نيويورك – اجتماعات لجنة وضع المرأة 

عقد يوم الثلاثاء، 12 مارس، بمقر الجمعية العامة للأمم المتحدة، اجتماعًا رفيع المستوى بعنوان «المرأة في السلطة»، وهذا في إطار انعقاد الاجتماعات السنوية للجنة وضع المرأة بالأمم المتحدة (CSW)، في دورتها الــ63 في مدينة نيويورك.

وقد تحدث خلال الحدث ست رئيسات لدول وحكومات، فضلًا عن عدد من النساء في منصبي «نائبة الرئيس» و«الوزيرة لحقيبة سيادية»، في حضور ممثلين وممثلات عن حكومات الدول ومنظمات المجتمع المدني.

وقد بدأ الاجتماع بكلمة لرئيسة الجمعية العامة للأمم المتحدة، ماريا فرناندا اسبينوزا، التي سبق أن شغلت منصب وزيرة الشؤون الخارجية لدولة الإكوادور، وقد أشارت في كلمتها إلى أن الفجوة بين الجنسين ما زالت واسعة، ولا بد من النظر في اَليات معالجتها في ضوء خطة التنمية المستدامة 2030.

وقالت «في العام 2015، كنا نعتقد أن القضاء على الفجوة بين الجنسين سيستغرق نحو 30 عامًا، لكن استمرار الممارسات القائمة ربما يجعلنا نحتاج أكثر من مئة عام لتحقيق المساواة بين الجنسين.»

اسبينوزا هي أول امرأة من أميركا اللاتينية تتولى منصب رئيسة الجمعية العامة للأمم المتحدة ورابع امرأة تترأس هذه الهيئة.

عن المشاركة السياسية للنساء، أشارت اسبينوزا إلى أن النساء يواجهن كثيرًا من العراقيل والحواجز، وعندما ينجحن في اعتلاء المناصب القيادية، فإن سقف التوقعات بشأن إنجازاتهن يرتفع أكثر بكثير من الأمر ذاته بالنسبة للرجال.

وبحسب أرقام أممية، فإن 10 دول فقط (من الدول الأعضاء بالأمم المتحدة)، تشغل النساء فيها منصب «الرئيس»، بينما تبلغ نسبة التمثيل النسائي في البرلمانات حول العالم نحو 24 في المئة.

كما لفتت رئيسة الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى أن تمثيل النساء في المواقع السياسية أثبت نجاحه وتعددت منافعه، «لقد ثبت أن تمثيل النساء بشكل أكبر في البرلمانات يفتح المجال لاستمرار معالجة التشريعات التمييزية ضد النساء، ويزيد الاستثمار في المجالات الأساسية مثل التعليم والصحة والحماية الاجتماعية.»

وبحسب دراسات حديثة استندت إليها اسبينوزا، فإن مشاركة النساء في مفاوضات السلام، تساهم في تحقيق اتفاقات تمتد إلى ما يزيد عن 15 عامًا.

كما شددت اسبينوزا على أن إقصاء النساء لن يحقق أهداف التنمية المستدامة، «لا بد أن نتحول من الأقوال إلى الأفعال، ومن البيانات إلى اتخاذ إجراءات ملموسة من أجل التغيير.»

واختتمت كلمتها بدعوة الحاضرات والحاضرين بالعمل من أجل تحقيق مستقبل أفضل للنساء والرجال على حد سواء.

أما أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، فقد أكد على أنه سيظل يدافع بقوة عن المساواة بين النساء والرجال، لافتًا إلى أن فريق الإدارة العليا للأمم المتحدة يضم حاليًا بين أعضائه ولأول مرة في التاريخ عددًا أكبر للنساءً عن الرجال.

وأضاف أنه رغم حقيقة تمثيل النساء لنصف السكان حول العالم، فإن تمثيلهن في المناصب القيادية ما برح ضئيلًا.

يذكر أن أعضاء فريق الإدارة العليا بهيئة الأمم المتحدة، يبلغ عددهم 44 عضوًا، من بينهم 27 امرأة، بنسبة تمثيل تتجاوز الـ 61 في المئة.

كما لفت الأمين العام للأمم المتحدة إلى أن زيادة مشاركة النساء في قوة العمل، تعزز من قوة الاقتصادات وإزدهارها، ومشاركاتهن في محادثات السلام تضاعف فرص تحقيقه.

وأردف قائلًا «تركز الدورة الـ63 للجنة وضع المرأة على البنية التحتية المستدامة وهي أداة في إطار مساعينا لتحقيق الهدف الأكبر وهو معالجة موازين القوى وتحقيق المساواة.»

وفي كلمتها، قالت جيرالدين بيرن ناسون رئيسة لجنة وضع المرأة بالأمم المتحدة، إن 7 في المئة فقط من رؤساء الدول والحكومات حول العالم من النساء، وهناك امرأة واحدة فقط بين كل أربعة أعضاء بالبرلمانات.

واستطردت «إذا لم نتخذ التدابير اللازمة الاَن، سيكون أمامنا أكثر من مئتي عام، لتحقيق المساواة بين الرجال والنساء في فرص العمل والأجور، وذلك لأننا في حقيقة الأمر لم ننجح حتى الاَن في التأكد من ومشاركة النساء في كل قرار تجري صناعته.»

وتابعت قائلة «مسؤوليتنا جميعًا أن نعمل من أجل إعلاء حقوق النساء والفتيات، لكن القادة المنتخبون هم من بيدهم صناعة القرار، ولذلك فإنهم يتحملون المسؤولية الأكبر، وبالتالي فإنني أقول للنساء في المواقع القيادية إن هذا دوركن.»

وتعد لجنة وضع المرأة أحد أهم الأجهزة داخل الأمم المتحدة منذ تأسيسها في العام 1946، وهي الجهة المعنية بتعزيز المساواة الجنسانية وتمكين المرأة، وبشكل سنوي يجتمع ممثلي الدول الأعضاء بالأمم المتحدة في مدينة نيويورك، لمناقشة التحديات التي تعوق تعطل تحقيق المساواة، ولوضع معايير دولية وصياغة سياسات عملية بغية تقليل الفجوة بين الجنسين.

وبشأن استحداث تشريعات تناهض التمييز وتوفر الحماية للنساء، أوضحت ناسون أن هذا لا يكفي والتغيير لا بد أن يكون عمليًا يرتبط بالحياة اليومية، لأن النساء يردن التحرك بشكل اَمن في الشوارع، والانتقال إلى المدارس أو أماكن العمل دون عناء، وهذا يتطلب شوارع ومواصلات اَمنة، ولا بد من تحقيق المساواة في الأعمال المنزلية التي تتحمل مشاقها النساء وحدهن في أغلب الأحيان.

وأضافت ناسون «إن ما نسعى لتحقيقه هو أن يحصل الرجال على حقوقهم ليس أكثر، وأن تحصل النساء على حقوقهن ليس أقل.»

من جانبها تحدثت فومزيلي ملامبو-نغكوكا، المديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة (UN Women)، التي تشغل أيضًا منصب وكيل الأمين العام للأمم المتحدة، عن حتمية تسليط الضوء على التحديات التي تحول دول تمثيل المرأة تمثيلًا عادلًا في المناصب القيادية، مشددةً على ضرورة فتح مسارات جديدة لأن المؤسسات كافة تأسست على أيدي رجال ومن أجل الرجال، ولذلك فإن دخول النساء إليها يعني أن يعملن على تغيير السياسات الخاصة بهذه المؤسسات.

وأعربت ملامبو-نغكوكا عن أسفها لضعف ما تحقق للنساء على مدار العقدين الماضيين، مشيرةً إلى ما كشفته دراسات حديثة عن أن نحو 131 مليون فتاة حول العالم لا يذهبن إلى مدارس، وهناك زيادة بما يقدر بـ6 في المئة في أعداد الفتيات اللاتي لم يلتحقن بالمرحلة الثانوية.

علاوة على ذلك، أكدت المديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة (UN Women) على أن موضوع لجنة وضع المرأة في دورتها الـ63 شديد الأهمية، لأن النساء يحتجن بالفعل إلى تحسين جودة حيواتهن.

وبحسب دراسات أممية أشارت إليها ملامبو-نغكوكا، فإن 830 مليون امرأة (99 في المئة في الدول النامية) يتوفين يوميًا لسبب يتعلق بنقص أو غياب الوقاية في مرحلتي الحمل والولادة.

واختتمت ملامبو-نغكوكا بــ «ليس أمامنا الكثير، أمامنا عقد واحد لتحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030، ولذلك لا بد أن نعمل من أجل تحقيق التغيير للنساء والرجال معًا.»

أعقب الكلمات الأربع، ثلاث موائد مستديرة شاركت فيها رئيسات دول وحكومات ونساء يشغلن مواقع قيادية.

ناقشت المائدة الأولى موضوع «كيف يمكن للنساء تغيير العالم؟»، وشارك فيها داليا غريباوسكايتي رئيسة دولة ليتوانيا، وبيديا ديفي بنداري رئيسة دولة نيبال، وماريا لوسيا راميريز نائبة الرئيس الكولومبي، بالإضافة إلى السياسية الإيطالية فيدريكا موغريني التي تشغل حاليًا منصب الممثل الأعلى لسياسة الأمن والشؤون الخارجية في الإتحاد الأوروبي. كما شاركت ماري لويز كوليرو بريكا رئيسة جمهورية مالطا عبر مقطع مصور أذيع خلال اللقاء.

وقد أفادت موغريني بأن الواقع يثبت أن النساء يركزن على المستقبل بدلًا عن الماضي، ولذلك فإنهن يعملن من أجل السلام ضاربة المثل بالنساء في اليمن ودورهن في تحقيق السلام والأمن لبلادهن.

انتهت المائدة الأولى بسؤال حول حِراك #METOO، طرحه مدير المائدة وهو الصحافي التلفزيوني ريتشارد لوي، العامل بشبكة إن بي سي الأمريكية، وقد جاءت إجابات المتحدثات الأربعة تؤكد أن النساء أصبح لهن صوت وأن المجتمعات ستتغير بفضل كسر الصمت الذي أحدثه هذا الحِراك.

المائدة الثانية، شارك فيها كل من: كوليندا غرابار كيتاروفيتش رئيسة دولة كراوتيا، وكيرستي كاليولايد رئيسة دولة لتوانيا، وإيزابيل سانت مالو نائبة رئيس دولة بنما، وكاترينا جاكوبسدوتير رئيسة وزراء أيسلندا، واَلان بيرسيت رئيس الاتحاد السويسري. كما شاركت جاسيندا أرديرن رئيسة وزراء نيوزيلندا بكلمة مسجلة أذيعت خلال المائدة.

وفي كلمتها أعربت رئيسة دولة كرواتيا عن انزعاجها من السؤال الأكثر تكرارًا المتعلق بمقدرة المرأة على الموازنة بين العمل وشؤون الأسرة، كما لو كان الرجل غير ملزم بالأسرة وليس مضطرًا إلى الموازنة.

من ناحية أخرى، تحدثت كيتاروفيتش عن إشكالية النظر إلى النساء في دول النزاع باعتبارهن ضحايا، بينما يتعين على الجميع التعامل معهن باعتبارهن عنصرًا فاعلًا في تحقيق التغيير وتفعيل السلم.

«أمر صعب»، هكذا وصفت رئيسة كرواتيا وجود عشر نساء فقط في منصب رئيس الدولة، لا سيما أن أربع فقط منهن وصلن إلى المنصب على الاقتراع الشعبي في انتخابات، لافتةً إلى ضرورة تغيير البنية الاجتماعية والصورة النمطية الشائعة عن النساء.

وأضافت أن العمل من أجل التغيير لا بد أن يكون من خلال العمل مع الرجال، بجانب الإعلام الذي ينبغي أن يلعب دورًا إيجابيًا بشأن تغيير الصور النمطية والأفكار المتوارثة ومحاربة الوصم الاجتماعي.

وفي كلمتها أيضًا، أكدت كيتاروفيتش أن للنساء الحق في التمتع بأنوثتهن، وليس السبيل لإقناع الاَخرين بأنها قادرة على العمل والنجاح أن ترتدي زي الرجل أو تظهر بمظهره.

أما المائدة الأخيرة فقد تمحورت حول مستقبل النساء في القيادة، وشارك فيها: ماري روبينسون الرئيسة السابقة لأيرلندا (وهي أول امرأة تشغل هذا المنصب في بلدها)، ودين كيتا وزيرة التعاون والتكامل الإفريقي في دولة كينيا، وماريانا بيندس وزيرة الدفاع للبوسنة والهرسك، ومنيبة مزاري وهي ناشطة ومقدمة برامج باكستانية، وأول امرأة تختارها هيئة الأمم المتحدة للمرأة (UN Women) سفيرةً للنوايا الحسنة لدولة باكستان.