ما الذي قدمته مؤتمرات الأمم المتحدة للمناخ ليكون النوع الاجتماعي بُعدًا أساسيًا في مواجهة الأزمة؟
إعداد: آلاء حسن وشهد مصطفى
تنطلق النسخة الـ27 من مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالتغير المناخي (COP 27)، في غضون أيام بمدينة شرم الشيخ الساحلية وسط ترقب كبير، خاصةً في ظل ما يشهده العالم من ظواهر مناخية غير مسبوقة، كالأعاصير والفيضانات الهائلة أو موجات القيظ الحادة والحرائق التي تلتهم مساحات شاسعة من الغابات.
ويعول كثيرون في شتى أرجاء الأرض على أن يقود المؤتمر إلى قرارات وإجراءات جادة وحاسمة، تساهم في الحد من تبعات تغير المناخ، وترفع القدرة على التكيف مع الآثار المتوقعة، وتسفر عن زيادة فرص تمويل العمل المناخي لا سيما في البلدان النامية.
وقد أعلنت رئاسة المؤتمر عن المحاور التي سيناقشها المشاركات والمشاركون على مدار الأيام الاثني عشر المخصصة لفعالياته، والتي يأتي من بينها النوع الاجتماعي (الجندر)، إذ يخصص المؤتمر مجموعة من الجلسات وورش العمل خلال يومه السابع، لمناقشة تغير المناخ من منظور يراعي النوع الاجتماعي، بهدف استجلاء طبيعة التحديات التي تواجهها النساء من جراء التغيرات المناخية، وتوفير منصة لتبادل الخبرات حول سبل تخفيف الآثار، فضلًا عن رفع الوعي بشأن أهمية دمج منظور مراعي للنوع الاجتماعي في السياسات والاستراتيجيات الرامية إلى الحد من تداعيات الأزمة.
ومن المقرر كذلك أن يناقش المؤتمر في جلسة رفيعة المستوى، تجارب عدد من الدول في تنفيذ خطة العمل المراعية للنوع الاجتماعي (GAP) التي اعتمدها المؤتمر في نسخته الـ23، التي انعقدت بمدينة بون الألمانية في العام 2017، بالإضافة إلى برنامج عمل ليما حول النوع الاجتماعي (LWPG) الذي تبناه المؤتمر في دورته الـ20 التي احضنتها مدينة ليما في بيرو خلال العام 2014.
وتزداد أهمية النظر إلى أزمة تغير المناخ من زاوية تراعي بعد النوع الاجتماعي، في ضوء ما تؤكده الدراسات والأبحاث عن تأثير مضاعف يطال النساء والفتيات مع كل كارثة مناخية، فقد أوضحت بيانات منظمة الأغذية والزراعة أن القطاع الزراعي الذي يأتي على رأس القطاعات الأكثر تأثرًا بالتغير المناخي، تمثل النساء 43 في المئة من القوة العاملة به في الدول النامية، وكشف برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن السواد الأعظم من النازحين والمهاجرين بسبب التغيرات المناخية هم من النساء بتقدير يصل إلى 80 في المئة، كما أكدت سكرتارية اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي، أن الأزمات الناجمة عن تغير المناخ تؤدي إلى تفاقم العنف المنزلي.
فضلًا عن ذلك، فقد وثقت العديد من المنظمات الدولية ارتفاعًا في حالات التزويج القسري المبكر في أوقات الجفاف أو الفيضان، نتيجة انعدام الأمن الغذائي والضرر الجسيم الذي يلحق بالبنية التحتية، والذين يتسببان في زيادة التسرب من التعليم وتنامي نسبة البطالة.
ورغم كل هذه الحقائق، لا تزال النساء غائبات بدرجة كبيرة عن صناعة القرار البيئي على المستويين الوطني والدولي، إذ تكشف بيانات الاتحاد العالمي للحفاظ على البيئة (IUCN) للعام 2020، أن النساء يشغلن 15 في المئة من المناصب العليا في مجال صناعة القرار البيئي كوزيرات لقطاعات البيئة، و11 في المئة من الوزارات الوطنية لقطاعي المياه والري.
النوع الاجتماعي حين فرض نفسه على أجندة مؤتمر المناخ
اتسم المؤتمر السنوي للأمم المتحدة المعني بالتغير المناخي (COP) بالعمى الجندري التام لما يزيد عن نصف دوراته، فلم يتعامل المؤتمر مع النوع الاجتماعي بوصفه عنصرًا رئيسًا في مواجهة الأزمة إلا في العام 2010، بعد تسع سنوات من خطوة دعائية غير جادة اتخذها المؤتمر في دورته السابعة، وتمثلت في إدراج توصية ضمن توصياته الختامية بالعمل على زيادة تمثيل النساء في الهيئات المُشكّلة لتنفيذ أهداف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ.
ولكن خلال السنوات العشر الأخيرة، أقرت أطراف المؤتمر مجموعةً من القرارات وتوافقت حول بعض الإجراءات فيما يتعلق بدمج منظور يراعي النوع الاجتماعي في العمل المناخي. نستعرض أبرزها فيما يلي:
عام 2010 (COP 16)
شهد هذا العام زيادةً ملحوظة في تنظيم المنظمات الأممية لفعاليات (وطنية وإقليمية ودولية) تناقش التغير المناخي من زاوية مراعية للنوع الاجتماعي وتطرح حلولًا تلبي احتياجات الجنسين، ثم دخل النوع إلى أجندة الدورة الـ16 لمؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ الذي انعقد بنهاية العام، إذ اشتملت القرارات الختامية على إشارة واضحة إلى الحاجة الملحة لتعزيز المشاركة الفعالة للمرأة والشعوب الأصلية في الاستراتيجيات الوطنية وخطط العمل لتعضيد الاستجابة للأزمة، كما شدد المؤتمر على أن الإجراءات المتعلقة بالتكيف مع تغير المناخ لا بد أن تتسم بالحساسية الجندرية بالتوازي مع التشاركية والشفافية الكاملة.
اعتبرت المجموعات النسوية الإيكولوجية والحراك النسوي البيئي، إدراج النوع الاجتماعي على أجندة الاجتماعات وبروزه في التوصيات الختامية إنجازًا مهمًا، خاصةً أنه يأتي بعد سنوات من تجاهل هذا البُعد الجوهري في التصدي لأزمة التغير المناخي.
عام 2012 (COP 18)
أعلنت الدول الأطراف في المؤتمر إضافة العلاقة بين النوع الاجتماعي والمناخ كبند دائم في جداول أعمال الدورات اللاحقة، مشددةً على ضرورة تعزيز مشاركة النساء في مفاوضات اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، والعمل على زيادة تمثيلهنّ في الهيئات المنشأة بموجب الاتفاقية وبروتوكول كيوتو الملحق بها.
كما نص القرار رقم 23 الصادر عن هذه الدورة، على زيادة تمثيل النساء في عضوية وفود الدول الأطراف الوطنية ورئاسة مجموعات التفاوض الرسمية وغير الرسمية، للخروج بسياسة مناخية مستجيبة وحساسة تجاه النوع الاجتماعي.
ويمكن تعريف السياسة المناخية المستجيبة والمراعية للنوع الاجتماعي، بأنها سياسة المواجهة التي تعترف بالاختلافات بين الجنسين على صعيد الاحتياجات، والتأثير، والفرص، ومن ثم فإنها ترمي إلى تحقيق التوازن في المشاركة والتأثير بين الجنسين في عمليات صناعة القرار المرتبط بالمناخ، وتركز على الوصول العادل للجنسين إلى الموارد المالية، والمعلومات الخاصة بالتغير المناخي، والتكنولوجيا والخدمات المتاحة للتكيف، بما يساهم في تخفيف الآثار الحالية والمستقبلية بالأخص على النساء والفتيات.
عام 2014 (COP 20)
أصدر المؤتمر قرارًا بتدشين برنامج عمل لمدة عامين يسعى إلى دفع التوازن بين الجنسين إلى الأمام، والوصول إلى سياسة مناخية مراعية للنوع الاجتماعي تقود إلى زيادة مشاركة النساء الفعالة في الهيئات المنشأة لتنفيذ أهداف الاتفاقية، وقد حمل اسم برنامج عمل ليما بشأن النوع الاجتماعي (LWPG).
علاوة على ذلك، طلب المؤتمر من أمانة اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ، إعداد ورقة تقنية للمبادئ التوجيهية أو غيرها من الأدوات المطلوبة لدمج الاعتبارات الجنسانية في الأنشطة المتعلقة بتغير المناخ في إطار الاتفاقية، وناشد الدول الأطراف أن تقدم تدريبًا إلى مندوبات ومندوبين الوفود الوطنية حول قضايا التوازن الجندري وتغير المناخ.
عام 2015 (COP 21)
اعتمدت الدول الأطراف في الدورة الـ21 للمؤتمر التي انعقدت بالعاصمة الفرنسية باريس، معاهدةً دولية ملزمة قانونًا بشأن تغير المناخ عرفت باسم «اتفاق باريس للمناخ- The Paris Agreement on Climate Change»، وهدفها هو وضع إطار عملي لتوطيد الاستجابة العالمية لأزمة التغير المناخي، من خلال تقليل انبعاثات غازات الدفيئة وبناء القدرة على التكيف. وقد تضمن الاتفاق إشارةً واضحة إلى ضرورة أن تحترم وتراعي وتلتزم الدول الأطراف بهدفي المساواة بين الجنسين وتمكين النساء، عند اتخاذ إجراءات التصدي إلى تغير المناخ.
عام 2016 (COP 22)
مع انعقاد النسخة الـ22 من المؤتمر، كانت المدة المحددة لبرنامج عمل ليما بشأن النوع الاجتماعي قد انتهت من دون تأثير يذكر، مما دفع الدول الأطراف إلى الإعلان عن تمديد عمل البرنامج لثلاث سنوات أخرى والتعهد بتطوير صياغته ليكون أكثر تماسكًا، خاصةً فيما يتعلق بآليات التنفيذ، ووجهت الدول الأطراف طلبًا إلى الهيئة الفرعية للتنفيذ (SBI) في القرار رقم 21 الصادر عن هذه الدورة، بوضع خطة عمل مراعية للنوع الاجتماعي (GAP)، لدعم تنفيذ القرارات والإجراءات المتضمنة في برنامج عمل ليما والتي تهدف إلى تحقيق المساواة بين الجنسين على مختلف مستويات العمل المناخي.
وأوصى القرار ذاته بأن تتضمن التقارير الوطنية السنوية المقدمة من الدول الأطراف بياناتٍ مصنفة حسب الجنس للوقوف على الاختلافات بين الجنسين في كل يتصل بقضية تغير المناخ، وأن تشتمل كذلك على معلومات عن الممارسات المتبعة في كل دولة لدمج اعتبارات النوع الاجتماعي في سياساتها المناخية، مع التشديد على ضرورة أن تعمل الحكومات على إشراك المنظمات النسائية القاعدية في العمل المناخي.
عام 2017 (COP 23)
اعتمد المؤتمر خطة العمل المراعية للنوع الاجتماعي (Gender Action Plan) أو خطة العمل الجنسانية، كما وردت تسميتها في الوثائق الرسمية الصادرة باللغة العربية، لتكون أداة عملية لتنفيذ أهداف برنامج عمل ليما بشأن النوع الاجتماعي، وإحراز مزيد من التقدم نحو تعميم مراعاة المنظور المراعي للنوع في جميع الإجراءات المتخذة لمواجهة أزمة تغير المناخ.
وتسعى خطة العمل المراعية للنوع الاجتماعي (GAP) إلى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسة وهي: النهوض بمشاركة النساء في اتخاذ القرارات المتعلقة بالمناخ، وتعزيز السياسات والخطط والبرامج المناخية المراعية لاعتبارات النوع الاجتماعي، وتعميم مراعاة المنظور الجندري في تنفيذ الاتفاقية الإطارية، وفي عمل الهيئات المنشأة بمقتضى الاتفاقية، وأمانة الاتفاقية، وغيرها من كيانات الأمم المتحدة، وأصحاب المصلحة.
وحددت خطة العمل خمس أولويات كمظلة للأنشطة التي من شأنها أن تؤدي إلى تحقيق هذه الأهداف وهي: بناء القدرات وتبادل المعرفة والاتصال، وتحقيق التوازن بين الجنسين وتعزيز المشاركة والقيادة النسائية، وضمان التماسك بين هدفي المساواة الجندرية والحد من آثار تغير المناخ عبر اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية ومنظومة الأمم المتحدة بأكملها، بالإضافة إلى التنفيذ المراعي للمنظور الجندري، والمراقبة والإبلاغ.
عام 2018 (COP 24)
ناقشت الدول الأطراف تقرير التكوين الجندري المقدم من أمانة اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشان تغير المناخ، الذي كشف لأول مرة بعد ست سنوات من اعتماد المؤتمر لهدف التوازن بين الجنسين في الهيئات المنشأة بموجب الاتفاقية الإطارية، أن أكثر من نصف هذه الهيئات وصلت نسبة العضوات فيها إلى 38 في المئة أو ما يزيد عن ذلك، بينما لا يزال تمثيل النساء في وفود الدول الأطراف بالمؤتمر ضعيفًا ويستدعي العمل الجاد لتقويته.
وفي القرارات الختامية لهذه الدورة، طلبت الدول الأطراف من الهيئة الفرعية للتنفيذ (SBI) أن تبدأ في استعراض مجالات التقدم والتحسين التي ينبغي إعادة النظر بها في إطار برنامج عمل ليما بشأن النوع الاجتماعي وخطة العمل المراعية للنوع الملحقة به، لتعرض بعد ذلك توصياتها أمام المؤتمر في دورته المقبلة (الدورة 25) لفحصها واعتمادها بشكل رسمي.
عام 2019 (COP 25)
قدمت الهيئة الفرعية للتنفيذ (SBI) مجموعة من التوصيات إلى المؤتمر لزيادة فاعلية برنامج عمل ليما وخطة عمله، وكان أبرزها توصية من لجنة التكيف (هيئة من الـ15 المشكلة بمقتضى الاتفاقية الإطارية)، طالبت فيها الدول الأطراف بتعميم مراعاة النوع الاجتماعي في جميع عمليات التخطيط للتكيف مع تغير المناخ في المشاريع والبرامج الوطنية، وتوصية أخرى من لجنة التمويل تناشد الأطراف على تشجيع ممولي أنشطة مواجهة تغير المناخ على الإبلاغ عن الجوانب المتعلقة بالنوع الاجتماعي المأخوذة في الاعتبار عند تقديم التمويل، وقياس أثر هذه الأنشطة على النساء والفتيات، بالإضافة إلى دمج المنظور المراعي للنوع في صناديق الاستثمارات المناخية.
عام 2021 (COP 26)
شهدت هذه الدورة إعلان عدد من الدول الأطراف تعهدات بتوجيه جانب من التمويل المناخي إلى المشروعات التي تهدف إلى تحقيق المساواة الجندرية في عمليات مواجهة الأزمة، ومنها بريطانيا التي كشفت عن تخصيص مبلغ 165 مليون جنيه إسترليني لتمويل برنامجين يستهدفان الوصول إلى المساواة بين الجنسين في العمل المناخي. كما أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية التزامها بدعم صندوق عمل المساواة بين الجنسين بـ14 مليون دولار لإعداد وصياغة برامج مناخية مراعية للنوع الاجتماعي، وأكدت كذلك أنها ستعمل على توفير أكثر من 20 مليون دولار لزيادة الفرص الاقتصادية للمرأة في قطاع الطاقة النظيفة، بالتوازي مع زيادة العمل للحد من العنف القائم على النوع الاجتماعي المرتبط بالكوارث المناخية.
في المنحى ذاته، تعهدت كندا بتوجيه 80 في المئة من التمويل الذي تخصصه لمواجهة تغير المناخ، والمقدر بـ5.3 مليار دولار على مدى السنوات الخمس المقبلة، نحو هدف المساواة بين الجنسين. أما جمهورية الإكوادور فقد أعلنت التزامها بالعمل على تعزيز قدرات ومهارات القيادة والتفاوض وصنع القرار داخل المنظمات النسائية العاملة في مجال المناخ.
من ناحية أخرى، توجّه المؤتمر لأول مرة إلى منظمة العمل الدولية (ILO) مطالبًا إياها بإعداد ورقةٍ تقنية تستكشف الروابط بين العمل المناخي المستجيب للنوع الاجتماعي وتحسين الفرص الشاملة للجميع في اقتصاد منخفض الانبعاثات، على أن تقدمها إلى أمانة اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ قبل انعقاد المؤتمر مجددًا في نسخته الـ27، خلال شهر نوفمبر من العام 2022.