الصورة| مفيدة الطبوبي المُكلفة بمهمة في ديوان وزارة المرأة والأسرة والطفولة التونسية، أثناء حضورها اجتماعات برنامج تأهيل السجينات وتمكينهن اجتماعيًا واقتصاديًا

تلفظهن مجتمعاتهن وتُلحِق بهن الوصمة بسبب جرائم ارتكبنها عمدًا أو بدون قصد، وكأنها تسحب منهن «رخصة الحياة»، لكن الدولة التونسية وضعت نُصب اعتبارها إعادة إدماج السجينات داخل المجتمع، بعد إطلاق سراحهن من خلال برنامج تبنته وزارة المرأة والأسرة والطفولة، في هذا البلد المعروف بخطواته  الاستباقية باتجاه الإصلاح على مختلف الأصعدة، لا سيما تلك المعنية بحقوق المرأة، التي ظهرت بوادرها الأولى في خمسينيات القرن الماضي، بعد أن صدرت مجلة الأحوال الشخصية في العام 1956، لتكفل حقوقًا عديدة للمرأة التونسية، وضعتها منذ ذلك الحين في مرتبة مميزة عن قريناتها في المنطقة العربية.

على هامش الاجتماع الوزاري التشاوري لإفريقيا للعام 2018، الذي انعقد في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، تحدثنا إلى «مفيدة الطبوبي» المُكَلَّفة بمهمة في ديوان وزارة المرأة والأسرة والطفولة التونسية، وأفادتنا بأن الوزارة تولي أهمية كبرى للسجينات باعتبارهن من الفئات الهشة، التي قد تحول نظرة المجتمع إليهن، دون إعادة انخراطهن فيه، مما قد يدفعهن – كرد فعل-  للعودة إلى المسلك الإجرامي، وتتابع «لذلك اتجهت الوزارة إلى خطة تستهدف استغلال طاقات السجينات، بمختلف فئاتهن من أجل تأهيلهن لاحتياجات سوق العمل لاحقًا، بما يتلائم وقدراتهن وميولهن.»

مفيدة الطبوبي المُكلفة بمهمة في ديوان وزارة المرأة والأسرة والطفولة التونسية تتحدث إلى الصحافية سها طارق

وتردف «الطبوبي» قائلة «في هذا الإطار تنظم الوزارة نحو 31 ورشة عمل في مختلف وحدات السجون شملت تخصصات مختلفة أبرزها الحياكة والتطريز والتجميل والصناعات اليدوية التقليدية، وبعد إتمام ورش العمل، تُمنَح المشاركات فيها شهادات، تؤهلهن لإقامة مشروعات بعد إنهاء فترة العقوبة، ويأتي هذا في إطار  خطة إلحاقهن في برنامج التمكين الاقتصادي (2016– 2020)، المقرر ضمن المخطط الخماسي للتنمية.»

«لقد اجتمعنا بالسجينات وطلبنا مهن إبداء رغبتهن في التخصص الذي يفضلنه، ومن ثم نظمنا الدورات التكوينية، التي تُعلَن ثمارها رسميًا في مارس من قبل الوزيرة «نزيهة العبيدي» وزيرة شؤون المرأة و الأسرة و الطفولة التونسية.» تقول «الطبوبي»

وتؤكد «الطبوبي» أن دور الوزارة لا يقف عند حد تنظيم ورش العمل، إنما تتكفل بمتابعة السجينات المُسرحات من خلال المصالح الخصوصية للوزارة ومندوبيات المرأة والأسرة، إذ يفترض أن تتصل المرأة بعد خروجها من السجن بأقرب مندوبة في المكان الذي تقطن به، لتقوم بدورها في إعادة إدماجها مجتمعيًا ومتابعتها لتجنب انضمامها لصفوف العاطلين عن العمل.

وسجل إحصاء موثق أجرته عدة وزارات تونسية، معدلات البطالة في المجتمع التونسي لكل الفئات للعام 2015، بواقع 15.4 في المئة موزعة بنسبة 22.8 في المئة للنساء، و12.5 في المئة للرجال.

ولا يُمكن الإعلان عن حصيلة أرقام توثق عدد المشروعات المنجزة ضمن برنامج تمكين السجينات والمستفيدات فعليًا منه، كون التجربة ما زالت في أطوارها الأولى، لكنها تمضي بخطى ثابتة تستند إلى رؤية، بحسب «الطبوبي».

وتنأى وزارة المرأة والأسرة والطفولة التي تأسست في العام 1983، بنفسها عن التفرقة بين شرائح النساء التونسيات، فكما تلتفت إلى السجينات، تضع ضمن أولوياتها المرأة القاطنة بالمناطق الريفية، التي يعتقد قطاع من التونسيين أنها لا تحظى بفرص وحقوق توفر لها ضمانات اجتماعية واقتصادية لعدة اعتبارات منها؛ الفقر، وضعف مستوى التعليم، والتمسك بعادات متحفظة.

مفيدة الطبوبي المُكلفة بمهمة في ديوان وزارة المرأة والأسرة والطفولة التونسية

وكانت الوزارة قد أصدرت من هذا المنطلق، خطة عمل بدأت في تنفيذها، وأبرز محاورها، هو إيجاد سوق للحرفيات من أجل تسويق منتجاتهن ومقاومة الانقطاع المدرسي ومحو الأمية، فضلًا عن توفير خدمات النقل الآمن، وإقرار المساواة في الأجور.

ويعد مشروع «دعم القدرات للنساء والفتيات في الوسط الريفي» الذي بدأ تفعيله في مناطق؛ مندوبة وعين سلطان والفايجة، وهي مناطق تبتعد عن العاصمة التونسية، بينما تجاور حدودها الجزائر، واحدًا من دلالات عمل الوزارة، التي أشارت إليها «مفيدة الطبوبي» في حديثها، لافتةً إلى تنظيم ورش عمل عن تربية النحل ومنح مبالغ مالية لتمويل هذا المشروع بقيمة 50 ألف دينار تونسي (ما يساوي 21 ألف دولار).

وتستطرد «الطبوبي» قائلة «الطريق ما زال طويلًا أمام دعم هذه الفئات، وهو ما تعمل عليه الوزارة، التي تواجه معوقات في إنجاز ذلك، مثل: الدعم الكافي من جميع الهياكل الحكومية والوزارات نظرًا لوجود أوجه تعاون بين الوزارات الأخرى لإنجاز المخططات المرتبطة بملف المرأة، لكنها تبذل ما في استطاعتها لدعم حضور النساء في المراكز القيادية، وينجلي الدليل العملي، في منح وزارة المرأة والطفولة جائزة سنوية لأي مؤسسة حكومية أو غير حكومية تحظى بأكبر نسبة تمثيل نسائي في مواقع صنع القرار.»

وواجهت تونس التي لُقبت في منطقة الشرق الأوسط بــ «كلمة السر» بعد انطلاق شرارة الثورات العربية قبل ما يزيد عن 7 سنوات لريادتها في قيادة الاحتجاجات الشعبية، محاولات من قبل متشددين فكريًا لإلغاء قوانين تنهض بمكانة المرأة، لكن غالبية الشعب التونسي تصدى لهذه المحاولات، بسبب إيمانه الراسخ بحتمية المساواة واحترام المرأة، نتيجة تراكمات ثقافية وممارسات عملية شكلت ركنًا أساسيًا من معايشته اليومية.