محمد أبو الشباب يكتـب: تمكين المرأة من خلال الرياضة.. التجربة المصرية
تزامنًا مع الاحتفال باليوم الدولي للرياضة من أجل التنمية والسلام، الذي يصادف السادس من الشهر الجاري، يجدر بنا الاعتراف بالدور المهم الذي تلعبه الرياضة في تمكين النساء وتعزيز المساواة بين الجنسين، وإذا ما نظرنا إلى الوضع في مصر خلال الآونة الأخيرة، سنجد أن النساء صرن أكثر قدرة على كسـر الحواجز وتحطيم الصور النمطية في عالم الرياضة، وما يحققنه من إنجازات يبدو ملهمًا حقًا، خاصة في ظل سياق يرفض التنوع.
تاريخيًا، كان الرجال هم المهيمن على الألعاب الرياضية بينما كانت مشاركة المرأة في الرياضة محدودة بسبب الأعراف الثقافية والمجتمعية، إلا أن السنوات الأخيرة شهدت تغيرًا ملحوظًا في المشهد، ومن أبرز الأمثلة الدالة على ذلك هي تأهل منتخب مصر للسيدات في كرة السلة إلى بطولة أمم إفريقيا، المزمع إقامتها في يوليو المقبل في رواندا، وتأهل منتخب مصر لسيدات الاسكواش إلى نهائي بطولة العالم للفرق نهاية عام 2022 وفوزه بالبطولة للمرة الخامسة، وكذلك فوز منتخب السيدات بالميدالية الذهبية ببطولة أفريقيا لتنس الطاولة، وتأهل منتخب مصر للسيدات في البادل إلى نهائي تصفيات كأس العالم.
بالإضافة إلى ذلك، حصد منتخب مصر لسيدات تنس الطاولة الميدالية الذهبية فى دورة ألعاب البحر المتوسط رقم 19، وفاز منتخب السيدات لسلاح الشيش العام الماضي بالميدالية الذهبية في بطولة أفريقيا، كما توج منتخب السيدات بالميدالية الذهبية فى بطولة العالم للكاراتيه لعام 2021، واحتل منتخب السيدات للميني فوتبول المركز الرابع ببطولة كأس العالم التي أقيمت في العام نفسه، وكل هذا ما هو إلا عينة من إنجازات الرياضيات المصريات منذ بداية عام 2021 وحتى بداية عام 2023.
علاوة على ذلك، تسيطر النساء المصريات على رياضة الاسكواش في العالم ويصنف المنتخب الوطني للاسكواش كأحد أفضل الفرق عالميًا، كما تحتل المصريات خمسة مراكز بين أفضل عشر لاعبات اسكواش على المستوى الدولي، وتتقدمهن نوران جوهر بطلة العالم حاليًا.
ولكن على الرغم من هذه الإنجازات لا تزال المرأة تواجه العديد من التحديات في الرياضة المصرية، فما برحت الفجوة في الأجور بين الجنسين واسعة، فالحكام والرياضيون الذكور يتقاضون رواتب أعلى كثيرًا من نظرائهم من الإناث.
وفي هذا السياق، كانت لجنة الحكام باتحاد الكرة المصري قد قررت في عام 2022 زيادة راتب حكم الساحة في كرة القدم رجال إلى سبعة آلاف جنيه في المباراة الواحدة، وزيادة راتب الحكم المساعد إلى خمسة آلاف جنيه، بينما تتقاضى مٌحكّمة الساحة في كرة القدم النسائية 1500جنيه في المباراة وتحصل الحكمة المساعدة على ألف جنيه فقط.
وغالبًا ما تواجه الرياضيات مضايقات وتمييز خاصة حين يتعلق الأمر بالرياضات المرتبطة تقليديًا بالرجال، فعلى سبيل المثال؛ أعلن رئيس نادي الزمالك مرتضى منصور في يناير الماضي، تسريح فريق كرة السلة للسيدات بالنادي بعد خسارته من غريمه التقليدي فريق النادي الأهلي، وقال في تصريحاته التعقيبية على القرار إن الفريق لا يستحق البقاء، واستخدم حينها تعبير «يروحوا يطبخوا أو يتجوزوا»، وفي واقعة مشابهة قرر اتحاد الكرة المصري بنهاية عام 2020 أن يوقف نشاط منتخب الكرة النسائية، إلا أن احتجاج اللاعبات أسفر عن تراجع الاتحاد عن القرار.
على الجانب الآخر، تتخذ الحكومة المصرية بعض الخطوات الإيجابية فيما يخص تمكين النساء وتعزيز المساواة بين الجنسين في الرياضة، وتحديدًا في رياضة كرة القدم؛ فقد أطلقت وزارة الشباب والرياضة قبل ما يزيد عن خمس سنوات مشروع «ألف بنت ألف حلم»، الذي يهدف إلى تشجيع الفتيات ممن لديهن المهارة والشغف تجاه كرة القدم على ممارستها، حتى يزداد عدد لاعبات ومدربات كرة القدم في مصر، وتتعاون الوزارة في هذا المشروع، الذي لا يزال قائمًا، مع المجلس الثقافي البريطاني والاتحاد المصري لكرة القدم، وتوفر من خلاله الموارد للاعبات ومدربات كرة القدم.
بشكل عام، لقد حققت النساء المصريات تقدمًا ملحوظًا في عالم الرياضة النسائية، وإنجازاتهن خير دليل على ذلك، إلا أن مشاركتهن في الرياضة لا تزال أقل بكثير من مشاركة الرجال، ولذا فإن الكثير من العمل مطلوب حتى تحصل المرأة على فرص متكافئة وتتحسن قدرتها على المشاركة الكاملة في الألعاب الرياضية من دون أن تواجه تمييزًا أو تحرشًا أو مضايقات، ويشمل ذلك معالجة المعايير الثقافية والمجتمعية التي تحد من مشاركة المرأة، عن طريق كسر القوالب النمطية، والترويج لنماذج إيجابية للفتيات المهتمات والممارسات للرياضة، وإتاحة الفرص أمام النساء والفتيات اللاتي يتطلعن إلى المشاركة في مختلف الألعاب الرياضية، بالإضافة إلى خلق بيئة آمنة وداعمة للرياضيات، وتوفير التدريبات والموارد اللازمة لهن وللمدربات، وضمان الوصول إلى الموارد والفرص، بما في ذلك تمويل ودعم الرياضيات على قدم المساواة مع الرياضيين، والوصول إلى المرافق الرياضية «أندية ومراكز شباب وساحات رياضية.»
لا بد أن يوازي ذلك زيادة في تمثيل النساء بالمناصب القيادية في المنظمات الرياضية والأندية، ومعالجة العوائق التي تمنعهن من المشاركة الكاملة في هذا السياق.
ومن الأهمية بمكان مواصلة الاحتفال بإنجازات المرأة في الرياضة والاعتراف بإسهاماتها، من خلال تسليط الضوء باستمرار على نجاحات الرياضيات المصريات، لما لذلك من تأثير على الجيل القادم من النساء فيما يتعلق بقدرتهن على كسر الحواجز وتحقيق أحلامهن في عالم الرياضة.
وأخيرًا، مثلما يتعين علينا الاعتراف بالدور المهم الذي تلعبه الرياضة في تعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين النساء، يجب أن ننظر إلى التحديات التي تستدعي المعالجة حتى يصبح المجتمع أكثر عدالةً وشمولًا وإنصافًا.
*هذا المقال يعبر عن رأي صاحبته/صاحبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي «ولها وجوه أخرى»