نيويورك – اجتماعات لجنة وضع المرأة بالأمم المتحدة

عقدت هيئة كير الدولية (Care International) بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للسكان (UNFPA) يوم الجمعة الماضي، 15 مارس، جلسة حول قضية زواج القاصرات في منطقة الشرق الأوسط، وذلك في إطار اجتماعات لجنة وضع المرأة بالأمم المتحدة في دورتها الثالثة والستين والمنعقدة حتى يوم 22 مارس الجاري في مدينة نيويورك.

شارك في الجلسة ممثلات لمنظمات نسوية تعمل في مجال مناهضة تزويج القاصرات في عدد من الدول العربية ومنها مصر والأردن ولبنان، واتفق جميعهن على أن زواج القاصرات ظاهرة مشتركة في جميع الدول العربية، يعضد استمرارها النظام الأبوي. وشددت المتحدثات في الجلسة على أن الأزمة السورية ساهمت في رفع نسبة تزويج القاصرات خلال السنوات التسع الأخيرة، خاصة في ظل تنامي الظاهرة داخل مخيمات اللاجئين وبالأخص مخيم الزعتري الموجود في شمال شرق الأردن.

تفيد بيانات صادرة عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة (UNICEF) بأن 12 مليون فتاة حول العالم تتزوج قبل إتمام 18 عامًا، وفتاة من كل خمس في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تتزوج قبل هذه السن. وحسب المنظمة، فإن استمرار زواج الطفلات بهذا المعدل، سيؤدي إلى تزويج 150 مليون فتاة حول العالم قبل عيد ميلادهن الثامن عشر بحلول العام 2030.

أدارت الجلسة فاطمة خفاجى عضوة مجلس إدارة رابطة المرأة العربية وعضوة الاتحاد النوعي لنساء مصر، وتحدثت من الأردن ليلى النفّاع مديرة جمعية النساء العربيات، وقد استهلت حديثها بالتشديد على أن زواج القاصرات بوصفه أحد صور العنف ضد الفتيات، ينتشر في مختلف دول العالم بما فيها الولايات المتحدة التي يوجد فيها أكثر من 200 ألف فتاة تزوجن قبل أن يكملن عامهن الثامن عشر، إلا أنه يظل  أكثر انتشارًا في الدول العربية، مشيرةً أن جذور المشكلة تتشابه في هذه الدول وبالتالي فإن الحل لا بد أن يكون موحدًا.

وأضافت نفّاع «معالجة أزمة زواج القاصرات، تضيف مزيدًا من الأعباءً على نظم الحماية الاجتماعية التي تتصدر نقاشات اجتماعات لجنة وضع المرأة في دورتها الحالية، كما أن تزويج الفتيات مبكرًا يعطل جهود المنظمات والمجموعات الرامية إلى تحجيم وإنهاء العنف ضد المرأة.»

وتابعت قائلة «نحن نعيش في مجتمعات أبوية، تنظر إلى المرأة باعتبارها عبئًا وليست إنسانًا له حقوق، وهذا ما يؤكده المثل الشعبي: هم البنات للممات، وبهذا المنطق يرى المجتمع النساء ويتعامل معهن.»

تطرح الدورة الثالثة والستين للجنة وضع المرأة بالأمم المتحدة، المنعقدة حاليًا في مدينة نيويورك، موضوع نظم الحماية الاجتماعية، وفرص الاستفادة من الخدمات العامة والبنى التحتية المستدامة لتحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين النساء والفتيات.

أشارت نفّاع إلى أن المأذونين (رجال الدين المنوط بهم عقد القران وتوثيقه)، يساهمون في تعميق الأزمة، لأنهم يدعمون زواج القاصرات، لأنهم رجال وبالتالي يسوّغون نصوص الدين لصالح «الرجل».

وبخصوص القانون، قالت نفّاع إن الحرب ما زالت مستمرة مع البرلمان من أجل إقرار قانون يجرّم تزويج الفتيات أقل من 18 عامًا، دون أي استثناء، إذ ينص قانون الأحوال الشخصية الحالي على تحديد سن الزواج بـ18 عامًا، لكنه يجيز الزواج لمن أكمل 15 عامًا لضرورة تقتضيها المصلحة.

من جانبها، قالت حياة ميرشاد مسؤولة التواصل والإعلام بالتجمع النسائي الديمقراطي اللبناني، إن القانون اللبناني يبيح زواج القاصرات، موضحةً أن لبنان لا يعرف قانونًا موحد للأحوال الشخصية، ولكل طائفة دينية من الـ15 المعترف بها في البلاد قانونها الخاص، وأكثر هذه الطوائف يسمح بتزويج الفتاة قبل أن تكمل 18 عامًا.

يذكر  أن قوانين الأحوال الشخصية الطائفية في لبنان تستمد قوتها من المادة التاسعة في الدستور اللبناني التي تنص على «حرية الاعتقاد مطلقة، والدولة بتأديتها فروض الإجلال لله تعالى تحترم جميع الأديان والمذاهب، وتكفل حرية إقامة الشعائر الدينية تحت حمايتها على أن لا يكون في ذلك إخلال في النظام العام، وهي تضمن أيضًا للأهلين على اختلاف مللهم احترام نظام الأحوال الشخصية والمصالح الدينية.»

وأردفت ميرشاد قائلة «في لبنان، يحاول البعض إشاعة أن زواج القاصرات يقتصر على فئة دون أخرى، للتقليل من حجم الظاهرة ولنفي تأثيرها الواسع، بإدعاء أن ممارسته تقتصر على مجتمع اللاجئين السوريين، أو أنه ينتشر بين الطوائف المسلمة وليس بين نظيراتها المسيحية، لكنني أوقن أن الأمر ينطلق من الثقافة المجتمعية السائدة.»

تعتقد ميرشاد أن زواج القاصرات وجل صور العنف ضد المرأة يقف وراءها الرغبة في السيطرة على أجساد النساء قبل أي شيء اَخر.

في الـ11 من أكتوبر في العام 2017 وبالتزامن مع اليوم الدولي للفتاة، أطلق التجمع النسائي الديمقراطي اللبناني حملة بعنوان #مش_قبل_الـ18، بهدف الضغط من أجل إقرار قانون يحمي الطفلات من التزويج المبكر، ولرفع الوعي حول القضية والمخاطر الصحية والاجتماعية الناتجة عنها.

وفي سياق متصل، لفتت ميرشاد إلى أن أزمة غياب تجريم الزواج القاصرات ما برحت قائمة في دول كثيرة، وعلى غير المتصور فإن القائمة تضم دولًا أوروبية، فضلًا عن أن الولايات المتحدة الأمريكية تعاني من المشكلة بدرجة ما، حيث تفتقر 40 ولاية إلى تجريم  الزواج تحت سن 18 عامًا.

ومن مصر، تحدثت عزة كامل مديرة مركز أكت (ACT) وعضو شبكة كرامة الإقليمية التي تضم بين أعضائها عددًا من منظمات المجتمع المدني في العالم العربي، وتعمل من أجل إنهاء العنف ضد النساء على المستوى الإقليمي.

وبشأن زواج القاصرات، كشفت كامل أنها تواصلت مع التجمع النسائي الديمقراطي البناني، بغية الحصول على موافقة على استخدام اسم الحملة #مش_قبل_الـ18، كعنوان لحملة يقودها مركز ACT   بالتعاون مع عدد من منظمات المجتمع المدني في مصر، وقد بدأت الحملة بالتعاون بين ثلاث منظمات ثم زاد العدد إلى 40 منظمة، تعمل جميعها على الأرض وعبر الشبكات الاجتماعية من أجل رفع الوعي بمخاطر تزويج القاصرات.

وفيما يتعلق بالشق القانوني، أوضحت كامل أن المنظمات المشاركة في الحملة تعمل بشكل مباشر مع المجلس القومي للمرأة ووزارة العدل المصرية، بما يدفع باتجاه إدراج مشروع قانون يجرم تزويج القاصرات على أجندة مجلس النواب المصري، لمناقشته ومن ثم تمريره.

ويجرم القانون المصري توثيق عقد الزواج قبل السن القانونية للزواج وهي 18 سنة للجنسين. لكن ذلك لا يعد كافيًا لمنع تزويج الفتيات قبل هذه السن، إذ يعمد المأذونون إلى تحرير عقود زواج عرفية، لحين إتمام الفتاة 18 عامًا، ليتم التوثيق حينها بشكل رسمي.

علاوة على ذلك، عقد مركز أكت (ACT) متعاونًا مع هيئة كير الدولية في مصر (CARE International)، ورشة عمل جمعت ممثلات وممثلين للمنظمات المشاركة في الحملة والمجلس القومي للمرأة والمجلس القومي للإنسان، من أجل الخروج بورقة سياسيات حول اَليات جديدة لمواجهة ظاهرة زواج القاصرات، وقد ركزت الورقة على عدد من المحاور وهي: تعزيز نظم الحماية، والثقافة السائدة والتغيير الاجتماعي والسلوكي، والحصول على خدمات عالية الجودة فيما يخص الصحة والتعليم من منظور وقائي.