الذكرى العشرون لقرار مجلس الأمن 1325: عقدان من الفشل في حماية النساء أثناء النزاعات المسلحة وبعدها
يصادف الـ31 من أكتوبر الجاري، الذكــرى العشرين لاعتماد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة للقرار رقم (1325)، وهو أول وثيقة رسمية تصدر عن هذا الجهاز الأممي حول المرأة والسلام والأمن، ويؤكد القرار على أهمية دور المرأة في منع الصراعات والنزاعات المسلحة وحلها، ويشدد على ضرورة مشـاركتها في جميـع الجـهود الراميـة إلى حفظ السلام والأمن وتعزيزهمـا، ويشير أيضًا إلى الحاجـة الملحـة إلى تعميـم المنظـور الجنســـاني في جميــع عمليــات حفــظ السـلام.
لكن تطبيق القرار جاء محبطًا للغاية، إذ لا يزال إبعاد النساء عن معظم عمليات صنع وحفظ السلام هو الشائع، ويستمر اعتماد اتفاقيات السلام التي لا تتضمن ما يراعي احتياجاتهن، وقد كشف مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي في دراسة سابقة له، أن النسـاء شكّلن فقط 13 في المئة من المفاوضين، و3 في المئة من الوسطاء بين العامين 1992 و2018.
يطالب القرار رقم (1325) الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، باتخاذ اللازم من التدابير لمنع العنف الذي يستهدف النســاء والفتيات أثناء الحروب والنزاعات المسلحة، لا سيما العنف الجنسي، وهو ما لم يلق استجابة حاسمة من جانب الدول، ووفقًا لتقرير صادر عن مجلس الأمن في العام 2015، تشهد 13 دولة من الدول التي تمزقها الحروب الأهلية والنزاعات مسلحة (من بينها: سوريا والعراق واليمن وليبيا)، ارتفاعًا بدرجة كبيرة في جرائم العنف الجنسي ضد النسـاء والفتيات. كما أوضحت بيانات لجامعة إدنبرة في بريطانيا ومجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، أن 5 في المئة فقط من اتفاقيات السلام الموّقعة بين العامين 1991 و2017، تطرقت إلى العنف القائم على النوع الاجتماعي المرتبط بالنزاع.
وتُعرّف الأمم المتحدة العنف الجنسي المرتبط بالنزاع بأنه مصطلح يشير إلى الاغتصاب، والاستعباد الجنسي، والإكراه على ممارسة البغاء، والحمل القسري، والإجهاض القسري، والتعقيم الجبري، والزواج القسري، وأي شكل آخر من أشكال العنف الجنسي على الدرجة نفسها من الخطورة، يتم ارتكابه ضد الإناث أو الذكور، ويرتبط بشكل مباشر أو غير مباشر بالنزاع، ويشير المصطلح أيضًا إلى الاتجار بالأشخاص لغرض العنف الجنسي أو الاستغلال في حالات النزاع.
وتوضح الأمم المتحدة في تعريفها أن الجاني في جرائم العنف الجنسي المرتبط بالنزاع، عادةً ما يكون منتسبًا إلى دولة أو جماعة مسلحة قد تشمل كيانات إرهابية.
قبل عشريـــن عامًا
في الـ31 من أكتوبر في العام 2000، اعتمد مجلس الأمن بالإجماع القرار رقم (1325) الذي تأسس على أربعة ركائز هي: المنع، والحماية، والمشاركة، والإغاثة والتعافي.
ويرتكز القرار المكوّن من 18 مادةً، على عدة محاور هي: دور المرأة في منع نشوب النزاعات والحروب، ومشاركتها في بناء السلام، وحماية حقوقها أثناء النزاع وبعده، ومراعاة احتياجاتها الخاصة لا سيما فيما يتعلق بإعادة التأهيل، والإدماج، والتعمير بعد انتهاء النزاع.
وينص القرار في مادته الأولى على «يحث (الأمين العام للأمم المتحدة) الدول الأعضاء على ضمــان زيـادة تمثيـل المـرأة علـى جميـع مسـتويات صنـع القـرار في المؤسسـات والآليـات الوطنيـة والإقليميـة والدوليـة لمنـع الصراعـات وإدارتها وحلها.»
كما تنص المادة الثامنة من القرار على «يطلب إلى جميع الأطراف الفاعلة المعنية، عند التفاوض على اتفاقـات السـلام وتنفيذها، الأخذ بمنظور جنساني…»
وتنص المادة العاشرة من القرار على «يدعـو (الأمين العام للأمم المتحدة) جميـع الأطــراف في الصراعــات المســلحة إلى أن تتخــذ تدابــير خاصــة تحمـي الفتيـات والنسـاء مـن العنـف القـائم علـى أسـاس الجنـس في حـــالات الصــراع المســلح، لا سيما الاغتصاب والأشكال الأخرى للإيذاء الجنسي.»
تبع القرار (1325) مجموعة من القرارات الاستكمالية المتعلقة بأجندة المرأة والسلام والأمن، بهدف معالجة الإشكاليات التي برزت في القرار الأول، وكان أولها هو القرار رقم (1820) الذي صدر في يونيو من العام 2008، وهو أول قرار أممي يعتبر الاغتـصاب وغـيره مـن أشـكال العنـف الجنـسي التي تقع في إطار النزاعات المسلحة، جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية، أو أفعالًا منشئةً لجرائم تتعلـق بالإبـادة الجماعيـة، مؤكدًا على ضرورة استثناء جرائم العنف الجنسي من أحكام العفو العام في عمليات حل النزاعات. وقد أعقبه صدور القرار رقم (1888)، ثم القرار رقم (1889)، ليلحق بهم القرار رقم (1960)، ثم القرارات (2106) و(2122) و(2242)، وأخيـرًا القرار رقم (2467) المُعتمد في إبريل من العام 2019.
لكن تتابع إصدار هذه القرارات بالتوازي مع تصاعد مستويات العنف الجنسي في أماكن الحروب والنزاعات بحسـب تقارير الأمم المتحدة، يؤكدان إخفاق القرار رقم (1325) في تحقيق ما جاء من أجله.
لماذا فشـــل القرار رقم (1325) في تغيير الواقع؟
أجرت هيئة الأمم المتحدة في العام 2010، مراجعةً للتقدم المحرز في تحقيق الأهداف المنصوص عليها في قرار مجلس الأمن رقم (1325)، فتبين أن حضور المرأة في مفاوضات السلام لا يزال ضئيلًا، وأن اتفاقيات السلام التي تم توقيعها فيما بين العامين 1999 و2009، وتعرّضت في متنها إلى العنف الجنسي المرتبط بالنزاع تبلغ نسبتها نحو 3 في المئة فحسـب. أما الاتفاقيات التي أشارت إلى النســاء واحتياجاتهن في عمليات إعادة الـتأهيل والإعمار، لم تتجاوز نسبتها الـ 2 في المئة خلال الفترة ذاتها.
ويرجع هذا الأمر إلى عدة عوامل، يأتي في مقدمتها ضعف اللغة المستخدمة في صياغة القرار، والركون إلى «دعوة» و«حث» الدول على تمثيل النســاء في عمليات صنع وحفظ السلام من دون «إلزام» بذلك، وبالتالي فالتفعيل والتطبيق متروك للإرادة السياسية لكل دولة، في ظل غياب آليات لمساءلة الأطراف المعنية بشأن تنفيذ أجندة المرأة والسلام والأمن، فضلًا عن أن القرار لم يحدد مدد زمنية واضحة لتحقيق الأهداف المنصوص عليها، وافتقد أيضًا إلى تعيين أدوات لقياس التقدم في هذا المجال.
بالإضافة إلى ذلك، يفتقر القرار إلى ما يضمن أن لا يكون تمثيل النســاء في عمليات صنع السلام إجراء تتخذه الدول للإدعاء بأنها ملتزمة بتطبيق البنود الواردة فيه، بغض النظر عن ما إذا كان مجرد «تمثيــل عددي» لا يسهم في تحقيق هدف إدماج النوع الاجتماعي في إحلال السلام والأمن.
ويجب التنويه إلى أن القرار رقم (1325) ليس قاعدةً ملزمة لأي من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، إذ لا يوجد نظام لمعاقبة من لا ينفذ ما جاء فيه سواء عبر عقوبات قانونية أو اقتصادية، خاصة أنه لم يتم تبنيه تحت مظلة الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي يوفر الإطار الذي يجوز فيه لمجلس الأمن الإنفاذ واتخاذ تدابير إلزامية، إذا قرر أن هناك ما يهدد السلم أو يخل به، أو أقر بوجود عمل من أعمال العدوان يستدعي التدخل لوقفه.
إشكالية أخرى تتمثل في فلسفة القرار رقم (1325) التي تُغلّب رؤية النســاء كضحايا عن كونهن صانعات للقرار، وتتعامل معهن باعتبارهن «كتلة واحدة» على نحو يغض الطرف عن تأثير هويات أخرى إلى جانب الجنس على العنف الذي يستهدفهن حتى خلال أوقات النزاع المسلح، كالتوجه الجنسي، والانتماء الديني والطائفي، والعمـر.
يضاف إلى ذلك، إغفال القرار لمسـألة حماية النساء أثناء عمليات النزوح وحماية المقيمات في مخيمات اللاجئين من الاعتداء الجنسي، وعلى الرغم من أن القرار قد طالب في مادته رقم (12) باحترام الطـــابع المـــدني والإنساني لمخيمات ومستوطنات اللاجئين، ومراعاة الاحتياجـات الخاصـة بالمـرأة والفتـاة حتى عند تصميـم تلك المخيمـات والمسـتوطنات، فإن الأمور على أرض الواقع تمضي على النقيض من ذلك، إذ تشير الدراسات الاستقصائية التي أجرتها المنظمة الدولية للهجرة (IOM) في العام 2015، إلى أن النازحات في العراق يواجهن تحديات أكبر على سلامتهن الجسدية والنفسية وخصوصيتهن بالقياس إلى النازحين الذكور. كما تكشف الدراسات ذاتها أن ما يزيد عن 90 في المئة من لجان تأسيس وإدارة المخيمات في العراق تفتقر إلى مشاركة النســاء.
علاوة على ما سبق، تجاهل القرار رقم (1325) حقيقة أن الرجال والفتيان يمكن أن يكونوا ضحايا للعنف الجنسي مثل النساء والفتيات، وهو ما لم يتم تداركه من قبل مجلس الأمن سوى في القرار رقم (2467) الصادر في العام 2019، الذي اعترف بذلك في مادته رقم (32) التي أقرت بأن الصبية والرجال يواجهون خطر العنف الجنسي خلال النزاع وبعده، وحثت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على حماية الناجيين الذكور، من خلال تعزيز السياسات التي تقدم استجابات مناسبة لهم، وتتحدى الافتراضات الثقافية والاجتماعية بشأن حصانة الذكور تجاه العنف الجنسي.
لا تعني بالضرورة نهاية الصراع المسلح أن الوضع قد صار آمنًا بالنسبة للنساء، بل قد تعني دخولهن إلى مرحلة أخرى من المعاناة، وهو الأمر الذي لم يلتفت إليه القرار، فقد طرح جانبًا قضية دعم النساء والفتيات فيما بعد النزاع، ولم يحمل إشارة إلى حماية حقوقهن الجنسية والانجابية، أو يطالب بتخصيص نسبة (محددة) من حزم التعافي بعد الصراع للصحة الانجابية.
أزمة أخرى تتجسـد في فصل القرار رقم (1325) بين العنف الواقع على النسـاء في ظل النزاعات والحروب، والثقافة الذكورية السائدة التي تسوّغ العنف ضدهن في كل وقت وتضعهن في خانة «الملكية الخاصة» للرجال، ولم يتم تلافي هذه الإشكالية إلا في القرار الاستكمالي رقم (2467) الذي صدر العام الماضي، وجاء في ديباجته أن القرارات السابقة عليه المتعلقة بالمرأة والسلام والأمن، لن يتحقق تقدم في تنفيذها إلا بمشاركة النساء على جميع مستويات صنع القرار، والالتزام بما ورد في اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، وإعلان ومنهاج عمل بيجين الذي يهدف إلى التعجيل بالنهوض بوضع المرأة، عن طريق الدفع باتجاه تحقيق المساواة بينها والرجل داخل المنزل، وفي العمل، وفي جميع مواقع صنع القرار.
للمجتمع المدني دور محوري في الضغط على الحكومات في سبيل تنفيذ القرار رقم (1325)، إلا أن مسألة التمويل الدولي الموّجه لهذا الغرض ما انفكت تمثل عائقًا، إذ يستمر توجيه النسبة الأكبر من المنح الدولية المستجيبة للنوع الاجتماعي (من الدول الأعضاء، والصناديق، والبرامج المختصة) إلى قطاعات كالصحة والتعليم بينما تظل الحصة الموجهة للأمن والسلام قليلة جدًا، ويوضح التقرير الدولي «تمويل قرار مجلس الأمن 1325: المساعدة في دعم المساواة بين الجنسين وحقوق المرأة في السياقات الهشة»، الصادر في العام 2015 عن لجنة المساعدة الإنمائية التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، أن المنح المستجيبة للنوع الاجتماعي فيما يتعلق بالسلام والأمن، بلغت نسبتها 2 في المئة فقط خلال العامين 2012 و2013.
خطط العمل الوطنية: حبر على أوراق باهتة
دعا مجلس الأمن في الـ31 من أكتوبر في العام 2002، الدول الأعضاء في الأمم المتحدة لإعداد خطط عمل وطنية بهدف تنفيذ القرار رقم (1325)، ونتيجة انعدام الاستجابة عاد وطالب بالأمر نفسه في العام 2004، وتشير هذه الخطط إلى الوثائق التي تتضمن القواعد الإرشادية، التي من المفترض أن تلتزم بها الحكومات المحلية لتحقيق أهداف القرار.
وقد خرجت أول خطة عمل وطنية في العام 2005 وهي الخاصة بدولة الدنمارك، وحتى شهر أغسطس الماضي، بلغ عدد الدول الأعضاء بالأمم المتحدة التي أطلقت خطط عمل وطنية 86 دولة، من بينها دول تشهد نزاعات مسلحة كجنوب السودان ومالي، وأخرى في مرحلة ما بعد النزاع مثل البوسنة ونيبال، ودول أخرى لا تعاني من ذلك كالنمسا وهولندا وأيسلندا، إلا أن هذه الخطط لا يتوفر ما يضمن مراقبتها وقياس فاعليتها، فضلًا عن أن أغلب الدول التي استجابت وأعدت هذه الخطط، ليست من الدول التي تعاني من نزاعات مسلحة أو خرجت لتوها من نزاع ما، والأسوأ هو أن عدد الدول التي خصصت ميزانية لتنفيذ هذه الخطط يبلغ 28 دولة فقط (من أصل 86 دولة) أي ما يمثل 33 في المئة فقط، استنادًا لبيانات رابطة النساء الدولية للسلام والحرية.
وفي المنطقة العربية، كان العراق أول بلد بين بلدان المنطقة يعلن في فبراير من العام 2014، عن خطة وطنية بشأن المرأة والسلام والأمن، وقد ركزت الخطة المحدد لها إطار زمني يمتد لأربع سنوات، على تعزيز المساواة بين الجنسين في الوثائق القانونية، وإزالة التشريعات التي تنتهك حقوق المرأة، ومنع العنف ضد المرأة، وزيادة مشاركتهن السياسية، إلا أنها لم تتناول المحاور الرئيسة في القرار رقم (1325) المتمثلة في مشاركة المرأة في حل النزاعات وإحلال السلام، ومنع العنف القائم على النوع الاجتماعي ومراعاة احتياجات المرأة أثناء الصراع وبعده، وهي أمور وثيقة الصلة بواقع المرأة العراقية. كما أن هذه الخطة لم تُحدث أثرًا ملموسًا حتى في المجالات التي ركزت عليها، نتيجة الاضطرابات السياسية المستمرة والأزمة الاقتصادية التي تُنهك البلاد.
لحق بدولة العراق في المنطقة العربية، كل من فلسطين في العام 2015، والأردن في العام 2017، وفي إبريل من العام 2019 أثناء مناقشة مجلس الأمن للقرار رقم (2467)، تعهدت تسع دول بتطوير خطط عمل وطنية لتنفيذ القرار رقم (1325)، كانت مصر الدولة العربية الوحيدة بينها، في حين يغيب عن المشهد تمامًا دول عربية تعاني من حروب أهلية وتكابد نزاعات مسلحة، كسوريا وليبيا واليمن.