عرف العالم العربي المسرح في أربعينيات القرن التاسع عشر، لكنه ظل حكرًا على الرجال يؤدون أدوار الجنسين دون مشاركة نسائية لنحو أربعين سنة، ولم يكن التغييب النسائي بسبب رفض رواد المسرح وقتذاك اعتلاء المرأة لخشبة المسرح، وإنما بسبب خوفهم من الاصطدام بالمجتمع الذي كان يُحرّم على المرأة الخروج للتعليم أو العمل، فما بالنا بأن تمتهن مهنة، فيها الجسد بارز الملامح وواضح الهوية، وترتبط في الأذهان بالرقص والغناء، وهو ما يتنافى مع التقاليد والقيم السائدة حينها.

تختلف المراجع التاريخية بشأن تاريخ ظهور النساء لأول مرة على خشبة المسرح العربي، لكن أغلبها يرجح أنه كان في الفترة ما بين سبعينيات وثمانينيات القرن التاسع عشر، أما المتفق عليه فهو أن المرحلة الأولى لدخول العنصر النسائي إلى هذا الفن، كانت في مصر مقتصرةً على على اللبنانيات والسوريات اللاتي انتقلن إلى مصر في أواسط القرن التاسع عشر، فيما عُرِف بهجرة الشوام إلى مصر التي استمرت حتى منتصف القرن العشرين.

ولم ينكسر هذا الاحتكار الذي فرضته طبيعة المجتمع المصري، التي كانت ترغم النساء على الخروج بالحبرة والبرقع، إلا على يد السكندرية «منيرة المهدية» في صيف العام 1915  على مسرح الشانزلزيه في منطقة الفجالة بالقاهرة، بعد أن أقنعها المسرحي «عزيز عيد» بالانضمام إلى فرقته مستغلًا ظروف الحرب التي تضرر بسببها مقهى أو صالة «نزهة النفوس» التي أسستها في العام 1905، لتغني فيها كل ليلة وسط احتشاد العشرات للاستماع إلى أغنياتها وتحديدًا أغنية «أسمر ملك روحي» التي نجحت نجاحًا واسع الأصداء.

بموافقة «المهدية» على عرض «عيد»، أدرك الأخير أنه ظفر بنجاح مضمون، فسارع إلى نشر الإعلانات في الشوارع والجرائد والمجلات معلنًا عن «منيرة المهدية.. أول ممثلة مصرية».

كانت «منيرة المهدية» هي أول مصرية تقف على خشبة المسرح وتصدح بقصائد الشيخ «سلامة حجازي» أحد رواد المسرح الغنائي في مصر، لكن مشاركتها لم تتجاوز حدود الغناء، وقد اعتبر البعض حينذاك أن إدعاء «عزيز عيد» أنه يقدم أول ممثلة مصرية، هو حيلة لزيادة الإقبال على مسرحه وهو ما تحقق له، حيث زاد الإقبال على عروض فرقته وبعد أن كان الجمهور يقصد المسرح تطلعًا إلى مشاهدة أول مصرية على المسرح، أصبح يذهب للاستماع إلى «سلطانة الطرب».

لكن «المهدية» كانت تريد أن تكون أول ممثلة مصرية بالفعل، فانفصلت عن فرقة «عزيز عيد» وشكلت فرقتها الخاصة، وقدمت من خلالها العديد من روايات «سلامة حجازي»، لتؤدي أول دور تمثيلي لها وكان لشخصية «روميو» في رواية «روميو وجوليت»، ثم استمرت في تقديم الأدوار الذكورية التي سبق وأداها «حجازي»، ومع ذلك كان اسمها يتصدر أفيشات العروض مصحوبًا بلقب «الممثلة الأولى». وفي العام 1917، قدمت أول شخصية نسائية من خلال رواية «كارمن» التي شاركها بطولتها المطرب «صالح عبد الحي».

قدمت «منيرة المهدية» ما يزيد عن 30 عملًا مسرحيًا غنائيًا، ويظل أشهرها رواية «كليوباترا ومارك أنطوان»، التي قدمت من خلالها الموسيقار «محمد عبد الوهاب» كممثل لأول مرة من خلال شخصية «أنطونيوس»، بينما قدمت للسينما فيلمًا واحدًا وهو «الغندورة» الذي صدر في العام 1935، وهو معالجة سينمائية لمسرحية قدمتها مع فرقتها بالاسم نفسه، وقد كتب سيناريو وحوار الفيلم «بديع خيري» و«موريس قصيري»، وأخرجه الإيطالي «ماريو فولبي»، إلا أنه لم يحالفه النجاح جماهيريًا.

بعد فشل تجربتها السينمائية، توارت عن الأنظار وانسحبت من الساحة الفنية، خاصة بعد صعود نجم المطربة «أم كلثوم» وعدم قدرتها على مجاراة المتغيرات التي طرأت على الساحة على صعيد الطرب أو التمثيل، حتى حاولت مراوغة الزمن والعودة إلى المسرح الغنائي مجددًا في العام 1948 بمسرحية «تغريدة البجعة»، إلا أن المحاولة باءت بالفشل، فلم تكن السيدة التي تجاوزت الستين عامًا بنفس الرونق الذي ألفه الجمهور، بعد أن فقد صوتها بهاءه وصفاءه، ليُسدَل الستار نهائيًا على مسيرة «سطانة الطرب» الفنية، وتعيش بعدها في الظل حتى توافيها المنية في 11 مارس من العام 1965.