نساء تحدين الحظر: المخرجات الأوليات في الخليج
المرأة الخليجية كمخرجة سينمائية موضوع مثير للاهتمام والتتبع، خاصةأن عدد المخرجات الخليجيات قليل جدًا، في ظل مناخ معادٍ لحرية الإبداع حيث تقبض عليه الرقابة بقوة، وفي ضوء ظروف اجتماعية ما انفكت تُحرّم انخراط النساء في هذه الساحة التي ما زالت محاطة بصور نمطية.
وفضلًا عن قلة العدد، فإن هؤلاء النسوة يتسمن بالجرأة في تناولهن لقضايا المجتمع لا سيما التي تخص المرأة تحت وطأة تقاليد وقوانين تقيدها وتنتهك حقوقها.
هؤلاء لا يمكن وصفهن بمخرجات فقط، فإنهن محاربات يخضن حربًا مستمرة منأجل تقديم منتجات سينمائية لا تستجيب للسائد بل تتمرد عليه، ولذلك فإن التذكير بأسمائهن وخطواتهن وأفلامهن حق لهن، وواجب على من يدعم تمكين النساء في مختلف المجالات، خاصة المجال السينمائي الذي عادةً ما يستخدمنه كسلاح لكشف عورات الواقع الذكوري.
هيفاء المنصور: أول مخرجة سعودية
إذا تحدثنا عن النساء اللاتي تحدين الحظر المفروض على مهنة الإخراج السينمائي، فلابد أن تأتي في المقدمة المخرجة السعودية هيفاء المنصور، التي تعد الأولى في بلد عُرِف بمعاداته للسينما، حيث عاش السعوديون لعقود لا يمكنهم الذهاب إلى دار عرض سينمائي في بلادهم بسبب منع إقامتها، وهو الحظر الذي استمر حتى إبريل الماضي،عندما افتتحت أول قاعة للعروض السينمائية.
ولدت المنصور في أغسطس من العام 1947 في محافظة الأحساء السعودية، وقد درست الأدب المقارن بالجامعة الأمريكية في القاهرة،وفي العام 2009 حصلت على درجة الماجستير في الدراسات السينمائية بجامعة سيدني في أستراليا.
كان الفيلم القصير “من؟” هو باكورة إنتاجها السينمائي، ثم تبعته بفيلم “أنا والاَخر” الذي ناقش فكرة التعدد الفكري داخل السعودية وقدفازت عنه بجائزتين وهما؛ جائزة أفضل سيناريو في مسابقة أفلام الإمارات التي كان ينظمها مهرجان أبو ظبي الدولي للأفلام قبل توقفه، كما فاز بتنويه خاص في مهرجان روتردام للفيلم العربي في هولندا، ثم جاءت تجربتها الوثائقية الأولى عبر فيلم “نساءبلا ظل” وهو أول فيلم يُعرض للمنصور في السعودية، إذ اقتصر عرض أفلامها السابقة في المهرجانات العربية والأوروبية.
ويتناول فيلم “نساء بلا ظل” علاقة المرأة بالرجل في المجتمع السعودي، وعلاقة كل منهما بالمجتمع، كما يناقش وضع المرأة السعودية في الفضاء العام بين الماضي والحاضر، ولذلك أثار جدلًا واسعًا في مجتمع محافظ. وقد حصد الفيلم جائزة أفضل فيلم وثائقي في مسابقة أفلام الإمارات، وجائزة الخنجر الذهبي في مهرجان مسقط السينمائي، التي تعد أول جائزة ذهبية يحصل عليها فيلم سعودي.
التجربة الأهم في مسيرة المنصور، هي أول أفلامها الروائية الطويلة الذي اختارت له اسم “وجدة” وهو اسم الشخصية الرئيسة فيه، ولم يكن الأول من نوعه في مسيرتها وحدها بل في تاريخ السينما السعودية ككل، فهو أول فيلم سعودي تخرجه امرأة. فضلًا عن ذلك، فإنه أول فيلم روائي يتم تصويره بالكامل داخل العاصمة السعودية الرياض وفي شوارعها وطرقاتها، وبمشاركة طاقم ممثلين سعوديين.
ولكونها امرأة فقد واجهت العديد من الصعوبات أثناء تصوير الفيلم، إذ لميكن بإمكانها أن تدير طاقم العمل بشكل مباشر مثل أي مخرج، واضطرت إلى إدارة العمل وتوجيه الممثلين من خلال جهاز لاسلكي بينما كانت تراقب التصوير من داخل شاحنة، تجنبًا لما قد تتعرض له إذ ظهرت في الشارع تعمل مع الرجال (طاقم العمل خالف الكاميرا) بشكل مباشر.
وعلى الرغم من أن الفيلم قد يبدو بسيطًا، إذ يدور حول طفلة تريد اقتناء دراجة هوائية، وتسعى بكل الطرق لتحقيق حلمها الصغير، فقد كشف الفيلم كثيرمن صور العنف والتمييز ضد الفتاة والمرأة السعودية، ويؤكد بشكل غير مباشر على أن النسوة إن توفرت لهن نفس الفرص مثل الرجال سيتفوقن عليهم.
حصل الفيلم على نحو 20 جائزة دولية، ثلاثة منها في مهرجان فينسيا السينمائي الدولي،إلى جانب جائزة النقد الكبرى في مهرجان البندقية السينمائي، وجائزة الاتحاد الدولي لفن السينما، بالإضافة إلى جائزة المهر العربي في مهرجان دبي السينمائي، والأهم هو ترشيح الفيلم للمشاركة في منافسات أوسكار أفضل فيلم أجنبي للعام 2013، ليصبح أول فيلم سعودي يدخل إلى مسابقة أوسكار.
اَخر أعمال المنصور السينمائية هو فيلم”ماري شيلي”، وهو إنتاج أمريكي وبريطاني وأيرلندي مشترك، ويحكي تفاصيل في حياة الروائية البريطانية ماري شيلي (1797-1851) التي أضحت أحد رموز النضال النسوي في القرن التاسع عشر، ويتناول الفيلم الفترة التي عاشتها قبل أن تكتب روايتها الشهيرة “فرانكشتاين” التي تنتمي إلى فئة أدب الرعب والخيال العلمي، وقد صدرت في العام 1818. عرض الفيلم في عدد من الدول الأوروبية خلال العام الجاري، فضلًا عن عرضه بمهرجان تورونتو السينمائي في كندا في سبتمبر من العام 2017.
خديجة السلامي: أول مخرجة يمنية
تناظر تجربة خديجة السلامي تلك التي خاضتها هيفاء المنصور، فهي أول مخرجة يمنية وصاحبة أول فيلم يمني روائي طويل يصوّر بالكامل داخل اليمن وهو “أنا نجوم بنت العاشرة ومطلقة”، وقد نجح في أن يكون مرشح اليمن في منافسات أوسكار أفضل فيلم أجنبي في العام 2017، ليصبح أول فيلم يمثل بلاده في المسابقة الدولية الأشهر حول العالم.
أنهت خديجة السلامي المولودة في العام 1966 في إحدى قرى شمال اليمن، دراستها للإخراج السينمائي في العام1990 في الولايات المتحدة الأمريكية، وكمشروع للتخرج أنتجت في هذه السنة أول أفلامها الوثائقية الذي حمل اسم “نساء اليمن”، ثم ألحقت به عددًا من الأفلام الوثائقية ذات الطابع النسوي، تناولت من خلالها قضايا المرأة في اليمن تحديدًا، مثل فيلم “أرض سبأ” من إنتاج العام 1997، وفيلم “اليمن ذو الألف وجه” في العام 2000، وفيلم “غريبة في موطنها” من إنتاج العام 2005 الذي اختير ليكون فيلم الافتتاح في المهرجان الدولي لأفلام حقوق الإنسان في جنيف وفاز بست جوائز فيه، وتعالج السلامي من خلاله ظاهرة الحجاب القسري في اليمن من خلال قصة طفلة تدعى نجمية، ترفض أن تتبع التقاليد اليمنية التي ترغم الفتيات والنساء على ارتداء الحجاب.
علاوة على ذلك، فقد قدمت فيلم “أمينة” في العام 2006، وتناولت من خلاله ظاهرة زواج القاصرات القسري في اليمن -تتصدر اليمن القائمة العربية في تزويج القاصرات- وقد فاز بالجائزة الأولى في مهرجان بيروت، والجائزة الفضية في مهرجان دبي السينمائي.
وتمكنت السلامي من أن تكون العربية الوحيدة التي تحصد جائزتين في الدورة 39 لمهرجان تولون الفرنسي للأفلام الوثائقية في العام 2006، وهما جائزة لجنة التحكيم وجائزة الجمهور في اَن واحد عن فيلميها “غريبة في موطنها” و”أمينة”.
وفي العام 2012، شاركت السلامي في مهرجان دبي السينمائي بفيلم “الصرخة” الذيتدور أحداثه حول عدد من النساء اليمنيات اللاتي اشتركن في الثورة اليمنية.
أما الفيلم الأبرز في مسيرتها حتى الاَن هو “أنانجوم بنت العاشرة و مطلقة”، من إنتاج العام 2015، وهو معالجة سينمائية لقصةالطفلة اليمنية نجود التي زوجتها أسرتها قسرًا وهي في العاشرة من عمرها من رجل ثلاثيني، وبسبب العنف الذي تعرضت له على يد الزوج وأمه، هربت وذهبت إلى المحكمةتطلب الطلاق، وهو أمر لم يألفه المجتمع اليمني قبلها، مما ساهم في تحويل القضيةإلى قضية رأي عام، وقد ظفرت الطفلة بحقها في الطلاق في نهاية المطاف، ووثقت تجربتها في كتاب حمّل اسم “أنا نجود بنت العاشرة ومطلقة”. وكانت السلامي قدعاشت تجربة مماثلة لتجربة نجود أو نجوم، عندما زوجتها أسرتها قسرًا وهي في الـ11حفاظًا على “شرف” العائلة، إلا أنها تمكنت لاحقًا من الحصول على الطلاق واستعادة حقها في الحياة مجددًا.
فاز فيلم “أنا نجوم بنت العاشرة ومطلقة” بجائزة أفضل فيلم روائي في مهرجان دبي السينمائي الدولي في دورته في العام 2015، وتم تصنيفه في المرتبة الأولى من هيئة نقاد السويد.
وكان الرئيس الفرنسي جاك شيراك قد منح خديجة السلامي في العام 2007، وسام جوقة الشرف بمرتبة ضابط, تقديرا لأعمالها السينمائية والكتابية ذات الطابع الاجتماعي والإنساني، ويعتبر وسام جوقة الشرف من أعلى الأوسمة الوطنية في فرنسا. كما حصدت في العام 2017 جائزة الأمير كلاوس للثقافة في هولندا تقديرًا لمجهودتها في تسليط الضوء على القضايا النسائية في اليمن.
مزنة المسافر: أول مخرجةعمانية
ولدت مزنة المسافر في العام 1987، في مدينة السلطان القابوس بالعاصمة العمانية مسقط، ودرست الاتصال الجماهيري والعلوم السياسية في جامعة الكويت، ويعد مشروع تخرجها هو أول أعمالها السينمائية، وهو الفيلم القصير”نقاب” الذي فاز بجائزة مسابقة الأفلام القصيرة للطلبة في مهرجان الخليج السينمائي في العام 2010، وتدور أحداثه حول قضية إرغام النساء على ارتداء النقاب فيالخليج، وتطرقت من خلالها إلى التقاليد المكبلة للنساء في المنطقة.
في العام 2011، التحقت المسافر بمنحة تدريبية في السينما في جامعة ستوكهولم السويدية، لتبدأ مشوارها الإبداعي كأول سينمائية عُمانية، وتعود وتقدم فيلمها الثاني “تشيلو” في العام 2012، وتناقش من خلاله فكرة تقبل الاَخر والتعايش. وقد فاز الفيلم الذي ينتمي إلى فئة الأفلام الروائية القصيرة بجائزة أفضل سيناريو في مسابقة الأفلام الروائية القصيرة لمهرجان أبوظبي السينمائي ضمن فئة أصوات خليجية في العام 2013، كما عرض في عدد من المهرجانات والمعاهد الدولية مثل؛ معهد العالم العربي في العاصمة الفرنسية باريس، ومعهد سميثسونين في العاصمة الأمريكية واشنطن.
أما ثالث أعمال المسافر فهو فيلمها الوثائقي “بشك”، الذي يدور حول امرأة خمسينية تعيش في مسقط، وتنكشف خبايا حياتها من خلال حياكتها للثوب البلوشي المعروف بألوانه الزاهية، وإصرارها على ارتدائه وحياكته للأخريات. ويرتكز الفيلم على حكي هذه السيدة.
أما “تاج الزيتون”، فهو مشروع المسافر الأخير الذي ما زال قيد التنفيذ وهو أول فيلم روائيطويل لها، وتدور أحداثه حول فتاة تدعى ريم كانت تعيش حول حقول الزيتون في المغرب، وتسافر إلى مسقط وتضطرها الظروف إلى العمل كراقصة، وتلتقي بفتاة تعمل رسامة حنة في صالون تجميل وتنشأ بينهما علاقة صداقة قوية.
نايلة الخاجة: أول مخرجة إماراتية
في البداية، لم تنل نايلة الخاجة المولودة في الإمارات في العام 1978، موافقة عائلتها على عملها بالمجال السينمائي، وذلك نتيجة تصورات تدرج هذا العمل في خانة الأعمال سيئة السمعة. ووفق تصريحات سابقة لها، فقد حاولت أسرتها مرارًا إقناعها بالعدول عن قرارها بالدخول إلى هذه الساحة، لكنها صمدت وأصرّت على تحقيق حلمها، فأضحت أول امرأة تقتحم مجال صناعة السينما في الإمارات، وشاركت بأفلامها فيما يزيد عن 40 مهرجانًا.
تخرجت الخاجة في العام 1999، من كلية دبي للطالبات متخصصة في الاتصال الجماهيري، ثم تخرجت في جامعة رايرسون الكندية في العام 2005، بعد دراستها للإخراج وصناعة الأفلام. وقبل تخرجها بعام واحد قدمت أول منتجاتها السينمائية وهو الفيلم الوثائقي “كشف النقاب عن دبي” وقد عُرِض لأول مرة في مهرجان دبي السينمائي الدولي في دورة العام 2004. ثم في العام 2006 كتبت وأخرجت أول فيلم روائي قصير لها بعنوان “عربانة”وتناولت من خلاله قضية الاعتداء الجنسي على الأطفال، وقد شارك الفيلم ضمن عروض مهرجان دبي السينمائي في العام 2007.
قدمت بعد ذلك في العام 2009، فيلمًا قصيرًا بعنوان “مرة”وعالجت من خلاله نظرة المجتمع وتعامله مع علاقات الفتيات والفتية من المراهقين، وقد جعلت شخصيته الرئيسة فتاة مراهقة تتعرض للاستهداف بعد مواعدة صديق لها.
بعد ذلك بسنة واحدة، قدمت فيلمًا قصيرًا اَخر بعنوان “ملل”وتناولت من خلاله فكرة الزواج التقليدي والحرمان العاطفي الذي تعاني منه الفتيات فيظل منظومة الزواج المدبر من قبل الأهل، وقد فاز الفيلم بجائزة المهر الإماراتي في مهرجان دبي السينمائي الدولي في دورته في العام 2010، بالإضافة إلى جائزة أفضل سيناريو في مهرجان الخليج السينمائي في العام نفسه، كما شارك كمنافس في مسابقة الأفلام القصيرة في مهرجان تريبيكا السينمائي في نيويورك في العام 2011.
وفي العام 2013 قدمت الخاجة فيلمًا قصيرًا بعنوان “الجارة” وقد حصد كسابقيه عددًا من الجوائز في مهرجانات دولية، ثم أنتجت أحدث أعمالها في العام 2016 وهو فيلم”حيوان” الذي ينتمي إلى فئة الأفلام القصيرة أيضًا، وبحسب تصريحات صحافية سابقة للخاجة، فإن الفيلم مستوحى من قصة حقيقية وتدور أحداثه حول طفلة في السابعة من عمرها، تعيش مع أب متشدد ومتسلط وأم أنانية. وتعاني تحت وطأة الخوف الشديد بسببقسوة والدها، حتى أضحى الكلام والبكاء ممنوعين عليها في ذلك البيت، ويترك كل ذلك أثره عليها لاحقًا عندما تصبح امرأة يافعة، قوية، مستقلة.
وكانت الخاجة قد أسست شركة نايلة الخاجة للأفلام في العام 2002، لتكون أول امرأة إماراتية تملك وتدير شركة إنتاج سينمائية، وفضلًا عن إنتاجها لأفلامها التي تكتبها وتخرجها، فإنها تنتج أفلامًا أخرى.
حلت نايلة الخاجة في المرتبة الـ48 ضمن قائمة أقوى 100 امرأة عربية تحت سن الأربعين، التي تعلنها مجلة أرابيان بيزنس – ArabianBusiness .