انعقدت الأسبوع الماضي ورشة العمل الإقليمية «اَليات مناهضة وتجريم تزويج القاصرات» في مدينة الإسكندرية، بمشاركة ممثلات وممثلين عن منظمات مجتمع مدني في عدد من الدول العربية وهي؛ مصر، لبنان، العراق، المغرب، السودان، اليمن، فلسطين، بالإضافة إلى نائبتين بالبرلمان المصري وهما؛ منى منير ومنال ماهر.

وتأتي الورشة بالتعاون بين مركز وسائل الاتصال الملائمة من أجل التنمية «ACT» والمعهد السويدي في الإسكندرية، بهدف الوقوف على أسباب انتشار الظاهرة في المنطقة العربية والخروج بمقترحات عملية لتحجيمها، مع مراعاة خصوصية الظروف والأوضاع في كل دولة خاصة دول النزاع.

استمرت جلسات الورشة على مدار يومين وهما 13 و14 من أغسطس الجاري، استعرض خلالها المشاركات والمشاركون تجارب منظمات المجتمع المدني في مواجهة الظاهرة والإشكاليات القانونية التي تسمح بتزويج القاصرات.

بدأت فعاليات الورشة بكلمة من بيتر ويدرويد مدير المعهد السويدي، أكد خلالها سعادته باجتماع ممثلين عن العديد من الدول العربية للتباحث حول أزمة زواج القاصرات التي شدد على كونها انتهاكًا صارخًا لحقوق الأطفال خاصة الإناث منهم، إذ يحرمهن الزواج المبكر من الحماية ويعرضهن للعنف البدني والنفسي والجنسي ويحرمهن من التعليم والصحة.

من جانبها قالت منى منير النائبة عن مجلس النواب المصري، إن زواج القاصرات هو شكل من أشكال الإتجار في البشر وأسبابه الرئيسة هي؛ الفقر والأعباء الاقتصادية التي تدفع الأسرة للتخلص من الفتيات عبر تزويجهن بالإضافة إلى العادات والتقاليد، مشددةً على ضرورة  التركيز على الشق الاقتصادي ومعالجته لأن الغالبية العظمى من هذه الزيجات يقف الفقر وراءها.

وأضافت في كلمتها خلال الجلسة الافتتاحية قائلة إن المشاريع الصغيرة للأسر وتحديدًا الأمهات هي أحد أهم سبل الحد من انتشار ظاهرة زواج القاصرات، خاصة أن النساء المعيلات يمثلن نحو 38 في المئة من النساء.

وأشارت منير  إلى أنها وعدد من النواب اقترحوا رفع سن الزواج للجنسين إلى 21 عامًا، انطلاقًا من أن القانون يعطى المواطن الأهلية الكاملة في هذه السن.

أما النائبة منال ماهر فقد ركزت في كلمتها على محور التوعية في معالجة الأزمة، مشيرةً إلى أن جانب من معارضي تجريم زواج القاصرات ينتمون إلى فئة المتعلمين والمثقفين وهو ما يكشف أن الزواج المبكر متأصل في الثقافة الشعبية وبالتالي فهناك حاجة ملحة لكثير من المجهود من أجل تغيير القناعات.

خلال الجلسة الأولى تحدثت جيهان إسعيد من لبنان عن تجربة منظمة أبعاد اللبنانية (مركز الموارد للمساواة بين الجنسين)  في مناهضة ظاهرة زواج القاصرات في لبنان  وتدخلات المؤسسة في بعض الحالات لمنع تزويج الفتيات بالإكراه عن طريق الخط الساخن الذي تخصصه لاستقبال شكاوى وبلاغات النساء المعنفات.

واعتبرت إسعيد أن القوانين وحدها غير كافية للحد من الظاهرة مشددةً على أهمية التوعية لا سيما توعية النساء والأمهات حتى لا يدفعن فتياتهن إلى الزواج وترك الدراسة.

من جانبها تحدثت المحامية سعدية وضّاح والعضوة بالجمعية المغربية لمناهضة العنف ضد النساء، عن واقع الظاهرة  بالأرقام في المغرب مشيرةً إلى أن الإناث يمثلن 94 في المئة من المتزوجين قبل السن القانوني للزواج (18 عامًا).

واستنادًا إلى الأرقام أيضًا، كشفت وضاح عن تراجع عدد حالات زواج القاصرات المسجلة رسميًا من 55 ألف حالة في العام 2004  إلى 48 ألف حالة في العام 2014، مرجعةً ذلك إلى مدونة الأسرة التي صدرت في العام 2004 ووصفتها بالثورة النوعية في مجال حقوق النساء.

وقالت وضّاح أن هذه الأرقام تظل غير دقيقة خاصةً أن بعض المناطق في المغرب تشهد تزويج القاصرات اعتمادًا على قراءة الفاتحة دون أي توثيق قانوني.

علاوة على ذلك، فهناك أكثر من 98 في المئة من القاصرات لا يمارسن أي نشاط اقتصادي أي عاطلات عن العمل وذلك بحسب دراسة لإحدى الجمعيات الحقوقية المغربية، وهو ما اعتبرته وضّاح دليلًا بازغًا على الارتباط الوثيق بين ظاهرتي تزويج القاصرات والفقر.

بشأن إشكالية السن الأدنى للزواج، فقد استطردت وضّاح في الحديث عنها لافتةً إلى أن تعارضًا في مواد مدونة الأسرة يسمح بتزويج القاصرات يتمثل في إقرار سن الزواج بـ18 عامًا، بينما تسمح مادتان أخريان بتزويج القاصرات وهما  المادة 20 ونصها «لقاضي الأسرة المكلف بالزواج أن يأذن للفتاة أو الفتى بالزواج دون سن الأهلية وهو 18 سنة، وذلك بإصداره لمقرر يعلل فيه المصلحة والأسباب المبررة لذلك»، وكذلك المادة 21 التي تنص على «زواج القاصر متوقف على موافقة نائبه الشرعي الذي يوقع مع القاصر على طلب الإذن بالزواج ويحضر معه إبرام العقد، وفي حال امتناعه أو عدم موافقته على الزواج يبت القاضي في الموضوع.»

من منظمة كير الدولية – Care International، تحدثت أميرة حسين عن التحالف الدولي «فتيات لا عرائس – Girls not brides» الذي تشكل في 2011 وقوته تمثل 1040 مؤسسة من 90 دولة، وتتركز نشاطات التحالف على رفع الوعي ومناقشة السياسات وتقييمها، فضلًا عن التشبيك بين المنظمات المختلفة والتعبئة من أجل تحفيز المجتمع الدولي للحد من انتشار الظاهرة.

وطالبت حسين المنظمات المشاركة في الورشة بالانضمام إلى التحالف منتقدةً قلة عدد أعضاء التحالف من العالم العربي والشرق الأوسط، على الرغم من انتشار زواج القاصرات في المنطقة وحتمية مناهضتها بكل الطرق، خاصة في ظل تناميها في دول النزاع مثل سوريا والعراق واليمن وليبيا.

من ناحية أخرى، لفتت مصطفى إلى أن المناهج الدراسية في مصر تستدعي إعادة النظر فيها، مستشهدةً بكتاب الدين الإسلامي  للصف الأول الثانوي الذي يضم بين نصوصه حديثًا للنبي يقول: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، مشيرةً إلى أن البعض خاصة في القرى قد يجدون فيه مبررًا ومسوغًا للزواج مبكرًا، لأن القدرة المادية والجنسية لا ترتبط بسن معين.

خلال الجلسة الثانية، شددت نهاد أبو القمصان مديرة المركز الصري لحقوق المرأة على أن القانون الذي يحدد سن الزواج بـ18 عامًا ليس نهاية المطاف لأن اَليات إنفاذ القانون أكثر أهمية، وأضافت قائلة إن المأذونين هم أحد أهم أسباب استمرار زواج القاصرات وذلك بسبب تعدد الدفاتر التي يستخدمونها لإثبات الزواج وتوثيقه، موضحةً أن دفتر إثبات الزواج يفتح الباب أمام الزواج المبكر لأنه يُمّكن المأذون من التزويج بعقد عرفي وبعد إتمام الفتاة سن الـ18 يعود ليثبته في دفتر إثبات الزواج، مطالبةً بإلغاء هذا الدفتر والاكتفاء بدفتري توثيق الزواج والطلاق.

عن العراق تحدثت الناشطة العراقية إلهام مكي، وقالت إن الحركة النسوية تتجه إلى الحفاظ على ما هو موجود أكثر من إحراز تقدم، لافتةً إلى أن قانون الأحوال الشخصية ينص على أن سن الزواج هو 18 عامًا لكنه في الوقت نفسه يفتح الباب أمام الزواج لمن هم أقل سنًا، استنادًا إلى عدد من المواد الخلافية.

واستطردت مكي قائلة إن العراق بعد العام 2003 الذي شهد سقوط نظام صدام حسين، تعرض كدولة إلى محاولات أسلمة وإخضاع قانون الأحوال الشخصية للشريعة الإسلامية بعد تقدم كبير اتسم به قبل ذلك منذ صدوره في العام 1959، وانعكست هذه المحاولات على الدستور من خلال صياغة المادة 41  ونصها: العراقيون أحرار في الالتزام بأحوالهم الشخصية، حسب دياناتهم أو مذاهبهم أو معتقداتهم أو اختياراتهم، وينظم ذلك بقانون.

وكشفت مكي عن غياب أي إحصاءات وطنية بشأن زواج القاصرات على الرغم من الاعتراف الحكومي بالظاهرة وارتفاع وتيرتها وخطورتها أكثر من أي وقت مضى.

ومن بين الحلول التي طرحتها مكي في إطار تحجيم الظاهرة يأتي تفعيل قانون إلزامية التعليم للحيلولة دون تسرب الفتيات من المدارس بما يمنع بالتبعية الزواج المبكر.

في الجلسة نفسها استعرضت سهير فراج من مؤسسة تام الفلسطينية الوضع في الأراضي المحتلة، موضحةً أن أحدث الإحصاءات كشفت أن خمس النساء الفلسطينيات تزوجن قبل إتمام 18 عامًا،  ونسبة زواج القاصرات في مدينة الخليل تصل إلى 36 في المئة بينما ترتفع في قطاع غزة إلى 42 في المئة، معربة عن اندهاشها من أن زواج القاصرات يرتفع في المدن عن القرى الفلسطينية.

وقالت فراج أن المعتقدات الدينية هي السبب الرئيس في انتشار زواج القاصرات ومن بعدها الفقر والعادات والتقاليد،فضلًا عن العراقيل التي تضعها الحكومة ضد مشروعات القوانين  التي ترمي إلى حماية النساء من العنف ورفع سن الزواج لـ18 سنة.

وعن زواج القاصرات في السودان تحدث كل من الحقوقي فخر الدين محمود والناشطة أحلام الناصر التي أكدت أن التعليم الإلزامي هو استراتيجية أساسية لمناهضة زواج القاصرات، لافتةً إلى أن إحدى المنظمات الحقوقية عملت على مقترح لتعديل قانون الأحوال الشخصية وقدمت بالفعل مشروع القانون  إلى البرلمان لكنه لم ينظر فيه.

أما أمل الباشا من اليمن، فقالت إن الوضع في بلدها أكثر سوءًا من بقية الدول العربية حيث لا يسمى توثيق الزواج بعقد زواج وإنما يطلق عليه عقد نكاح بما يختزل الزواج في العلاقة الجنسية فقط، للرجل فيها وحده حق الاستمتاع بالمرأة.

واسترجعت الباشا جانبًا من الحِراك النسوي اليمني في مواجهة تمدد ظاهرة زواج القاصرات، وتحدثت بشكل مفصل عن إحدى الحملات التي قادتها في العام 2010 لمناهضة الظاهرة ومن خلالها تتبعت حالات وفاة القاصرات بسبب الزواج، لافتةً إلى الحرب التي شنها الإسلاميون على الحملة ومقاومتهم للمحاولات التي تزعمتها من أجل الضغط على البرلمان لتجريم زواج القاصرات.

وشددت الباشا على أن الإسلاميين هما المعارض الأبرز لتشريع قانون يرفع سن الزواج، متذرعين بــ «شرع الله» وقصة السيدة عائشة ومزاعم زواجها من الرسول في التاسعة من العمر.

أما اليوم الثاني فقد بدأ بجلسة اشتملت على عرض لتجربة مركز «ACT» في مناهضة زواج القاصرات في مصر، وقد قدمته الدكتورة عزة كامل مديرة المركز وتناولت خلاله الحملة الأخيرة التي أطلقها المركز للضغط على صناع القرار من أجل تجريم زواج القاصرات والتي تحمل اسم #مش_قبل_الـ18، وفي الجلسة نفسها استعرضت الدكتورة إقبال السمالوطي مديرة مؤسسة حواء المستقبل مجهودات المؤسسة في مناهضة الظاهرة.

أعقب ذلك تشكيل مجموعات عمل خرجت بعدد من المقترحات تصب في اتجاه رفع الوعي ورفع سن الزواج وتغليظ العقوبات ومعالجة مواطن القصور في بعض التشريعات المحلية.

وانتهت الورشة بالإعلان عن مجموعة توصيات وأبرزها: الإعلان عن بناء تحالف لكسب التأييد في مواجهة زواج القاصرات وتنقيح التشريعات المحلية وتطوير قوانين الأحوال الشخصية بما يتفق مع المواثيق والاتفاقيات الدولية والإقليمية لحقوق الطفل، بالإضافة إلى إشراك الرجال والشباب في جميع الفعاليات المناهضة لزواج القاصرات، كما اجتمع المشاركون على ضرورة توظيف الفنون بمختلف صورها لخدمة الغرض الرئيس وهو مناهضة تزويج القاصرات إلى جانب إنتاج مواد مصورة  وإتاحتها عبر وسائل الإعلام المختلفة.

ويأتي بين أهم التوصيات الصادرة عن الورشة، التركيز على التعليم النظامي وغير النظامي وربطه بقضية تزويج القاصرات وغيرها من قضايا النوع الاجتماعي.

وفي السياق ذاته، وضع المشاركون والمشاركات خطة عمل قصيرة المدى تمتد لستة أشهر تشمل عددًا من المحاور، يأتي في مقدمتها الاتفاق على إطلاق حملة #مش_قبل_الـ18 في جميع الدول العربية قبل الاحتفال باليوم الدولي للفتاة في 11 أكتوبر المقبل، والانضمام إلى التحالف الدولي Girls not Brides   – طفلات ولسن عرائس.