أول علامات الساعة: سنـــــــــــ10ـــــــــــــوات على«الأربعاء الأسود»
ناجى: تقرير الاتحاد الدولى لحقوق الإنسان يؤكد أن سياسة العنف والاغتصاب والابتزاز الجنسى فى تزايد خاصة فى الأونة الأخيرة
السعيد: الاعتداءات الجنسية ضد المتظاهرات فى ذكرى ثورة يناير الثانية وكشوف العذرية هما الأبشع منذ الأربعاء الأسود وحتى الاَن
زغلول: الإعلام يتعمد تجاهل ذكرى الأربعاء الأسود لأن الشرطة متورطة فى أحداثه والاَن هذا الحديث «ليس وقته»
مشاهد متفرقة فى يوم واحد فى سويعات قليلة منه، إلا أنها حفرت طويلًا بعده فى الذاكرة وطبعت بجوفها بعد أن وثقتها صور وشهادات، ليصبح ذلك اليوم أول علامات الساعة فى هذا العالم السوداوى، الذى تشققت أرضه تنضح قبحًا وسقطت أشجاره العجوز بعد أن دبت فى جذورها الخسة لينكشف مدى التصدع فى عالم المباركية الذى لم يدرك أباطرته حينها أن الإرهاب الجنسي لن يخرس النساء لا عن قول الحق ولا عن كشف عوراته.
فى الـ25 من مايو من العام 2005، شهدنا فضيحة جديدة من فضائح نظام مبارك المتبعة من قبله ظنًا أنها ستؤتى أمله بكتم أصوات المعارضة التى لم يكن يراها أكثر من طنطنة ذباب، وتلك المرة استهدف النساء بهدف إثارة الرعب بقلوبهن وبقلوب ذويهم، فى مجتمع التعرض للنساء فيه، نيل من الأعراض “يقسم الظهر” وعلى الرغم من أن الحدث تم تداوله كونه المرة الأولى التى يستخدم فيه النظام ذلك السلاح وأنه مشهد أول من نوعه على مصر إلا أن المثبت أن استخدام الإرهاب الجنسي سبق قبل تلك الواقعة، خلال احتكاك قوات الأمن بتظاهرات حركة كفاية فى ديسمبر 2004 إلا أن الأمور أنذاك لم ترصدها الكاميرات من ناحية ولم تصل إلى ما وصلت إليه فى الـ25 من مايو 2005 الذى عرف بالأربعاء الأسود خاصة أن هذا اليوم شهد تمزيق وكشف لأجساد النساء.
تزوير إرادة الأمة فى اللجان .. وانتهاك الحرمات على السلالم
يرتبط هذا التاريخ المخمس بيوم تزوير إرادة الأمة الفج، فى الاستفتاء الذى أجرى على تعديلات المادة 76 من دستور 1971 والمعروفة بمادة “التوريث” وعلى الرغم من أن اللجان لم تشهد إقبالًا ولم يشارك الشعب وقتها لا برفض أو قبول “مادى” واكتفى الغالبية بالسخرية فى النطاقات الضيقة من المعارف، إلا أن السلطة لم تكن تتحمل حتى اعتراض العشرات بالهتاف ورفع اللوحات المناهضة للاستفتاء ومشروع التوريث.
وتحول سلم نقابة الصحفيين حيث كانت تظاهرة حركة كفاية إلى مسرح لجريمة من أبشع ما ارتكب النظام خلال فترة حكمه، بعد أن ظهر فى المشهد عدد من رجالات الحزب الوطنى فى المكان وعلى رأسهم: مجدى علام ومحمد حنفى ومحمد الديب، وبصحبتهم عدد من البلطجية أفسحت لهم قوات الأمن الطريق لاقتحام التظاهرة فى مشهد عبثي فى خلفيته صوت لأحد الضباط يقول: “عشان تبطلوا تنزلوا مظاهرات تانى”.
نوال على
ارتبط اسم الصحفية “نوال على” بوقائع الأربعاء الأسود رغم تعرض أخريات للاعتداء فى نفس اليوم، وهذا لأسباب عدة أولها أن “علي” كانت بطلة الصور التى طافت العالم كتجسيد ملموس للإرهاب الجنسي المفجع الذى كان يومها، وخاصة أن “نوال” ظهرت فى عدد من الصور ترصد تعرضها للسحل وتمزيق الملابس بالكامل وسرقة حقيبتها، السبب الثانى هو إصرارها على المضى قدمًا بطريق استرداد حقها قانونيًا، إلا أن التحقيقات انتهت إلى “لا شئ” والسبب كما جاء فى قرار المحامى العام لنيابة استئناف القاهرة أنذاك كان “عدم معرفة الفاعل” على الرغم من أن شهادات الشهود أثبتت الفاعل والمحرض.
سبب اَخر كان الهجمة الشرسة التى تعرضت لها “نوال علي” والتى حاول مروجوها النيل من سمعتها ومع ذلك لم تثنها عن البحث عن حقها عبر سبيل اَخر وهو دعوى أمام اللجنة الأفريقية فى مايو 2006 أقامتها المبادرة المصرية للحقوق الشخصية بالاشتراك مع المركز الدولى للحماية القانونية لحقوق الإنسان نيابة عنها وعن ثلاث صحفيات أخريات هن: شيماء أبو الخير وعبير العسكرى وإيمان طه.
لكن قرار اللجنة لم يصدر إلا فى عام 2013 بعد 8 سنوات على الواقعة و4 سنوات على وفاة صاحبة القضية “نوال على” وجاء القرار يدين الحكومة المصرية ويطالبها بالتحقيق مع المتهمين المذكورين وتعويض الشاكيات كل منهن بـ 57 ألف جنيهًا وإلزامها بتقديم تقرير خلال 180 يوم بشأن تنفيذ الحكم إلا أن السلطات المصرية صمت أذنها عن ذلك القرار.
“أشخاص تابعون للوطنى طرحونى أرضًا ومزقوا ملابسي ولامسوا أماكن العورة”
نوال على فى تحقيقات النيابة
ومرت 10 سنوات..
“خلال العشر سنوات الماضية شهدنا أيامًا أشد سوادًا من الأربعاء الأسود، سواء من خلال الاعتداءات الجنسية الجماعية أو محاولات الاغتصاب والقتل خلال وبعد ثورة يناير، منذ 10 سنوات كانت حادثة إغتصاب واحدة كفيلة لتحريك الرأى العام، لكن الاَن أصبحت وقائع الاغتصاب أخبارًا شبه روتينية يومية ولا أحد يبالى”
جاء ذلك على لسان “أيمن ناجى” مؤسس حركة “ضد التحرش” التى شاركت مرارًا لتأمين المشاركات فى المظاهرات التى عرفها ميدان التحرير طيلة الثلاث سنوات اللاحقة بعد ثورة يناير 2011
ويضيف “ناجى”: سياسة العنف الجنسى لا يمكن القول أنها انتهت أو حتى انحصرت بعد الثورة ووفقًا لتقرير الاتحاد الدولى لحقوق الإنسان فسياسة العنف والاغتصاب والابتزاز الجنسى فى تزايد خاصة فى الأونة الأخيرة، ولا نرى حتى الآن إرادة حقيقية للحد من مأساة التحرش الجنسى حتى بعد تعديل قانون العقوبات ليشمل عقوبات ضد “التحرش” لكن مع ذلك اشتمل التعديل على ثغرات قانونية، هذا إلى جانب عدم اعتبارها جريمة فى ثقافة المجتمع تؤدى إلى ضياع العدل وتشجع العنف الجنسى أكثر.
فيما يخص دور حركات التحرش فى مواجهة استخدام السلطات لسلاح الإرهاب الجنسي ضد المتظاهرات يرى مؤسس “ضد التحرش” أن هذه الحركات والمبادرات كان لها دور كبير فى الضغط لتشريع قانون يجرم التحرش وفى كشف عدد و أنواع حوادث الاعتداء الجنسي الجماعى بالميدان فى ظل إنكار الجهات المسؤولة”
وشدد “ناجى” أن “ضد التحرش” وغيرها من الحركات هى مبادرات تطوعية إمكانياتها محدودة و التضييقات عليها أكبر، معتبرًا أن التحرش لن ينحصر إلا بإرادة سياسية وشعبية لتغيير واقع بشع بعد أن أصبحت مصر فى قائمة أكثر عشر دول فى العالم خطورة على المرأة.
اختتم “أيمن ناجى” بالتأكيد أنه منذ الأربعاء الأسود وحتى الاَن تتعرض نساء مصر لوقائع تناظر ذلك اليوم فى بشاعته وسوءه بداية من اغتصاب 8 مريضات تحت تأثير المخدر بمعهد السكر، مرورًا بأكثر من 250 حالة اعتداء جنسى جماعى مسجلة خلال الثلاث سنوات الماضية، وأكثر من 10 حالات اغتصاب جماعى داخل وعلى أطراف ميدان التحرير، وصولًا إلى التحرش الذى أودى إلى القتل فى طنطا وأسيوط ومؤخرًا على كوبرى قصر النيل.
على الجانب الاَخر اعتبرت المحامية “انتصار السعيد” مدير مركز القاهرة للتنمية أحداث العنف الجنسى الجماعى ضد المتظاهرات فى ميدان التحرير فى مطلع عام 2013 والتى أدت إلى تدخلات جراحية عاجلة لبعضهن ولم يتم التوصل حينها للجناة هى الأسوأ منذ أحداث الأربعاء الأسود.
وأشارت “السعيد” إلى أنه على الرغم من تكرر تلك الوقائع بنفس التفاصيل خلال احتفالات تنصيب السيسي رئيسًا إلا أنه فى ظل وجود إرادة سياسية وقتها من قبل الدولة تم القبض على الجناة والحكم عليهم بالسجن المؤبد بعكس ما وقع فى 2013 مما يجعل ما حدث وقتذاك هو الأسوأ إلى جانب وقائع كشوف العذرية التى تعرض لها عدد من المتظاهرات خلال حكم المجلس العسكرى.
وأكدت “مدير مركز القاهرة للتنمية” أن استخدام أجساد النساء كأداة للقمع السياسي بدأ فى عهد مبارك لكنه لم يمت واستمر خلال حكم المجلس العسكرى عقب الثورة وفى عهد الإخوان أيضًا.
وعن حالة التجاهل الإعلامى للذكرى العاشرة للأربعاء الأسود تقول “انتصار السعيد”:أعتقد أن ذلك يرجع لسرعة وتيرة الأحداث والتركيز الإعلامى على الأخبار الأجدد والأحدث ليس إلا.
بينما رأت الناشطة النسوية “نهال زغلول” ومؤسس حركة “بصمة” أن عدم التفات الإعلام للذكرى الـ10 للأربعاء الأسود له بعد سياسي يتعلق بتورط قوات الأمن فى وقائع الاعتداء الجنسي على المتظاهرات فى الأربعاء الأسود عام 2005 لافتة أن الإعلام الاَن يرى أنه لا ضرورة للعودة إلى هذا الماضى فى ظل حرب الشرطة الحالية ضد الإرهاب، بالإضافة إلى أن الإعلام يتعامل دائمًا مع قضايا المرأة ومشاكلها كأمور هامشية لا تأتى ضمن الأولويات.
واتفقت “زغلول” مع “انتصار السعيد” فى كون وقائع العنف الجنسي التي طالت المتظاهرات خلال الذكرى الثانية لثورة يناير فى عام 2013 هى الأسوأ بين حوادث العنف الجنسي ضد النساء منذ الأربعاء الأسود وحتى الاَن.
أخيرًا أكدت “نهال زغلول” أن السلطات تعانى إزدواجية فى التعامل مع النساء، فكما استحدثت “وحدة لمكافحة العنف ضد المرأة” بوزارة الداخلية لتتعاون مع الجهات المعنية بقضايا العنف ضد النساء وتحاول الحد من هذه الظاهرة، إلا أنه فى المقابل مازالت القوات الشرطية على الأرض تستخدم سلاح الإرهاب الجنسي ضد المتظاهرات وكأن شيئًا لم يتغير.