نظرة على نتائج مؤشر «المرأة والسلام والأمن» العالمي: لماذا تتمسك الدول العربية بالمراكز المتأخرة؟
أصدر معهد المرأة والسلام والأمن بجامعة جورج تاون في الولايات المتحدة، خلال الأسبوع الأخير من شهر أكتوبر، قياسات مؤشر المرأة والسلام والأمن (WPS)، بشأن الدول الأفضل والأسوأ للنساء، والتي يحددها ثلاثة أبعاد وهي: الشمول والإندماج، والعدالة، والأمن.
ويشترك معهد المرأة والسلام والأمن مع معهد بحوث السلام في أوسلو، في عمليات البحث والدراسة، بغية الوقوف على حقيقة رفاه المرأة ومدى تمكينها في المجتمع. وقد سبق أن أصدرت الجهتان قياسات المؤشر لأول مرة في العام 2017، ثم استمر العمل على الرصد على مدار عامين إلى أن صدرت القياسات الأخيرة، ومن المزمع أن تصدر القياسات المقبلة في العام 2021.
وتُظهِر النتائج المُعلَن عنها مؤخرًا أن اتجاهات تمكين المرأة تُسجّل تقدمًا على الصعيد العالمي، لا سيما أن 59 دولة حققت تقدمًا ملحوظًا منذ صدور القياسات السابقة، بينما شهدت اليمن التدهور الأكبر بين الدول المشمولة بالبحث، وعددها 167 دولة. كما تفيد النتائج أن أيسلندا هي الدولة الوحيدة التي حققت نتائج إيجابية في الاتجاهات الثلاثة (الشمول والإندماج، والعدالة، والأمن).
ويقيس مؤشر المرأة والسلام والأمن (WPS) التقدم في الاتجاهات الثلاثة بناءً على مجموعة من الدلائل وهي التعليم، والشمول المالي، والتوظيف، واستخدام الهواتف النقالة، والتمثيل البرلماني، كدلائل على الشمول والإندماج، بينما تُحلل مستويات العنف المنزلي (عنف الشريك تحديدًا)، والسلامة المجتمعية، والعنف المنظم للاستدلال على الأمن. أما العدالة فيُقَاس التقدم المحرز بشأنها استنادًا إلى مستويات التمييز القانوني، والتمييز بين الأبناء لصالح الذكور، والأعراف التمييزية.
الأفضل والأسوأ: النرويج على القمة واليمن في القاع
يضع مؤشر المرأة والسلام والأمن (WPS) النرويج على رأس القائمة الطويلة، وتتبعها سويسرا، ومن بعدهما فِنلندا، ثم الدنمارك، وأيسلندا، والنمسا، والمملكة المتحدة، ولوكمسبورغ، والسويد، وهولندا، وكندا.
أما قائمة الدول العشر الأسوأ، فقد ضمت اليمن – في قاع الترتيب- وأفغانستان، وسوريا، وباكستان، والعراق، والكونغو، وجمهورية أفريقيا الوسطى، ومالي، وليبيا، وتشاد.
وقد برزت الهيمنة العربية على مجموعة العشر الأضعف في توظيف النساء، حيث حضرت اليمن، وسوريا، والجزائر، والأردن، والعراق، ومصر، وتونس، والمغرب.
وبحسب نتائج المؤشر، فإن ما يقدر بنصف الرجال في كل من مصر والعراق يرون أنه من غير المقبول أن تعمل المرأة. لكن هذه الرغبة الذكورية في التضييق على وجود المرأة في المجال العام وحرمانهن من حقهن في العمل، يقابلها إيمان وقناعة لدى القطاع الأوسع من النساء بأن العمل ضرورة، إذ كشف مسح القيم العالمية للعام 2014، أن نحو 60 في المئة من النساء في مصر والأردن اتفقن على أن «الوظيفة» هي أفضل وسيلة حتى تصبح المرأة مستقلة.
يصدر مسح القيم العالمية عن رابطة بالاسم نفسه، تهدف إلى استكشاف قيم الأفراد ومعتقداتهم وكيف تتغير بمرور الوقت، بالاضافة إلى تأثيرها الاجتماعي والسياسي.
الدول العربية تحتكر المراكز الأسوأ في «التمييز القانوني»
منذ صدور القياسات السابقة قبل عامين وإلى الآن، يبدو أداء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ضعيفًا بالمقارنة مع مناطق أخرى، كأمريكا اللاتينية والكاريبي، وأوروبا وأفريقيا الوسطى، وجنوب آسيا، وشرق آسيا والمحيط الهادئ، وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، بالإضافة إلى مجموعة الدول المتقدمة، ويرجع ذلك إلى ارتفاع مستوى العنف المنظم والقوانين التمييزية الذي غالبًا ما يقترن بمعدلات منخفضة فيما يتعلق بالإندماج والشمول، وخاصة في الوظائف مدفوعة الأجر.
وتحتفظ المملكة العربية السعودية بمكانتها كأسوأ دولة على صعيد التمييز في النظام القانوني ضد النساء، ويتبعها اليمن ثم السودان، لتلحق بهما الإمارات ثم سوريا.
كانت السعودية قد أعلنت قبل عدة شهور، عن تعديلات في أنظمة وثائق السفر والأحوال المدنية والعمل، من شأنها إسقاط ولاية الرجل على المرأة في عدد من الأمور على رأسها السفر إلى الخارج، إلا أنها ما زالت تشرعن ولاية الرجل على المرأة في الزواج والطلاق، وفي إطلاق سراحهن والخروج من دور الاحتجاز والسجون، فضلًا عن التمييز في نظام الأحوال الشخصية، فيما يخص حق الحضانة، إذ أن زواج الأم بعد الطلاق من الأب يُسقِط عنها الحضانة، كما يحق للأب وحده التصريح بالسفر للأطفال.
التقسيم الإقليمي: الإمارات.. الأفضل في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا
يُظهر توزيع نتائج المؤشر حسب التقسيم الإقليمي، أن جمهورية ترينيداد وتوباجو هي صاحبة أفضل أداء في منطقة أمريكا اللاتينية والكاريبي، أما الأداء الأضعف في هذا النطاق فقد سجلته هايتي. وفي نطاق شرق آسيا والمحيط الهادئ، تقدمت منغوليا على بقية الدول، بينما حلّت ميانمار في ذيل القائمة بأداء هزيل.
وتأتي نيبال على رأس الدول الأفضل للنساء في جنوب آسيا، ويقابلها أفغانستان التي احتلت المركز الأخير في هذه المنطقة. وفي مجموعة الدول المتقدمة، اعتلت النرويج القائمة، بينما سجلت اليونان الأداء الأضعف.
الدول المتقدمة أو دول العالم الأول هو تصنيف يضم مجموعة من الدول توّصف بأنها الأكثر تقدمًا على صعيد التطور التكنولوجي والصناعي، إلى جانب النمو الاقتصادي، ومن أبرزها: الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، وكندا، وألمانيا، وأستراليا، واليابان، والدول الإسكندنافية.
بالإضافة إلى ذلك، تثبت نتائج مؤشر المرأة والسلام والأمن (WPS) تقدم الإمارات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بينما تحل أخيرةً في القائمة، دولة اليمن التي ترزح تحت حرب أهلية طاحنة منذ العام 2015.
وتعتبر دولة الإمارات هي الأفضل عربيًا في مجال تمكين النساء – وفق الأرقام المحلية والدولية- فقد سجلت أدنى معدل للأمية بين النساء في العالم العربي بواقع 7.3 في المئة في العام 2015. وبحسب أرقام رسمية، فإن النساء يمثلن نحو 66 في المئة من العاملين في القطاع العام في هذا البلد، و30 في المئة منهن في المواقع القيادية. كما تشغل النساء حاليًا نحو 29 في المئة من التشكيل الوزاري، فضلًا عن نجاحهن في حصد 35 في المئة من مقاعد المجلس الوطني الاتحادي (السلطة التشريعية)، الذي انعقدت انتخاباته في شهر أكتوبر الماضي.
المؤشر يضع الخليج في مراتب متقدمة عن بقية الدول العربية
يثير ترتيب الدول الخليجية في قائمة الـ167 دولة المشمولة بالبحث، العديد من التساؤلات، خاصةً أن دولًا عربية مثل تونس والمغرب ومصر ولبنان، حلّت في مواقع متأخرة عنها.
وقد احتلت الإمارات المركز 44 في القائمة، وجاءت قطر في المركز الـ72، ثم البحرين في المركز الـ83، ومن بعدها الكويت في المركز الـ96، وحملت السعودية رقم 120 في القائمة.
اللافت أن تونس، البلد الذي تحقق لنسائه كثير من المكاسب، التي تضعه في مقدمة الدول العربية في مجال دعم حقوق النساء وتمكينهن، يأتي في المركز 121 بعد الدول الخليجية المذكورة.
تونس هي أول دولة عربية تُصدر قانونًا يهدف إلى القضاء على مختلف أشكال العنف ضد المرأة والتمييز بين الجنسين، وذلك في أغسطس من العام2017، ولم يلحق بها سوى المغرب عندما صوّت البرلمان لصالح قانون مماثل في فبراير من العام 2018.
تأتي الأردن في المركز 129، ثم المغرب في المركز 133، والجزائر في المركز 143، ولبنان في المركز 147، ثم تتقاسم مصر وموريتانيا المركز 151، وتأتي الصومال في المركز 153. وبين العشر الأسوأ تأتي السودان في المركز 157، ثم ليبيا في المركز 158، ثم العراق في المركز 162، وسوريا في المركز الـ165، واليمن أخيرةً في المركز 167.
وتبرز العلاقة بين النزاعات المسلحة ونتائج مؤشر المرأة والسلام والأمن (WPS)، فقد احتلت الدول التي تعاني من استمرار هذه النزاعات المراكز الأخيرة في المؤشر، ومنها اليمن، وليبيا، وسوريا، والعراق. في المقابل، سجلت الدول صاحبة الأداء الأفضل في المؤشر، إنخفاضًا في معدلات العنف الجنسي، والاعتداءات الجماعية، والاختطاف، والاختفاء القسري التي تستهدف النساء في مناطق النزاع.
عنف الشريك الحميم: العراق هي الأسوأ في الشرق الأوسط
تُظهِر نتائج المؤشر علاقة قوية بين عنف الشريك الحميم، ومدى التقدم الذي تحققه الدول في اتجاهات تمكين المرأة. إذ تسجل أفغانستان والعراق وجنوب السودان مراكز متأخرة في المؤشر، وهي الدول التي تتجاوز فيها معدلات عنف الشريك الحميم الـ40 في المئة، بحسب أرقام أممية.
وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، سجلت المغرب أقل معدلات فيما يتعلق بعنف الشريك الحميم، بينما حققت العراق النتيجة الأسوأ في هذا الصدد.
بحسب ما جاء في مقدمة التقرير الذي اشتمل على هذه النتائج، فإن الهدف من مؤشر المرأة والسلام والأمن (WPS) هو أن يكون مساهمًا في تعزيز وتوجيه الجهود المحلية والدولية الرامية إلى تحقيق الأمن والسلام والعدالة للمرأة، في إطار خطة التنمية المستدامة.