الهجمات الحمضية ضد النساء.. قلما تنتهي بــ«موتــ»هن لكن غالبًا ما تجعله «أمنيتــ»هن
يوميًا تدمر حياة فتاة أو بالأحرى فتيات، اَلامهن لا يشعر بها سواهن، صراخهن لا يخرج عن جوفهن. يوميًا تُدهَس أنوثة كثيرات، وتهان كرامتهن من قبل مشوهي النفوس، الذين نصبوا أنفسهم قضاة في الأرض، يحكمون وفق أهوائهم، ويشوهون الإناث وينتزعون جمالهن، ويطمسون ملامحهن، عن طريق إلقاء الأحماض على وجوههن، هو إرهاب برعاية الثقافة الأبوية، يمكن تسميته بــ”إرهاب الهجمات الحمضية ضد النساء” ويطلق عليه أيضًا “العنف الحمضي ضد النساء”.
الهجمات الحمضية ظاهرة عالمية ولا تقتصر على عرق أو الدين أونطاق جغرافي بعينه، لكنها تتركز في بلدان جنوب شرق آسيا وبعض دول أفريقيا، وجزر الهند الغربية. في كثير من البلدان تشكل الهجمات الحمضية مظهر من مظاهر العنف ضد النساء تحديدًا والأطفال أيضًا، وغالبًا لا يتم الإبلاغ عن هذه الحوادث.
دول جنوب اَسيا تعاني فيها النساء في مختلف المراحل العمرية من ظاهرة الهجمات الحمضية ويُقصَد بها “رمي حامض الكبريتيك أو النيتريك أو حامض الهيدروكليريك على أجسادهن”، ويكون الهدف منها؛ إصابة المُعتدى عليهن أو إحداث عاهة مستديمة لهن، وتشيع هذه الهجمات في بلاد مثل؛ بنغلاديش وباكستان وأفغانستان والهند وإيران، وفي كبوديا بجنوب شرق اَسيا.
باسم الوصاية الأبوية كل انتهاك مباح
تتعدد الدوافع وراء هذه الهجمات والنتيجة واحدة، وتختلف أنماط الهجوم من بلد لاَخر. في بعض الأحيان تنتج عن النزاعات الداخلية والأسرية، مثل خلافات المهر أو رفض الزواج بشخص ما، طلب الطلاق، وكثير من الحالات سببها رفض الفتاة أو المرأة التحرش الجنسي، وقائع أخرى يكون وقودها التطرف والتشدد الديني، إذ يعاقب بعض الرجال النساء بإلقاء الحمض عليهن، إذا رفضن ارتداء الحجاب أو خلعنه، وهناك جماعات تتحرك فعلًا بطريقة ممنهجة.
في إيران في إطار ما يسمى بــ” الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”، تستهدف مجموعة من الرجال بطريقة ممنهجة النساء اللواتي لا يغطين رؤوسهن، أو يستخدمن مساحيق التجميل، وهناك قصص تناقلها الإعلام الدولي من داخل إيران مثل قصة “شيرين محمدي”، التي هاجمها من رفضت الزواج به، وهي في الــ 18 من عمرها، وخسرت وقتذاك عينها اليمنى، وأنفها، وإحدى أذنيها، وتضرر فمها، وأصابتها حروقًا عميقة بعدة مناطق في جسدها، وخضعت “محمدي” للعديد من العمليات ومازالت.
لا يختلف الأمر كثيرًا مع “يفار بارفين” وهي امرأة ثلاثينية، ظل يلاحقها شقيق زوجها بعد وفاته، بغية الزواج منها، وعندما يأس من تكرار رفضها لطلبه، قرر الانتقام منها وألقى عليها هي وابنتها 4 لتر من حمض الأسيد أثناء نومهما، وقد وقع الحادث قبل أسبوع من مراسم زفاف ابنتها، وللاَسف توفيت الشابة الصغيرة على إثر هذا الحادث، فيما فقدت الأم عينها اليسرى.
هناك فتيات كثيرات من اللواتي لا يضعن الحجاب بشكل كامل في إيران استقبلن رسائل تهديد عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتتعرض كثيرات منهن للاعتداء بالحمض، ثم توسعت الحملة لتشمل الهجوم على النساء اللاتي يقدن السيارة ولا يضعن الحجاب كما ينبغي.
تنامي الظاهرة قوبل بتنامي الرفض أيضًا، وخرجت مظاهرات تحتج على هذه الهجمات، وتطالب بإجراءات أمنية أعلى إلا أن أحدًا لم يحرك ساكنًا.
توفر الأحماض المستخدمة في التصنيع وتجهيز الأقطان يعد سببًا رئيسًا في انتشار الهجمات، إلى جانب ضعف سيادة القانون والفساد السياسي وغياب المساواة بين الجنسين
أرقـــــام “مخيفــــة”
تضاعفت أرقام هذا النوع من الجرائم في جنوب اَسيا في السنوات الأخيرة، وتُظهر الإحصاءات ارتفاعًا بنسبة 30 بالمئة في أرقام الهجمات الحمضية خلال السنتين الماضيتين، ووفقًا لجمعية خيرية متمركزة في لندن، يتم التبليغ عن 1500 حالة اعتداء بالحمض الكاوي في العالم سنويًّا، ويُرتَكب ما بين 78 و90 بالمئة من جرائم الهجوم بالحمض ضد نساء وفتيات، ومعظمهن تحت الـ 25 عامًا.
بحسب مؤسسة “الناجون من الهجمات الحمضية”، فإن عدد الهجمات التي وقعت في الفترة من 1990 وحتى 2015، تصل إلى 3303 وعدد الناجون منها (نساءً وأطفالًا) 3362.
ويكشف مقال منشور في مجلة “الجراحة في إيران”، أن إيران شهدت 59 هجومًا بالحمض بين سنة 2001 و 2010، وفي الهند، جاء على لسان وزير داخليتها (عام 2014) أن عدد حالات الهجوم بالحمض المبلغ عنها في 2014، بلغت 309 حالة، استنادًا إلى البيانات المؤقتة التي يقدمها المكتب القومي لسجلات الجريمة، مؤكدًا أن غالبية الجرحى في مثل هذه الجرائم من النساء.
هناك حالات اعتداء بالحمض بحق نساء في بعض بلدان الخليج مثل؛ السعودية والبحرين والكويت، وتزيد معانتهن بسبب تهميشهن من قبل أغلبية وسائل الإعلام وتجاهلها لحالاتهن.
جراح لا تلتئم
تعاني الفتاة من تأثير الهجمات الحمضية نفسيًا وجسديًا، وعلى الصعيد الاجتماعي أيضًا، والاَلم الأبقى غالبًا ما يكون الجسدي، حيث تعيش الفتاة بالتشوه واَثاره حتى نهاية العمر، وتشير مؤسسة “الناجون من الهجمات الحمضية” في باكستان، إن معدلات النجاة من الموت بين الناجيات عالية جدًا، لكنهن يواجهن مشاكل نفسية وجسدية وطبية كثيرة.
نفسيًا هن أكثر عرضة للاكتئاب والقلق وبالطبع قلة الثقة بالنفس بسبب التشوهات التي تصيبهن.
جسديًا بسبب اَثار الحمض التشويهية ربما تفقد الأنثى حاسة السمع أو البصر، فتخسر عملها وقدرتها على التواصل الاجتماعي مع أسرتها ومن حولها.
وقد كشفئت الإحصاءات أن 25 بالمئة من الناجيات من إلقاء الحمض من الإناث يواجهن الطلاق وتخلي أزواجهن عنهن، وإن كن غير متزوجات، يتعرضن للمضايقات المجتمعية وتتضاءل فرص الزواج.
طبيًا يختلف التأثير الطبي للحمض على البشرة على حسب نوع وتركيز الحمض ومدة تركه على الجسد.
من الملاحظ أن هجمات الحمض غالبًا ما تستهدف الوجه والرأس وتكون أهم اَثارها؛ تشوه عظام الجمجمة وتساقط الشعر وتشوه غضاريف الأذن، مما يؤدي إلى الصمم وتشوه غضاريف الأنف وتشوه الشفتين مما يفقد الفم شكله الطبيعي، وإذا سال الحامض على الرقبة فيسبب تشوهها وشدّ الجلد مما يحدّ من مجال الحركة الطبيعي للرقبة.
قد يسبب استنشاق أبخرة الحمض ضررًا بالغًا بالجهاز التنفسي والمرئ، ربما يسبب الحرق الناتج عن إلقاء الحمض تسمم الدم في حالة العدوى الشديدة أو الفشل الكلوي نتيجة تبخر كميات كبيرة من سوائل الجسم عبر الحرق.
الناجيات من “الحمض” هن من يقف في وجهه
هناك محاولات وجهود مدنية تمت بالفعل لمواجهة هذه الظاهرة، لعل أبرزها ما فعلته “شيرين جوالي” التي بادرت بإنشاء منظمة خاصة لدعم الناجيات الأخريات بعد تشويه زوجها لها، بعد أن طلبت منه الطلاق، وشاركت في العديد من المحاضرات لمناقشة نظرة المجتمع للجمال ومقايسه.
افتتحت مجموعة من الناجيات في الهند مقهى في مدينة أغرا، خاص بكل من تتضررن من الهجمات الحمضية. ويهدف إلى جانب تقديم القهوة، إزالة وصمة العار التي التصقت بهن.
ويضم المقهى مكتبة، ومركز للإذاعة المحلية، وبوتيك أشغال لإحدى الفتيات من ضحايا الهجمات الحمضية.