بريطانيا تحارب العنف الأسري: قانون في طريقه إلى النور وقواعد ملزمة للإعلام من أجل تغطية حساسة
شهدت المملكة المتحدة صعودًا في معدلات العنف الأسري خلال السنوات الأخيرة، وعلى الرغم من تزايد الإبلاغ لدى الشرطة، ما زالت غالبية الحوادث بعيدة عن سجلات الجهاز الشرطي، بما يسمح بإفلات مرتكبي الانتهاكات ضد النساء تحديدًا. وحسب مكتب الإحصاءات الوطنية في المملكة المتحدة، هناك نحو 7.9 في المئة من النساء تعرضن للعنف الأسري خلال العام 2018، أي ما يعادل مليون وثلاثمائة امرأة. وتفيد أرقام رسمية بأن امرأتين تُقتلان كل أسبوع في بريطانيا على يد شريك حالي أو سابق أو فرد من أفراد الأسرة.
مع تكاثر التحذيرات التي خرجت من مؤسسات حقوقية ونسوية في بريطانيا إزاء الظاهرة، خرجت رئيسة الوزراء البريطانية تريزا ماي في فبراير من العام 2017، لتعلن عن إجراء مشاورات بخصوص التعامل مع ظاهرة العنف الأسري، متعهدةً بإصدار قانون جديد للعنف الأسري، ليكون أول إطار تشريعي موحد لتعريف وتحديد العنف الأسري واَليات التصدي له، كما وعدت بتخصيص مبلغ عشرين مليون جنيه إسترليني تمويلًا إضافيًا لخدمات مواجهة ومنع هذا العنف.
وتعرّف منظمة الصحة العالمية العنف الأسري بأنه «عنف جنسي ونفسي وبدني واقتصادي يمارسه الشركاء الحميمون أو السابقون، أو أفراد الأسرة مثل الوالدين أو الأشقاء أو الأقارب.»
الضغط النسوي يؤتي أكله
من المزمع أن يصدر القانون الجديد خلال العام الجاري، بعد أن تنتهي النقاشات حول مواد مشروع القانون الذي أطلقته الحكومة في الـ21 من يناير الماضي، ويغطي المشروع خمسة محاور رئيسة، من بينها: تعريف العنف الأسري، وإدراج الاستغلال الاقتصادي ضمن أشكال العنف الأسري، وتوسيع دائرة ممارسي العنف لتشمل أفراد الأسرة الذين لا يعيشون مع المعنفة في البيت نفسه، وتوفير إجراءات حمائية للناجيات من العنف خلال فترة التقاضي، بالإضافة إلى تعديلات تسمح بتوقيع بريطانيا على اتفاقية اسطنبول (اتفاقية منع ومكافحة العنف ضد المرأة والعنف المنزلي).
بالتوازي مع المسار التشريعي، أعلن أكبر منظمين مستقلين للإعلام في بريطانيا، IPSOو IMPRESS، في شهر إبريل، تبني قواعد ملزمة لمنع التغطيات الصحافية غير المسؤولة التي تزيد من حدة الصدمة لدى أسر الضحايا والناجيين من العنف المنزلي، ويأتي هذا الإعلان استجابة لحملة قادتها منظمة Level Up النسوية، ضد التغطيات الصحافية غير الحساسة لحوادث العنف الأسري، بعد أن نجحت في جمع نحو 20 ألف توقيع، يطالب أصحابها بوضع قواعد مُلزمة للصحافيين من أجل تغطيات ترفع الوعي بمخاطر العنف الأسري، وتنصف الناجيات منه ولا تفتح الباب أمام إلقاء اللوم عليهن.
المنظم المستقل في المملكة المتحدة، هو جهة منوط بها التحقيق في ارتكاب الصحف والمجلات خروقات للميثاق المنظم لعملية التحرير الصحافي واتخاذ إجراءات في حال ثبوتها، إلى جانب حماية الحقوق الفردية، وتعزيز معايير حرية الصحافة. أما منظمة Level Up فقد تأسست في العام 2016، على يد مجموعة من الناشطات النسويات، لمواجهة التمييز على أساس الجنس في المملكة المتحدة.
القواعد الستة التي وضعتها مؤسسة Level UP، واشترك في صياغتها أكاديميون، ومجموعة من أسر الناجيات والناجيين، وممثلون من جمعيات مناهضة العنف الأسري، تركز على تجنب استخدام لغة وصور بعينها حتى تخرج تغطيات وقائع العنف والقتل المنزلي بشكل اَمن وحساس، كما تضع خمس نقاط رئيسة كأولوية وهي: المحاسبة، والدقة، والكرامة، والمساواة، والصور.
تنص هذه المبادئ التوجيهية على تحميل مرتكب العنف أو القاتل المسؤولية وحده، وتجنب الحديث عن مبررات الحادثة كما لو كان الطرف الواقع عليه العنف شريكًا في وقوعه، والتوقف عن وصف الحدث بأنه غير معهود أو استثنائي، لأن جرائم القتل المرتكبة على يد أحد أفراد الأسرة خاصة الشريك الحميم، تنتج عن شعور عميق لدى مرتكبها بالامتلاك والسيطرة القسرية. وتجدر الإشارة إلى أن 70 في المئة من وفيات العنف المنزلي في بريطانيا من الإناث، وفق أرقام مكتب الإحصاءات الوطنية.
تركز القواعد أيضًا على الدقة في استخدام وصف «جريمة عنف أسري» أو «جريمة عنف منزلي»، بدلًا عن الاعتماد على أوصاف مثل الحادث المأساوي أو واقعة مفزعة أو حادث دموي.
قاعدة أخرى يتعين على الصحافيين الالتزام بها، هي الابتعاد عن استخدام لغة مثيرة أو بيانات شخصية عن الناجية من العنف أو ضحية القتل، تسيء إليها أو إلى أسرتها. كما تشير إحدى القواعد إلى ضرورة توخي الحذر عند اختيار الصور المصاحبة للمادة الصحافية المنشورة، والامتناع عن اللجوء إلى الصور الأرشيفية التي تعزز من كون الجريمة مجرد اعتداء جسدي، والصور التي تظهر النساء في موضع عجز أو جزع.
وتشدد إحدى القواعد على ضرورة الإشارة إلى خط المساعدة الوطني المخصص للعنف الأسري، في أي مادة صحافية تتناول إحدى هذه الحوادث أو تستعرض معلومات وبيانات لها علاقة بالظاهرة.
استعراض هذه المبادئ التوجيهية هو عرض لتجربة من المفترض أن تكون نموذجًا تتبعه وسائل الإعلام في شتى دول العالم، لا سيما الدول العربية التي ترتفع فيها معدلات العنف ضد المرأة على يد أفراد الأسرة خاصة الأزواج، في ظل انتشار أفكار دينية ومجتمعية تُرخّص للرجل ممارسة العنف ضد زوجته، وأخته، وابنته، وأي امرأة تربطها به صلة قرابة.