منى هلا: التحرش سبب «طفشان الستات من مصر».. وأرفض المحاكمة «الأخلاقية» للعاملات بالجنس التجاري
«النسوية» حركة عادلة تهدد سطوة الرجال ولذلك يكرهونها
الذكورية في هوليوود طاغية وصانعات الأفلام يشكلن 5% فقط
إجبار رانيا يوسف على الاعتذار عن «الفستان» كان مهينًا
هناك نساء ذكوريات أكثر من الرجال أنفسهم
عادةً ما ترفض نجمات السينما أن يُطلَق عليهن «نسويات»، حتى إن كن يطالبن بالمساواة بين الجنسين وحرية المرأة في الاختيار، ويشددن على تمكين النساء وحمايتهن من العنف. التبرأ من النسوية قد يعكس تناقضًا أو تضليلًا أو تمسكًا بمبدأ «مسك العصا من الوسط». لكن منى هلا واحدة من قليلات من الممثلات اللاتي يُعلّن عن توجهاتهن النسوية دون مراء، وقد جسدت مؤخرًا شخصية عاملة بمجال الجنس التجاري في فيلم «ليل خارجي» للمخرج أحمد عبد الله، وهي شخصية تأتي بمعالجة تختلف عن التقليدية المعهودة مع عاملات الجنس التجاري في السينما المصرية، بما يجعلها الكاشف للتناقض والازدواجية الذكورية في مجتمعنا.
تعود منى هلا إلى السينما المصرية بعد ثلاث سنوات من الغياب عنها، بدور مختلف يقدمها كبطلة لأول مرة بعد مسيرة فنية تجاوزت الــ 45 مسلسلًا وفيلمًا، إلى جانب تقديم البرامج الساخرة. تتحدث منى هلا لــ«ولها وجوه أخرى» عن فيلمها الأخير «ليل خارجي» الذي صدر في ديسمبر الماضي، وتفصح عن رؤاها النسوية، وتعرفنا إلى تجربتها السينمائية في هوليوود.
“توتو” عاملة بالجنس التجاري، لماذا لم نرها كنظيراتها اللاتي قدمتهن السينما من قبل، وما الذي جذبك إلى هذه الشخصية؟
منذ أن قرأت السيناريو لأول مرة، وجدتها فتاة ليل (عاملة جنس) غير عادية، تنظر إلى عملها بطريقة مختلفة وتراه عملًا مهمًا في الحياة. هي تُدرك جيدًا طبيعة ظروفها الصعبة ونشأتها في بيئة فقيرة من دون تعليم، ولا تمتلك أي فرصة أخرى سوى هذا العمل، وهو ما جعلها متصالحة مع حالها كعاملة بالجنس ولا تنظر إلى نفسها باحتقار.
“توتو” شخصية مختلفة فعًلا، هي فتاة ليل تحترم نفسها جدًا، ولا تحترم الرجل الذي يقهرها، ولديها قناعة بأنها عاملة بالجنس، ولكنها من يحدد ويختار زبائنه، وحتى عندما تقع في مأزق وتتعرض للصفع على يد شخصية مصطفى، سائق التاكسي (شريف الدسوقي)، أمام “مو” أو “محمد” المخرج الشاب (كريم قاسم)، تُقرر بذكاء البقاء معهما، بعد أن قادها تفكيرها إلى أنها قد تلتقي آخرين أكثر عنفًا منهما، ولذلك عادت لاستكمال مغامرة الليلة الواحدة.
في مجتمعنا، جملة مثل “فتاة ليل بتحترم نفسها” تُثير السخرية لدى بعض مستمعيها، فكيف تفسريها؟
“توتو” امرأة تعيش تحت وطأة ظروف صعبة، اضطرتها إلى العمل بهذه المهنة، ولكن هذا لا يعني لها أن الرجال لهم الحق في قهرها أو ضربها أو ممارسة الجنس معها رغمًا عنها. نحن نراها شخصية قوية ولها رأي، وقدر من الذكاء تستخدمه في فهم الشخصيات وتحدد به طريقة التعامل مع الرجال. ورغم ظروفها القاسية فإنها نجحت في الحفاظ على توازنها الإنساني، وعلى سبيل المثال، فإنها تفسر في أحد المشاهد لــ”مو” صمتها إزاء صفعة “مصطفى”، بقولها “كل واحد عنده قرف في حياته يجي يطرشه في وشي،”، هذا التعبير المقزز الذي تقوله يكشف فهمها لهذه الدائرة من تصدير العنف للحلقة الأضعف، فالرجل يقهره مديره بالمكتب، يعود ليقهر زوجته بالمنزل، وهكذا حتى يصل إليها كعاملة بالجنس.
فيلم «ليل خارجي» من تأليف شريف الألفي وإخراج أحمد عبد الله، وبطولة منى هلا وكريم قاسم وشريف الدسوقي، وتدور أحداثه في ليلة واحدة، حيث تجتمع عاملة بالجنس مع سائق تاكسي ومخرج شاب، في رحلة ليلية بين شوارع وطرقات القاهرة.
ما الذي يميز العمل مع المخرج أحمد عبدالله بعد مشوارك، الذي تجاوز الـ45 عملًا سينمائيًا وتلفزيونيًا؟
كنت سعيدة باختياره لي لتقديم هذه الشخصية، وهو صديق عزيز ومخرج متميز، لأنه كان قبل ذلك مونتيرًا لديه حس ورؤية شاملة في تقطيع المشاهد، كما يتميز بكونه شخصًا حساسًا وبارعًا في توصيل مشاعر الأنثى، وهذه صفة في غاية الصعوبة. المخرجة تنجح في ذلك لأنها امرأة، كما شاهدنا على سبيل المثال مع المخرجة كاملة أبو ذكري في مسلسلاتها ذات (إنتاج 2013) أوسجن النسا (إنتاج 2014)، لكن المخرج أحمد عبد الله رجل وفي الوقت نفسه نسوي. وإن كان الجمهور تعاطف مع “توتو”، فهذه وجهة نظر المخرج في تقديم شخصية فتاة الليل (عاملة الجنس التجاري)، التي تعبر عن امتلاكه لحس فني وإنساني متفهم لطبيعة هذه المهنة، فضلًا عن أدواته في التعبير عن إحساس المرأة عندما تنكسر أو تنجرح مشاعرها.
صرح المخرج أحمد عبد الله، بأن الفيلم أُنتِجَ بالجهود الذاتية، بالتعاون مع شركة حصالة المملوكة للمنتجة هالة لطفي، عبر الاعتماد على طرق إنتاج غير تقليدية، كيف ترين أهمية هذه التجربة؟
طريقة إنتاج الفيلم مختلفة عن السائد في السوق السينمائي المصري، ويجب أن ندعم الأفكار التي تخرج عن سياق المنتج الواحد، ويتعين علينا أن نتخلى عن فكرة وجود عدد محدود من المنتجين يسيطرون على سوق الإنتاج والصناعة في مصر، لأن النتيجة تظهر في غياب التنوع بين الأفلام المعروضة أمام الجمهور. لماذا لا توجد جميع الأنواع حتى يصبح الجمهور حرًا في اختياره من دون توجيه؟، و«ليل خارجي» يكسر هذا التنميط فهو فيلم مهرجانات وتجاري أيضًا، تم إنتاجه من أجل الجمهور وليس للمهرجانات فقط.
كان البغاء (الجنس التجاري) في مصر يخضع للتسجيل والتنظيم، تطبيقًا للائحة سُمّيت بــ«تعليمات بيوت البغاء»، صدرت في عهد محمد علي باشا، واستمر العمل بها حتى ألغيت في العام 1949.
القانون المصري كان يبيح وينظم البغاء، هل أنتِ مع عودته لحماية العاملات بالجنس التجاري؟
بصفة عامة، أنا ضد انتهاك جسد المرأة بأي شكل، لكنني أرفض أيضًا أي محاكمة أخلاقية للعاملات بالجنس وأرفض محاسبتهن على أجسادهن، ولكن في مصر طالما قررت المرأة العمل بهذه المهنة، ثقي في أنه بنسبة 100 في المئة لم يتوفر لها بديل اَخر، وهنا تصبح غير حرة بل ومقهورة، لأنها تعمل خوفًا من الجوع والفقر والعوز، في ظل غياب التعليم وعدم توفر فرص عمل أخرى لها، ومن ثم تفتقر لحريتها وتتعرض لانتهاك جسدها، وهذا ما أرفضه. وهذا على عكس ما يجري في بلد كالنمسا مثلًا، حيث توجد بيوت دعارة مقننة، والنساء هناك يمتلكن حرية تقرير العمل بهذه المهنة من عدمه، لأن التعليم مجاني للجميع رجالاً ونساء، وعندما تقرر النمساوية العمل بالجنس التجاري يكون بمحض إرادتها الحرة، وأنا لست ضد هذه الحرية وهذا القرار .
تقول “توتو” في أحد المشاهد لــ”مو” (كريم قاسم): “إيه صعب عليك، تتخيل نفسك مكاني ولا تتخيل نفسك ست؟”، كيف ترين معاناة المرأة في مصر في ضوء الانتهاكات المستمرة بحقها؟
أعتقد أن التحرش الجنسي واحد من أبرز هذه الانتهاكات، بل إنه أحد أسباب “طفشان ستات كتير من البلد”، وإن كان هناك إنكار لهذه الحقيقة، فمن المؤكد أن منكرها لا يرى ما يحدث لنا في الشوارع. نحن نتعرض للتحرش بشكل يومي وبصورة فجة، ولو صرخنا واعترضنا، نجد تعاطف الناس مع المتحرش، وهذا موقف غير مفهوم. تسمعين عبارات مثل “ما خلاص بقا يا آنسة، الراجل اعتذر لك، هو حد عملك حاجة؟”، بل إن هناك سيدات ذكوريات أكثر من الرجال أنفسهم، يلُمن الفتاة التي تفضح المتحرش، وكأن الطبيعي أن تكون المرأة مهانة و “اللي تفتح بقها تبقى ست مش كويسة.”
تنص المادة 306 مكرر (أ) من قانون العقوبات المصري على: «يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن ثلاثة آلاف جنيه ولا تزيد على خمسة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من تعرض للغير فى مكان عام أو خاص أو مطروق بإتيان أمور أو إيحاءات أو تلميحات جنسية أو إباحية سواء بالإشارة أو بالقول أو بالفعل بأى وسيلة بما فى ذلك وسائل الاتصالات السلكية أو اللاسلكية…..»
ألا تشعرين بتغيير بعد تجريم التحرش الجنسي، بإضافة المادة 306 مكرر (أ) في قانون العقوبات المصري، في يونيو من العام 2014 ؟
سيظل القانون غير فعّال، طالما لا نمتلك نظامًا تعليميًا وتوعويًا ولا نوفر تثقيفًا للمواطنين بشأن احترام أجساد النساء، بما يجعلهم مقتنعين بالفعل بفكرة أن التحرش جريمة عظمى كالقتل أو السرقة وغيرهما. كثيرون لا يفهمون ما الذي يتركه التحرش اللفظي أو الجسدي من آثار نفسية بشعةفي نفوس الفتيات.
(تصمت).. للاَسف فكرة انتهاك الأضعف مني أصبحت منتشرة بقوة في الشارع المصري، لم أر في حياتي أطفالًا يعذبون الحيوانات مثلما يحدث في مصر.
يتعامل كثيرون مع النسوية باعتبارها سُبّة، حتى صانعات الأفلام المدافعات عن حقوق المرأة يرفضن تصنيفهن كنسويات، لماذا في رأيك؟
أعتقد لأن النسوية حركة عادلة تهدد سطوة الرجال على المرأة، ولذلك يكرهونها ويشوّهون النساء المدافعات عن حقوقها، ويروّجون لكلام تهكمي سخيف، من عينة أن النسويات لا يحلقن شعر سيقانهن، وهو جزء من محاولات التشويه المعتادة لأي فكر إصلاحي أو تقدمي يراد به الارتقاء بالبشرية إنسانيًا. لولا النسويات اللاتي ناضلن على مر التاريخ ضد النظام الذكوري في شتى أنحاء العالم، لما استطعنا النزول اليوم من بيوتنا، وما تمكنا من الالتحاق بالجامعات، وما سافرنا إلى الخارج وأصبح لنا أعمال. لولاهن لكان دورنا الاَن هو نفسه الذي حدده الرجال لنا كمصادر للإنجاب. أنا فخورة بكوني نسوية وأيضًا مدافعة عن حقوق الحيوان وأي مخلوق يتم قهره، أنا صوت لمن لا صوت له سواء حيوانات، أو مثليين، أو أيتام وغيرهم.
بنظرة نسوية، كيف رأيت الأزمة المفتعلة التي صاحبت فستان الممثلة رانيا يوسف، الذي ظهرت به في حفل ختام مهرجان القاهرة السينمائي في دورته الأخيرة؟
ليس من حق أحد محاكمتها أخلاقيًا كما حدث، لأن هذا يعد أحد صور العنف ضد النساء في مجتمعاتنا، ولا يحق لأحد التحكم في حريتها الشخصية أو طريقة ملابسها، أو إجبارها على الاعتذار بهذا الشكل المهين، فهي أو غيرها من النساء حرائر في أجسادهن واختيار ما يرتدينه، ولا أجد مبررًا للدعاوى التي تُرفَع بالمحاكم ضد الفنانات، هل أزماتنا في التعليم والصحة انتهت حتى نتفرغ لفساتين الممثلات؟!
غيابك عن السينما المصرية الفترة الماضية يعود لعملك في هوليوود، حدثينا عن هذه المحطة في مسيرتك؟
بدأت التجربة مع فيلم كايرو تايم «Cairo Time»، ثم فيلم «مسقعة» للمخرج محمد كراوية في العام 2014، وهو أول فيلم مصري عربي يتم إنتاجه في هوليوود، ثم فيلم «Ten By Ten» من إنتاج الممثلة الأمريكية الشهيرة ميريل ستريب، وهو فيلم يناقش أزمة حرمان الفتيات من التعليم، ويضم 10 قصص عن فتيات تعرضن لعنف جسدي وجنسي بسبب حرمانهن من التعليم، ثم مسلسل «نسيانكم» للكاتبة أحلام مستغانمي.
كانت التجربة عامةً ثرية على صعيد الخبرة الفنية والنظام والدقة في العمل واحترام الممثل وأدميته، لا فرق بين بطل وكومبارس، الجميع يأكل الطعام نفسه، ويتعامل بآدمية واحترام، على عكس نظام العمل في مصر، حيث يمكن أن تنتظري لأربع ساعات في موقع التصوير بسبب تأخر بطل العمل. وما أتحدث عنه هو الجانب الايجابي ولكن هناك وجه آخر لهوليوود .
ما هو الوجه الاَخر لهوليوود الذي تقصدينه؟
هناك عنصرية شديدة تجاه النساء، ففي هوليوود نسبة النساء سواء مخرجات أو ممثلات أو عاملات خلف الكاميرا لا يتجاوزن الـ5 بالمئة. لا يوجد مخرجة معروفة بهوليوود على عكس الرجال، وشاهدت هذه الذكورية أثناء تصوير فيلم «Namour»، عندما أرادت المخرجة توجيه الممثل، نظر إليها بازدراء وترك موقع التصوير. علاوة على ذلك، فإن حملة#MeToo التي فضحت مخرجين ومنتجين في هوليوود وكشفت تورطهم في جرائم تحرش جنسي واغتصاب، تعكس واقع النساء في هوليوود، وأتمنى أن تنطلق #MeToo في مصر، لأن الممثلات يواجهن ضغوطًا كبيرة ، وهناك كثير من الحكايات ربما تفضح صناعًا في السينما المصرية يومًا ما.
أخيرًا، نود أن نتعرف إلى مشروعك المقبل؟
أخوض أولى تجاربي في الكتابة، وهو عمل مسرحي سيخرج للنور قريبًا. لكنني ممنوعة من الإدلاء بأي تصريحات عنه بأمر من الناشر. إلى جانب ذلك، فإنني مستمرة في تقديم ورش تمثيل في النمسا، حيث أقيم حاليًا.