تخضع النساء السعوديات إلى ما يسمى بــ «نظام ولاية الرجل»، وهو الذي يعطي الذكر حق الوصاية والتحكم في حياة الأنثى، ولا يمكنها بموجبه أن تنال احتياجاتها الأساسية في التعليم والعمل والتنقل والزواج وحتى الخروج من السجن بعد انقضاء مدة الحبس إلا بعد موافقة من الأب أو العم أو الأخ أو الزوج أو الابن.

نظام الولاية القائم في السعودية يجعل من النساء مواطنين من الدرجة الثانية، إذ تظل المرأة في حاجة دائمة وأبدية للرجل حتى تُسيّر حياتها، بغض النظر عن سنها أو مستوى التعليم الذي بلغته أو ما ارتقت إليه مهنيًا.

رهف.. طريق التحرر من «الولاية» تحفه مخاطر وخيمة

عادت لتتعالى المطالبات بإسقاط نظام الولاية عن النساء السعوديات، عبر وسم #اسقطو_الولايه_ولا_كلنا_بنهاجر، الذي تصدر قائمة الهاشتاغات الأكثر انتشارًا في السعودية خلال الأيام الأخيرة، وذلك على خلفية ذيوع أخبار هروب رهف محمد القنون، السعودية البالغة من العمر 19عامًا، من أسرتها قاصدةً أستراليا، بهدف تقديم طلب لجوء إنساني فرارًا من العنف الذي تمارسه أسرتها بحقها.

وكان العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، قد أصدر في مايو من العام 2017، قرارًا يقضي بتعديل نظام ولاية الرجل على المرأة، بما يقضي بـــ”عدم مطالبتها بالحصول على موافقة ولي الأمر، عند تقديم الخدمات الحكومية لها، ما لم يكن هناك سند نظامي لهذا الطلب”، ومع ذلك فإن السعوديات لا يشعرن بأثر هذا القرار حتى الاَن.

كانت رهف مع عائلتها في دولة الكويت حيث يقضون إجازتهم، ومن هناك استقلت طائرة إلى العاصمة التايلاندية بانكوك، بنية التوجه إلى أستراليا أملًا في تقديم طلب اللجوء الإنساني، إلاأن دبلوماسيًا سعوديًا أوقفها عند وصولها إلى المطار في بانكوك، واحتجز جواز سفرها.

في صباح يوم الـ6 من يناير، دشنت رهف حسابًا جديدًا على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، بعد منعها من دخول تايلاند وتحصنها بغرفة في مطار بانكوك، ونشرت من خلاله أولى رسائلها المستغيثة «أنا الفتاة الهاربة من الكويت إلى تايلاند، حياتي على المحك وأنا الآن في خطر حقيقي، إذا أجبِرت على العودة السعودية.»

وبعد رسالتها الأولى، واصلت رهف النشر لمدة خمس ساعات، لتكشف كيف تعرضت للتعنيف والتهديد بالقتل من قبل أسرتها، وهو ما يجعل عودتها إلى السعودية تعني الموت حتمًا.

تفاعل مغردون مع تغريدات رهف، وانطلقت حملة عبر تويتر من خلال وسم #SaveRahaf، طالب من خلالها نشطاء من شتى أنحاء العالم إلى جانب نساء سعوديات، بحمايتها الامتناع عن إعادتها إلى السعودية.

بعد ساعات، تواصل فيل روبرتسون نائب مدير القسم المختص بقارة اَسيا في منظمة هيومن رايتس ووتش،مع رهف مباشرة، ثم غرّد قائلًا «قالت بوضوح إنها عانت من سوء المعاملة الجسدية والنفسية، كما قالت إنها قررت ألا تستمر في اعتناق الإسلام، فأدركت أنها في مشكلة خطيرة.»

وما زالت السعودية تطبق حتى الاَن حد الردة، حيث يواجه الأشخاص الذين يرتدون عن اعتناق الإسلام عقوبة تصل إلى الإعدام، وهي العقوبة التي تطبقها أيضًا دول أخرى مثل قطر وأفغانستان واليمن وغيرها.

بفضل الحملة العالمية المناصرة والداعمة لرهف، وجهود عدد من المنظمات الحقوقية الدولية، منحتها السلطات التايلاندية إقامة مؤقتة في مكان غير معلوم. كما أعلن مسؤول في وزارة الداخلية الأسترالية أن حكومة بلاده تشعر بارتياح، لأن طلب رهف في الحصول على حماية ولجوء، تعكف على دراسته المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، استعدادًا لإعلان قرارها في غضون أيام قليلة.

دينا علي.. الفشل في الهروب من «الولاية» يعني الموت

ربما تتمكن رهف من استكمال حياتها في أمان، وهو للاَسف ما أخفقت في تحقيقه أخريات، ومنهن دينا علي السلوم التي أقدمت على الهروب من أسرتها في إبريل من العام 2017، بحثًا عن النجاة من زواج قسري قررت أسرتها أن تخضعها له، بحسب ما نشرته وسائل إعلام حينها.

توجهت دينا إلى الفلبين كنقطة عبور إلى أستراليا، حيث كانت تنوي تقديم طلب لجوء إنساني مثلما أرادت رهف، لكن السلطات في مطار مانيلا احتجزتها في المطار، لأنها امرأة سعودية وجاءت بالمخالفة لقوانين بلادها.

بمساعدة سيدة في المطار، نشرت دينا مقطعًا مصورًا تتحدث فيه باللغة الإنجليزية عبر تطبيق سناب شات،مستخدمةً الهاتف النقال الخاص بهذه السيدة، بعد أن تحفظت السلطات على هاتفها.  وقد شددت في المقطع على خوفها  مما قد تلاقيه إذا ما أرغمت على العودة إلى السعودية، وعلى الرغم من أن المقطع لاقى انتشارًا واسعًا وحصد وسم #SaveDinaAli أكثر من مليوني تغريدة، فقد أصدرت السفارة السعودية في الفلبين عبر حسابها على تويتر بيانًا رسميًّا تصف فيه الواقعة بــالــ «شأن عائلي»، وأصرّت السلطات الفلبينية على الترحيل، فأعيدت دينا إلى السعودية بعد مجيء أعمامها إلى مطار مانيلا، حيث اقتادوها إلى طائرة عائدة إلى بلدها. ومنذ عودتها وحتى الاَن لا تتوافر أي معلومات بشأن مصير دينا علي السلوم.

مريم العتيبي.. الاعتقال لن يُسكِت صوت مقاومة «الولاية»

قبل هذه الحادثة بشهور، انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي حملة ضد نظام الولاية، حيث استخدمت ناشطات وسم #سعوديات_نطالب_بإسقاط_الولاية للتدوين والزقزقة ضد هذا النظام، وبعد فترة من انطلاقها اعتقلت السلطات واحدة من الناشطات في هذه الحملة وهي مريم العتيبي.

وتعود وقائع اعتقال مريم إلى العام 2016، عندما تقدمت مريم بشكوى ضد شقيقها بعد تعنيفه لها واعتدائه عليها بالضرب، إلا أنها اضطرت إلى التنازل بعد ضغط من أسرتها، ثم عاد شقيقها واعتدى عليها، فتقدمت ضده ببلاغ «قذف وذم »، وعندما حاول الأب إرغامها على التنازل مجددًا رفضت، فقرر معاقبتها برفع دعوى «عقوق الوالدين »، فتم إيقافها بمنطقة القصيم.

قوبل خبر اعتقال مريم باستنكار وغضب من جانب ناشطات وناشطين طالبوا بالإفراج عنها عبر وسمي  #كلنا_مريم_العتيبي و#أخرجوا_مريم_العتيبي، كما طالبت منظمات حقوقية إقليمية ودولية بإسقاط نظام الولاية عن المرأة السعودية. وبعد فترة قصيرة أفرجت السلطات السعودية عن مريم، لكن سرعان ما عادت واعتقلتها مرة أخرى في إبريل من العام 2017، وبحسب بيان أصدره مركز الخليج لحقوق الإنسان في ذلك الوقت، فإن سبب الإيقاف هو انتقالها إلى العاصمة الرياض للعمل والاستقلال بحياتها، وهو ما دفع والدها إلى استخدام قانون الولاية لمعاقبتها، وبالفعل تم اعتقالها وإيداعها بمركز لرعاية الفتيات بديلًا عن السجن لأنها كانت – حينذاك – تحت سن الثلاثين.

وبعد أربعة شهور من الإيقاف الذي أحيط بحملة ضغط ومناصرة، أمر النائب العام السعودي بالإفراج الفوري عن مريم، لعدم توافر أدلة كافية لإيقافها.

أُطلِقَ سراح مريم في يوليو من العام 2017 من دون ولي أمر، وقيل وقتها أن ذلك يأتي تطبيقًا لقرار الملك سلمان (الصادر في إبريل من العام نفسه)، الذي يقضي بمنع الجهات الحكومية من طلب إذن ولي أمر المرأة، ما لم يكن هناك سند قانوني لدى تلك الجهات تستند إليه.

وفور خروجها غرّدت مريم عبر حسابها على تويتر قائلة «تستطيع أن تنجز ما قد هيأت عقلك له، وما وثقت بأنك قادر على فعله، فقط لا تجعل الآخرين يظنون أنك تعتقد أنك لا تستطيع.»

صحيح أن المرأة السعودية حصلت مؤخرًا على حزمة من المكتسبات، لا سيما فيما يتعلق بتولي المناصب الحكومية، والانضمام إلى مجلس الشوري، وتمكينها من العمل (في وظائف بعينها) من دون موافقة ولي الأمر، فضلًا عن نيل حقها – المنطقي والطبيعي – في قيادة السيارة، إلا أن كل ذلك لا يمكن أن يحقق تقدمًا فعليًا ما دام قيد الولاية لم ينكسر، ولا سبيل للخلاص منه إلا بالهروب وطلب اللجوء في بلدان أخرى.