يومًا ما قالت رائدة الحركة النسائية هدى شعراوى: “كيف يرقى الرجال إذا لم ترق النساء؟” لتؤكد أن المجتمع لن تقوم له قائمة إلا باحترام حقوق النساء، وأن بناء شخصية المرأة لا يرتقي بها وحدها بل يرتقى بالرجال والمجتمع بأسره.
التطبيق الفعلي لما تحمله جملة “شعراوى” من معانٍ، يظهر جليًا فيما تقوم به مبادرة “هى مصر”، التى اَمنت بأن حال المجتمع المصري لن يرتقي إلا ببناته ونسائه، فقررت أن تستثمر فيهن وتبنى شخوصهن على أسس سليمة تمكنهن من مواجهة التحديات التى تفرضها الظروف المحيطة.
تجربة “هى مصر”، تجربة استثنائية تستحق تسليط الضوء والتعمق فى دواخلها ومعرفة الاَليات التى تعتمد عليها المبادرة لتحقيق هدفها فى خلق جيل أفضل من الفتيات.
لهذا تواصلنا مع مؤسس المبادرة – مودى ديمتري – وأجرينا معه الحوار التالي، لنتعرف أكثر على نشاطات المبادرة وأهدافها وخططها.
لماذا وقع الاختيار على “هى مصر” اسمًا للمبادرة؟
لقد اخترنا اسم “هى مصر” بعد نقاشات طويلة، وقد تركزت تلك النقاشات على رسالة ورؤية مبادرتنا، فنحن نريد أن نبنى جيلًا أقوى لمصر، وقد أدركنا أن مفتاح النجاح يكمن فى الاستثمار فى الفتيات الصغيرات، حتى يكبرن أقوى، وعلى قدر أكبر من الثقة، قادرات على مواجهة أى تحدي.
لماذا تستهدفون الفتيات فى الفئة العمرية (9-18) وليس المراهقين من الجنسين؟
مبادرتنا عمرها عامين فقط، وقد بدأنا بالاستثمار في الفتيات الصغيرات، إيمانًا بإمكانيتهن فى التأثير بمحيطهن الأسري والمجتمعي.
البداية فى سن مبكرة هى المفتاح وفقًا لأبحاث الأمم المتحدة، فالشخصية تتشكل فى السنوات الأولى من حياتنا وهو الوقت الأفضل لبنائها، ونحن نملك أيضًا رؤية لاستهداف الصغار والمراهقين من الذكور، وفى كل الأحوال، لن يتغير هدفنا ولن تتغير مهمتنا، سنقدم للصبية نفس التدريب مع التشديد على أهمية دور المرأة فى المجتمع.
ما أهم السمات التى تحاولون من خلال برنامج المبادرة ترسيخها فى شخصية الفتاة لبناء الثقة بالنفس داخلها واستعادة الشعور بالكرامة؟
جهودنا فريدة من نوعها لأننا نعتمد على دراسات الأمم المتحدة التى توثق التغيرات السلوكية التى تحدث في سن مبكرة، وندعم الفتيات عبر آليات محددة لتمكين أنفسهن ضد الأثر السلبي الناجم عن الحرمان الشديد، وسوء المعاملة، والأضرار والانتهاكات الأخرى التي يواجهنها خلال سنوات تكون شخصياتهن.
كما أننا نؤمن بتبني الاستراتيجية الاستباقية بدلًا من استراتيجية رد الفعل، ونعتقد أن تمكين المرأة خلال فترة المراهقة لتكون أقوى، وأكثر استقرارًا، وأكثر ثقةً، واستقلالية، سيؤثر على الأجيال القادمة فى مصر وسيقلل من أرقام الانتهاكات المختلفة، والتسرب من التعليم.

"هى مصر" - فى اسطبل عنتر

“هى مصر” – فى اسطبل عنتر

تعتمد المبادرة على تنمية شخصية الفتيات من خلال ثلاث محاور هم، التغذية، وأسلوب الحياة، والتوعية بالتحرش الجنسي .. فلماذا اخترتم التوعية بالتحرش الجنسي دون غيره من الظواهر السلبية التى تحيط بالفتيات المصريات، مثل الختان، وزواج القاصرات، والعنف الأسري؟
اسمحي لى أن أوضح أمرًا، “هى مصر” لم تٌؤسَس لمحاربة التحرش الجنسي، أو قضية بعينها، نحن مهتمين ببناء الشخصية، ونعمل على ترسيخ قيمة احترام الاَخر، والاستماع إلى الاَخر، والتواصل بشكل فعال، من ثم نستخدم تطبيقين عمليين لذلك، يتمثلان فى التوعية بالتحرش الجنسي، والتثقيف الغذائي، من خلال العمل على زيادة ذكائهن العاطفي حتى يدركن الظروف المحيطة ويتعلمن كف يصلن لحلول، فأنا أؤمن أنه لا يستطيع أحد مواجهة هذه المشكلات أو أى مشكلة فى المجتمع المصري، دون عقل ناضج وواعٍ، فالفتيات لو كن ذوات إرادة قوية ويمتلكن ثقة بأنفسهن، يمكنهن التصدي لمشكلة مثل التحرش.
والاستثمار في بناء الشخصية منذ سن مبكرة هو الحل للعديد من المشاكل التي نواجهها، شخصية لا تحارب فقط الظروف، ولكن قوية وحالمة بالدرجة التى تبني مستقبلًا أفضل لنفسها ولمصر.
كيف يصل إليكم الفتيات أو تصلون أنتم إليهن؟ وهل تستهدفون بنات القاهرة فحسب أم المحافظات الأخرى أيضًا؟
حتى الاَن يقتصر عملنا على القاهرة والجيزة، لدينا أربعة فصول في ثلاثة مناطق، كنا نريد أن ننطلق فى مصر كلها، ونمتد إلى كل مدينة، ونكون في كل مدرسة، لكننا مقيدون بالموارد المادية والبشرية.
وقد قمنا بتدشين برنامج الـــ9 أشهر المتنقل، الذى يمكننا من الذهاب إلى أى مجتمع، ويترك البرنامج أثرًا طويل الأمد على أي طفل، وعن الوصول للفتيات فهذا يتم من خلال الشراكات التى نقيمها مع عدد من المنظمات غير الربحية ونقدم التدريبات داخل مراكزهم ومجتمعاتهم.

"هى مصر" فى مؤسسة نبني

“هى مصر” فى مؤسسة نبني

المبادرة تستهدف البنات من أى طبقة.. الطبقة المتوسطة أم الطبقة الدنيا؟
سؤال جيد جدًا، منذ أن بدأنا، أدركنا أن الطبقة الدنيا تنمو بوتيرة سريعة، فى المقابل تتقلص الطبقة الوسطى يومًا تلو الاَخر، لذلك، نحن نعمل ونركز على الفتيات المحرومات في الطبقة الدنيا.
ما أبرز المشكلات التى لاحظتم، أن البنات فى هذه الفئة العمرية يعانين منها؟
المشكلة الرئيسية التى لاحظناها هي انعدام الثقة بالنفس، فالفتيات اللواتى يتم تدريبهن، يخضعن لاختبار شخصية في بداية البرنامج، وقد وجدنا أن غالبية الفتيات لسن سعيدات بما هن عليه، ولسن متفائلات ويشعرن أنهن لا يمكنهن تحقيق ما يتطلعن إليه.
هل هناك متابعة من “هى مصر” للفتيات بعد انتهاء البرنامج؟
الذي يجعل”هي مصر” تختلف كثيرًا عن أي مبادرة أخرى، هو اعتمادنا على نظام المتابعة.
برنامجنا يستمر لمدة 9 أشهر وخلال البرنامج، لدينا متابعة أسبوعية، بالإضافة إلى ذلك، تعمل المبادرة جديًا من أجل خلق برنامج الأخت الصغرى والكبرى، وهو برنامج إرشاد مجتمعى، يستند إلى نموذج توجيه فرد لفرد، والذي يطابق بين الفتيات (الأخوات الصغيرات) الذين تتراوح أعمارهن بين 8-18 والمدربات المتعلمات (الأخوات الكبار)، والغرض هو إلهام الفتيات الصغيرات.
على أي أسس، يتم اختيار المدربين؟
نحن نجري مقابلتين مع كل متقدم، حتى نضمن التزامه تجاه البرنامج، نحن نفضل اختيار ذوي الخبرة، ومن لديهم دراية بالعمل الاجتماعى، لدينا فريق من جميع الطبقات الاجتماعية لأننا نعتقد أن كل فرد منهم يمكن أن يفيد الفريق بطريقة ما تختلف عن الاَخر.
فريقنا يتشكل من مجموعة من المتطوعين والمتطوعات الملتزمين، جميعهم من المتعلمين وذوي الخبرة فى العمل مع الفتيات الصغيرات فيما يتعلق بعدد من القضايا مثل التحرش والاعتداء الجنسي، الكثير منهم لديه علم سابق بالدراسات الاجتماعية وعملوا في برامج مساعدة اللاجئين، يعمدون من خلال خبراتهم إلى تأسيس علاقة شخصية مع كل فتاة من أجل خلق ثقة متبادلة بهدف بناء الشخصية ولدفعهن للتواصل على نحو أكثر فعالية.

"هى مصر" فى دار المبرة للبنات

“هى مصر” فى دار المبرة للبنات

ما أبرز الجهات التى تتعاونون معها أو تدعمكم؟
نحن نعمل حاليًا مع عدد من المنظمات من بينهم، مؤسسة “علمنى” فى الجيزة، ومؤسسة “نبني” فى منشأة ناصر، و”تواصل” فى إسطبل عنتر، وأيضًا نتعاون مع وزارة الشباب والرياضة فى المنيل، عبر دار المبرة للبنات، هذا بالإضافة إلى عملنا بشكل وثيق مع مبادرة “إجمدي”، فيما يتعلق بحصص الدفاع عن النفس.
ما خططتك المستقبلية فيما يخص مبادرة “هى مصر”؟
لدينا عدد من الخطط المستقبلية، من بينها؛ برنامج التوجيه ( الإرشاد المجتمعي)، وأكاديمية “هى مصر”، وهى أهم جزء فى تحقيق رؤيتنا، فمن خلالها، سنتمكن من اختبار وتثبيت البرنامج فى جميع أنحاء مصر، عن طريق مدربين ومؤسسات متخصصة يتم تقديم البرنامج داخلها.
وبرنامج “هى مصر” للذكور/ البنين، فنحن نتفهم أن نجاح المجتمع يتوقف على مكونين رئيسيين، منهما الأولاد الذين يتعين علينا تضمينهم فى البرنامج مثل الفتيات تمامًا، فهم أيضًا يواجهون ظروفًا صعبة فى المجتمع.
أيضًا لدينا برنامج يتعلق بـ”الأبوة والأمومة”، وهذا إدراكًا منا لأهمية إشراك الأسرة والمجتمع لتحقيق تغير حقيقي، فنحن نتطلع لخلق بيئة داعمة لكل فتاة تشارك فى البرنامج.
هذا إلى جانب “الأغانى والأناشيد التعليمية”، وهى فكرة تقوم على كتابة وتلحين وانتاج أغانى وأناشيد موسيقية تُستخدَم كأداة تعليمية لتعزيز وتقوية برنامجنا.
أخيرًا، يأتى ضمن خططنا “القصص المنشورة”، على غرار الرسوم المتحركة، فمعلوم أن القراءة انحصرت فى المجتمع المصري لفترة طويلة، لذلك قررنا فى “هى مصر” أن نكتب وننشر قصصًا تعليمية قصيرة تناسب الفئات الأصغر عمرًا، وتدعم هذه القصص قيم “هى مصر” المتمثلة فى بناء شخصية سوية، قوية، حالمة، واثقة من نفسها، قادرة على تحدى الظروف الراهنة وبناء مستقبل أفضل.