رغم أنه حق طبيعي لكل منا، فإن «الاختيار» في حياة البعض رفاهية لا يستطيعون بلوغها، ومن هؤلاء (ن.س) التي زوّجها والدها قسريًا من ابن عمها، دون أن يطلعها على الأمر ويتعرف إلى رأيها في الشخص الذي ستعيش معه، فلم يكن رأيها يعنيه، لأن الزواج سيتم حتمًا، حتى لا يخرج الميراث عن العائلة.

تقول (ن.س) إنها استسلمت للأمر الواقع مثل بقية بنات العائلة، وبعد الزواج كانت تعيش فيما هو أشبه بسباق مع الزمن من أجل الحمل، بسبب ضغوط العائلة والمحيطين، بعد أن زادت التساؤلات بشأن السبب وراء تأخر الحمل التي سرعان ما تحوّلت إلى اتهامات ولوم لم يطل سواها، لأن الشائع في المجتمع هو إرجاع تأخر الحمل إلى المرأة قبل الرجل.

بعد مرور ستة أشهر، حدث الحمل بعد أن أكد الطبيب أكثر من مرة عدم وجود أي مشكلة صحية، مشددًا على أن الأمر لا يستدعي القلق وإنما يتطلب الانتظار لبعض الوقت. بحسب (ن.س) فإن الحمل كان البداية الفعلية لمأساة ممتدة في حياتها، فقد جاء المولود بنتًا، وحينها قال البعض «المرة اللي جاية ولد» واَخرون قالوا «اللي تجيب البنت تجيب الولد»، بينما كان مجيء البنت كالطامة الكبرى بالنسبة لحماتها، فمنعت الأب من الاحتفال بالمولودة وعقد سبوع لها، وبعد مرور سنة واحدة، فوجئت (ن.س)، بإصرار زوجها وإلحاحه على الحمل ثانية، دون النظر إلى صحتها أو صحة المولودة، لأن الهدف هو «إنجاب الولد».

في ظل بيئة لا تترك للمرأة مجالًا للاعتراض أو المقاومة، أذعنت الزوجة للضغوط وحملت ثانيةً، لتصبح العائلة في انتظار توأمين. فضلت (ن.س) ألا تعرف جنس التوأمين، حتى تمر فترة حملها بسلام دون ضغوط نفسية أو مضايقات لفظية، لكن ذلك كان حلًا مؤقتًا، لا سيما أن حلم العائلة لم يتحقق، بعد أن وضعت بنتين أخريين.

تسترجع (ن.س) الساعات العصيبة التي أعقبت الولادة «حينها كنت ممزقة، لا يمكنني أن أشعر بالفرح وأنا أعلم اللوم الذي ينتظرني من زوجي وحماتي. ما زلت أذكر الجملة التي قالتها حماتي: دي مش بنت واحدة دول اتنين، مش عارفة تجيبى واد واحد بس.»

بعد فترة وجيزة، تركها زوجها وحيدة وسافر بعد أن عنفها قائلًا «أنتِ ما يتعاش معاك، مش عارفة تفرحيني وتجبيلي الواد دي مش عيشة.»

تحكي (ن.س) أنها تحمّلت الكثير من الإساءات اللفظية من حماتها التي ظلت تُحمّلها مسؤولية سفر ابنها وهجره للبيت، حتى عاد بعد ثلاث سنوات، وكان حينها الأمر المحتوم هو الحمل مرة ثالثة، على أمل أن يأتي المولود ذكرًا، وهو ما تحقق هذه المرة، لكنه لم يعش سوى ساعة واحدة.

صحة المرأة لم تكن أمرًا مهمًا بالنسبة للزوج وأمه ولكل أفراد العائلة، فالأهم هو «الولد»، ذلك الوريث المنتظر، ويبدو أن اَلم الفقد لم ينل من قلبهم كما نال منها، فمارسوا كل ما بوسعهم، لإرغامها على الحمل مجددًا، فتكرر المشهد نفسه، ووضعت ذكرًا فتوفي بعد وقت قصير من الولادة، لتعرف بعدها (ن.س) من الطبيب المعالج أن المشكلة ترجع إلى زواج الأقارب، وعلى الرغم من أنه حذرها من الحمل، لم يقتنع الزوج بكلامه وعاد يأمر الزوجة بالحمل مرة أخرى، وعندما رفضت، تعدى عليها بالضرب والإهانة. الغريب أن الزوجة لم تجد منصفًا لها في أي مرة من المرات، كانت وحيدةً في مواجهة أمواج عاتية ترتطم بها، فرضخت مجددًا وحملت فأنجبت بنتًا، ليخيم الحزن والأسى على المحيطين بها مرة أخرى، وكأنها لم تُرزق بمولود وإنما فقدته.

هزلت الزوجة بدنيًا وعاطفيًا من أجل «خلفة الواد»، ومع ذلك استمر استنزافها، وظل الإصرار على أن تحمل مرة أخرى، مهما كانت التوابع الصحية عليها حتى إن أفضت إلى الموت، وبحسب (ن.س) فقد نهرها الزوج «ياريت تموتي أحسن واتجوز واحدة تانية تجيبلي بدل الواد عشرة.»

هذه المرة كاد الحمل يودي بحياتها. تسترجع (ن.س) معاناتها خلال تلك الفترة «علي السكر والضغط طول فترة الحمل، ويوم الولادة خرج الدكتور وقالهم إنها بنت، وعرّفهم أني مش ممكن أحمل تاني، لأن ده في خطورة على حياتي، فسابني جوزي في أوضة العمليات ومشي من غير ما يطمن عليا.»

انتهت قصة الحمل الإجباري، لكن قصة الاَلم لم تنته بعد، فما زال باقيًا داخلها، وما برح الجرح غائرًا، والكلمة فقط تعيد نزفه. تقول (ن.س) «إصرار زوجي وحماتي على إنجاب الولد واتهامهم لي بأنني السبب، ولّد داخلي عقدة نفسية، وكلما سمعت عن امرأة أنجبت ذكرًا، شعرت بنقص، لذلك ابتعدت عن أفراد عائلتي، بما فيهم أختي التي أنجبت ذكورًا، لأن زوجي كان دائمًا ما يقارنني بها.»

تختتم (ن.س) قائلة «خلفة الولد هي أساس العيشة، وإذا ما جبتيش  الولد، فأنتِ ست ناقصة وعيشتك مقرفة، لولا إننا مسيحين، كنت أطلقت.»