مر العام 2017 دون إنجازات توازي حجم التوقعات الذي ارتفع إثر إعلانه عامًا للمرأة، بل إننا لا نكاد أن نتذكر سوى إنجازين حقيقيين لصالح المرأة خلال السنة برمتها، وهما؛ تعيين أول محافظة في مصر وهي نادية عبده التي اختيرت محافظة للبحيرة، وتعديل بعض أحكام القانون رقم 77 لسنة 1943 بشأن المواريث، بما يجرم الامتناع العمدي عن تسليم الورثة نصيبهم الشرعي في الميراث، وهو ما يعتبر خطوة في طريق حل أزمة حرمان النساء من الميراث المنتشرة في الصعيد. وإن كان ذلك هو ما انتهى إليه عام المرأة بكل ما أحاط به من زخم، وطموحات، ومساحات إعلامية موسعة، وبقدر ما أثاره من إحباط، فقد أصبح في نهايته دافعًا إلى ترقب مزيد من الركود على صعيد التشريعات والقضايا المعلقة، وتوقع حزمة أكبر من التصريحات التي تنطوي إما على تحريض أو عنف لفظي ضد النساء المصريات.

وبتتبع أبرز أحداث هذا العام، ينجلي أنه كان عام الجمود خاصةً فيما يخص القوانين، لكنه في الوقت نفسه شهد حِراكًا ومقاومة لافتة في مواجهة إسكات الناجيات من العنف الجنسي داخل مؤسسات العمل، كما انكشف خلاله زيف العديد ممن كانوا يستخدمون لغة مناصرة للنساء وحقوقهن ويدافعون عن أمانهن وأمنهن، بينما في حقيقة الأمر هم أنفسهم مصدر تهديد لهن.

الربع الأول من العام:

الدولة.. زيادة أخرى في نسبة تمثيل المرأة في الحكومة

منظمات نسوية.. مواجهة الظاهرة الأطول عمرًا بـإعادة إحياء “قوة العمل لمناهضة ختان الإناث”

ناشطات.. قضية الإيميل تُسقِط سقف الصمت والخوف على المحتمين به

ناجيات.. أول فتاة في الصعيد تحصل على حكم قضائي ضد متحرش

بدأ العام بمصادقة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في يناير، على تعديلات قانون المواريث التي أقرها البرلمان في الخامس من ديسمبر في العام 2017 بهدف ردع منتهكي حقوق النساء تحديدًا في الميراث، ونشرت الجريدة الرسمية القرار الجمهوري ليبدأ سريان العمل بأحكام القانون الجديدة، ليأتي أول حكم قضائي بموجب هذه التعديلات في شهر سبتمبر، إذ حصلت سمية عبد الرازق على حكم بحبس شقيقها الذي امتنع عن تسليمها وشقيقاتها ميراثهن الشرعي بعد وفاة الأبوين، وعاقبت المحكمة الأخ غيابيًا بالحبس والغرامة وتمكينها من الحصول على ميراثها.

في يناير أيضًا، أجرى رئيس الوزراء السابق شريف إسماعيل التعديل الوزاري الثالث في حكومته التي كانت تضم حينذاك أربع وزيرات وهن؛ نبيلة مكرم للهجرة وشؤون المصريين في الخارج، وغادة والي للتضامن الاجتماعي، وسحر نصر للتعاون الدولي والاستثمار بعد دمجهما في وزارة واحدة، وهالة حلمي للتخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري. وقد شمل التعديل أربع حقائب هي؛ التنمية المحلية، والثقافة، والسياحة، وقطاع الأعمال، بالإضافة إلى نائبين لوزارتي الصحة والإسكان. وقد اختيرت سيدتان لحقيبتين من الأربع في سابقة لم تعهدها أي من الوزارتين، وهما رانيا المشاط للسياحة وإيناس عبد الدايم للثقافة، وبذلك ارتفع عدد النساء في الحكومة إلى 6 وزيرات، وقد احتفى المجلس القومي للمرأة وقطاع من المنظمات والناشطات النسويات بارتفاع نسبة التمثيل النسائي في الحكومة إلى 17.6 في المئة. في المقابل اعتبر قطاع اَخر أن التمثيل ما برح ضئيلًا، إذا ما قورن بتمثيل النساء في حكومات أخرى عربية وغير عربية، مثل تونس التي تصل فيها النسبة إلى 30 في المئة، أو فرنسا حيث تبلغ نسبة التمثيل النسائي في الحكومة 50 في المئة، بينما تقدر النسبة في السويد بـــ54 في المئة.

شريف إسماعيل مع وزيرة السياحة رانيا المشاط

في نهاية الشهر نفسه، أثيرت واحدة من أهم القضايا التي شهدها العام، ويمكن رؤيتها كنقطة فاصلة في التعامل مع وقائع العنف الجنسي، خاصة التي تتعرض لها النساء في أماكن العمل وتحديدًا مؤسسات المجتمع المدني.

خلال الأسبوع الأخير من يناير، نشرت إحدى الناشطات النسويات على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، نص رسالة بريد إلكتروني وصلتها من عاملة سابقة بالمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وكانت الأخيرة تروي في رسالتها وقائع تعرضها للاعتداء الجنسي مرتين من عاملين بالمركز المذكور وكليهما أعضاء بحزب العيش والحرية الذي ما زال تحت التأسيس، وتعود أحداث الواقعة الأولى إلى العام 2014 والأخرى إلى العام 2015. وبحسب ما جاء في الرسالة، فقد تعرضت صاحبتها إلى الاغتصاب على يد أحد زملائها بالمركز ويدعى محمود بلال، بعد أن رافقته ومجموعة من زملائهم في العمل إلى أحد المطاعم، وبعد شربها لمشروبات كحولية أدت إلى فقدانها الوعي، توجهت برفقة بلال واثنين من زملائهما بالعمل إلى منزله لحين استعادة وعيها، إلا أن الأخير استغل حالتها وأقدم على اغتصابها أثناء غفوتها. أما الواقعة الثانية فهي تحرش لفظي تعرضت له من قبل رئيسها في العمل وهو خالد علي، المحامي الحقوقي والمرشح الرئاسي السابق ووكيل مؤسسي حزب العيش والحرية (المستقيل).

وعلى خلفية انتشار “نص الإيميل” عبر الشبكات الاجتماعية ووسائل الإعلام المختلفة، أعلن حزب العيش والحرية أنه كان بالفعل قد بدأ تحقيقًا في الوقائع الواردة فيه، خلال ديسمبر من العام 2017 بعد أن وصلته الرسالة نفسها من الفتاة في نوفمبر من العام نفسه، لكن الحزب احتفظ بسرية التحقيقات، مشيرًا إلى أنه ينتظر التقرير الخاص بنتائج التحقيقات من اللجنة المستقلة حتى يتمكن من إعلانها أمام الرأي العام، وهو ما استفز كثيرين معتبرين أن ما فعله الحزب محاولة متعمدة للتعتيم على الوقائع لصالح المدعى عليهما خاصة المحامي خالد علي، الذي كان يخوض في تلك الفترة حملته الانتخابية للترشح للانتخابات الرئاسية (2018)، قبل انسحابه في يناير الماضي.

فضلًا عن ذلك، احتجت ناشطات نسويات على إصرار الحزب منذ أن تشكلت اللجنة وحتى ظهر الإيميل، على ألا يتخذ أي قرار بالإيقاف أو تعليق العضوية بحق أي شخص من المدعى عليهما، واعتبرن إخفاء الحزب لوجود اتهام كهذا بحق مرشح رئاسي بمثابة خديعة كبرى وتضليل مقصود.

لم تنج القضية من التسييس، حيث اعتبرها مؤيدو الحزب وخالد علي مؤامرة نسجتها أجهزة الأمن، وأشاع البعض فكرة أن الناجية عميلة لدى الجهاز الأمني تستهدف تشويه أحد أبرز رموز المعارضة، بينما تداولها الإعلام المؤيد للسلطة باعتبارها فضيحة للتيار المعارض برمته وتحديدًا رموز ثورة الـ25 من يناير.

وقد شهد شهر فبراير كثافة في إصدار بيانات مرتبطة بالقضية من جهات متفرقة، أولها البيان الذي أصدرته مجموعة ثورة البنات، الذي كشفت فيه مجريات الاجتماع الذي عقدته مع لجنة قضايا المرأة بحزب العيش والحرية وقدمت فيه توصياتها بخصوص القضية وهي؛ تجميد عضوية خالد علي وكيل مؤسسي الحزب كإجراء احترازي لحين الانتهاء من التحقيق، وإصدار بيان للرأي العام لتوضيح موقف الحزب من القضية، وتحديد موعد نهائي لانتهاء عمليات التحقيق وإعلان النتائج. كما أعلنت مجموعات نسوية في بيان مشترك احتجاجها على موقف الحزب وتعامله مع القضية واصفة إياه بالمتخاذل، وطالبت بسرعة إعلان نتائج التحقيق.

وفي الـ17 من فبراير، نشر الحزب بيانًا يعلن فيه نتائج التحقيق بعد استلامه تقرير اللجنة، وكان أهم ما جاء فيه أن لجنة التحقيق المستقلة لم تجد وكيل مؤسسي الحزب مدانًا بأي انتهاك جنسي باللفظ أو بالفعل، لكنها توصي بالحرص على عدم التداخل بين الحياة العامة، والخاصة حتى لا يؤثر ذلك على الكفاءة والسمعة أو فتح المجال أمام سوء الفهم والشبهات، وبشأن واقعة الاغتصاب فقد وصفها البيان بــ”السلوك المشين”.

أثارت اللغة المستخدمة استهجان كثيرين، خاصة أن الحزب رفض أن يذكر كلمة اغتصاب واستبدلها بالفعل المشين، بما يشي بأنه ما زال مصرًا على التشكيك في وقوع الجريمة.

وبعد يومين من إصدار الحزب لبيانه، أعلن خالد علي في بيان نشره عبر صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، استقالته منه وقدم اعتذارًا لصاحبة الإيميل عن الاَلم النفسي الذي سببه لها.

ظاهريًا، تبدو القضية وكأنها أغلقت لكن واقعيًا فإنها ما زالت محل جدل وجدال، ولعل أهم ما تمخض عن القضية هو فتح ملف شائك طالما كان مسكوتًا عنه، وهو التحرش بالعاملات داخل مؤسسات المجتمع المدني، حيث كانت الناجيات يضطررن أو يرغمن على التزام الصمت خشية اتهامهن بالعمالة للأجهزة الأمنية.

في شهر فبراير أيضًا، اجتمعت منظمات نسوية وحقوقية وتنموية، للإعلان عن إعادة إحياء ما يسمى بـ«قوة العمل المناهِضة لختان الإناث»، وذلك بالتزامن مع اليوم الدولي لعدم التسامح مطلقًا إزاء تشوية الأعضاء التناسلية للإناث، الذي يحل سنويًا في الـ6 من فبراير من كل عام.

وكانت قوة العمل المناهِضة لختان الإناث قد تشكلت في تسعينيات القرن الماضي، كتحالف يضم جمعيات أهلية ويعمل مع وسائل الإعلام والحكومة المصرية، للتوعية بمضار ومخاطر ممارسة تشويه الأعضاء التناسلية والمعروفة باسم “ختان الإناث”. ويذكر في هذا الصدد الدور الذي لعبته ناشطات نسويات مثل؛ ماري أسعد وعزيزة حسين وعفاف جاد الله وداليا الطايب لتدشين هذه القوة اَنئذٍ.

وفي إطار إعادة إحياء قوة العمل، تشكل تحالف يضم  146 منظمة نسوية وحقوقية وجمعيات أهلية وتنموية، ومن بينها؛ مؤسسة قضايا المرأة المصرية، ومؤسسة المرأة الجديدة، ومركز تدوين لأبحاث النوع الاجتماعي، والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، ومبادرة المحاميات المصريات، ومركز المرأة للإرشاد والتوعية القانونية، والجمعية المصرية للتنمية الشاملة، ومؤسسة سالمة لتنمية النساء، ومؤسسة القاهرة للتنمية والقانون، والائتلاف المصري لحقوق الطفل، والاتحاد النوعي للجمعيات العاملة لمناهضة الممارسات الضارة ضد المرأة والطفل، وائتلاف الجمعيات الأهلية لمناهضة ختان الإناث.

وبحسب ما أعلنته المنظمات المشار إليها اَنفًا في مؤتمرها للإعلان عن إعادة إحياء قوة العمل، فإن هذه الخطوة جاءت بهدف تكثيف الجهود وتوحيدها لخلق سياسات واَليات عمل جديدة من شأنها الحد من استمرار جريمة ختان الإناث تجاه الفتيات والنساء في مصر، التي تثبت الأرقام والدراسات أنها ما انفكت منتشرة بشدة وأن التغيير لا يتناسب والموارد البشرية والمالية المخصصة لمحاربة الظاهرة، إذ أظهر المسح الصحي السكاني لوزارة الصحة في مصر والصادر عن العام 2014،  أن  92 في المئة من النساء المصريات في الفئة العمرية (15-49 سنة) وسبق لهن الزواج أخضعن لممارسة ختان الإناث.

في فبراير أيضًا، أصدرت محكمة جنايات قنا حكمًا بحبس شاب في الصعيد لمدة ثلاث سنوات، على خلفية تحرشه بفتاة في أحد شوارع مدينة قنا، وهو أول حكم من نوعه في الصعيد.

وتعود أحداث القضية إلى شهر أغسطس من العام 2017، عندما تعرضت رانيا فهمي (23 عامًا) للتحرش الجنسي على يد أحد المارة في الشارع، وقررت ألا تترك الانتهاك يمر دون محاسبة مرتكبه، فاتجهت إلى مركز شرطة قنا، وتقدمت ببلاغ ضد المتحرش، بعد أن أرفقته بمقطع مصور يوثق الواقعة، كانت قد تمكنت من الحصول عليه عبر تفريغ كاميرا أحد المحال التجارية في الشارع الذي وقعت فيه الحادثة، بعد أن منعها المارة من اقتياد المتحرش إلى قسم الشرطة ومكنوه من الهروب.

وكغيرها من الناجيات من العنف، تعرضت فهمي لضغوط كثيرة من أسرة المتحرش لدفعها إلى التنازل عن القضية، لكنها أصرت على المضي قدمًا والاستمرار في قضيتها لردع المتحرش وغيره من المتحرشين وبالطبع استعادة حقها.

تعد رانيا فهمي هي أول امرأة في الصعيد تحصل على حكم ضد متحرش، لتأتي في قائمة الأوليات في مصر اللاتي تصدين للمتحرشين قانونيًا، بعد أن كانت أولهن على الإطلاق نهى رشدي التي حصلت أول حكم قضائي بحبس متحرش في العام 2009.

رانيا فهمي مع رئيسة المجلس القومي للمرأة

الربع الثاني:

القومي للمرأة.. قانون جديد لتنظيمه بديلًا لقرار الإنشاء

بعد الانتخابات الرئاسية.. أعلى نسبة تمثيل للمرأة في الحكومات المصرية

في إبريل، أقر مجلس النواب المصري القانون الخاص بتنظيم المجلس القومي للمرأة، كما صادق عليه رئيس الجمهورية ونشرته الجريدة الرسمية في الشهر نفسه، ليحل محل قرار إنشاء المجلس رقم 90 لسنة 2000، وذلك عملًا بالمادة 214 من الدستور المصري التي تنص على تحديد قانون للمجالس القومية ومنها المجلس القومى للمرأة.

ويأتي من بين أبرز المنصوص عليه في قانون تنظيم عمل المجلس القومي للمرأة، اعتبار المجلس مستقلًا، يتبع رئيس الجمهورية ويتمتع بالشخصية الاعتبارية، ويتمتع بالاستقلال الفني والمالي والإداري في ممارسة مهامه وأنشطته واختصاصاته، كما يحدد القانون الهدف العام للمجلس من حماية وتعزيز حقوق وحريات المرأة بمقتضى أحكام الدستور، في ضوء الاتفاقيات والمواثيق الدولية التي تصدق عليها مصر ونشر الوعي بها، بالإضافة إلى المساهمة في ترسيخ قيم المساواة وتكافؤ الفرص وعدم التمييز.

مايا مرسي – رئيس المجلس القومى للمرأة

انعقدت الانتخابات الرئاسية في الـ26 من مارس واستمرت عمليات الاقتراع لثلاثة أيام، وفي الـ2 من إبريل، أعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات النتيجة الرسمية وفوز الرئيس عبد الفتاح السيسي بما يمكنه من الاستمرار في سدة الحكم لفترة رئاسية ثانية. وفي الـ14 من يونيو، أدت الحكومة الجديدة اليمين الدستورية أمام رئيس الجمهورية، وقد ضمت هذه الحكومة 8 سيدات من بين 33 وزيرًا، لترتفع النسبة من 17.6 في المئة إلى 24.2 في المئة، وهي أعلى نسبة تمثيل للمرأة في الحكومات المصرية منذ أن عرفت الدولة ما يعرف بالحكومة أو مجلس الوزراء في ديسمبر من العام 1914.

وقد حافظت الـ6 وزيرات، عضوات حكومة شريف إسماعيل على وجودهن في حكومة مصطفى مدبولي، وانضمت إليهن هالة زايد وزيرة للصحة والسكان وياسمين فؤاد وزيرة للبيئة.

علاوة على ذلك، ضم التشكيل الوزاري 4 نائبات، وهن: منى محرز نائبةً لوزير الزراعة، وراندا علي صالح نائبة لوزير الإسكان، ونيفين القباج نائبة لوزير التضامن الاجتماعي، وغادة أبو زيد نائبة لوزير التخطيط للإصلاح الإداري.

الربع الثالث:

الدولة.. زيادة أخرى في الأرقام

النساء.. التحرش يلاحقهن في كل مكان

المتحرش.. قد يكون ميسور الحال ومثقف ومن مناصري “حقوق المرأة”

كما عرف التشكيل الحكومي الأخير في يونيو أكبر نسبة تمثيل نسائي، ضمت حركة المحافظين المعلنة في أغسطس أكبر حضور نسائي بالمقارنة بسابقاتها، إذ بلغ عدد النساء فيها 6 سيدات.

وكانت أول حركة للمحافظين تشمل سيدات، هي التي أجريت خلال فترة قيادة حكومة المهندس إبراهيم محلب في فبراير من العام 2015، وقد ضمت ثلاث نائبات لمحافظي القاهرة والجيزة والإسكندرية، وهن؛ جيهان عبد الرحمن، وسعاد الخولي، ومنال عوض. أما في حركة المحافظين السابقة في فبراير من العام 2017، فقد جاء أول تعيين لامرأة في منصب المحافظ، وهي الدكتورة نادية عبده لمحافظة البحيرة. وفي الحركة الأخيرة، أدت الدكتورة منال ميخائيل اليمين الدستورية محافظةً لدمياط، لكن تمكين النساء من قيادة المحافظات لم يتقدم خطوة واحدة إلى الأمام، لأن الحركة نفسها شهدت خروج نادية عبده.

ربما كان التحرش الجنسي هو أكثر مصطلح نطقت به الألسنة خلال شهر أغسطس، وتكررت قصصه على الاَذان، وشاعت الوسوم (هاشتاجات) المرفقة بشهادات الناجيات منه. وفي مقدمة حوادث التحرش التي شهدها الشهر كانت تلك المعروفة بـاسم “تحرش التجمع”، وتعود وقائعها إلى الـ14 من أغسطس، عندما نشرت فتاة عبر موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، مقطعًا صورته بنفسها وعنونته بــ«في التجمع وبيحصل كده!!»، وثقت من خلاله تعرضها للملاحقة من قبل شاب تتبعها بسيارته في منطقة التجمع الخامس، ثم نزل منها ليدعوها إلى الجلوس معه في أحد المقاهي وشرب القهوة، ثم نشرت مقطعًا اَخر يوثق تعرضها للملاحقة من قبل شخص اَخر، توجه إليها وتحرش بها لفظيًا.

ذاع المقطعان لا سيما الأول منهما، الذي انتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعى، إلى درجة جعلته يحصد ما يزيد عن 500 ألف مشاهدة بعد ساعات من نشرها له على فيسبوك.

في السنوات الأخيرة، كانت وقائع التحرش الجنسي الموثقة بصور أو مقاطع، محل انقسام بين طرفين؛ الأول يُحمّل الناجية مسؤولية تعرضها للتحرش، والثاني يؤيدها ويرى أن توثيق جرم المتحرش بالكاميرا هو الحل لفضح المتحرشين وردعهم. أما هذه الواقعة فقد ظهر طرف الثالث وهو الذي لم يرَ في الفعل تحرشًا واعتبر الأمر مجرد عرض مواعدة مهذب، ويبرر هذا الطرف وجهة نظره، بحجة أن الشاب انصرف بعد أن أبدت الفتاة انزعاجها منه ومن عرضه، أو بدعوى أنه من أبناء الطبقة العليا، شاب من سكان منطقة التجمع (يسميها البعض بحي الأغنياء) ويمتلك سيارة فارهة. وتعبر هذه الرؤية عن خلط للمفاهيم، وعنصرية وطبقية في النظر والتعامل مع قضية التحرش الجنسي برمتها.

مقطع واقعة التحرش في التجمع

وتجدر الإشارة إلى أن مبادرة خريطة التحرش الجنسي، كانت قد حددت صورًا للتحرش ومن بينها؛ ملاحقة شخص سيرًا أو باستخدام السيارة لمرة واحدة أو بشكل متكرر أو انتظاره خارج مكان عمله أو منزله أو بجانب سيارته، بالإضافة إلى طلب ممارسة الجنس أو توجيه دعوة لتناول العشاء أو اقتراحات تحمل طابعًا جنسيًا بشكل ضمني أو علني.

سرعان ما تحول المتحرش إلى أحد مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي، بعد أن تعامل كثيرون مع المقطع باعتباره مشهدًا فكاهيًا، وتداولوه مرفقًا بجمل ساخرة، كما صمم اَخرون صورًا وكوميكس تتهكم على الموقف كله. كما استغل المقهى الذي جاء ذكر اسمه على لسان الشاب في المقطع، الواقعة في التسويق له، وهو ما فعله أيضًا عدد من المقاهي والمطاعم الموجودة في منطقة التجمع، من خلال استخدام عنوان المقطع “في التجمع وبيحصل كده!!” كجملة تسويقية لمنتجات وعروض هذه الأماكن.

على الجانب الاَخر، أعلنت 11 منظمة نسوية مستقلة تضامنها مع الناجية، وطالبت في بيان صدر بتاريخ 23 أغسطس، بضرورة عقد حوار مجتمعي بين المؤسسات النسوية والأجهزة الوطنية المعنية بمناهضة العنف الجنسي لبحث استراتيجيات عمل جديدة من شأنها الحد من وقائع التحرش وفتح اَفاق جديدة لدعم الناجيات ومساندتهن.

كما أعلن المجلس القومي للمرأة تضامنه الكامل مع الناجية، وكشفت مايا مرسي رئيسة المجلس عن تواصله مع الفتاة للتأكيد على التضامن معها، واستعداده لتقديم المساندة القانونية لها. لكن الفتاة قررت ألا تتخذ هذا المسلك بسبب الهجوم والتهديدات التي تعرضت لها.

بعد أيام وخلال عطلة عيد الأضحى تحديدًا، تعرضت جهاد راوي وروزانا ناجح للتحرش اللفظي والاعتداء بالسب والضرب على يد شخص تعمد ملاحقتهما أثناء ترجلهما بمنطقة وسط البلد. وبعد تحرير الفتاتين لمحضر بالواقعة، مضت القضية في طريقها حتى أصدرت محكمة جنح قصر النيل في الـ9 من سبتمبر حكمها بحبس المتحرش سنتين مع الشغل والنفاذ، و3 أشهر أخرى إلى جانب غرامة بقيمة 2000 جنيه عن تهمة الضرب، وغرامة أخرى بـ10 اَلاف جنيه عن تهمة السب.

وعلى خلفية هذه الوقائع، أصدر الأزهر الشريف في الـ27 من أغسطس، بيانًا يؤكد فيه أن تجريم التحرش يجب أن يكون مطلقًا ومجردًا من أي شرط أو سياق، مشددًا على أن تبرير التحرش بسلوك أو ملابس الفتاة يعبر عن فهم مغلوط، لما في التحرش من اعتداء على خصوصية المرأة وحريتها وكرامتها، كما دعا إلى تفعيل القوانين التي تجرم التحرش الجنسي وتعاقب مرتكبه. وقد وصفت منظمات ومجموعات نسوية هذا البيان بالتقدمي، خاصة أن المؤسسة الدينية استخدمت لأول مرة لغة لا تُحمّل الناجية أي مسؤولية في وقوع الجرم، ولا تفتح الباب أمام تبرير التحرش بذريعة مخالفة الملابس لـ”القواعد الدينية” أو “القيم المجتمعية”.

ما هي إلا أيام قليلة، وخرج مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية التابع للأزهر الشريف، ببيان ختامي عن ورشة عمل أقامها لمناقشة أبعاد ظاهرة التحرش الجنسي، حمّل فيه النساء جانبًا من المسؤولية، إذ جاء في نصه “ونحن إذ نُدين الشباب فإننا لا نُخْلي الفتاةَ من المسؤولية، رغم إدراكنا أن المتحرش لا يفرق بين متبرجة أو غير متبرجة إلا أن التبرج أدعى لوجود هذه الظاهرة، وما سبق من سرد لبعض أسباب الظاهرة إنما هي أمورٌ لا تبرر الخطأَ وإنما هي من أسبابه، وكما أن الشاب مأمور بغض البصر فالفتاة –أيضًا-مأمورة بسترِ الجسدِ.”

تجدر الإشارة إلى أن الصفحة الرسمية لمركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية حذفت البيان، بعد ساعات من نشره، ويرجح أن ذلك جاء بعد الانتقادات التي وجهت إليه بسبب التناقض الواضح بينه وبين بيان الأزهر.

في بداية شهر سبتمبر، انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي أخبار عن تعرض الصحافية مي الشامي للتحرش الجنسي داخل مقر عملها بمؤسسة اليوم السابع، على يد رئيس التحرير التنفيذي دندراوي الهواري، وهو ما أكدته الشامي قولًا وفعلًا بتحريرها محضرًا لدى قسم شرطة الدقي في الجيزة، حمل رقم 5717 لسنة 2018، تتهم فيه الهواري بالتحرش بها.

أعلن نشطاء وناشطات دعمهم لمي الشامي عبر وسم #ادعم_مي_الشامي، بينما أبدى عاملون وعاملات بالوسط الصحافي تضامنهم مع الهواري، زاعمين أن الواقعة مختلقة للنيل من سمعته، وتأتي في إطار حرب المعارضة على النظام الحالي ومؤيديه.

لم تمض القضية في طريقها المأمول من قبل الشامي والداعمات والداعمين لها، ولم تصل إلى ساحات القضاء، بعد أن قررت نيابة الدقي في نوفمبر الماضي حفظ البلاغ المقدم منها إداريًا ضد الهواري، كما أصدرت قرارًا برفض التظلم المقدم منها وتأكيد حفظ البلاغ.

في سبتمبر أيضًا، طفت إلى السطح أخبار نشرتها صحف ومواقع إخبارية مصرية، تفيد بأن شبكة دويتشه فيله الألمانية (DW) أوقفت برنامج الصحافي المصري يسري فوده – المقيم في ألمانيا والعامل لديها – وفصلته عن العمل، إثر ثبوت تحرشه بعدد من زميلاته العاملات بالمؤسسة الإعلامية.

خرج فوده ليعلن أن مؤامرة تحاك ضده بسبب موقفه المعارض للنظام الحالي في مصر، وقال في تدوينة نشرها عبر صفحته الرسمية على موقع فيسبوك “أؤكد لكم أن ما ورد اليوم من افتراءات بحقي في منشور نمطي موحد تم توزيعه على أدوات النظام لا أساس له من الصحة جملةً و تفصيلًا”، وطالب الراغبين في التيقن من ذلك بمخاطبة دويتشه فيله مباشرة، وهو ما حدث بالفعل، حيث توجه نشطاء وصحافيون إلى المؤسسة بالسؤال عما إذا كانت قد فصلته على خلفية الاتهامات المذكورة.

في الوقت نفسه، نشرت فتيات وسيدات شهادات يتهمن فيها فوده بالتحرش بهن، في أوقات وأماكن مختلفة، واستقبل وسم #MeToo تغريدات وتدوينات مرفقة باسم الإعلامي الذي اشتهر بكونه أحد رموز ثورة يناير 2011 والمؤمنين بمبادئها الأساسية في الحرية والمساواة، وأحد المدافعين عن حقوق الإنسان والمرأة.

ورغم تتابع وتلاحق القصص والشهادات ضده، أصر فوده على نفي كل هذه الاتهامات جملةً وتفصيلًا، وقال في اَخر تدوينة نشرها على حسابه على فيسبوك “هذه حرب فُرِضت علي وأنا أقبلها وأرجو ممن لديه ذرة من عدل أن يتوخى الحذر في سمعة الناس، سواء في ما يخصني أو حتى في ما يخص المدعي. أما في ما يخص اللعبة الكبرى فإن لها حديثًا آخر وطريقة أخرى للتعامل حين تكتمل الحقائق بين يدي.”

بعد ساعات من نشره لهذه الكلمات، أرسلت مؤسسة دويتشه فيله بيانًا داخليًا للعاملين فيها تعلمهم بأن عامل بالشبكة – دون ذكر الاسم-  قد تم فصله على خلفية اتهامه بالتحرش بعاملات لديها. رأى كثيرون أن التحقيق الذي أجرته المؤسسة وإجراء الفصل الذي اتخذته عقب ثبوت صحة الإدعاءات ضد فوده، هو ما يجب أن تنتهجه جميع مؤسسات العمل، لحماية النساء وتوفير بيئة عمل اَمنة لهن. في الوقت نفسه، لا يمكن لأحد أن ينكر أن الضغط الذي مارسته الناشطات والمجموعات النسوية هو ما دفع بالمؤسسة للإعلان عن السبب الفعلي لإنهاء التعاقد مع الإعلامي المصري، خاصة أنها اختارت أن يخرج مكرمًا بحفل وداع وصوّرت رحيله عنها بالإجازة المؤقتة، بينما كانت مؤسسات أخرى أكثر حزمًا وحسمًا في وقائع شبيهة، مثل شبكة فوكس نيوز الأمريكية (Fox News) التي أعلنت في إبريل من العام 2017، فصل أحد  أبرز الوجوه على شاشتها وهو المذيع بيل أوريلي، بعد تحققها من تحرشه جنسيًا بعدد من العاملات لديها، ومحطة سي بي أس الأمريكية (CBS) التي أرغمت رئيس مجلس إدارتها على الاستقالة في سبتمبر الماضي، بعد اتهام عدد من النساء له بالتحرش الجنسي، من خلال شهادات أدلين بها إلى مجلة نيويوركر الأمريكية (The New Yorker).

الربع الأخير:

المنظمات.. الأمل يعود في قانون موحد لمناهضة جميع أشكال العنف ضد المرأة

مجلس الدولة.. وما زال التعنت ضد تعيين النساء قائمًا

في شهر نوفمبر، أعلنت النائبة نادية هنري، عضوة اللجنة الاقتصادية بمجلس النواب، تبنيها لمشروع القانون الموحد لمكافحة العنف ضد المرأة، الذي أطلقته قبل عام (نوفمبر -2017) منظمات حقوقية ونسوية انضوت تحت تحالف حمل اسم “قوة العمل من أجل قانون موحد لمناهضة العنف ضد المرأة”، ويتضمن 53 مادة مُقسّمة إلى سبعة أبواب تشمل: التعريفات، وإجراءات التقاضي، والجرائم الجنسية، وجرائم إسقاط الحوامل، والجرائم الخاصة بخطف النساء والفتيات والأطفال واستغلالهم، وجرائم العنف الأسري ضد النساء والفتيات، والوقاية.

تقدمت هنري بمشروع القانون إلى مجلس النواب، وفي الـ25 من نوفمبر الذي يصادف اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة، أحال المجلس مشروع القانون الموحد لمناهضة جميع أشكال العنف ضد المرأة، إلى لجنة مشتركة من لجان الشؤون الدستورية والتشريعة، والدفاع والأمن القومي، والتضامن الاجتماعي.

يذكر أن القانون الموحد لمناهضة جميع أشكال العنف ضد المرأة كان من المنتظر صدوره خلال العام الماضي، وذلك استنادًا لما صرحت به رئيسة المجلس القومي للمرأة في يناير من العام 2017، خلال ورشة عمل انعقدت في جامعة القاهرة لمناقشة تقرير بعنوان “تقدم المرأة في العالم.. تحويل الاقتصاديات وإحقاق الحقوق”، إذ أكدت وقتذاك أن إصدار قانوني مناهضة العنف ضد المرأة والأحوال الشخصية، هو أحد أهداف المجلس الرئيسة خلال العام 2017، لكن يظل مشروع القانون الخاص بالمجلس في حالة جمود حتى يومنا هذا، ولا تخرج تصريحات عن رئيسة المجلس بخصوصه سوى في إطار التأكيد والتشديد على انتهاء المجلس من إعداده.

من جديد، يتكرر سيناريو حرمان النساء من حقهن في التعيين بمجلس الدولة المصري بحذافيره، حيث توجهت مجموعة من الخريجات الجدد في الـ12 من شهر ديسمبر (الجاري)، إلى مقر مجلس الدولة، لسحب الملف الخاص بشغل وظيفة مندوب مساعد في المجلس، استنادًا إلى مواد الدستور والقانون، لكن الموظفين المعنيين امتنعوا عن تسليمهن الملفات، كما رفض سكرتير رئيس مجلس الدولة تنفيذ طلبهن في رفع تظلم لرئيس المجلس.

وفي هذا السياق، تقدمت النائبة نادية هنري بطلب إحاطة بشأن رفض مجلس الدولة تسليم ملفات واستمارات التقدم للخريجات، رغم انطباق الشروط عليهن بموجب المادتين 11 و129 من الدستور المصري، والمادة 73 من قانون مجلس الدولة المحددة لشروط التعيين في المجلس. وفي هذا السياق، تقدمت النائبة نادية هنري بطلب إحاطة بشأن رفض مجلس الدولة تسليم ملفات واستمارات التقدم للخريجات، رغم انطباق الشروط عليهن بموجب المادتين 11 و129 من الدستور المصري، والمادة 73 من قانون مجلس الدولة المحددة لشروط التعيين في المجلس. وفي هذا السياق، تقدمت النائبة نادية هنري بطلب إحاطة بشأن رفض مجلس الدولة تسليم ملفات واستمارات التقدم للخريجات، رغم انطباق الشروط عليهن بموجب المادتين 11 و129 من الدستور المصري، والمادة 73 من قانون مجلس الدولة المحددة لشروط التعيين في المجلس.