ظهر مصطلح الأدب النسوي في سبعينيات القرن التاسع عشر في فرنسا، وأصبح محل تداول داخل الساحة الثقافية، وإن كان المصطلح أو هذا النوع من الأدب الهدف منه وما زال هو كشف عورات المجتمع الأبوي ورفع اللثام عن قضايا المرأة المسكوت عنها تحت مظلة الأعراف والتقاليد، فإن قطاعًا من الأدباء والمثقفين يربطون بينه وبين ما تكتبه النساء بغض النظر عن الموضوعات المتناولة.

شيرين أبو النجا: الأدب النسوي يحمل فكرًا ورؤية بغض النظر عن جنس صاحبه

ريم بسيوني: لا ينبغي تصنيف الأدب لأنه يتناول النفس الإنسانية بشكل عام

ضحى عاصي: الكتابة النسائية دائمًا ما توضع في مرتبة أدنى من كتابات الرجال

ما اتُّفق عليه بعد جدل طويل في الغرب أن الأدب النسوي يستند إلى مبادئ الحركة النسوية، ويشير إلى أي عمل أدبي يركز على كفاح المرأة من أجل المساواة  ويأنسن المرأة بدلًا من صياغتها في صورة نمطية ونظرة تشيئية، والأهم ألا يكون قاصرًا في كتابته على النساء وإنما يشارك في إنتاجه الرجال ممن تجاوزوا النظرة التقليدية للمرأة في الأدب.

وبحسب ما جاء في كتابي «نظرية الأدب النسوي» لـماري إيجلتون و«دفاعًا عن تاريخ الأدب النسوي» لجانيت تود، فإن النص النسوي هو التعبير عن التجربة الخاصة التي تعكس حقيقة واقع المرأة، دون تقيد بالمفاهيم المجتمعية التقليدية والمعايير الذكورية.

الأصل في التسمية هو Feminist  literature  وبالترجمة يصبح الأدب النسوي، إلا أنه في العربية لم يقتصر على تسمية واحدة، فتعددت التسميات ما بين أدب المرأة والأدب النسائي والأدب الأنثوي إلى جانب الأدب النسوي، وهذه التعددية فرضت جدلًا مضاعفًا.

وفي هذا الصدد تقول الكاتبة والروائية ضحى عاصي إن الكتابة النسائية بشكل عام سواء كانت نسوية أو غير ذلك تُصنّف في مرتبة أدنى من تلك التي توضع فيها كتابات الرجال، وذلك حتى وقت قريب في أوروبا وما زال الشيء نفسه يحدث حتى الاَن في روسيا  فتوصف كتابات النساء بأنها أدب «الأظافر الطويلة وأدب دون المستوي».

وتتابع عاصي في تصريحات لـ«ولها وجوه أخرى» مؤكدةً أن كتابات النساء بشكل عام لا يمكن وضعها في تصنيف واحد، لاختلاف عوالم النساء وتجاربهن فمنهن من استمد موضوعاته من عوالم خاصة بالنساء وأخريات اتخذن منحى مختلف تمامًا  شبيه أو قريب من عوالم الرجال مثل أدب السجون والمعتقلات وغيره.

«الكاتبة في بلد ما ولتكن السعودية أو إيران – حيث سقف الحريات منخفض-  تختلف كتاباتها وتجاربها عن ما تكتبه امراة تعيش في بلد أوروبي أو بلد أكثر انفتاحًا» تقول عاصي.

عادةً ما يعرّف أدب المرأة بأنه ما تكتبه النساء أي أن كان فحواه والأدب النسائي هو ما يكتبنه عن أي أمر يتعلق بالنساء عمومًا، وبالتالي فالكفة ترجح إطلاق مصطلح الأدب النسوي على الأدب الذي تكتبه النساء عن القضايا النسوية، وهو ما يتفق مع ما جاء في كتاب الدكتورة شيرين أبو النجا  «نسوي أم نسائي».

ومن جانبها تقول الناقدة والروائية الدكتورة شيرين أبو النجا في تصريحات لــ«ولها وجوه أخرى»، إن هناك خلط بين مصطلحي نسوي ونسائي، فضلًا عن شيوع اعتقاد بأنهما نفس الشيء، وتصنف أبو النجا الأدب النسائي باعتباره العمل الذي يُنسَب لامرأة بالمعنى البيولوجي للكلمة ولا يعبّر عن فكر.

وتضيف «ليس كل ما تكتبه امرأة يعتبر أدبًا نسويًا، فالأدب النسوي هو الذي يحمل فكرًا ورؤية بغض النظر عن جنس صاحبه، خاصة أن ثمة رجال يحملون الفكر النسوي.»

وتردف أبو النجا قائلة إن رفض النقاد لمصطلح الأدب النسوي قديم وقائم منذ تسعينيات القرن الماضي، ويرجع رفض النقاد لهذا التصنيف لقولهم بأن الأدب هو الأدب، وإذا كان هناك أدب نسوي فلماذا لا يوجد أدب رجولي وذكوري؟

وبحسب أبو النجا فإن الجدل حول الأدب النسوي لم يتقدم خطوة للأمام منذ القرن الماضي وهو ما يكشف وجود إشكالية، خاصةً في ظل رفض النقاد للأدب الذي يحمل فكرًا بعينه وتحديدًا الفكر النسوي، وهذا يعني وجود مشكلة في قبول هذا الفكر.

من ناحية أخرى، فقد تباين موقف الأديبات والكاتبات العربيات تجاه التصنيف في حد ذاته، ومنهن من اتخذ موقف الرفض التام باعتباره تمييزًا يرمي إلى التقليل من قيمة الإبداع الذي تنتجه المرأة لأنه يرتبط بخصائص فسيولوجية لا علاقة لها بالأدب والإبداع، ومنهن من لم يرفض استخدام المصطلح ورأى فيه وسيلة للتعريف بالإبداع والأدب الذي يتحدث عن واقع المرأة ومشكلاتها التي يمكن حلها من خلال بناء وعي مجتمعي باستخدام الأدب، وهناك من يؤيد المصطلح تمامًا بوصفه أحد الوسائل التي ساهمت في تحرير المرأة الغربية من التقاليد والقيود المجتمعية التي أعاقتها لقرون. وصاحبات وجهة النظر هذه لديهن قناعة بأن الأدب يعيد تشكيل وعي المرأة تجاه قضاياها.

أما الكاتبة الروائية الدكتورة ريم بسيوني أستاذ اللغويات بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، فلا تميل كثيرًا  إلى تصنيف الأدب النسوي، وتعتقد أن الأدب من المفترض أن يتناول ويهتم بالنفس البشرية بشكل عام.

وعن الكاتبات  اللاتي يرفضن تصنيفهن  ككاتبات نسويات، ترجع الروائية شيرين أبو النجا ذلك إلى اعتقادهن بأن هذا التنصيف يؤدي إلى انغلاق ومحدودية في الانتشار وقراءة الأعمال وهو ما يتعارض مع تطلعاتهن إلى أن يكن جزءًا من المشهد الأدبي الكبير، وتضيف «لذلك فما ينبغي التأكيد عليه هو أن الأدب النسوي جزء من المشهد الأدبي الكبير، والكاتبات غير مطالبات بتقديم أنفسهن ككاتبات نسويات وإنما يأتي هذا التصنيف في مرحلة لاحقة وهي المتعلقة بالقراءة والنقد، حيث تتولد توجهات نقدية واتجاهات للقراءة.»

على مدار عقود عضد تسمية الأدب الذي تكتبه النساء بالأدب النسوي، اعتقاد لدى البعض في وجود فروق واضحة بين الأدب الذي تكتبه المرأة والأدب الذي يكتبه الرجل، لا سيما من الناحية الفنية في إشارة إلى أن المرأة أقدر في التعبير عن قضاياها من الرجل، مهما بلغت قدرة الرجل على فهم المرأة وخصوصياتها.

وفي هذا الصدد تقول ريم بسيوني إننا لا ينبغي أن ننظر إلى قضايا  المرأة بشكل منفصل عن مشكلات المجتمع، مستشهدةً بالكاتبة والروائية الفلسطينية سحر خليفة التي تتخذ من الاحتلال والمعاناة التي يعيشها الشعب الفلسطيني منطلقًا لكتاباتها الأدبية.

ومع ذلك فإن بسيوني تعتقد في أن النساء لا يحصلن على حقوقهن في مجال الكتابة الإبداعية، لافتةً إلى أن كثيرًا من الأصوات النسائية تتعرض للتجاهل من قبل النقاد ولا تُقرَأ أعمالهن فقط لأنهن إناث.

وبحسب بسيوني فإن الأدباء الرجال بينهم من تمكن من التعبير عن قضايا المرأة بشكل جيد ومن أبرزهم الكاتب والروائي إحسان عبد القدوس.

مسألة قصر التعبير عن قضايا النساء من خلال الأدب على الكاتبات فقط، ترفضه الكاتبة والروائية شيرين أبو النجا، مثلما ترفض أن يقتصر تناول قضايا أصحاب البشرة السوداء عليهم وحدهم أو أن يختص المسيحيون بالحديث والكتابة عن مشكلاتهم، وترى في هذا الأمر تهميشًا بينما  الهدف من طرح القضايا هو الوصول إلى الحد الأدنى من العدالة والمفترض والمتوقع أن ينشغل المجتمع بأكمله بمشكلات النساء أو الأقباط أو غيرهم لأنهم جزء من هذا المجتمع.

وعن الحركة النسوية وتأثيرها على الحركة الأدبية، تقول الكاتبة ريم بسيوني إن الجهد الذي تبذله المناضلات في مجال الدفاع عن حقوق المرأة له تأثير على المجتمع أقوى منه على الأدب بالإشارة إلى معدلات القراءة المنخفضة في مصر.

بينما تعتقد أبو النجا أن تأثر الأدب بجهود الحركة النسوية يتضح معالمه في طرح مزيد من الأفكار وهو ما يعطي نوعًا من التشجيع والمساندة، وكذلك الحماية بالمعنى المجازي حيث تستند الكاتبات إلى مرجعية ما.

تظل اتهامات النقاد للأدب النسوي ثابتة منذ التسعينيات، وأبرزها الاتهام بالجمود وذاتية الطرح، وفي هذا الصدد تقول أبو النجا، إن الأمر ببساطة يتطلب النظر إلى الأدب ككل وحينها سيتضح أن الكتاب والكاتبات الذين يتمتعون بنفس الخبرة ينطلقون من نفس الأرضية، وإذا اتقفنا أن هناك محدودية سنجد أن الطرفين عالمهما محدود، مرجعة ذلك إلى محدودية كل من المجتمع وحرية الرأي والتعبير وقبول القراء وتفهم النقاد لما يُكتَب.

وتشدد أبو النجا على رفضها لوصف كتابات النساء بــ«الذاتية» وتقول «هذا كلام مرسل تتوارثه الأجيال دون أي سند علمي أو منهجي، فلماذا لا توصف كتابات الرجال الإبداعية أيضًا بأنها ذاتية الطرح، ولماذا يعتقد البعض أن الرجل لديه القدرة على التخيل بينما ينكرون هذه القدرة على المرأة؟»

في السياق ذاته، ترفض الكاتبة ريم بسيوني ما يشيعه البعض عن أن ما  تكتبه المرأة لا يزيد عن كونه مساحة للبوح والفضفضة، وتقول إن كثيرًا من النساء يعالجن موضوعات وقضايا كثيرة بعيدًا عن الفضفضة والسير الذاتية، مشددة على أن هذا الطرح يدخل في سياق تنميط المرأة.

وبحسب كثيرين، فإن رضوى عاشور ونوال السعداوي وأهداف سويف وفاطمة مرنيسي ومن قبلهن عائشة التيمورية ومي زيادة من أبرز الأسماء المدرجة في خانة الأديبات النسويات، بينما يتكرر ذكر كل من غادة السمان وأحلام المستغماني باعتبارهما رموز للأدب النسائي في العالم العربي.

وترى أبو النجا التي تشغل حاليًا منصب عضو لجنة التحكيم لجائزة نجيب محفوظ التي ينظمها قسم النشر بالجامعة الأمريكية، أن الأقلام النسوية في دول المغرب العربي ولبنان تزداد وهجًا في الفترة الأخيرة، وتعلل ذلك بأن الكاتبات في هذه الدول يطورن من أنفسهن ونصوصهن بشكل جدي بالإضافة إلى توافر الرؤية لديهن وكذلك الوعي بالإشكاليات الملحة والخطاب الذي يجب طرحه، وهذه الشروط هي التي ينبغي توافرها لدى الكتاب الحقيقيين على حد تعبيرها.

وتشيد أبو النجا بالكاتبات اللاتي أفرزتهن الأحداث التي شهدتها سوريا منذ العام 2011، وكذلك الكاتبات في الجزائر والعراق.

وعن مصر تقول «هناك أقلام نسائية جيدة ولكن الإشكالية في وجود إنتاج أدبي يومي ضخم لا يوجد له مثيل في أي بلد عربي اَخر، وبالتالي يختلط الغث بالسمين ويصعب على القراء متابعة كل هذا الإنتاج الضخم، فلابد أن يؤخذ الأمر بشكل جدي وبقليل من القسوة لأن نساء العالم الثالث بشكل عام ونساء العالم العربي بشكل خاص لا يمتلكن رفاهية الخطأ.»