نيرة حشمت

 

عن كاتبة المقال:

ناشطة نسوية، وعضوة بمجموعة “قانون يحمي الفتيات من العنف الأسري”

 

 

عندما انطلق هاشتاج #الحرية_للمعتقلات_داخل_البيوت_المصرية، منذ أكثر من عامين، أعجبت للوهلة الأولى بوقع كلماته على أذني، حتى بدأت أقرأ التدوينات وقصص الفتيات المنشورة عبر الهاشتاج، التي توثق ما يحدث للفتيات والنساء داخل البيوت المصرية، من حبس، ومنع من الخروج. إنه الكابوس المرعب لفتيات صغيرات وكبيرات يُحرَمن من أبسط حقوقهن، وهو حرية الحركة والتنقل، يقع ذلك في أشكال متعددة منها، المنع من التعليم والعمل والسفر، وكل ما يساعد على تطورهن.

كان وراء الهاشتاج قصة فتاة حبسها أهلها ومنعوها من الخروج، حتى تمكنت صديقاتها من إيصال هاتف نقال إليها، حتى تتصل وتبلغ الشرطة بأنها محبوسة، لكن الرد عليها كان «إن أهلها يعلمون مصلحتها، وهي مخطئة بالتأكيد طالما حُبِست»، كان ذلك ترجمة لواقع الدولة الأبوية، التي ترى أننا كنساء وفتيات ملك للأهل وخاصة الذكور منهم.
أحد الحقائق المروعة عن الحبس المنزلي، تتمثل في أنه لا يقف عند حد الحبس والمنع فقط، بل يمتد حتى تصبح جدران المنزل مكان تعذيب لهؤلاء الفتيات، فمن خلال الشهادات التي دونتها صاحباتها أو شهود عليها، هناك فتيات يمنع الأهل عنهن الأدوية كنوع من العقاب، وفتيات يُسحلن ويُضربهن، وقد تُحلَق شعورهن كنوع من العقاب، وأخريات لا يُفتَح لهن باب الحجرة إلا للدخول إلى الحمام، وذلك أقسى تنازل سمح به زبانية السجن «الأهل سابقًا».
أذكر تلك الفترة التي كانت أختي وصديقاتها، قلقات بشدة على واحدة من معارفهن، بعد أن اختفت دون أثر لفترة طويلة، لم تعد تذهب إلى عملها، وإن سألن عليها في منزلها تضاربت أقوال الأهل، ما زاد من فزعهن وقلقهن، هو تصورهن أنها قد  تكون إحدى ضحايا العنف الأسري، وكانت أختي دائمًا ما تسألني، عن حل أو سبيل للوصول إليها، وذلك بحكم أنني عضوة في مجموعة تناهض العنف الأسري، وكان ردي محبطًا، فلا حل، لا قانون، لا دولة تملك إرادة الوقوف أمام تلك الانتهاكات التي تنال منا كفتيات ونساء.
لا يقف سيل حكايات الحبس أو التهديد بالحبس لدي، عند حد الهاشتاج، بل تجمعني بها فضفضة صديقات، ويجمعني بها تهديد بالحبس في المنزل، منذ زمن ليس ببعيد، إثر نقاش بيني وبين أسرتي كانت أمي من أطلقه، لا أتذكر أي تفاصيل سوى ذلك التهديد، الذي ظل أثره معي لفترة طويلة، ربما حتى الآن، لذلك تدفعني دومًا رغبة في أن أملك مالي، حتى لا أقع تحت طائلة ذلك التهديد.
حكت لي صديقة مستقلة من الصعيد في جلسة فضفضة، عن حبسها في منزلها من قبل أخوتها لمدة ثلاثة أشهر، بعد أن جرى تفتيش دولابها، وعُثِرَ على ورق يخص مجال عملها واستُجوِبت بشأنه، لينتهي الأمر بحبسها ومنعها من السفر للالتحاق بعملها الجديد، لتضيع الفرصة عليها.
وفتاة أخرى لا يُسمح لها بالسفر خارج محافظتها إلا من خلال الرحلات الخاصة بالكنيسة، لاعتبارات الأمان، ومبرر أهلها الخوف عليها من المجتمع، إذ تقلقهم فكرة السفر المختلط، ظنًا بأن الاختلاط قد يجر إلى إقامة علاقات جنسية، وعلى الرغم من ثقتهم فيها، هم لا يثقون في المجتمع، وقد مرت بتجربة حبس استمرت لأسبوعين، عندما أصرت على سفرية عمل لها، وكان عليها التنازل والقبول بعدم السفر، لتستطيع الخروج من الحبس والعودة إلى حياتها السابقة.
عبر الهاشتاج، حكت شاهدة عن فتاة توفيت، بعد أن حبسها أهلها ومنعوا عنها الأدوية، حتى تموت ليستولي أشقاؤها على نصيبها من الميراث، ولم يُحاسب أي منهم.
حكايات لا تنتهي، عن الحبس مهما اختلفت مبررات الأهل، والسبب الأساسي هو تعامل الدولة بمبدأ أبوي صرف، فيما يخص النساء والفتيات، فهي تراهن ملك للأهل، ليفعلوا بهن ما يشاؤون، فتكون هذه المساحة الواسعة لسلطة الأهل على بناتهم، هي السبب الرئيس في مصائبنا كفتيات ونساء، فعلينا كي نطالب بأبسط الحقوق، مواجهة الأهل والمجتمع والدولة، أو أن نحيا في إرهاب طوال حياتنا، خشية تسليط عقوبة الحبس المنزلي على رؤوسنا، ربما يجب علينا أن نعمل على حملة كبيرة، لدعم الفتيات في الهروب من جحيم البيوت، ولنسمها «الهروب الكبير» أو «هربت لتنجو بحياتها»، وهذه الأخيرة الأصدق والأوقع، فمن غير المستبعد أن تتنهي مرحلة الحبس، بانتهاء حياة الفتاة، إما بتدخل من أهلها أو أن تكون قد أنهتها بنفسها، وكثير من حوادث الانتحار التي تكون على شاكلة «انتحار فتاة بعد شجار مع أهلها بابتلاع صبغة أو سم فئران، إلخ» قد يكون وراؤها حبس في المنزل أو إجبار على الانتحار، خاصة في المناطق التي تحكمها سطوة القبيلة أو العائلة الكبيرة.