يشارك الأشقاء الثلاثة «محمد دياب» و«خالد دياب» و«شيرين دياب» هذا العام في السباق الرمضاني بالكتابة للدراما التليفزيونية لأول مرة، عبر مسلسلين وهما؛ «السهام المارقة» الذي تعرضه قنوات أبوظبي وأبوظبي دراما، ومسلسل «طايع» الذي تعرضه قنوات ON E  و ON Drama  وCBC  وCBC  دراما.

في حواره مع جريدة الشروق النسخة الإلكترونية، والمنشور بتاريخ 25 مايو الماضي، صرح «محمد دياب» أحد الكتاب الثلاثة، بأن «طايع» كان فكرة لفيلم سينمائي، على أن يقوم ببطولته الممثل «محمد رمضان»، ولكنه قرر وشقيقاه «خالد» و«شيرين»، تحويل القصة إلى مسلسل تليفزيوني وبالتالي اعتذروا له. يضع هذا التصريح تصورًا ذهنيًا للبطل الأسطوري والسيطرة الذكورية التي ستتمركز حولها قصة العمل الفني، كما جرت العادة في أعمال «رمضان» السينمائية والتليفزيونية على حدٍ سواء.

لجأ كتاب المسلسل في أولى منتجاتهم الدرامية التلفزيونية إلى المجتمع الصعيدي الذي عايشوه من قبل في فيلم «الجزيرة2» ، ليكون ساحة خصبة لكتابة 30 حلقة، وكان جلّ اهتمامهم فيها هو الحفاظ على عنصر التشويق وتصاعد الأحداث على مدار الحلقات، ووجود عقدة بكل حلقة تنجح في جذب المشاهد للحلقة التي تليها حتى إن غاب المنطق عن حلها، وفي كل حلقة تظهر عقدة جديدة لتغطي على ضعف حل الأولى.

بحسب تصريحات «محمد دياب» فقد وجد اَل دياب أن الأفضل لائتمانه على باكورة أعمالهم التليفزيونية هو المخرج «عمرو سلامة»، الذي ظهر في الحلقة العاشرة من المسلسل على الشاشة لثوانٍ  معدودةٍ، كأحد الركاب في مطار القاهرة دون المشاركة مع طاقم العمل في فعل أو كلام.

باختصار..

تدور أحداث المسلسل حول «طايع» ويؤدي دوره «عمرو يوسف»، وهو طبيب صعيدي يرفض الأخذ بثأر والده، ويحاول الهروب من الثأر الذي يطارده من قبل ابني «عسران»، لاعتقادهما أن والد «طايع» هو من قتل أبيهما، فيضطر إلى دخول السجن هربًا من الثأر، وأثناء تواجده في السجن يعقد اتفاقًا مع أحد ضباط الشرطة على أن يساعده في الإيقاع بـ «حربي» ويؤدي دوره «عمرو عبدالجليل»، وهو أحد  أكبر تجار الآثار في الصعيد، في مقابل أن يزج الضابط بابني «عسران» في السجن، حتى يأمن «طايع» على حياته. لكن الأحداث لا تمضي كما أراد كلاهما، فتتشابك وتتعقد على مدار ثلاثين حلقة.

الحضور النسائي خلف الكاميرا.. الأضعف في موسم 2018

علاوة على مشاركة «شيرين دياب» في التأليف، فقد اقتصرت المشاركة النسائية خلف الكاميرا على وظائف الملابس والإكسسوار والمكياج، من خلال «دينا صدقي» التي نفذت أعمال المكياج والمؤثرات الخاصة SFX، و«سما كتكت» لسكريبت الإكسسوار، و«ميساء عارف» لتصميم ملابس، بينما يحل اسم «رشا السيد» إلى جانب «أحمد لطفي» في إدارة الإنتاج في أوروبا، ويعد «طايع» واحدًا من أقل مسلسلات هذا الموسم فيما يخص مشاركة النساء في صناعته.

الحضور النسائي على الشاشة

يمكن القول، أن حضور النساء يتوازى مع حضور الذكور على الشاشة، فقد تنوعت أجيالهن ودوافعهن وردود أفعالهن كذلك. تشارك الشخصيات النسائية في تحريك الأحداث أو شحنها، بينما يبقى الفعل نفسه بيد الشخصيات الذكورية. تخيم فكرة البحث عن «الحماية» الذكورية عليهن جميعًا، حيث لازمتهن كلمة «الحماية» طوال الوقت على الرغم من تنوع شخصياتهن، وعلى عكس ما هو معهود عن الثأر، كونه مرهونًا بالرجال فقط، يأتينا صناع المسلسل بفكرة جديدة، وهي أخذ الثأر من النساء، يتحدث عن هذه الفكرة أهالى البلد بجدية ويصدقونها حتى النصف الأول من الحلقات، ثم تتحقق بالفعل وتُقتَل «مهجة» التي تؤدي دورها «صبا مبارك» على يد «حربي»، فيبدأ الأهالى في استهجانها ورفضها والثورة عليها. أما الثابت هو أن أعراف العائلات والقبائل في الصعيد، قد التزمت منذ زمن بعيد فيما يخص الثأر بأن المرأة لا يُثأر منها حتى إن كانت قاتلة، ويؤخذ الثأر من أقرب الرجال لها قرابة، وإن لم يكن لها قرابة من الرجال، لا يثأر منها ويكتفي من لهم الثأر بتهجيرها خارج القرية والمدينة.

ظهرت بعض العناصر النسائية من الجيل الأكبر على الشاشة كنماذج نمطية لنساء الصعيد وقد اختزلن حياتهن في انتظار الثأر لأزواجهن، حتى نسين أنفسهن وعشن فقط على أمل الأخذ بالثأر لطمأنة أرواح أزواجهن المقتولين، ومع تصاعد الأحداث تتغير إحداهن وهي «عواطف» والدة «طايع»، وتؤدي دورها «سهير المرشدي»، بعد أن فقدت ابنها الصغير «فواز» ويؤدي دوره «أحمد داش» وتقرر التخلي عن فكرة الأخذ بالثأر  خشية فقدان «طايع» أيضًا، بينما تظل والدة «جابر عسران» وتؤدي الدور «سماء إبراهيم» على موقفها وقناعتها بضرورة الثأر لزوجها، فتحمل السلاح بنفسها وتقتل الأولى.

https://www.youtube.com/watch?v=oSflCgxyGJs

الانغماس في الرضوخ للتعنيف الذكوري ورده على الغير

تمثل زوجة العمدة التي تؤدي دورها «سلوى محمد علي» أحد نماذج الخنوع للذكورة المركبة، ففي الحلقات الأولى تحاول أن تقنع ابن أخيها المتزوج بأن يتقدم لطلب الزواج من ابنتها «مهجة»، خوفًا عليها من العنوسة التي قد تلحق بها، بسبب رفض والدها المطلق لفكرة زواجها، تحسبًا لمساعي «حربي» لقتلها انتقامًا لابنته، التي قتلها العمدة عن طريق الخطأ. لا تحتج أو يزعجها التعنيف اللفظي من زوجها ومعايرته لها بأنها لم تنجب سوى بنت وحيدة خلال عشر سنوات عاشتها معه زوجةً، وهو ما يحتم عليها أن تحمده على معروفه، لأنه لم يتزوج عليها مرة واثنتين وثلاث. تتقبل الزوجة التعنيف بل وتعتذر له وتنحني لتقبيل يده. عندما تعلم زوجة العمدة بزواج  ابنتها«مهجة» من «طايع» سرًا تستخدم التعنيف اللفظي الذي تتعرض له، وتتجاوزه إلى التعنيف الجسدي، وتنهال عليها بالضرب خشية العار والفضيحة إذا ما علم أبوها بأمر تلك الزيجة.

تقديس الذكورة لدى هذه السيدة، والمتمثل في زوجها العمدة، يتلاشى بعد قتل «مهجة» وفقدانه لمكانته الاجتماعية بعد تنازله عن العمودية لابن «حربي» كقربان لحماية ابنته من القتل – وهو ما لم يتحقق – ومن ثم تحوله إلى رجل مقعد، فتتحول الزوجة الخانعة إلى قائد السفينة ومحرك دفتها، وتقرر الرحيل بزوجها عن القرية وتدخل بنفسها على خط الأخذ بالثأر من أجل ابنتها المغدور بها، وهو ما يؤكد فكرة ربط الحماية بالذكر في هذه البيئة، وإن لم يتمكن من توفيرها فيكون فاقد لتقديسه كذكر يستحق التبعية له.

https://www.youtube.com/watch?v=S-iMaB6f7hc

نساء لا يملكن قرارهن .. والرجل هو المٌخلِّص والمنقذ من أخطائهن بحق أنفسهن

استمرارًا لحلقات الحماية التي يقوم بها «طايع» الذي يمثل صوت العقل، يقرر بعد زواجه من «مهجة» ألا تجمعهما علاقة جنسية حميمية، تجنبًا لحدوث حمل وهو ما قد ينتهي بها قتيلة على يد «حربي»، ولكنها تأخذ قرار استئصال رحمها حتى تضمن عدم حملها، ثم تعدل عن القرار في اللحظة الأخيرة وتحتفظ به سرًا دون أن تعلمه، وعلى الرغم من عدم منطقية ألا يعرف «طايع» الطبيب أن زوجته لم تخضع لعملية استئصال الرحم، بسبب عدم وجود آي آثار لعملية الجراحية على جسدها،  فقد اختار صناع العمل المضي قدمًا فيما لا يمكن تمريره، ليحدث الحمل وتتأزم الأمور.

«مهجة» و«أزهار»

تجسد «مهجة» صورة المرأة الضحية، التي لا تستطيع قيادة حياتها وتقرير مصيرها، فوالدها هو الذي يقرر أن تعيش دون شريك، ثم يعود عن قراره، فيجبرها على الخطبة لــ«جابر عسران»، ولا يظهر التمرد سوى من أجل البقاء إلى جانب «طايع» والزواج منه، على الرغم من خذلانه لها في أكثر من مرة، وأنصاف الوعود التي يعدها بها.

تظل «مهجة»  حتى بعد زواجها من «طايع» كما تمنت، مفعولًا به وقراراتها تتحول في نظرهم إلى أخطاء لابد من محوها أو تصحيحها، كما حدث بعد وقوع الحمل، فيصبح مصير الجنين بيد أبيها وزوجها وحدهما، فالأول يأمر بالإجهاض حتى يحميها من القتل المنتظر، بينما يلومها الآخر لأنها من تسبب في هذا الوضع وعليه أن يقتل ابنه أو ابنته بيده لحمايتها من القتل، ثم نكتشف أنه قد قرر حمايتها والجنين معًا، بإدعاء أنها نزفت نزفًا شديدًا قبل التخلص من الجنين، وبالتالي فلا مفر من الإبقاء عليه بين أحشائها حتى ميلاده، بينما تظل صاحبة الشأن مسلوبة الإرادة بينهما.

النساء كسلعة قابلة للبيع والتفاوض في السعر

تظهر شخصية« أزهار» شقيقة «طايع» وتؤدي دورها «مي الغيطي»، خلال الثلث الأول من المسلسل، بصورة الأخت التي تخشى نيران الثأر أن تنال من أخويها وتقتلهما، وكما اعتادت الدراما المصرية أن تؤطر الأخت في صورة الفتاة التى تحاول أن تحل مشكلات الأخ مع شريكته العاطفية أو الحميمة، فقد كانت «أزهار» تسير على ذلك الخط حتى زجت بها الأحداث داخل دائرة الثأر، ووجدت نفسها بطلة مشهد زواج بالإكراه، بعد أن أمر «حربي» بتزويجها من أحد أبنائه الذكور، حتى يضمن ولاء «طايع» إليه. فيما أشبه بالمزاد، فيه يُعرّف كل واحد من أبناء «حربي» نفسه في جملة واحدة، يظنها تلخص مميزاته، حتى تختار منهم من تتزوجه.

أثناء عقد القران الذي لم تختره وباستسلام لما فُرِض عليها، تقبل بأن يقرر أي منهم الزواج منها دون أن ترد بسلب أو إيجاب، فيساوم «ضاحي» أخيه «هلال»، ويعرض عليه مبلغًا من المال حتى يرفعه خمسة أضعاف مقابل شراء العروسة . ويجسد هذا المشهد حقيقة واقعة، تتعرض لها العديد من نساء الصعيد اللاتي تقدمهن عائلاتهن جبرًا أو طواعيةً، كقرابين بديلة للخصومات الثأرية

الرؤية الذكورية الأحادية للمرأة المختلفة عن نساء مجتمعهم

تبرز شخصية «أمينة»، التي تؤديها «مها نصار»، باعتبارها العنصر النسائي الذي لا يبحث عن الحماية الذكورية خلال المسلسل، فهي منقبة آثار ولدت وعاشت في إيطاليا، وبعد وفاة والدها جاءت إلى مصر، في محاولة منها لمنع تهريب الآثار إلى الخارج من خلال التعاون مع الشرطة بكامل إرادتها للإيقاع بهذه العصابات. يرى أولاد «حربي» «أمينة» مختلفة عن بقية نساء الصعيد في مظهرها وتعاملها مع الأجانب، فيتحرش بها أحدهم لفظيًا تارة «التقفيل دا مش مصري» ويعرض عليها اَخر الزواج عرفيًا، بما يؤكد النظرة الذكورية الأحادية لكل من اختلفت عن النساء في مجتمعهم كما جاء على لسان «ضاحي»  وهو يصف سيدة أجنبية عندما كانوا في سويسرا، بعدما حاول التحرش بها لفظياً  «الحريم هنا كلهم شمال».

في الحلقات الأخيرة وبعد مقتل «مهجة» ووقوع الخصومة بينه وبين شقيقته، تصبح «أمينة» هي رفيق «طايع» في دربه، وعلى عكس البقية، فإنها لا تبحث عن حمايته لها، وإنما تحاول توفيرها له بدافع الحب من ناحية، ولما تتمتع به من استقلالية من ناحية أخرى، لكن تظل في النهاية «أمينة» وحبها له، تشديدًا على بطولة «طايع»، الذكر العاقل والشجاع والمخلص في حبه، وبالتالي فهو اَسر قلوب النساء على اختلاف طبقاتهن والبيئة الاجتماعية التي ينتمين إليها.

https://www.youtube.com/watch?v=RXe2CQkpabc

النقاب والبحث عن الحمايـة

غالبًا ما يرتبط ارتداء الشخصيات النسائية للنقاب في الأعمال التليفزيونية بأدوار المتشددات دينيًا أو اللاتي ينتمين إلى عائلات اعتادت ذلك، ولكن النساء يرتدين النقاب في هذا المسلسل، لأسباب ليست دينية وإنما بغرض الحماية والتخفي، فالقالب الذي وضعه صناع المسلسل للنساء على الشاشة هو الخوف والبحث عن الحماية، حتى «أمينة» التي تمثل الفتاة المستقلة فحديثها الوحيد عن الخوف مع الظابط «سراج»وهي لا ترتدي ملابسها المعتادة وترتدي الملس الصعيدي.

طايــع..  والتأطير النموذجي غير الممنطق للبطل الذكوري المتخيل

على عكس ما شهدته أغلب أعمال الدراما التليفزيونية في هذا الموسم من استعراض لقدرات ضابط الشرطة، وتعظيم المسؤولية الملقاة على عاتقه بشأن حماية الوطن والمواطنين، جاءت صورة الظابط «سراج» الذي يؤدي دوره «محمد علي» ضعيفة وتفتقر للذكاء وسرعة البديهة واتخاذ القرار، ليصب ذلك في صالح صورة «طايع» البطل الذي يحمي أمه وأخته وزوجته وشقيقه وحتى الضابط نفسه، وهو الرجل الذكي الذي ينجو من الموت في اللحظة الأخيرة دائمًا، وأحيانًا لمرات متتالية في الحلقة نفسها، فضلًا عن ظهوره في اللحظة الحاسمة ممسكًا بمسدس أو موجهًا اللكمات لعدوه بشكل متكرر، فضلًا عن ذلك، فهو يتمتع بميزات لا يملكها سواه، فهو يعرف الإنجليزية والفرنسية، ويعالج الناس مجانًا ويعلم الأفارقة اللغة العربية أثناء تواجدهم معهم في السجن، ويستحث أخيه الصغير للعودة إلى المدرسة، والكل يثني عليه، فهو الخارق للعادة.