تأتي التغيرات الاجتماعية في أشكال متعددة منها، التغير في القيم، الذي يؤثر بالتبعية في مضمون الأدوار الاجتماعية وهناك التغير في النظام الاجتماعي أي في المراكز والأدوار الاجتماعية، وفي إطار هذه التغيرات، تتأثر الصور النمطية (Stereotypes) في هذا المجتمع، فإما تعززها أو تبددها، أو تبدلها بأخرى.

تبقى المجتمعات عمومًا أميل لخلق صور نمطية (Stereotypes) عن الأفراد أو المجموعات، التي تخالف السائد أو تبدو أقل قوة من الأخرين، وتحولها إلى قناعة راسخة في الأذهان، تتوارثها الأجيال، أيًا كانت درجة الثقافة أو مستوى الوعي أو طريقة التربية أو مكان المنشأ، وتتحول هذه القوالب  إلى أمر واقع لا مناص من التعايش معه، يتقبله البعض اضطرارًا، والبعص الاَخر يناهضه بالقول والفعل.

طالت هذه القوالب كثير من الفئات والأفكار عبر العصور، وبصفة خاصة، لاحق التنميط «النسويات» أو «المدافعات عن حقوق النساء»، ووُضِعن في قوالب بغرض التقليل من شأنهن أو الإساءة إليهن، أو التنفير مما يثرنه من أفكار ومبادئ حتى لا تجد صدى على الأرض، وبالتأكيد مرت على مسامعنا جمل من عينة «دول مطلقات وعوانس» أو «دول عاوزين يمشوا الستات عريانة» أو «ستات مسترجلة» أو «ستات سايبة»، ومؤخرًا كثر ترديد جمل تربط بين انخراط النساء في الحراك النسوي، والفشل في الحياة الشخصية مثل الزعم بـ«أن كثير من النسويات، عانين من تجارب ذاتية قاسية وتحديدًا في إطار الأسرة، أي التعرض للعنف الأسري أو العنف على يد الشريك، وهو ما دفعهن إلى رفع لواء الدفاع عن حقوق النساء، من منطلق ذاتي أساسه التجربة الشخصية فقط.»

هذا الزعم، عادةً ما يردده مطلقوه للنيل من الحِراك عمومًا، وأحيانًا يستخدمه البعض – ومنهم نساء – لانتزاع حق الانخراط في الحراك النسوي، ممن يعايشن ظروفًا أسريةً أكثر اتزانًا، ويصبح أول سؤال يُوَاجهن به عند توصيف أنفسهن بالنسويات «وأنتوا إيه مشاكلم؟»، وهذا ينتفي وأحد أهم محاور النسوية والحراك نحو المساواة، وهو أن حصول امرأة على امتياز ما عن غيرها واعترافها به، لا يعني أنها شخصية سيئة أو لا بد من إقصائها من الحراك، بل هو إدراك واعتراف مقابل بما يسفر عنه انعدام المساواة أو وقوع العنف، على فئات أخرى من النساء.

ونتيجة كل هذه الصور النمطية، أضحى من المعهود سماع جملة مثل «أنا مع المساواة وحقوق النساء، لكنني لست نسوية.»

«ولها وجوه أخرى» تناقش هذه القضية، مع ثلاث شابات، شاركن في تدشين مبادرات نسوية، عقب ثورة الخامس والعشرين من يناير، بعد أن ساهمت الثورة بشكل مباشر في ظهور كثير من المجموعات النسوية الشابة، خرجت عن الأطر التقليدية للكيانات النسوية، ومع ذلك لم يحمهن هذا التمرد من الملاحقة بالتنميط والقولبة، بل ربما ضاعف من حدته.

ترفض «أسماء دعبيس» عضوة مؤسسة بمبادرة «بنت النيل»، التي يتركز نشاطها في محافظة البحيرة، أن يكون شرطًا على النسويات الفاعلات في العمل العام، التعرض لتجارب شخصية، حتى يصبحن ناشطات في هذا المجال، وتقول «النسوية كمنهج لا يتبناه فقط النساء، وإنما هناك رجال نسويون كذلك، يريدون أن يحدثوا تغييرًا اجتماعيًا، لشعورهم بأن انتهاكًا وظلمًا، يقع على النساء من قبل المجتمع أو الدولة.»

وتستطرد «لاحظت من خلال الأنشطة، التي تقوم بها المبادرة أن النساء وأحيانًا الرجال يتفقون مع ما تطرحه «بنت النيل»، من اَراء ولكنهم يرفضون مصطلح النسوية، وذلك بسبب التشويه الذي طال المصطلح.»

هذه القوالب والاتهامات تؤثر سلبًا على العاملات في العمل العام، وهو ماتؤكده «دعبيس» وتقول «للاَسف الشديد، نجد أن النسويات هن الأكثر تأثرًا بهذه الصورة النمطية، أتذكر إحدى عضوات المجموعة، التي فضلت الانفصال عنها، بسبب وصفها بالمجموعة النسوية، بينما تفضل هي مصطلح العمل الخيري وليس النسوي.» وتبرر «دعبيس» ذلك بالخوف من المجتمع، الذي وصفته بــ«القاسي والجلاد».

هذه القولبة عادةً ما يكون مرددوها، مدفوعين إما بعدم النظر بجدية في ما تعرضه النسويات من قضايا، أو بتعمد مهاجمة أفكارهن ورفض ما يطرحنه، كما يستخدمون هذه القوالب وسيلةً للدفاع عن أنفسهم. تتفق مع هذا الطرح «نيرة حشمت» العضوة بمجموعة «ثورة البنات» ومبادرة «قانون يحمي الفتيات من العنف الأسري»، اللتين يتركز نشاطهما على مواقع التواصل الاجتماعي، وتصف هذه الصور النمطية بالشماعة، التي يرددها الرجال في مواجهة النساء، اللاتي يحاولن انتزاع حقوقهن، ممن سطوا عليها.

وتتابع في تصريحات لـ«ولها وجوه أخرى»، قائلة إن المجتمع اعتاد ترديد اتهامات بحق النساء منذ زمن بعيد، مستشهدةً بالاتهامات، التي روجها رافضو تعليم المرأة، الذين وصفوا دعوات تعليم المرأة، بالبدع التي تخالف الدين، ونقلها المفكرون العرب عن الغرب.

في مجتمعنا نجد هذه الاتهامات ترددها النساء أيضًا، وهو ما ترى «حشمت»، أن سببه هو خوف النساء من المجتمع، إذ تخشى المرأة على ما تعتقد أنه امتيازات تحصل عليها، لأنها ليست نسوية ومنها القبول من الآخرين.

«هند حمد الله» مؤسسة مبادرة «وصلة» في محافظة بورسعيد، تقول إن هذه الأقاويل تكون أكثر صعوبة، عندما تكون النساء النسويات بالفعل لهن تجارب شخصية غير موفقة، إذ يتم التصنيف من خلال وضعهن الاجتماعي.

وتشير «حمد الله» إلى أهمية التجربة الشخصية في كثير من الأحيان في إلهام الفتيات اللاتي يواجهن ظروف مشابهة، ولا يستطعن اتخاذ القرار لأسباب كثيرة، مشددةً على أهمية وعي النسويات بهذه الصور النمطية، قبل الانخراط في العمل العام، سواء من خلال الأنشطة التوعوية أو إنتاج الأبحاث أو الأوراق، مع اتخاذ طريق وسط بين التجنب من الناحية والمواجهة أو الصدام من ناحية أخرى، الذين تعتبرهما «حمد الله» الآليات الوحيدة للتغيير  المجتمعي.