هل وضعت «الكوتة» النساء في مصر على طريق الاستحقاق السياسي؟
**هذا المنشور ضمن سلسلة منشورات حملة «من 19 لــ19» التي تنظمها رابطة المجموعات النسوية في مصر
إثر مظاهرة نسائية قادتها درية شفيق وعضوات من الإتحاد النسائي وجماعة بنت النيل في العام 1951، اقتحمت مقر مجلس النواب للمطالبة بالحقوق السياسية للنساء في مصر، وللفت الانتباه إلى حتمية وضع هذه الحقوق في الاعتبار في خضم التحوّل السياسي وقتها وقبل وضع دستور جديد للبلاد. ورغم تقديم درية شفيق بعد ذلك إلى المحاكمة بتهمة اقتحام البرلمان، فقد أسفر هذا الاقتحام عن طرح مطالب المظاهرة على رئيس مجلس النواب والحصول على وعد بعرضها على المجلس، وبالفعل تم تضمين هذه المطالب في مشروع قانون عُرِضَ على مجلس النواب، كخطوة أولى لانتزاع حق الانتخاب والترشح الذي نص عليه دستور 1956، وحازته النساء للمرة الأولى في تاريخ البرلمان المصري.
صعود منتظر
أسفر هذا الإقرار الدستوري عن الاعتراف بحقوق النساء السياسية، دون تحديد أطر معينة يسير عليها هذا الحق، أي بموجبه صار للنساء الحق في التصويت والترشح دون تحديد عدد معين أو كتلة محددة أو مكان وغير ذلك.
دخلت المرأة البرلمان بعدها بعام، لتفوز بمكتسبات سياسية وتشريعية كانت قابلة للتمدد، وكان طموح النساء السياسي في مصر يزداد بقوة في البرلمان، وفي الجامعة، وفي مجالات الإبداع، وفي المحاماة وغيرها، ثم جاء دستور ١٩٧١ داعمًا لهذه الحقوق، وزاد عليها أحقية كل المواطنين في مزاولة أدوارهم/ن وحقوقهم/ن السياسية دون تفرقة في الجنس.
«الكوتة».. سياسات عملية لضمان تمثيل النساء في البرلمان
بعد حصول النساء على الحق في التصويت والانتخاب، صارت نسب تمثيلهن متفاوتة، لكنها لم تزد عن نسبة الـ4 في المئة من إجمالي عدد أعضاء المجلس، إذ فازت سيدتان في أول انتخابات شاركت فيها النساء في العام 1957، وفازت ثماني سيدات في برلمان 1964، ثم انخفضت النسبة مرة أخرى إلى ثلاث سيدات في برلمان 1969، وعادت إلى ثماني سيدات في برلمان 1971، ثم ست سيدات في برلمان 1979، لكن هذه النسب لم تسفر عن ظهور قاعدة واسعة من النساء في البرلمان، تبعًا لمجموعة من العوامل السياسية والاجتماعية، فكان نظام «الكوتة» في القانون رقم 21 لسنة 1979 حلًا عمليًا من الدرجة الأولى، إذ عمد القانون إلى ضمانة قاعدة أوسع من النساء في التمثيل النيابي، وقد تحقق هذا بالمقارنة بنتائج الانتخابات السابقة عليها، والتي مكّنت النساء وقتها بموجب الحق في الترشح، دون أن ترسي مجموعة أكبر من الإجراءات السياسية والاستراتيجية، لإدماج النساء في العمل السياسي ومراكز صنع القرار بشكل أوسع وأكثر فاعلية.
ارتفعت نسبة النساء الأعضاء في البرلمان وقتئذ إلى 35 عضوة، تطبيقًا لنظام «الكوتة» في برلمان 1979، الذي أقر بمنح النساء ثلاثين مقعدًا.
هل كشف النظام الفردي والقوائم عن حصر النساء خارج دائرة الضوء؟
في منتصف الثمانينات، تم إقرار نظام القوائم النسبية وهو نظام يخدم الفئات المهمشة، وقد أدرج المرأة ضمن هذه الفئات، فارتفعت مقاعد النساء في برلمان 1984 إلى 36 سيدة، ثم جرى الجمع بين النظام الفردي ونظام القوائم وإلغاء كوتة المرأة في برلمان 1987، لتنخفض نسبة مقاعد النساء وتفوز 14 نائبة فقط، بالإضافة إلى تعيين أربع أخريات، وكانت انتخابات برلمان 1990 هي الأسوأ، إذ كان من المنتظر أن تتصاعد نسبة تمثيل النساء في البرلمان بحسب الصعود الزمني أو الإجراءات السياسية المتبَّعة لتطبيق عدالة سياسية واضحة، إلا أن عدد الفائزات لم يزد عن عشر سيدات، في ظل غياب الكوتة المخصصة لهن وفي ضوء إجراء انتخابات على النظام الفردي الذي يتيح فرص أكثر للرجال، خاصة إذا كانت هذه الفرص مدعومة بقبول وسيطرة قَبلية، أو حزبية، أو زمنية وجعرافية، حيث كرّست الحياة النيابية في مصر لمبدأ الاحتفاظ بالسلطة وعدم الالتزام بتداولها، حتى صار هناك مقاعد يشغلها الرجال لعقود دون أن تتجرأ النساء أو أي من الفئات الأخرى على الاقتراب منها، وحتى إذا حصلت إحداهن على فرصة من هذه السلطة، فهي فرصة لاستكمال مسيرة الأب في الحفاظ على المقعد داخل أروقة العائلة/ القبيلة/ الدائرة.
هل أظهرت «الكوتة» النساء أم حددت انتشارهن؟
منذ إقرار نظام «الكوتة» في البرلمان ومنح النساء عدد محدد من المقاعد، لضمان حصولهن على مقاعد برلمانية وسط عوامل ليست في صالح النساء، سواء تلك التي تتعلق بالشفافية، أو المرتبطة بإتاحة ضمانات تنافسية للنساء للتعبير عن أنفسهن سياسيًا في مناطق مختلفة، وكذلك العوامل المتعلقة بإمكانية حصول النساء على فرص تعليم وعمل متساوية مع الرجال، خاصة في الأقاليم والمجتمعات القبلية التي تدعم التصويت للرجال أو بحسب توارث المنصب في القبيلة للحفاظ عليه.
ومن ذلك الحين أصبح هذا النظام مثار جدل بين الدوائر والمجموعات، التي تدعم سياسات تحرير الحقوق السياسية للنساء من مسارات المنح والتحديد السلطوي، وتدعم استبدالها بسياسات أخرى تخدم رفع وعي النساء السياسي والأيديولوجي، ومن قبلها التعليمي للخروج بنتائج تسفر عن نساء أكثر وعيًا، قادرات على اختراق المجال السياسي وإحداث تغيير مُنتظر، وتمثيل مطالب ووجود النساء داخل الكيانات السياسية المختلفة. لم يدعم هذا التوجه نظام الكوتة، ودلل على أن الأحزاب الحاكمة لا تتعامل بشفافية مع نسبة مقاعد النساء، إذ يزج النظام الحاكم بنساء يدعمن سياساته، في مقابل منحهن مقعد نيابي.
جهة داعمة وجهة رافضة
التوجه المشار إليه اَنفًا، كانت تتبناه جميلة إسماعيل – على سبيل المثال – وهي إعلامية شهيرة، كانت تنتمي إلى معسكر المعارضة إبان حكم مبارك، وخاضت انتخابات العام 2010 عن دائرة قصر النيل. وفي استطلاع رأي أجراه موقع DW ونشره بتاريخ الـ 25 من نوفمبر في العام 2010، شرحت إسماعيل دوافع رفضها لتطبيق نظام «الكوتة»، مرجعة ذلك إلى أنه جاء بإشارة رئاسية، تم بموجبها طبخ قانون الكوتة بأسرع ما يمكن، لما في ذلك من استغلال لمفهوم التمييز الإيجابي واستيلاء النظام على هذه المقاعد لصالحه، حسبما قالت.
كانت إسماعيل وقتها تخوض الانتخابات على مقعد الفئات، ورفضت الترشح على مقاعد الكوتة كرفض تطبيقي لها وكاعتراف بعدم جدواها للنساء وتمثيلهن.
على الجانب الآخر، كان نظام «الكوتة» طوق النجاة للنساء في المجتمعات ذات العادات والتقاليد المعيقة لخروج النساء عن حدود هذه العادات، وكانت النساء في مجتمع شمال سيناء ذي الطابع البدوي الذي يشجع التصويت لصالح الرجال أكثر من النساء، في حاجة ماسة إلى طرق تضمن وجود النساء على مقاعد برلمانية لا يزاحمها فيها الرجال المدعومون من قبل الأحزاب، والعادات والتقاليد، والبُعد الجغرافي المهمش، إذ وفّرت الكوتة وقتها للنساء مساحات سياسية مضمونة، وعلى الرغم من كونها مساحات مدعومة من الحزب الحاكم لإحكام سيطرته على كل الفئات، فقد كان لهذا الدعم وجه آخر إذ قفزت النساء في شمال سيناء إلى قلب العمل السياسي، رغم ما شاب هذه الانتخابات من غياب للشفافية الحقيقية. وفي مقابلة تليفزيونية أجرتها هبة علي، وهي إحدى المرشحات على نظام «الكوتة» في شمال سيناء في انتخابات برلمان 2010، في إحدى حلقات برنامج «اليوم» على قناة الحرة، أثناء الإعداد للانتخابات قالت إن الكوتة جاءت في صالح النساء في شمال سيناء، حيث المجتمع البدوي الذي لا يشجع خروجهن في أي مجال، وقالت أيضًا إن نظام «الكوتة» حفظ للنساء مساحات أوسع، فقد ترشحت 24 سيدة في شمال سيناء على مقعد الكوتة فقط.
ماذا بعد برلمان 2010؟
خدمت الكوتة النساء في برلمان 2010 من حيث الكم، بواقع 64 مرشحة، وهو برلمان لم يستمر طويلًا، وجاء بعده برلمان 2012 الذي وضع تمثيل النساء في مأزق، إذ استعانت بهن الأحزاب الدينية على استحياء وشاهدنا رسومًا تحمل «وردة» في المكان المخصص لصورة المرشح/ة، وربما كان هذا المشهد هو أكثر المشاهد التي طرحت تساؤلات متباينة، بشأن موقف النساء داخل الكيانات السياسية إذا استمر التعامل معهن على هذا النحو؟
ثم جاء برلمان 2015 ليشهد أكبر نسبة تمثيل للسيدات في تاريخ البرلمان المصري، بعد أن فازت في انتخاباته 73 مرشحة، منهن 17 عضوة على المقعد الفردي و56 عضوة على نظام القوائم. لكنه فوز عائم، لم يفصح عن الصورة الحقيقية عن مدى تغلغل النساء وفرصهن داخل المجتمعات التي ترشحن عنها، خاصة أن النسبة الأكبر منهن فزن عن طريق نظام القوائم، التي كان أغلبها من الرجال وتعتمد على أصوات القائمة بأكملها دون الأعضاء، أي أن مقياس نجاح النساء تحت مظلة هذا النظام ليس ذا مؤشرات محددة يمكن بناء نتائج وتفسيرات عليها.
تساؤلات عبر الزمن.. هل خدمت الكوتة النساء في البرلمان منذ العام 1979؟
قد يرى البعض أن نظام «الكوتة» خدم النساء ومكّنهن من لعب دور سياسي مهم ومضمون، وربما يرى البعض الآخر عكس ذلك، وبين هذا وذاك، يطرح واقع النساء السياسي في مصر عدة تساؤلات، تحاول الوصول إلى الوضع الذي كان مأمولًا من نظام «الكوتة» قبل أربعين عامًا، وكيف رسمت الدولة فرصًا سياسية للنساء ولم تهتم برسم فرص موازية في مجال التمكين السياسي القاعدي، بدءًا من المجالس المحلية والشعبية والجمعيات ومراكز صنع القرار القريبة من الجمهور، والتمكين الاقتصادي، وسياسات الاحتكاك بمجالات العمل والسوق والتجارة والتعليم والصناعة والزراعة والجامعات، وغيرها من الفرص التي كانت ستبني قاعدة عريضة من النساء ذوات الوعي المرتفع، بدلًا من الاهتمام بتجميل صورة النظام بتسكين عدد معين من البرلمانيات في كل دورة، مما يجعل إلغاء هذه المقاعد يقلص من فرص فوز النساء بمقاعد لم تُمكنّهن الدولة من اقتناصها بمفردهن أو لأنهن غير مُمكنات عن قصد.
لقد قدمت الكوتة للنساء فرصًا في صالحهن، لكنها أرست فكرة مفادها أن المرأة لا تستطيع أن تُحدِث فارقًا أو تأثيرًا أو فوزًا دون الاعتماد على الدولة، أو على حزب، أو على كوتة مخصصة، وهذا هو التساؤل.
*هذا المنشور والمعلومات والآراء الواردة فيه تخص كاتبه/كاتبته ولا تخص أو تعبر بالضرورة عن «ولها وجوه أخرى»
*هذا المنشور ضمن سلسلة منشورات حملة «من 19 لــ19» التي تنظمها رابطة المجموعات النسوية في مصر