واحدة ممن قدن المعارك الأولى في الحرب على ختان الإناث، ولعبت دورًا محوريًا في نشر ثقافة تنظيم الأسرة على المستوى الدولي والمحلي سواء كان رسميًا أو شعبيًا. كرست حياتها للعمل الاجتماعي، رافعةً لواء «ساعد الآخرين وعلمهم كيف يساعدون أنفسهم».

في حياة عزيزة حسين الكثير من التجارب تستحق التوقف أمامها ومسيرتها تملؤها محطات تستدعي التدبر، خاصةً أن هذه السيدة لم تلهث وراء الأضواء رغم شهرتها الدولية ولم تسع إلى مناصب، وحتى عندما جاءتها حتى بابها اَثرت البقاء حرةً لا يقيدها عمل إداري أو بيروقراطية.

الطريق إلى الأمم المتحدة

في بداية الأربعينيات وأثناء دراستها في الجامعة الأمريكية، بدأت عزيزة حسين تتحس خطواتها الأولى في طريق العمل الاجتماعي، وانضمت كمتطوعة لعدد من الجمعيات الخيرية ومن بينها المبرة وجمعية يوم المستشفيات. ثم انضمت إلى نادي سيدات القاهرة حيث  تعلمت أساسيات الإدارة والقيادة والتعرف إلى احتياجات المجتمع وسبل تحقيق التنمية، لتأتي باكورة إنجازاتها مع النادي في العام 1951 عندما ساهمت في تأسيس أول حضانة في الريف المصري وتحديدًا في قرية سنديون في محافظة القليوبية، مما كان له أثره على صحة الأطفال وتعليمهم.

وفي العام 1954 عينت الحكومة المصرية عزيزة حسين ضمن الوفد المصري لدى الأمم المتحدة، لتصبح أول امرأة تمثل مصر في المنظمة الدولية بعد ثورة يوليو 1952، وفي العام 1961 رشحتها الحكومة المصرية لتمثل مصر في اجتماعات لجنة وضع المرأة بالأمم المتحدة لتكون المرة الأولى التي ترشح فيها الدولة متطوعة لمنصب دولي رسمي لتبدأ فترة عملها في اللجنة في العام 1962 وتستمر حتى العام 1977.

كسر تابو ختان الإناث

عندما بدأ عمل عزيزة حسين كممثلة لمصر بلجنة وضع المرأة بالأمم المتحدة في العام 1954، فوجئت بمصطلح «الممارسات التقليدية غير الصحية» على أجندة اللجنة، وهو الاصطلاح الذي لم تسمع به من قبل وظنت في البداية أن المقصود هو بعض أنواع الجراحات أو الممارسات التي يقوم بها السكان في الدول الإفريقية غير العربية، لكن  سرعان ما تبين لها أن تشويه الأعضاء التناسلية أو ختان الإناث هو المشار إليه لكن أعضاء اللجنة اختاروا أن لا يسمونه باسمه صراحةً.

ومنذ ذلك الحين، زاد وعي حسين بمضار الممارسة وأصبحت محورًا رئيسًا في عملها من أجل مناهضة الممارسات السلبية التي ترتكب بحق الفتيات والسيدات، وجاء اسمها ضمن أسماء قليلة شاركت في الكتابة والنشر عن اَثار ختان الإناث الخطرة في الستينيات، وكان ذلك من الخطوات الأولى في مجال البحث والنشر عن ختان الإناث بعد ما قدمته الدكتورة نوال السعداوي في الخمسينيات.

في التسعينيات زاد الزخم لإحداث تغيير في السياسات والقوانين، ومع بداية العقد تشكلت «مجموعة العمل الوطنية لمناهضة ختان الإناث» على يد مجموعة من رائدات العمل في هذا الملف ومن بينهن عزيزة حسين. وقد لعبت هذه المجموعة دورًا جوهريًا في الإعداد لمؤتمر الأمم المتحدة الدولي للسكان والتنمية الذي انعقد في القاهرة في سبتمبر من العام 1994، وأسفر عن توصيات ملزمة للحكومة بمواجهة ظاهرة ختان الإناث والعمل على محاربتها وتفعيل وتعزيز الخدمات الصحية خاصة في مجال تنظيم الأسرة.

تنظيم الأسرة.. نظرة ثاقبة

كان تنظيم الأسرة من أبرز القضايا التي اهتمت عزيزة حسين بطرحها على طاولة النقاش داخل لجنة وضع المرأة بالأمم المتحدة، وفي كلمتها أمام اللجنة في العام 1963 تحدثت عن ضرورة وضع تنظيم الأسرة على أجندة المنظمة الدولية الأكبر والأهم، خاصة أن كثير من الدول باتت تعاني من زيادة عدد السكان التي تعطل التنمية. وكانت كلمتها في هذا الشأن الأولى من نوعها كما أصبحت مقدمة لخطوات اتخذتها لجنة وضع المرأة لإدراج هذه القضية على أجندتها لتصبح أول هيئة من هيئات الأمم المتحدة بل أول جهة في العالم تفعل ذلك.  وبحسب ما أورده كتاب «القوة المتنامية: كيف طوّرت النساء التنمية الدولية؟» للمؤلفتين ارفون فريزير السفيرة السابقة للولايات المتحدة لدى لجنة الأمم المتحدة لوضع المرأة‏ وايرين تبنكيز مؤسسة مركز المرأة في الولايات المتحدة‏، فقد قالت عزيزة حسين واصفة توابع نشاطها من أجل وضع تنظيم الأسرة على أجندة الأمم المتحدة  «لم أكن أدرك أن هذه القضية ستتصدر العديد من الأجندات النسوية في المستقبل وأن لجنة وضع المرأة نفسها ستجعلها واحدة من اهتماماتها الرئيسة.»

انتخبت حسين رئيسة للاتحاد الدولي لتنظيم الأسرة في العام 1977، ورغم كل هذا النشاط الدولي لم تقتصر جهودها الرامية إلى تعزيز تنظيم الأسرة على هذا الصعيد فحسب، فقد خاضت الحرب في الداخل وهو ما أتى أكله عندما تشكل بقرار جمهوري في العام 1965 ما سمي حينذاك بالمجلس الأعلى لتنظيم الأسرة (المجلس القومي للسكان حاليًا) برئاسة رئيس الوزراء لتخطيط وتنسيق وتوفير خدمات تنظيم الأسرة، وهو ما تبعه إعلان الدولة  في العام 1966 عن البرنامج القومي لتنظيم الأسرة، بينما كانت حسين تستعد لتدشين جمعية تنظيم الأسرة في القاهرة التي افتتحتها في العام 1967، ثم وسَّعت نشاطها  من خلال فروع في العديد من المحافظات، فضلًا عن تأسيسها لجمعية أسرة المستقبل لتكون امتدادًا للجمعية الأولى.

علاوة على ذلك، فقد ساهمت عزيزة حسين في تأسيس عيادات لتنظيم الأسرة في القرى الريفية، وضمت إليها أطباء وممرضات مدربين على الوسائل الحديثة لمنع الحمل.

عزيزة حسين إلى جانب مندوبة الاتحاد السوفيتي – الأمم المتحدة

الحرب على جبهة أخرى: التمييز ضد المرأة

وبحسب ليلى حسن القرشي في كتابها «المرأة في المؤتمرات الإسلامية والدولية : رؤية تحليلية» فقد شاركت الرائدة النسائية المصرية عزيزة حسين في وضع أسس وبنود الاتفاقية الدولية لإلغاء كل أشكال التمييز ضد المرأة.

كما كانت حسين من أشد داعمي المادة 16 من الاتفاقية (المعتمدة في العام 1979) التي تطالب الدول بإقرار سن أدنى للزواج بما يحد من ظاهرة زواج القاصرات ويدفع باتجاه تعزيز ثقافة تنظيم الأسرة.

في الخلفية.. أب أراد لابنته خروجًا من ظلمة التقاليد

في كتابها  – A Pilgrim Soulروح مهاجرة، تستعرض عزيزة حسين جانبًا من ذكريات طفولتها ما بين مدينتي زفتى وميت غمر في محافظة الغربية، وتلقي الضوء على طبيعة الحياة الأرستقراطية التي عاشتها وقتذاك، بين أب منفتح على الثقافة الغربية وهو سيد بك شكري، الطبيب المثقف الذي تأثر بالأفكار التحررية التي بثها قاسم أمين ورفاعة الطهطاوي، وبحسب ما جاء في مذكراتها فقد انعكست أفكار والدها على تعامله معها ودعمه المستمر لها وحرصه على تعليمها بينما كان تعليم الفتيات في المدارس ما زال أمرًا غير مستساغ في مصر. درست حسين في مدرسة الراهبات في زفتي ومن بعدها مدرسة الميردي دي ديو الداخلية بعد انتقال الأسرة إلى مدينة ميت غمر، ثم التحقت بالجامعة الأمريكية وتخرجت فيها في العام1942، وتقول حسين في حوار نشرته جريدة الاهرام  «أهم ما تعلمته فيها هو كيف أفكر بعقلي, ولأنها كانت مختلطة وكنا تقريبًا المصريين الوحيدين بها، تعرض والدي للانتقاد و لكنه كان مستنيرًا ومنحنا قدرًا من الثقة. كنا حريصيين عليها أنا وأشقائي.»

لا حاجة للمناصب

رشحها الرئيس محمد أنور السادات في العام 1977، لحقيبة الشؤون الاجتماعية في حكومة ممدوح سالم إلا أنها اعتذرت عن المنصب، وكان السبب المعلن من قبلها هو الخوف من أن يعطلها المنصب عن نشاطها ويقيدها بقرارات حكومية.

وبحسب ما جاء في كتاب السياسي مصطفى الفقي «شخصيات على الطريق»، فإن حسين رفضت المنصب الوزاري لأنها  – كما يراها – أكبر من وزيرة وأهم من أن يستغرقها العمل الإداري والروتين اليومي، لذلك كان اعتذارها لرئيس الوزراء الأسبق ممدوح سالم محل تقدير واحترام من كل الذين عرفوها.

التكريم المُستحق

كُرّمت عزيزة حسين في الداخل والخارج من خلال العديد من الأوسمة والجوائز، ولعل أبرزها؛ وسام الاستحقاق  في العام 1977 والدكتوراة الفخرية التي حصلت عليها من الجامعة الأمريكية في العام 1994، وجائزة صاموئيل حبيب للتميز في العمل الاجتماعي في العام 1997.