تهانينا لهؤلاء الرجال: في دورته الـ92 .. «الأوسكار» يحبط النساء من جديد
النسخة الـ92 للأوسكار تتجاهل المخرجات على غرار سابقتها.. وفيلم وحيد بين تسعة أفلام مرشحة لــ«أفضل فيلم» تتمحور قصته حول شخصيات نسائية، ومعالجته الدرامية وصفت بـ«النسوية»
تهانينا لهؤلاء الرجال
أثناء الإعلان عن المرشحات والمرشحين لجوائز الأوسكار للعام 2020، يوم الـ13 من يناير الماضي، وبالتحديد بعد إعلان أسماء المرشحين لجائزة أفضل إخراج سينمائي، علّقت الممثلة والكاتبة الأمريكية إيسا راي، التي كانت تشارك في العرض التقديمي، بنبرة ساخرة قائلة «تهانينا لهؤلاء الرجال – Congratulations to those men»، وهي الجملة التي أحدثت صدى واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد أن قوبلت بإعجاب ودعم كبيرين من جانب قطاع عريض من النساء وبالأخص الأمريكيات، إذ عبّرت بها إيسا عن حالة الامتعاض التي أصابتهن، نتيجة استمرار تغييب المخرجات عن قائمة المرشحين لواحدة من أهم جوائز الأوسكار، ليظل إجمالي عدد من حظين بالترشيح لهذه الجائزة على مدار 92 عامًا هي عمر الأوسكار، خمس سيدات فحسب، بينما لم تفز بها سوى مخرجة واحدة.
يأتي ذلك بعد أن توّقع نقاد ومتابعون، أن تحصل المخرجة الأمريكية جريتا جيروج على ترشيح للجائزة عن فيلمها «نساء صغيرات – Little Women»، ليكون الثاني في مسيرتها الإخراجية بعد ترشيحها في العام 2018، عن فيلمها «Lady Bird»، إلا أن ذلك لم يحدث رغم الإشادات المتلاحقة التي يحصدها الفيلم منذ بدء عرضه السينمائي في ديسمبر الماضي.
الأمريكية كاثرين اَن بيغلو هي المخرجة الوحيدة التي فازت بجائزة الأوسكار لفئة أفضل إخراج سينمائي، عن فيلمها «خزانة الاَلم – The Hurt Locker»، وذلك في العام 2010.
يقدم فيلم «نساء صغيرات -Little Women» رؤية جديدة لرواية الكاتبة الأمريكية لويزا ماي ألكوت، التي تحمل الاسم نفسه ونُشِرت لأول مرة في العام 1868، وتدور حول أربع شقيقات يعشن مع أمهن في إحدى مدن ولاية ماساتشوستس، بعد أن تركهن الأب للخدمة العسكرية بالجيش إبان الحرب الأهلية الأمريكية، وتتناول الرواية فكرة الزواج والأسرة وتصوّرات المجتمع عن النساء ولهن، في القرن التاسع عشر.
لكن الفيلم الذي يحل رابعًا في سلسلة الأعمال الفنية (سينمائية وتلفزيونية) المأخوذة عن الرواية نفسها، يجسد أحداثها برؤية مغايرة، إذ جعلت المخرجة جريتا جيروج عماد قصة الأخوات الأربع في الفيلم، هو الدعم والتضامن فيما بينهن والتمرد على ما هو ثابت وقائم، فضلًا عن أنها اختارت أن تُغيّر نهاية الرواية التي طالما طالها الانتقاد لانتصارها للأدوار النمطية التقليدية للنساء. وقد قوبلت معالجة الفيلم بتقريظ من كاتبات نسويات، سجلن احتفاءهن بها في مقالات نقدية عديدة في المواقع والصحف الأمريكية.
بالإضافة إلى جريتا جيروج، وضعت مخرجات أخريات بصمتهن خلال العام 2019 في هوليوود، مثل: لولو وانغ عن فيلمها «الوداع – The Farewell»، ومارييل هيلر عن فيلمها «يوم جميل في الجوار – A beautiful day in the Neighborhood»، ولوريني سكافاريا عن فيلمها «محتالون – Hustlers».
ورغم غياب اسم جريتا عن المتنافسين على جائزة أفضل مخرجـ\ة، فإنه لم يتوار نهائيًا عن ترشيحات الأوسكار للعام 2020، فهي واحدة من سبعة مرشحين لجائزة أفضل سيناريو مقتبس. وفي هذه المنافسة، هي المرأة الوحيدة التي كتبت سيناريو لفيلم نسائي الصنع وأغلب أبطاله من النساء، في مقابل رجال كتبوا سيناريوهات لأفلام ذكورية البناء والصناعة، ترتكز قصصها على شخصيات ذكورية، لا مكان للنساء فيها سوى على الهامش.
الأفلام المرشحة لجائزة أفضل سيناريو مقتبس هي: «نساء صغيرات – Little Women»، «جوكر –Joker»، «الرجل الإيرلندي – The Irishman»، «البابوان – The Two Popes»، «جوجو رابيت – Jojo Rabbit».
منذ توزيع الدفعة الأولى من جوائز «الأوسكار» في العام 1929 وحتى العام 2020، رشحت الأكاديمية خمس سيدات لجائزة الأوسكار لأفضل مخرجـ\ة، وفقط 14 فيلمًا من إخراج نساء تم ترشيحها لجائزة أفضل فيلم
بعد عام سينمائي ذكوري بامتياز: أفلام «الرجال» تتصدر الترشيحات
اللافت في ترشيحات «الأوسكار» لهذا العام، أن الأفلام الأربعة التي استحوذت على العدد الأكبر من الترشيحات، هي أفلام ذكورية على مستوى الصناعة والموضوع والشخصيات السينمائية، ولا يتجاوز حضور النساء فيها على الشاشة سوى مشاهد معدودة، وشخصياتهن إما غير مؤثرة وإما نمطية.
يأتي على رأس الأفلام الأربعة، «جوكر- Joker» الذي نال الحصة الأكبر بـ11 ترشيحًا، ويلحق به «الرجل الأيرلندي – The Irishman»، و«ذات مرة في هوليوود – Once Upon a time in Hollywood»، و«1917»، التي حصد كل منها 10 ترشيحات، وهذه الأفلام حظيت بترشيحات للجوائز الرئيسة: أفضل فيلم، أفضل إخراج، أفضل سيناريو. وجدير بالذكر أن فيلم «1917» لم تظهر فيه شخصية نسائية إلا في مشهد واحد، ولم تكن تحمل اسمًا، ولم يكن لكلماتها المحدودة تأثير على شخصيات وأحداث الفيلم.
في المقابل، حصد «Little Women – نساء صغيرات» ستة ترشيحات، من بينها الترشيح إلى جائزة أفضل فيلم بين تسعة أفلام. أما فيلم «Bombshell -قنبلة» الذي تناول قضية التحرش والابتزاز الجنسي الذين تتعرض لهما النساء في أماكن العمل، مستندًا إلى أحداث حقيقية، فقد أحرز ثلاثة ترشيحات ليس من بينها أي ترشيح للجوائز الثلاث الرئيسة.
فيلم «قنبلة – Bombshell» من إخراج الأمريكي إخراج جاي روتش، وبطولة نيكول كيدمان وتشارليز ثيرون ومارجوت روبي، وتدور أحداثه حول جرائم التحرش الجنسي التي اتُهم بارتكابها المنتج الأمريكي روجر أيلس، رئيس مجلس إدارة قناة «فوكس نيوزFox News -»، وأدت إلى الإطاحة به من منصبه وأخرجته من الساحة الإعلامية برمتها.
هيلدور غوانادوتير.. سابع امرأة تترشح لجائزة أفضل موسيقى تصويرية
ضمت قائمة المرشحين لجائزة أفضل موسيقى تصويرية، اسم الموسيقية الأيسلندية هيلدور غوانادوتير، لتصبح بذلك واحدة من سبع سيدات فقط ترشحن إلى هذه الجائزة منذ إطلاقها.
وقد حازت غوانادوتير على هذا الترشيح عن الموسيقى التصويرية الخاصة بفيلم «جوكر – Joker»، وهو أول ظهور لاسمها في قوائم المرشحين لجوائز الأوسكار، وفي حال فوزها ستصبح أول موسيقية تقتنص الجائزة منذ العام 1997، وستكون الرابعة بعد ثلاث حصلن عليها، وهن: الموسيقية آن دودلي عن فيلم «كل ما هو مطلوب – The Full Monty»، والموسيقية راشيل بورتمان عن فيلم «إيما – Emma»، أما الموسيقية مارلين بيرغمان فقد حصلت على الجائزة بالمناصفة مع آلان بيرغمان، عن فيلم «ينتل – Yentel».
وكانت هيلدور غوانادوتير قد حققت إنجازًا تاريخيًا في شهر ديسمبر الماضي، بعد أن ظفرت بجائزة الجولدن جلوب لأفضل موسيقى تصويرية، التي حظيت بالترشيح لها أيضًا عن فيلم «جوكر – Joker»، وأصبحت أول امرأة تفوز بهذه الجائزة منفردةً، إذ لم يسبقها إلى ذلك إلا الموسيقية الأسترالية ليزا جيرارد التي تقاسمت الجائزة مع هانز زيمر، عن الموسيقى التصويرية لفيلم «المصارع – Gladiator» في العام 2000.
السورية وعد الخطيب تنافس على «أفضل فيلم وثائقي»
للعام الثاني على التوالي، تحل مخرجة عربية بين المتنافسين على جوائز الأوسكار عمومًا، وهي المخرجة السورية وعد الخطيب التي شاركها البريطاني إدوارد واتس في إخراج فيلمها «من أجل سما – For Sama»، الذي اختير ضمن الأفلام الخمسة المرشحة لجائزة أفضل فيلم وثائقي.
أما العام الماضي، فقد شهدت منافسات النسخة الـ91 للأوسكار ترشيح فيلم «كفر ناحوم» للمخرجة اللبنانية نادين لبكي، إلى جائزة أفضل فيلم غير ناطق بالإنجليزية، حيث صارت أول مخرجة عربية يترشح فيلمها للجائزة التي تعد الحلم الأكبر للسواد الأعظم من المخرجين في المنطقة العربية.
يوّثق «من أجل سما» بعيون مخرجته حالة الحرب والدمار التي تعيشها مدينة حلب السورية، فهي بطلة الفيلم وحاملة الكاميرا التي تصوّر تفاصيل المدينة وتسجّل أحداثها، وتُظهر بعدستها معاناة السوريات، وكيف يتعايشن مع الوضع تحت القصف والحصار. وتبرز وعد في فيلمها قوة النساء في تحمل آلام الفقد وظروف الفقر، وتكشف مدى إصرارهن على التمسك بالأمل ومقاومة اليأس.
وعد الخطيب هي ثاني مخرجة عربية ينال فيلمها ترشيحًا لجائزة الأوسكار لفئة أفضل فيلم وثائقي، بعد المصرية – الأمريكية جيهان نجيم التي حظي فيلمها «الميدان» بالترشيح في العام 2014.
ثمة تقدم في «الأرقـــام»
لقد سجل العام 2019 ارتفاعًا في نسبة التمثيل النسائي في عضوية أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة المعنية باختيار وتوزيع جوائز الأوسكار سنويًا، إذ وصلت إلى 32 في المئة بعد أن كانت 25 في المئة في العام 2015. ورغم الإحباط الناجم عن بقاء النساء خارج دائرة المرشحين لجائزة الإخراج السينمائي، وهيمنة الأفلام الذكورية على جائزة الفيلم الأفضل، يوجد تقدم في جانب ما، وهو عدد النساء المرشحات لجوائز الدورة الـ92 للأوسكار، إذ يبلغ عددهن 65 من أصل 209 مرشحة ومرشح في الفئات الــ24 بنسبة تمثيل تصل إلى 31 في المئة، بعد أن كانت النسبة في الدورة السابقة، 27.5 في المئة بواقع 62 مرشحة من أصل 225 مرشحة ومرشحًا، وكانت في دورة العام 2017 (الدورة الـ90) 26.8 في المئة، إذ بلغ عدد المتنافسات على جميع الجوائز حينها 57 من أصل 213 متنافسة ومتنافسًا.
لكن في النهاية، يظل الجانب الإيجابي قاصرًا على تقدم في الحضور عبر الأرقام، بغض النظر عما إذا كانت هذه الأرقام تعبر عن منافسة على الجوائز الرئيسة وبشكل منفرد أم هي ترشيح مع شريك «ذكر» ووجود مكثّف في قوائم ترشيحات الأزياء والمكياج.