في ضوء الــ16 يومًا الدولية من النشاط لمناهضة العنف ضد المرأة، وهي الحملة التي تستمر بين يومي 25 نوفمبر و10 ديسمبر، وتحمل شعار “اقضوا على العنف ضد النساء والفتيات”، الذي تتعدد أشكاله وصوره، يظل العنف المنزلي، الذي يرتكبه الاَباء والأخوات الذكور والأزواج، واحدًا من الأمور المحظور الحديث والخوض فيها، خاصة في الدول العربية، حيث تزداد سطوة النظام الأبوي، الذي ينظر للنساء من زاوية اجتماعية تراهن تابعًا للرجل وليست إنسانًا مستقلًا يدير حياته ويقودها، وزاوية دينية تعتبر أن المرأة لها نصف ما للرجل في كل شيء وأحيانًا ليس لها شيء، إلا إذا منحها هو إياه، ولا تنظر لها كمواطنة لها نفس الحقوق والواجبات.

فيما يلي، نستعرض شهادات لثلاث فتيات مصريات، تعرضن للعنف الأسري، يروين لــ«ولها وجوه أخرى»، تجاربهن مع انتهاكات، لا يملكن حق الاحتجاج عليها، بعد أن أصبحت في العرف الاجتماعي وفي الثقافة الشعبية، حقًا مستحقًا للرجل.

حبسوني في المنزل 15 يومًا بسبب رسالة على الهاتف

«اعتبر أن العنف ضد المرأة هو سلسلة، حلقاتها متصلة ببعضها البعض، لا يمكن أن تنفصل، أو بمعنى آخر يمكن وصفها بأنها دورة حياة تمر بها، كل فتاة في مجتمعنا العربي، من المحيط إلى الخليج بدرجات متفاوتة.»

ترى نيرمين البالغة من العمر 27 عامًا، أن مسلسل العنف ضد المرأة يبدأ منذ نعومة أظفارها، وتقول «البداية تكون بإخضاعها للختان، دون أن تدري ما الذي يحدث لها داخل تلك الغرفة، التي يقتادها إليها أقرب الناس إليها، وبينما يشتد ألمها، يتهامسون فرحين. ثم يتخذ هذا العنف أشكالًا أخرى، في مرحلة الشباب، ولكن قليلات من يستطعن الوقوف في مواجهة هذا العنف.»

لم تتعرض نيرمين التي تعمل باحثة في المجال السياسي بأحد المراكز البحثية في مصر، إلى ختان الإناث أو تشويه الأعضاء التناسلية، لكنها كانت شاهدة على عملية مماثلة، أجريت لإحدى قريباتها في المنصورة، التي تكبرها بسنة في العمر، حينها حضرت نساء العائلة،  وبصحبتهن أطفالهن، ومن بينهم نرمين، ليشهدوا على هذه الجريمة.

تضيف نيرمين «العناية الآلهية، وربما الصدفة أو الحظ أو جميعهم، أنقذني من هذا المصير، فقد رأت الداية أن جسدي صغير ونحيل للغاية، لن يتحمل هذا الفعل، فانتظرت أمي حتى أكبر، ثم تناست الأمر برمته.»

وتردف قائلة «عندما بلغت من العمر  19 عامًا، انتقلت من المنصورة إلى القاهرة، للدراسة في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، كان دافعي الأول هو التخلص من هذه البيئة، التي تحمل ضغينة تجاه كل ما هو أنثوي، ولا أدري ما السبب وراء ذلك، ربما لو لم يحرم الإسلام وأد الفتيات، لقام رجال العائلة بوأد كل بناتها، كنت أرى الكراهية لملابسنا كفتيات، وأرى في عيون الأعمام، نظرات شهوانية، ويرفضون فرحنا ويطالبوننا بخفض أصواتنا في أي مناسبة سعيدة، وفي الجنازات لا يقبلون أن يرتفع نحيب بكائنا. أصواتنا يجب أن تظل خافتة غير مسموعة.»

انتقالها للعيش في القاهرة، لم يحمها من عنف أسرتها ضدها «انتقلت إلى القاهرة للدراسة، ثم العمل. أنا لا اعتبر مستقلة بشكل كامل، ربما مستقلة جسديًا فقط، فما زلت ملزمة بالذهاب إلى بيتي في المنصورة، في نهاية كل أسبوع، وفي إحدى المرات اطلعت أمي على رسائل بيني وبين إحدى صديقاتي، على الهاتف، تطلب مني الخروج للتنزه سويًا وشرب الشيشة، فأطلعت أبي عليها، وعندها قامت الدنيا ولم تقعد، وحبسوني في المنزل لمدة أسبوع، وأخفقت كل محاولاتي، لإقناعهم بأنني مظلومة وأن صديقتي تمزح فقط.»

تتابع نيرمين قائلة «امتنعت عن الطعام، فقد كنت أريد أن أعود إلى القاهرة؛ لأنني أحب عملي أولاً، ولأنني لم أعد احتمل العيش معهم ثانيًا، لكنهم لم يفرجوا عني إلا بعد 15 يومًا، بعد تدخل العديد من الصديقات لإقناع والدي، بأنني لا أدخن.»

بحسب نيرمين، كانت هذه الفترة كفيلة بأن تقتل داخلها أي مشاعر حب تجاه أسرتها وعائلتها، خاصة أنها سمعت الكثير من التهديدات بالقتل منهم، مثل؛ “ندفنك ونخلص من عارك” و”مش هنستنى لحد لما تيجيلنا حامل.”

أتعرض للضرب من كل ذكور العائلة

«تتشابه قصص العنف في المجتمع المصري، الذي يُفَرِّق بين الولد والبنت في التربية منذ الصغر؛ أسر كثيرة لا تسمح للفتيات بالخروج بحرية، فهي في نظرهم، لا تنتظر سوى الزواج، حتى إن حصلت على أعلى درجات التعليم، ففي النهاية ستنتقل إلى بيت زوجها. أرى قصة الزواج هذه بكل تفاصيلها، مثل “بيعة وشروة”، فيها يتخلص الأب من ابنته وأعبائها، بنقلها إلى زوجها ليبرئ ضميره أمام المجتمع.» تقول سمر، البالغة من العمر 24 عامًا، وما زالت حتى الاَن تتعرض للضرب على يد والدها وشقيقيها الأكبر والأصغر، وأبناء أعمامها أيضًا.

بحسب ما ترويه سمر فإن الاعتداء عليها، يكون مدفوعًا بأسباب هاوية، وتتذكر «في إحدى المرات، كان أخي الأكبر سنًا، يستعد لدخول الحمام ويجهز ملابسه للاستحمام، وعندما سبقته إلى الحمام قبل أن يدخل، ضربني وكاد أن يكتم أنفاسي بالفوطة، كذلك والدي لا يجد طريقة للتحاور معي سوى بالضرب؛ أتذكر عندما كنت مخطوبة لأحد الأشخاص، عن طريق ما يسمى بزواج “صالونات”، وكنت أود التخلص منه بطريقة تجعله هو من يتخذ قرار فسخ الخطبة، فأخبرت والدي بنيتي تأجيل الزواج، عندها قام بصفعي أمامه، وأمطرني بسيل من السباب.»

ترى سمر أن التفسير الوحيد لاعتداء أفراد عائلتها الذكور عليها، هو تربيتهم، وتقول «لقد تربوا على مثل، يقول: أكسر للبنت ضلع، يطلع لها 24.»

سمر التي تدرس بكلية الحقوق في جامعة القاهرة، تعتقد أن التحدي الأكبر أمامها، هو ألا تنجر هي الأخرى إلى دائرة العنف، لكنها في الوقت نفسه، لا تجد مفرًا منه، فالعنف  يحاوطها في البيت وفي الشارع، وفي كل مكان.

أبي وزوجي يعايراني بمرضي

«ولدت بعيب خلقي في القلب، لم أكن أدري أنه سيكون سبب تعاستي الأبدية؛ في البداية كان أبي يدللني كثيرًا، من منطلق أنني “صاحبة مرض”، وعندما أنهيت دراستي وحصلت على دبلوم التجارة، قررت استكمال دراستي في معهد فني تجاري، فلم يمانع، على الرغم من اعتقاده الراسخ بأن تعليم البنت ليس ضرورة، فمآلها هو الزواج.»

وتضيف عبير محمد البالغة من العمر 29 عامًا، من القاهرة «بعدما أنهيت دراستي في المعهد، وبدأ توافد العرسان على بيت أبي، كان ينصحني في كل مرة بقبول العريس، لأنني “صاحبة مرض ومش هلاقي عريس يرضى بمرضي بسهولة”، فارتبطت مرتين ولم تكلل أي منهما بالنجاح.»

«كنت أقف خلف الباب، وأسمع والدي يصرح للمتقدمين بحقيقة مرضي، حتى لا يتهمه أحد بالغش، حتى خُطِبت وتزوجت وأنجبت طفلًا.»

وتردف سمر «خلال فترة حملي، كنت مريضة بالفعل، كنت متخوفة من ألا أتمكن من رؤية ابني بعد مولده، ونصحني الأطباء حينها بعدم الحمل مرةً أخرى، فضلًا عن أن بعض الأطباء كانوا يرفضون أن أتابع معهم خلال فترة حملي.»

تكشف سمر أن زوجها يعايرها بمرضها، مع كل مشادة كلامية تحدث بينهما، وكأن مرضها لعنة، لن تفارقها حتى الممات.

جميع الأسماء الواردة تم تغييرها بناءً على طلب صاحباتها