نظمت مؤسسة المرأة الجديدة بالتعاون مع منظمة بلان الدولية في  مصر، ورشة عمل تحت عنوان «أحوال النساء في ريف مصر: ماتم وما نطمح إليه»، وذلك بمناسبة الاحتفال بــ«اليوم الدولي للمرأة الريفية» الذي حددته الأمم المتحدة في الــ15 من أكتوبر كل عام.

 ستات محدش شايفهم!

وتقول لمياء لطفي مديرة البرامج بمؤسسة المرأة الجديدة في تصريحات خاصة لــ«ولها وجوه أخرى» على هامش ورشة  العمل، إن الاحتفال باليوم الدولي للمرأة الريفية يأتي تلبيةً لدعوة أطلقتها الأمم المتحدة قبل 15 سنة، ولأول مرة يستجاب إليها من جانب هذه المنظمة غير الحكومية بغية تسليط الضوء على مشكلات المرأة الريفية.

وتتابع لطفي «تتلخص معاناة العاملات بالزراعة في مصر في جملة  “محدش شايفهم”، فالنساء الريفيات يعانين من أعلى نسبة زواج مبكر وتسرب من التعليم وعنف جنسي، وفي الوقت نفسه لايستطيعن الإبلاغ أو البوح، بالإضافة إلى المشكلات الصحية التي يواجهنها والناتجة عن طبيعة عملهن مع المبيدات والكيماويات في الأرض وأمراض العمود الفقري والإصابة بسقوط عنق الرحم، نظرًا للانحناء على الأرض لساعات طويلة.»

وتشير لطفي إلى أن العمالة الزراعية سواء للسيدات اللاتي يعملن في ملكية أسرهم أو ملكيات صغيرة أو المزارع الكبيرة هن عمالة غير محمية، فقانون العمل يستثني العاملات الزراعيات، فضلًا عن غياب عقود عمل واضحة بين العاملة وصاحب العمل.

وبحسب لطفي فإن المرأة الريفية تصل إلى سن الخمسين بعد أن تكون أنهكت صحتها بسبب العمل في الأرض، دون أي غطاء تأميني سواء صحي أو اجتماعي أو معاش يساعدها على المعيشة، لافتةً إلى أن أزمة العمالة الزراعية تتمثل في كونها غير قادرة على تنظيم نفسها مثل العمالة الصناعية حيث ترتفع نسبة الأمية والخوف من المطالبة بالحقوق والاستكانة، استنادًا إلى مفهوم «الرضا».

الحل وفق مديرة البرامج بمؤسسة المرأة الجديدة هو تغيير الوعي والثقافة وتعديل القوانين، فضلًا عن تبني الدولة لسياسات جديدة تصل إلى المرأة الريفية في القرى والنجوع  وتوفر لها أبسط حقوقها في معيشة كريمة وتأمين صحي واجتماعي عادل.

غياب الوعي وعدم تفعيل القانون: مشكلات كبرى

من جانبها تشدد منى بكزادة مستشار التمكين الاقتصادي بهيئة بلان الدولية على أن الهدف من الورشة هو التشبيك مع الجمعيات العاملة على ملف المرأة الريفية، وبحث مشكلاتها عبر مجموعات عمل تناقش قضايا مثل العنف والتحرش الذي تتعرض له الريفيات فى الحقول، والفرص الاقتصادية، ونقص الخدمات التي تحتاج إليها العاملات بالزراعة، ومن ثم الخروج بخطة عمل واضحة من أجل سد الفجوات والاحتياجات، من خلال وضع سياسات جديدة، وبناء مشروعات، وتنظيم تدريبات مختلفة .

وتضيف بكزادة في تصريحات لـ«ولها وجوه أخرى»، إن الورشة هي بداية لسلسلة عمل طويلة، هدفها التعاون والتنسيق مع عدد من الجمعيات في المناطق المختلفة من أجل الوصول إلى أكبر عدد من السيدات الريفيات.

وتعتقد بكزادة أن غياب الوعي لدى المرأة الريفية هو أحد أوجه معاناتها، فهي تزرع وتجني المحصول وتربي الدواجن سواء فى منزل زوجها أو عائلتها، ولا تعلم أن ما تقوم به هو عمل يجب أن يقابله أجر.

عمالة غير معترف بها قانونيًا!

أما أميرة الحكيم المحامية والمديرة التنفيذية للمؤسسة القانونية لمساعدة الأسرة وحقوق الإنسان، فترى أن أزمة المرأة الريفية في مصر تعود إلى غياب المظلة التشريعية التي تحميها، حيث يستثني قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 فئة العاملات الزراعيات والعاملات بالمنازل، ومن ثم تتعرض النساء إلى السيطرة من قبل صاحب العمل أو مقاول الأنفار بالحقول وإهدار أبسط حقوقهن ومنها؛ ساعات العمل الطويلة التي تتجاوز الــ10 ساعات يوميًا، فضلًا عن غياب التأمين الاجتماعى والصحي لهن.

بينما تشير آمال الأغا الناشطة النسوية ورئيسة اتحاد المرأة الفلسطينية إلى خطورة العنف الجنسي الذي تتعرض له النساء العاملات في الحقول سواء  كان تحرشًا لفظيًا أو جسديًا، مؤكدةً على ضرورة تضافر جهود المجتمع المدني والوصول إلى خطة عمل واضحة للنهوض بأحوال المرأة الريفية .

ليست مسؤولية المجتمع المدني وحده

في السياق ذاته، تكشف الدكتورة راندا فخر الدين مدير عام الاتحاد النوعي للجمعيات العاملة لمناهضة الممارسات الضارة ضد المرأة و الطفل أن المرأة الريفية تفتقر إلى أبسط حقوقها في الأمان والكرامة والتعليم والصحة، مشددةً على أن أزمة العاملات بالزراعة ليست مسؤولية منظمات المجتمع المدني وحدها، وإنما مسؤولية الدولة ومؤسساتها المختلفة بالدرجة الأولى. وتؤكد فخر الدين أن توفير الجمعيات الأهلية للخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية لمئة ألف امرأة ريفية ليس الحل، فهناك الآف غيرُهن بحاجة إلى رعاية الدولة في كل المحافظات.

الفلاحات لم يخرجن من عام المرأة بأى شيء

وفي تصريحات لـ«ولها وجوه أخرى»، تقول شيرين أبو سمرة العضوة بالمجلس القومي للمرأة، إنها تلمس مشكلات الفلاحات بحكم نشأتها فى محافظة الشرقية ذات الطبيعة الريفية والتي تستقطب نسبة كبيرة من النساء للعمل في الحقول.

وترى أبو سمرة أن المرأة الريفية لم تخرج بأي مكتسبات في عام المرأة، في إشارة إلى عام 2017 الذي أعلنه الرئيس عبد الفتاح السيسي عامًا للمرأة، مشيرةً إلى أن صوت المرأة الريفية ما زال غير مسموع، لأنهن غير ممثلات في أى كيان نقابي أو رسمي كالمجلس التنفيدي في المحافظات.

وتردف أبو سمرة «في الوقت الذى نحتفل فيه باليوم العالمي للمرأة الريفية، وقعت حادثة مأسوية الأسبوع الماضي، عندما اصطدم جرار زراعي بعربة تقل العاملات الزراعيات إلى الحقول وقد أودى الحادث بحياة خمس سيدات وإصابة أكثر من 20 أخريات، وبسبب غياب المظلة التأمينية للمرأة الريفية لا يمكن لأسر الفلاحات الخمس أن يحصلوا على تعويضات، رغم أنهن خرجن في مهمة عمل بحثًا عن الرزق لإعالة عائلاتهن وأبنائهن.»

وعن البيانات والإحصاءات المتعلقة بالعاملات الزراعيات، تقول أسماء بغدادي منسقة لجنة المرأة الريفية في المجلس القومي للمرأة أن غيابها يمثل أحد أبرز التحديات التي تواجه تمكين المرأة الريفية من حقوقها، مشيرةً إلى أن المجلس القومي للمرأة لا يمتلك آليات تنفيذ ولكنه جهة استشارية تضع سياسيات ويسعى دائمًا للشراكة مع منظمات المجتمع المدني من أجل الوصول إلى خطة عمل واضحة تخدم النساء.

أزمة الخطاب الديني المتشدد

تحلل النائبة منى منير عضوة مجلس النواب أزمة العاملات بالزراعة، وتقول إنها تنقسم إلى شقين، الأول هو استغلال  فتيات صغيرات وتسريبهن من التعليم ومن ثم المتاجرة بهن في العمل بالحقول من أجل الرزق، وهو ما يستلزم سن تشريع يعاقب الأهل الذين يدفعون بفتياتهن للعمل في سن مبكرة.، والشق الثاني يتمثل في غياب دفاع  نقابات الفلاحين عن حقوق المرأة الريفية وعدم تفعيل دورها داخل هذه الكيانات، بالإضافة إلى ضعف حيازة النساء للأراضي الزراعية.

وتؤكد منير على أهمية منح المرأة الريفية نسبة 5 في المئة من ملكية الأراضي الزراعية وأن تكون للمرأة وليس تحت شعار الأسرة كما يحدث الآن، لأن ذلك يهدر حقوقها خاصة لأن النساء المطلقات والأرامل والعازبات من حقهن أن يمتلكن أراضي.

كما استنكرت عضوة مجلس النواب الخطاب الديني المتشدد تجاه النساء في الريف الذي يحول دون حصولهن على حقهن في ميراث الأراضى الزراعية، ورغم نجاح البرلمان في تغليظ العقوبة في شأن عدم تمكين المرأة من الحصول على ميراثها، الإ أن القانون يحتاج إلى تفعيل على أرض الواقع إلى جانب ضغط من المنظمات النسوية فى المحافظات حتى تتسلم النساء ميراثهن في الأراضي.

وكان البرلمان المصري قد وافق على تعديل قانون المواريث على أن يضاف إلى القانون رقم 77 لسنة 1943 بشأن المواريث باب تاسع بعنوان “العقوبات” يتضمن مادة جديدة برقم 4، تنص على أنه مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد ينص عليها قانون آخر، يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر  وغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنيه ولا تتجاوز مئة ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من امتنع عمدًا عن تسليم أحد الورثة نصيبه الشرعي من الميراث رضاء أو قضاء نهائيًا. ويعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 3 أشهر وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تجاوز خمسين ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من حجب سندًا يؤكد نصيبًا للوارث أو امتنع عن تسليم ذلك السند حال طلبه من أي من الورثة الشرعيين أو أى جهة مختصة.

رسالة الأمين العام للأمم المتحدة

يُذكر أن أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة وجه رسالة بمناسبة اليوم الدولي للمرأة الريفية، قال فيها إن تمكين النساء والفتيات الريفيات أمر لا غنى عنه لبناء مستقبل ينعم فيه جميع الناس بالازدهار والإنصاف والسلام على كوكب ينعم بالعافية، وهو أمر ضروري لتحقيق المساواة بين الجنسين، وضمان العمل اللائق للجميع، والقضاء على الفقر والجوع واتخاذ إجراءات بشأن المناخ.

وأهاب غوتيريش بالبلدان إلى اتخاذ إجراءات لضمان تمتع النساء والفتيات الريفيات تمتعًا كاملًا بحقوق الإنسان الواجبة لهن. وتشمل هذه الحقوق الحق في الانتفاع بالأراضي وضمان حيازتهن لها، والحق في الغذاء الكافي والتغذية وفي حياة خالية من جميع أشكال العنف والتمييز والممارسات الضارة وفي أعلى مستوى يمكن بلوغه من الصحة، بما في ذلك الصحة الجنسية والإنجابية وفي تعليم جيد وميسور التكلفة وفي المتناول طوال دورة حياتهن.

كما طالب الأمين العام للأمم المتحدة بضرورة البدء  في الإصلاحات في مجالات الاستثمار والقانون والسياسة العامة بالإضافة إلى إشراك المرأة الريفية في القرارات التي تؤثر على حياتها.