العنف ضد النساء ظاهرة عالمية، ولا تقتصر على مكان دون اَخر، لكن دولًا دون غيرها، ترتفع فيها معدلات العنف، وتمارس صورًا هي الأسوأ للعنف المعنوي والجسدي، فتفقد النساء أبسط حقوقهن، ويدخلن في معارك متتالية من أجل انتزاع هذه الحقوق المسلوبة.

بعد أن كانت السعودية وإيران هما الأكثر ممارسة للعنف الممنهج ضد النساء، والمدعوم بالقوانين والدستور وأحكام الدين، بدأت الأولى مؤخرًا التحرر رويدًا رويدًا من قيود كبلت بها النساء لعقود طويلة، بينما ما زال العنف يقوض النساء في إيران، ولا يبدو في القريب أنها ستشهد انفراجةً كالتي تعيشها السعودية.

في مواجهة هذا العنف الضارب بجذوره في المجتمع الإيراني، تخوض النساء حربًا ممتدة، يتكبدن فيها الكثير نفسيًا وماديًا، من أجل حقوقهن المسلوبة، فهذا المجتمع يرفض حتى فكرة الاعتراف بوجود عنف ضد نسائه، ففي فبراير من العام 2017، اعتقلت السلطات الإيرانية الناشطة «فرزانه جلالي»، على خلفية نشرها لصورة لها، تظهر كتابتها على كف يدها  لشعار «لا للعنف ضد المرأة»، في إشارة لما تتعرض له النساء في إيران من عنف.

أيضـــــــًا.. «وصاية الحاكم».. رفيق دائم للإيرانيات.. و«القهر» ضريبة العيش تحت حكم الملالي

حقوق الإيرانيات منتهكة على مختلف المستويات، لا سيما الحقوق الفردية، وفي مقدمتها حرية اختيار الملبس، خاصة أن الحجاب إلزامي منذ العام 1979، في أعقاب نجاح الثورة الإسلامية وإحكام «الخميني» قبضته على زمام الأمور هناك، ومنذ فرض الحجاب على الإيرانيات وحتى يومنا هذا تتلاحق محاولات التحرر مما أرغمتهن عليه الدولة، لكن صداها يبدو قويًا في الاَونة الاخيرة، خاصة بعد أن صدر تقرير عن المركز الاستراتيجي بمكتب الرئاسة الإيرانية، في فبراير الماضي، يفيد بزيادة أعداد الإيرانيين الرافضين لإجبار النساء على ارتداء الحجاب، ويأتي نشر التقرير الرئاسي، ليكون بمثابة انتصار وإن كان محدودًا، للاحتجاجات التي نظمتها نساء ضد الحجاب في طهران ومدن إيرانية أخرى، فيما بين ديسمبر وحتى فبراير الماضيين، وذلك في إطار حملة «الأربعاء الأبيض».

احتجاجات «الأربعاء الأبيض»

قبل الأربعاء الأبيض.. «الحرية الخفية» تمرد عبر الفضاء الإلكتروني

في العام 2014، نشرت الصحافية والناشطة الإيرانية «ماسيه علي نجاد» صورة لها عبر الإنترنت، بدون حجاب، داعية النساء الإيرانيات أن يحذين حذوها، قائلة «تجرأن، تجردن منه في مكان عام للحظات، التقطن بحذر صورًا للحظة الحرية وأرسلنها لي» وقد لاقت الدعوة استجابة واسعة، وتحولت مبادرتها إلى حملة احتجاج إلكتروني، وأسست «ماسيه علي نجاد» في مايو من العام نفسه، صفحة على موقع التواصل الاجتماعي، فيسبوك، حملت اسم «الحرية المتخفیة»، لنشر صور النساء بدون الحجاب في شوارع ومطاعم وجامعات إيران وأمام البحر أيضًا، وكانت «ماسيه» قد كتبت رسالة إلى متابعيها على الصفحة، تروي من خلالها قصتها مع الحجاب وتقول في جانب منها «كنت أعرف أن خلعي للحجاب وظهوري بشعري على التليفزيون، سيسبب إحراجًا بالغًا لعائلتي، لأن القرية بكل المقيمين فيها ستشاهدني. أعلم أن هذا المنطق قد يصفه البعض بالمنطق الغبي، لكنني أعرف أن خطوة خلع الحجاب عند بعض النساء والفتيات وأنا بينهن، يرافقها الشعور بعدم الارتياح والكثير من المخاوف. للنساء اللواتي لا يؤمن بالحجاب، يبقين في جانب، وعائلاتهن وتقاليد مجتمعهن في الجانب الآخر، هناك حكومة لا تعترف بالنساء غير المحجبات. »

نجحت الصفحة في إحداث صدى واسع داخل إيران، واستقبلت، على مدار ثلاث سنوات، ما يزيد عن 3000 صورة وفيديو لنساء دون حجاب.

الأبيض احتجاجًا على الأحكام السوداء

تعيش «ماسيه علي نجاد» حاليًا في الولايات المتحدة، وهو ما يوفر لها مساحة من الأمان، تجعلها قادرة على ممارسة هذا النشاط عبر الفضاء الإلكتروني، ولذلك فهي الاسم نفسه الذي وقف لاحقًا وراء حملة «الأربعاء الأبيض»، إذ نقلت الاحتجاج ضد الحجاب القسري من الفضاء الإلكتروني إلى الميدان، وبعد أن كانت الصور تلتقط خفية وسرًا، أصبح خلع الحجاب علانية في الشوارع، وهو ما يعتبر في القانون الإيراني جريمة إخلال بالنظام العام، تستوجب العقاب.

تحت عنوان «الأربعاء الأبيض »، دعت «نجاد»  في مايو من العام 2017، الإيرانيات لارتداء ملابس بيضاء، في كل يوم أربعاء، تعبيرًا عن رفض الحجاب الإجباري في إيران، وبالفعل استجاب للدعوة العديد من النساء، وكانت «نجاد» قد قالت في رسالة إطلاق الحملة «هذه الحملة موجهة إلى النساء اللواتي يرتدين الحجاب، ولكنهن معارضات لفكرة فرضه على الآخريات، وإلى هؤلاء النساء المحجبات في إيران، ويرين أن فرضه إجباريًا يشكل إهانة. عبر التقاط صور لأنفسهن يرتدين الأبيض، يمكن لهن إظهار عدم موافقتهن تجاه الإكراه على الحجاب.»

الحملة نالت قدرًا أكبر من الاهتمام والمتابعة، بعد أن انتشر مقطع مصور في ديسمبر من العام 2017، لامرأة تخلع الحجاب في وسط شارع مزدحم، ثم تضعه على عصا احتجاجًا على فرضه قسريًا، ثم انتشرت مقاطع مصورة وصور لمشاهد مشابهة في طهران ومدن إيرانية أخرى، خلال شهر فبراير الماضي، مذيلة بوسم #الأربعاء_الأبيض، وعلى إثر ذلك، اعتقلت السلطات الأمنية العشرات ممن شاركن في احتجاجات الحملة، وأوقفت شرطة العاصمة طهران، نحو ثلاثين امرأة كشفن رؤوسهن في مكان عام احتجاجًا على قانون فرض الحجاب.

اّذان السلطة بلغها صوت الغضب.. والرد: يبقى الوضع على ما هو عليه

ما أقدمت عليه النساء الإيرانيات، من إعلان العصيان على فرض الحجاب، وانتهى باعتقالات وهجمات معنوية ومادية وحملات تشهير ضد «نجاد»، لم يمر مرور الكرام، بل إن الاحتجاجات دفعت المركز الاستراتيجي بمكتب الرئاسة الإيرانية، في فبراير الماضي، إلى إصدار تقرير يكشف أن 49.8 في المئة، من الإيرانيين يعارضون الحجاب الإجباري. ولم يخرج أي تعقيب أو تعليق على هذه النتائج من قبل مسؤول يشي بأي تغيير أو حتى تخفيف في ما فرضته قوانين ما بعد الثورة الإسلامية في هذا الصدد، كما تظل «ماسيه علي نجاد»، في ما أشبه بالمنفى الاختياري، لا يمكنها العودة إلى إيران خوفًا مما قد يلحق بها، لكن المكسب الأكبر من حملة «الأربعاء الأبيض»، هو أنها خلقت أرضية جديدة أكثر صلابة لنضال الإيرانيات في طريق انتزاع حقهن في الاختيار.