خصيصًا في مسجد الإمام الشافعى.

وانتهى العصر الذهبى للمقرئات بالسيدة “نبوية النحاس” التى توفت عام 1973 و التى كانت ترتل فى المناسبات العامة و الدينية و الافراح و المآتم و بهذا انطوت صفحة تلاوة المرأة للقرآن.

الأصل وراء ظاهرة ..مقرئات القراَن :

فى بداية القرن العشرين، كانت تقاليد المآتم أن تقام على مدار 3 أيام متتالية ماَتم للرجال وأخرى للنساء ولذا كان ضرورياً أن تتواجد مقرئات لإحياء ليالي المآتم بين السيدات.

ولذا تبلور دور المقرئة و بات شائعاً فى الماَتم إلى أن تطور مع ظهور الإذاعات والأسطوانات.

وتظل المرأة هى أكثر من يدفع ثمن سيطرة التيار الوهابي على العقلية المصرية…

الحقيقة البازغة أن التطرف الدينى الذى بدأت بوادره مع ظهور جماعات تبتعد عن الوسطية أميالاً مثل جماعة الإخوان فى أواخر عشرينيات القرن الماضى والتى معها بدأت فترة فتاوى تقييد المرأة فيما قبل الحرب العالمية الثانية

إلا أن ذلك لم يمتد على نطاق واسع نظرًا لواقع الثقافة المصرية المنفتحة على الغرب أنذاك ومن ثم التغيرات الثورية التحررية فى الخمسينيات والستينيات.

إلا أن الحقبة الأسوء بحق المرأة والتى تراجعت بها قروناً للوراء كانت مع دخول التيار الوهابي فى السبيعينيات والتى شيدت سدوداً عالياً فى وجه المرأة فى مجالات عدة كان من بينها “تلاوة القراَن” علناً وجهراً .

بارقة أمل ظهرت فى العام 2009، وقتما سمعنا مرى أخرى عن بوادر عودة مقرئات للقراَن بعد أن فتح نقيب قارئي القراَن الشيخ أبو العينين شيعيشع الباب للنساء للإنضمام للنقابة وبالفعل انضم 30 قارئة قراَن لكن يبدو وأن دورهن لم يزد عن تحفيظ القراَن وتدريسه.

على الرغم من وجود محاولات من قبل بعض المستنيرين لاستعادة مجد الماضى والعودة للإذاعة المصرية إلا أن الأمر يظل مرفوضاً ولا تستطع إحداهن تسجيل أى إسطوانات أو مقاطع صوتية لها خوفًا من سيل الفتاوى المتطرفة الظالمة والتحريم والتكفير.