ماضٍ موجع ومخاوف ممتدة.. والسبب «أبي»
العنف الأسري يدمر حياة الملايين من الفتيات والسيدات، اللاتي يتعرضن للإهانة والضرب والإذلال على أيدي أسرهن وعائلاتهن، وبحسب دراسة أجراها المجلس القومي للمرأة في العام 2017، تبين أن نحو 1.5 مليون امرأة في مصر تتعرض للعنف الأسري سنويًا. «سمر» واحدة من هؤلاء، فتاة تبلغ من العمر الاَن 29 عامًا، نشأت في كنف أسرة مكونة من أربعة أفراد، الأب والأم وهي وشقيقها، عرفت شعور الكراهية منذ الصغر، على يد والدها الذي كان يعنفها لفظيًا وجسديًا، حتى أيقنت بأنه يكرهها.
وبحسب روايتها فإن الأب كان يريد أن تنجب له زوجته ولدًا، ليصبح سندًا له في الكِبَر، انطلاقًا من المنطق الذكوري الذي يجعل الذكر هو من تتكئ عليه الأسرة، بينما تمثل الإناث عبئًا على أسرهن. بعد أن ولدت «سمر»، ظل الرجل على أمله منتظرًا لــ«الولد»، وهو ما تحقق له عندما ولد شقيقها بعد خمس سنوات، وهو الوقت نفسه الذي بدأت فيه المشاكل بين الوالدين، وبدأت بانزعاج الأم من عدم اهتمامه بالطفلة وضربه المبرح لها، وصولًا إلى توعده بتطليقها إذا أنجبت أنثى مرة أخرى.
تتذكر «سمر» أسلوب عقاب والدها لها، عندما كانت في المرحلة الابتدائية، وتحكي أنه كان يحبسها داخل الغرفة، ويغلق بابها بالمفتاح ويأخذه معه ليمنع أي حد من مساعدتها على الخروج أو إدخال الطعام إليها، بينما تحاول الأم أن تعطيها خفية بعض قطع البسكوت من أسفل الباب. وتسرجع أيضًا التمييز في التربية بينها وبين شقيقها الأصغر، وتشير إلى واقعة بعينها عندما حصد الأخ درجة النجاح في مادة اللغة العربية، فهوّن عليه الأب «ما يفرقش معاك حاجة، أنت عملت اللي عليك وأنا مش زعلان منك»، وفي المقابل وصفها بالفاشلة رغم تفوقها.
الأنكى أنه لم يأل جهدًا في ترسيخ فكرة أنها أقل شأنًا من أخيها، فكان يقول له «ما تلعبش مع سمر، دي غبية وممكن تأثر عليك»، لكن ذلك لم يكن أشد إيلامًا من واقعة أخرى ما زال أثرها باقيًا في النفس والذاكرة. فقد اعتدى عليها والدها بالضرب المبرح، وذلك عندما كانت تدرس بمرحلة الثانوية العامة، وتستعيد «سمر» المشهد؛ بينما كانت تستعد لحضور إحدى حصص الدروس الخصوصية، وفوجئت بوالدها ينظر إليها شزرًا، ثم قال لها «تعالي ورايا أديكِ فلوس الدرس»، فاستجابت ولحقت به ثم دخلت إلى غرفته، فوجدته يغلق الباب بالمفتاح، فأصابها الذعر، وصدقت مخاوفها. اعتدى عليها والدها بالضرب مستخدمًا الحزام، وقد أصاب كل منطقة في جسدها على حد وصفها، ولم يرده صراخها أو محاولات الأم والأخ التدخل لانقاذها.
بعد أن فرغ من ضربها وإهانتها، أصر أن تنزل من البيت واَثار اعتدائه عليها بارزة، بعد أن قال لها «عشان تتعلمي تلبسي محترم بعد كده»، لكنها لم تستطع الذهاب إلى الدرس في حالتها تلك، وظلت تسير في الشوارع، غير محددة الوجهة، وقد غلبتها الصدمة، وجال بخاطرها عدد من الأسئلة دون إجابات: كيف سينتهي هذا الكابوس؟ ومتى؟ هل الانتحار هو الحل؟ وكيف ستعيش أمها بعدها؟
الخوف من الأب تحول إلى خوف من أي رجل، ويظهر ذلك مع شعورها بالانجذاب العاطفي تجاه شاب أثناء دراستها في الجامعة، حينها رفضت الانسياق وراء مشاعرها وقاومتها قدر ما استطاعت، خشية أن يكون نسخة جديدة من أبيها، لكن استمراره في التقرب إليها وتعبيره عن حبه لها، كان سببًا في تبدد مخاوفها تدريجيًا.
بعد فترة، عرض الشاب التقدم لخطبتها، فخافت من ردة فعل الأب، وطلبت من أمها الوساطة، وعلى الرغم من أنه لم يرفض اللقاء ولا الطلب، فقد أكد مجددًا على كراهيته غير المبررة لها، وقال نصًا «أخيرًا هخلص من وشك في البيت». وعن مشاعرها في يوم الخطوبة، تقول «سمر» إنه عندما جاء ليهنئها ويحتضنها أمام الحاضرين، شعرت بالخوف الشديد، خاصة أنها المرة الأولى التي يُقدم فيها الأب على معانقة ابنته التي اعتاد تعنيفها.
لفترة بعد الزواج، كانت ترفض الإنجاب خشية أن تلد طفلةً، فتعاني مثلما عانت في حياتها على يد أبيها. لكن بعد انقطاع علاقتها به وتجاوز ما خلّفه الماضي من اَثار داخلها – ولو بقدر محدود- تخطت مخاوفها.
تختتم «سمر» مؤكدةً أن علاقتها بوالدها انقطعت نهائيًا الاَن، بينما تطمئن على أمها وشقيقها عن طريق المكالمات الهاتفية واللقاءات البعيدة عن المنزل.
جرى تغيير اسم صحابة القصة نزولًا عند رغبتها.