في محاولة واضحة التوجهات، يحاول مسلسل «أمر واقع» من تأليف محمد رفعت وإخراج محمد أسامة، تقديم محاكاة للأوضاع الحالية،فيما يتعلق بارتفاع وتيرة الأعمال الإرهابية، مستعرضًا العلاقة بين ثلاثي: الشرطة والإعلام والجهات الداعمة للإرهاب. يتناول المسلسل قصة  الضابط «حمزة» ويؤدي دوره «كريم فهمي» على صعيد حياته المهنية وما يطرأ عليها من تطورات في ظل ما تفرضه الظروف المضطربة التي تمر بها البلاد، وانعكاس ذلك على حياته الشخصية وتحديدًا علاقته بـزوجته «داليا».

بعد مرور ما يقرب من نصف الشهر، تصبح الحادثة الرئيسة التي يدور حولها المسلسل، هي وفاة الصحافي المعارض  «أحمد هداية» ويقوم بدوره «نبيل الحلفاوي»، في ظل شكوك بشأن طبيعة الوفاة، واتهامات موجهة لصديق «حمزة» وهو المقدم «عمر رمضان» ويؤدي دوره «أحمد وفيق» بقتله، لتكون نواة الكشف عن مؤامرات تحاك ضد الدولة.

الأجواء العامة للمسلسل تجعل الشخصيات الذكورية وحدها محرك الأحداث، سواء كان «حمزة» أو «عمر» أو شخصية الصحافي «نضال سفر» الذي يؤدي دوره «نيقولا معوض»، بينما ينحصر الحضور النسائي في نساء يشتركن في حب رجل، أو يشترك الرجال في حبهن، والخسارة تجمعن سواء كانت الخسارة إنسانية، أو مهنية أو صحية.

النساء على الشاشة.. حضور باهت ومعالجة بائسة

تدور الأحداث حول شخصية «حمزة» وصديقه المقدم «عمر»، وهما محور كل ما يجري، ويحرك دفة الأحداث معهما صحافي سوري الأصل يدعى «نضال سفر»، يعمل لصالح شبكات أجنبية تسعى إلى إثارة القلاقل والاضطرابات في مصر،  بينما يبرز الحضور النسائي من خلال شخصية زوجة الأول «داليا»، وتؤدي دورها «نجلاء بدر» ، التي تربطها به علاقة متوترة على وشك الانهيار تمامًا، في البداية يبدو أن ذلك بسبب وفاة ابنهما الرضيع في ظل غيابه بسبب العمليات والمواجهات، ثم يتبين لاحقًا أن هناك سببًا اَخر وهو خيانته المستمرة لها. الشخصية النسائية الثانية هي «فرح» التي تؤدي دورها «ريم مصطفى» وهي امرأة تعرضت لحادث أدى إلى فقدانها القدرة على الحركة والجلوس على كرسي متحرك، تتطور علاقتها بـ«حمزة» عاطفيًا، لكن دون اعتراف منه بذلك وقبول منها بالبقاء في حياته على الهامش دون توصيف.

بالإضافة إلى الشخصيتين النسائيتين الرئيستين، تأتي شخصية«جومانا شرف» مقدمة برنامج حواري شهير  وتؤدي دورها «دينا فؤاد»، ويقدمها المسلسل باعتبارها أكثر مقدمي هذا النوع من البرامج شهرة في مصر، تظهر علاقتها بالأجهزة الأمنية متوترة، نتيجة إصرارها على اتهامها بالتقصير والتقاعس عن إحباط العلميات الإرهابية، ويظهر تباعًا أنها تنفذ أجندة «نضال سفر»، وتتحدث بلسانه عبر برنامجها.

أما «خديجة هداية» وتقوم بالدور «ملك قورة»، فهي ابنة الصحافي «أحمد هداية» وهي فتاته المدللة، تعد واحدة من أشهر رموز الأناقة والموضة في مصر، التي حتى الاَن لم يتضح ما سبب القطيعة بينهما وبين والدتها وأخيها. بعد وفاة والدها توكل لنفسها مسؤولية الضغط من أجل الكشف عن السبب وراء وفاة أبيها، لا سيما مع تنامي شكوكها بشأن احتمالية اغتياله نتيجة مواقفه المعارضة.

لـ«حمزة» شقيقة تدعى «سلمى» تؤدي دورها «نهى عابدين»، وهي زوجة وأم يتوقف دورها حتى الاَن على رعاية أسرة صغيرة مكونة من زوج وابنة إلى جانب والدها وشقيقها «سامح» الذي يعاني نوعًا من التأخر الذهني. شخصية «سلمى» لا تحرك حدثًا وإنما تلعب دور المستمع الجيد لشقيقها «حمزة»، والمعارض لأفكار زوجها المحتج على أداء الشرطة في مقاومة الإرهاب.

لم يبرز المسلسل الشخصيات النسائية كشخصيات مؤثرة في مجرى الأحداث بل تقتصر أدوارهن على الدوران في فلك الرجال، فالحياة يحركها الرجل، حيث تتسامح الزوجة مع خيانة الزوج مرارًا، وتتصالح امرأة مع فكرة البقاء في حياة رجل يريد الفوز بكل شيء ويتعامل مع النساء باعتبارهن مقتنيات خاصة. في المسلسل نفسه، تظهر زوجة الصحافي «نضال سفر»، كامرأة ضحت بحياتها المهنية، من أجل زوجها وأبنائها، لتصطدم بحبه لأخرى ومساعيه للزواج بها. على الرغم من أن المسلسل يقدم شخصية «سفر» باعتباره مجرم في حق كل الأطراف، لكنه أيضًا يؤطر تضحية الزوجة بحياتها المهنية باعتبارها أمر يحمد للمرأة والطبيعي أن تتنازل عن طموحاتها من أجل الأسرة، بل إن ذلك يرفعها درجات عن غيرها. علاوة على ذلك، فإن الشخصيات النسائية قد وُضِعت في قالب «الضحية» حيث يقع عليهن عنف الرجال المحيطين، متبوعًا باستسلام.

خلف الكاميرا.. حضور أقل من «هزيل»

شغل الذكور العاملون  خلف الكاميرا أكثر من 90 في المئة من المواقع، واقتصرت مشاركة النساء على عدد من المهام المساعدة، مثل؛ مساعدة المخرج «مريم الشندويلي»، وفي طاقم الـPost Producers، «شاهندة عطية»، و«ندى خالد»، و«مشيرة خالد»، بالإضافة إلى المونتيرة المساعدة «اَية رضا عبد العزيز»، وستيليست «مايا البياضي»، كما أدت أغنية التتر «تفائلوا بالخير» المطربة «ياسمين علي».

الانبطاح أمام الذكورة

كل الشخصيات النسائية في المسلسل، تبدو منصاعة تمامًا لفروض المجتمع الذكوري، خاضعة لهيمنة الرجل في حياة كل منهن، بداية من الزوجة «داليا» التي تعيش في كنف أحزانها بعد وفاة رضيعها، وهو ما تحملت اَلمه وحيدة، في ظل غياب زوجها الذي أصيب في إحدى المواجهات، وحتى في هذه الحالة، ينحاز العمل إلى الرجل وتحديدًا الضابط الذي يدفع ثمن مهنته من حياته الخاصة، نتيجة عدم تفهم أو تقدير الزوجة. وعلى الرغم من أن الفقد واحد، لكنه قادر على تجاوز كبوته، بينما تقف هي عاجزة عن التقدم خطوة واحدة إلى الأمام.

من ناحية أخرى، تتحايل «داليا» على خيانة زوجها المستمرة ونزواته التي لا تنقطع، بمحاولة إلهائه بـ«فرح»، مستغلة ظروفها الصحية التي تمنعها من الحركة، معتقدةً أن زوجها سيتعامل معها بشيء من الشفقة، لكن أتت الرياح بما لم تشته الزوجة، فنشأت قصة حب غير معترف به بين الطرفين.

أما «فرح» التي لم تتضح وتتكشف ملامح شخصيتها كليةً، فهي مثل «داليا»، الرجل هو محور حياتها، فكما وضعت الأخيرة كرامتها جانبًا، متغاضية عن الخيانة، قبلت «فرح» بأن تكون امرأة على الهامش في حياة الرجل نفسه. حتى النموذج النسائي الوحيد الذي يقدمه العمل باعتباره الأنجح والأكثر إقدامًا، وهو المذيعة «جومانا شرف»، هي نفسها تؤكد في حديث مع المقدم «عمر رمضان» عدم وجود امرأة قوية بحسب تصورها، وهو ما يتناقض مع ما يريد المسلسل إبرازه عن تلك الشخصية باعتبارها امرأة طموحة ومغامرة، لا تسمع إلى أمها التي ترى في زواجها حياةً هادئة ومستقرة، بدلًا من عملها المزعج.

بعد 15 حلقة من مسلسل «أمر واقع»، ثمة أسئلة نطرحها على أنفسنا وعلى من يقرأ هذه السطور، لنبحث عن إجاباتها في الحلقات المقبلة، اَملين ألا تأتي إجاباتها بــ«نعم»: هل سيصبح «حمزة» رمز البطولة والمخلص من قوى الشر وستتوارى سوءاته بحق من حوله؟، يبدو أن «فرح» جزء من صراع أكبر بين «حمزة» و«نضال»، فهل ستظل في وضع الساكن ينتظر المنتصر بين متنازعين؟، هل ستظل الشخصيات النسائية جزءًا من صراع بين ذكور أو صراع على ذكور؟، هل ستبقى الشخصيات النسائية في خانة «الضحايا» حتى نهاية العمل؟