سارة كحلة

عن الكاتبة:

عضوة مؤسسة بمبادرة «أنثى» في البحيرة،

وهي إحدى المجموعات المشاركة في حملة «جوه البيت»

 

تُرغَم النساء في مجتمعنا على كل شيء في مجالات الحياة، فالإجبار والعنف يحاوطنا سواء في حياتنا الخاصة أو العامة، وللاَسف العنف في المجال الخاص هو سبب كل ما هو عنيف في المجال العام، فنحن محاصرات بكم هائل من العادات والتقاليد والقيم الذكورية، التي ترمي بنا إلى طعنات المجتمع، دون النظر إلى أين ستذهب هذه الممارسات بالنساء؟

منذ قدومنا كإناث إلى الحياة، يتم الزج بنا إلى خانات قد صنعوها لخدمتهم حتى يوم مماتنا، نتذكر سويًا الجمل التي رددوها عل مسامعننا منذ أن كنا صغارًا، وأخذت تصاحبنا حتى وجوب تحقيقها نصًا، وإن لم نفعل ذلك سنكن شواذًا، نستحق السخرية، مثل تلك الجمل الشهيرة «عقبال ما نفرح بيكِ»، و«عقبال ما نشوفك في بيت العدل»، و«البنت مالهاش غير بيت جوزها»، جمل تظهر للبعض عادية، لكن ماَساتها تتحقق، حينما تعيشها الأنثى وتقال لها من كل رجل وامرأة، داخل العائلة أو خارجها، ونفتقر إلى جمل في الأصل أفضل بكثير مثل؛ «امتى حنفرح بتخرجك» و«عقبال افتتاح مشروعك الجديد»،  أو أي محفز يكون خاص بحياة المرأة الخاصة ونجاحها، ويستمر المجتمع في التعنيف حتي تصبحين دمية أذنها ولسانها هو مجتمعها. أتذكر جملة «سيمون دي بوفوار»: «الأنثى تولد إنسانًا ثم تُصنَع امرأة.»

فما بالنا بمن تربت في الريف أو الجنوب، تحكي لنا قصصًا وحكايات عن عنف، لم نسمع عنها، ليس استهانة بالعنف، الذي يمارس على الأنثى في المدينة، فكلنا محاصرات بعنف شديد أعدوه لنا فقط لأننا إناث، فلو تطرقنا للحديث عن نقطة واحدة، وهي التعليم سنجد أبواب مختلفة من العنف الممنهج ضد النساء، فنجد إذا كانت الأسرة، ترغب في تعليم أبنائها، ستكون الأولوية لذكور الأسرة، ثم إناثها بحجة «البنت كده كده للجواز لكن الرجل شخصية ومسؤولية» وإذا كانت الأسرة ظروفها المادية صعبة، فسنجد زواج القاصرات حلًا من حلول علاج أزمات الأسر، «كل امرأة يعولها رجل، ويبقى ذكورنا لتعليمهم، فالظروف لا تسمح بتعليم الجنسين»، فيرى البعض أن الذكور أحق بالتعليم من الإناث، فهم أنفع،  ثم نجد داخل هذه النقطة، عنفًا اَخر، تعرضت له الكثيرات، منهن من نجحت في مقاومته ومنهن من لم تنج، وهو اختيار التعليم المناسب.

بعض البنات تُرغَم عل الاكتفاء بشهادة الدبلوم، حتى تتفرغ للزواج وتعلُّم مهام المنزل والطهي، ولا تمثل مشكلة بالنسبة للأسر، أن تتحطم طموحات الفتيات وأحلامهن، حتى التي التحقت بالثانوي العام، وجاء موعد التحاقها بالكلية، تُعنف أيضًا وتُحرَم من أبسط حقوقها الشخصية، وهو اختيار للكلية المناسبة لقدراتها، فهناك بعض الكليات تكون خارج نطاق المحافظة، فتُقابل الأسرة هذا الاختيار بالرفض، لأنه من المفترض ألا تسافر البنت أو تترك بيت أبيها، وأو تبيت خارج المنزل، لأن ذلك سيضر بسمعتها وسمعة عائلتها، وهناك عدة كليات معروفة، بكونها كليات للبنات،وتُرجح كفتها بشكل كبير جدًا مثل التربية والطفولة ورياض الأطفال، والاقتصاد المنزلي، وذلك تأكيدًا على دور المرأة الشريف الذي اختاره لها المجتمع، ونرى مثلًا أنه لا يوجد للذكور مكان في طفولة أو رياض أطفال، فذلك يراه المجتمع والتعليم دور خاص بالنساء دائمًا، فالمجتمع يلصق بنا أدوارًا دون موافقتنا، وهناك كليات سيئة السمعة للبنات، مثل؛ كليات التمريض، والطب، والفنون بأنواعها. فالتمريض يؤخر البنت لورديات ليلية، ويجعلها تنام خارج منزلها ومعها أطباء رجال وممرضين ويا عالم ماذا سيحدث؟،  أما الطب فعدد سنينه تحرم الفتاة من الزواج، وربما يفوتها قطر الزواج وعند هذه النقطة، أتذكر إحداهن حصلت على مجموع 99 في المئة، وكانت ترغب في الالتحاق بكلية طب، لكن أسرتها رفضت، أملًا في الزواج، والفنون، خُلِقت كلياتها للرجال، فلا وجود لبنت محترمة داخل هذه الكليات. لقد حرم ذلك الكثيرات من حرية الإبداع، داخل مجال اختارته بإرادتها لأنها متميزة فيه، وتمتلك قدرات خاصة، ربما تصنع في مجال ما شيئًا لم يسبق أن حققه أحد.

بعد هذه الممارسات، من الممكن أن يصبح جيلًا من النساء محبطًا، لا يمتلك حرية اتخاذ قرار شخصي أو حرية إبداع في عمل ما، فهي تعوَّدت على القمع والعنف وتنفيذ أوامر أولي الأمر، وتصبح النساء منكسرات ضعيفات الشخصية، ويُحرَم مجتمعنا من طاقات إبداع دفنها عمدًا، وتظل العدالة غائبة عن للنساء، ويوَّرث العنف للاَخريات، وتورثه الأنثى نفسها للأنثى، ولا تنتهي دائرة العنف ونستمر عالقات بها.