أماني مأمون

محامية حرة

إحدى مؤسسات “جنوبية حرة” التي تحولت من مبادرة مستقلة إلى أول مؤسسة نسوية في مدينة أسوان

خريجة المدرسة النسوية بمؤسسة نظرة للدراسات النسوية

تأخر سن زواج الفتيات أصبح ظاهرة مجتمعية يصعب تحليلها لأن بداخلها العديد من التعقيدات والتركبيات، يصعب على الجميع تفهُمها أو إصدار أسباب ثابتة بدون دراسات بحثية على أرض الواقع، لأن لكل منطقة تفصيلاتها الخاصة بها، من عادات وتقاليد تتعلق بزواج الفتيات أو خبراتهن ومستوى تعليمهن، مما انعكس على تأخر كثيرات في الزواج لأنهن مجبرات على الفوز بزوج على «هوا وراحة» العائلة الكبيرة والصغيرة لإرضائهم، فنجد كثير من الفتيات يفضلن العيش بمفردهن دون زوج على هوى العائلة لذلك يزداد الأمر صعوبة وتعقيدًا، عندما نصل إلى ما بعد الثلاثين، إذ يصعب معه الاختيار لأننا لا نرضى بالفطور على بصلة أو بضل أي راجل لمجرد أنه قد يفوتنا القطار، كما يقال في الماضي ويوجد مثل مشهور بين المصرين «ضل راجل ولا ضل حيطة».

بنات ما بعد الثلاثين يرين أنفسهن لسن بحاجة إلى ضل أي رجل والسلام، لأنه لن يضلل حتى على نفسه، ولأن فتيات ما بعد الثلاثين هن ضل لأنفسهن، قويات ولكن كل ما يردنه هو زوج وحبيب وسند متفهم طبيعة وصول الفتاة إلى هذه السن بمفردها، غير مهتمة بــ«كلام وتلسين المجتمع» التي توصمنا بأننا «عوانس» ونحن لسنا كذك أو حتى مضطرات إلى تصديقهم والتسليم بهذا المسمي. إننا بالفعل لسنا بحاجة إلى رجل لإرضاء هذا المجتمع ولكن بحاجة إلى الونس والصداقة، ونحن غير مضطرات إلى أن نكون خادمات لهم، لأنهم من منطلق مجتمعي يرون الشاب الذي تأخر في الزواج ليس عانسًا ولكن تأخر زواجه ووجب عليه الزواج، فيحاول المجتمع إرضاءه بكافة الطرق، لكي يتزوج تحت أي مسمى، كما يسمح له المجتمع بأن يختار الأصغر منه بعشرات السنوات لأنه «رجل ومن حقه»، بينما عندما تقرر الفتاة أن تختار الأصغر منها ببضع سنوات تُطلَق الأمثال والأقاويل والتلسين «من همه خد قد أمه»، وهي قد تكون أكبر منه بخمس أو سبع سنوات، وهما على درجة كبيرة من التفاهم والود. لكن تقوم الدنيا ولا تهدأ حتى نهاية عمرهما، وعندما يتكرم المجتمع على الفتيات اللواتي تأخر سن زواجهن، يمنح الرجل الأولوية على حساب الفتاة «ما تاخدلك واحدة تخدمك دي كبيرة وهتعيش».

نعم كبيرة ستعيش ولكن ليس لأنها خادمة بل لأنها متفهمة طبيعة ذلك الرجل، واعية ومدركة لاحتياجاته واحتياجاتها،وهي بحاجة إلى الحبيب والصديق قبل الزوج، لا ليكون ضلًا أو أن تكون في حمايته، تلك الحماية الوحيدة لتواجه المجتمع ألا وهي أخذ «صك المتجوزة» التي لها الكثير من الامتيازات التي تفتقدها الفتاة في هذه المجتمعات المتخلفة، لأننا في مجتمع شرقي يوصم الفتيات – طوال الوقت-  بأنهن معقدات وبائسات وهن لسن كذلك.

وعلى الرغم من نجاح الكثيرات من البنات، فإن كل ذلك يُنسَى بالسؤال عن الحالة الاجتماعية، يتناسون أنها تحمل لقبًا مهنيًا، ويتجاوزون حدودًا من المفترض ألا يتجاوزوها ولكن دائمًا يتجاوزوها. لماذا كل ذلك؟ لأنهم قرروا التدخل في حياتهن بطبيعة المصريين التطفلية، ولن أنكر أن منهن من قد تصل إلى الانعزال عن مناسباتهم، ليس لأنها معقدة ولكن للابتعاد عن أجواء «الشحتفة ومصمصة الشفاة والصعبنة غير المبررة»، إذ أننا غير متزوجات كأن الزواج إنجاز علمي وعملي وتاريخي حققه به من سبقها ،وكأنه نهاية المطاف والحياة.

تناسى مجتمعتنا أن تلك الفتيات مُصِّرات على حقهن في الاختيار وأنه ومن حقهن النظر إلى مستقبلهن، وها أنا واحدة منهن لست مضطرة إلى قبول أي شخص لإرضاء المجتمع، لأن لدي أسئلة مهمة: ماذا سيقدم لي هذا الزوج؟ ماذا سيضيف لي؟، نعم إنها الأسئلة التي تجول بعقول فتيات ما بعد الثلاثين، هل سيقدم لها قرابين الحب والعطاء، هل سيقدم الصداقة أم سيقدم الأوامر وكأنه «سي السيد»؟ لأنهم دائمًا ينسون أنهن لسن «أمينة». هل سيقف إلى جوارها حتى تواصل نجاحها وطموحاتها التي تعبت من أجلها على مر السنوات الماضية؟ هل سيكون له البصمات المضئية في حياتها أم سيكون سبب نكباتها المقبلة؟

فتيات ما بعد الثلاثين قادرات على العطاء بسخاء دون مقابل وكذلك لديهن المقدرة على الاستغناء دون النظر إلى الخلف عن ما استغنين عنه.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبته/كاتبه، ولا يعبر بالضرورة عن رأي «ولها وجوه أخرى»