قبل بضعة أيام احتفلت «سارة» بعيد ميلادها الثلاثين، مع عدد من الأصدقاء وابنتها الصغيرة. يمر عام اَخر في حياتها، وما زالت مشاكلها مع أسرتها قائمة، وطلاقها أبعد شيء يمكنها الظفر به، وعلى الرغم من أنها تعيش حياة يسودها الركود ويكسوها الجمود، وما انفكت تبحث عن حل للخروج من النفق المظلم الذي دُفِعَت إليه بيد أسرتها قبل إحدى عشرة سنة، فإنها تتمسك بمعانقة الأمل مهما اشتدت قتامة الأيام.

«لم يكن هناك مساحة للرفض، أنا من بنات الصعيد، وحرية الاختيار رفاهية غير متوفرة لمثيلاتي، وبالتالي أذعنت لقرار أسرتي، وكان الأهم بالنسبة لي أن يقبل الزوج الذي اختاروه، أن أواصل دراستي الجامعية، وهو ما تحقق. » تبدأ «سارة» حديثها عن الحدث، الذي نزع عن حياتها السعادة لسنوات طوال.

وتتابع «كان أكبر مني بعشر سنوات، ويعمل في إحدى الدول الخليجية حيث يقضي هناك أغلب شهور العام، ولم يصطحبني معه بعد زواجنا، وكان ذلك فرصة جيدة لمواصلة دراستي، وعلى الرغم من أنه كان يأتي إلى مصر، ثلاث أو أربع مرات خلال العام، كنت بالكاد أتحمل تلك الأيام التي يقضيها معي. »

تسترجع «سارة» ذكرياتها معه خلال فترة الخطوبة «حاولت مرارًا أن أخلق أجواءً من الود بيننا، لكن جل محاولاتي باءت بالفشل؛ كان فظًا غليظًا، وكثيرًا ما اتهمني بالتفاهة والسذاجة. »

تروي «سارة» أنها عندما أخبرت أمها بأفعاله، لم تجد ردًا مٌنصِفًا، لأن الأخيرة كانت تراه شابًا “لُقطة”، واعتبرت أن الحديث عن الحب بين اثنين مقبلين على الزواج وهم وتُرفة، لأن العِشرة فقط هي السبب في نجاح أي زيجة من وجهة نظرها.

تزوجت «سارة» مرغمةً، وتحملت طبعه الحاد، على أمل أن يتغير يومًا ما، أو أن تتكيف هي مع طبعه مثل أخريات ممن خضعن للأمر الواقع، لكن شيئًا لم تستطع التكيف معه.

«كان يتعامل معي كوني مجرد جسد لإشباع رغباته الجنسية، وكثيرًا ما فعلها بعنف وقسوة، وعندما يفرغ، يدير ظهره دون أن ينطق بكلمة. أحيانًا كان يجبرني على معاشرته قائلًا: زهقان مش لا قي حاجة أعملها غيرك. وكثيرًا ما كان يستخدم ذلك كوسيلة لإذلالي؛ أذكر ذلك الصباح، الذي مارس فيه الجنس معي عنوةً قبل ذهابي للاختبار، على الرغم من علمه بأن ذلك سيؤخرني وأنني أحتاج الوقت لمراجعة المادة.» تستعيد «سارة» جانبًا من معاناتها مع الاغتصاب الزوجي.

تقول «سارة» إنها اضطرت في مرة من المرات أن تختبئ داخل الحمام، وتُغلِق بابه بالمفتاح حتى تتخلص منه، لتُفاجأ بعدها بيومين بأمها تنهرها بسبب فعلتها. لم تُصدق حينها أنه أقدم على شكياتها إلى أمها لهذا السبب، واَلمها رد فعل أمها، التي دافعت عن حق زوجها في ذلك وكادت تعتدي عليها جسديًا، عندما أخبرتها بأنها لم تعد تطيق معاشرته.

أيضــــــــــــــــــــًا.. الحرمان من الحياة: التعايش مع العنف بسبب الطلاق الْمُحَرَّم

«لم يكن بيدي شيء لأفعله؛ فتاة في العشرين من العمر، ما زالت تدرس في الجامعة، وليس لي مصدر رزق، ولا أحد ألجأ إليه، فضلًا عن أنني مسيحية، وفكرة الطلاق مستحيلة، فاستسلمت. »

بعد مرور سنة وعدة أشهر، علمت «سارة»، بحملها. كان الكل من حولها مبتهجًا، بينما تزداد تعاستها يومًا بعد الاَخر، بعد أن تأكدت أن رابطًا قويًا سيظل بينهما، وقبل أن تضع مولودتها، قرر الزوج أن ينتقلا إلى القاهرة، والغريب على حد وصفها، أنها لم تخف من الخطوة أو من الابتعاد عن العائلة والأصدقاء، وتقول «كنت بينهم، ولم أشعر بأي دعم أو إنصاف، لا شيء سيضيرني إن ابتعدت.»

«أضحت علاقتي به مأساة بالمعنى الحرفي للكلمة، أعيش مع رجل لا أعرفه، ليس لدي علم بأغلب ما يجري في حياته اليومية، وأعاشره قسرًا، وفضلًا عن ذلك والأهم أنه ليس أبًا لابنته، فهو لا يهتم بمجالستها ومداعبتها، ولا يبذل جهدًا في توفير الوقت لها، حتى عندما يشتري لها ألعابًا، يلقيها في أي مكان في البيت، ويقول لي: هذه للصغيرة» تقول «سارة»

بعد عدة سنوات، أصبح عماد هذه العلاقة، هو المال الذي يرسله شهريًا عبر التحويلات البنكية، ولم يعد مجيئه إلى مصر، يزيد عن مرة في العام، ويقضي أغلب أيام إجازته، إما مع أصدقائه في رحلات أو مع أسرته في الصعيد.

قبل سنتين، قررت «سارة» أن تنتفض ضد الاستسلام الذي أغرقت نفسها فيه، وتضع حدًا لهذا الامتهان، وأخبرته بأنها لم تعد تحتمل هذا الوضع، وتريد الانفصال عنه.

المفاجئ أن الزوج لم يزعجه ما قالت واستقبل طلبها بأريحية، وأكد أن هذا هو شعوره أيضًا، لكنه أخبرها بأنه لن يتحمل عناء ومشقة الحصول على الطلاق، ولن يذهب إلى محامٍ ليستغله ماديًا، ولن يدخل في دوامة تحويل الملة، ولن يتكبد نفقات كل هذه العملية غير الموثوق بنتائجها، علاوة على ذلك، فإنه لا يريد أن يدخل في معارك مع أسرته، التي لن تتقبل فكرة الانفصال، وإن كانت من طلبه، فلتفعل كل ذلك، ولا تنتظر منه شيئًا.

انتقلت «سارة» للعيش مع إحدى صديقاتها، التي استقلت عن أسرتها وانتقلت إلى الإسكندرية حيث تعمل هناك، وقد ساعدتها في أن تجد عملًا، براتب جيد.

لم تتوقف أسرة «سارة» عن تعقبها وتهديدها بخطف ابنتها، إذا لم تعد عن قرار الانفصال، مما اضطرها لترك بيت صديقتها واستئجار شقة، بعد أن باعت جزءًا من مصوغاتها.

«لم أتحرك خطوة واحدة في شأن الطلاق، ليس خوفًا من أهلي، وإنما بسبب التكاليف، فإن طريق الطلاق بالنسبة للمسيحيين طويل ووعر، ونتائجه غير مضمونة. أنا لست متعجلة لأن الأهم بالنسبة لي كان التحرر من هذا الزواج التعيس، وأنا أشعر بذلك الاَن، هو لا يتتبعني، ولا يكترث لأخباري، وأنا أعيش مع ابنتي وأعمل، وصار لي أصدقاء يدعمونني. لو كان سألني أحد قبل خمس سنوات: كيف ترين نفسك في المستقبل؟، كنت سأرد: في القبر، إما قتلت نفسي أو قتلتني الحسرة والوحدة.»

تبحث «سارة» عن عمل اَخر، لأن الأعباء المادية تثقل كاهلها، لا سيما بعد أن تنصل الزوج من نفقات ابنته بالكامل بعد الانفصال.

«مشكلتي الكبرى، ليست في أسرتي، لأنني اعتقد أنهم ليسوا جادين في تهديداتهم، وإنما في نظرة البعض لي، إن علموا بأنني انفصلت عن زوجي وأعيش بعيدًا عن أسرتي.»