عن كاتبة المقال:

عضوة مؤسسة بجمعية “جنوبية حرة” في أسوان، ومسؤولة القسم البحثي بالجمعية.

 

منذ فترة ليست بالبعيدة تعالت الأصوات، وكثر الحديث عن زواج القاصرات، أو ما يُعرَف بزواج السنة، أو زواج الفتيات تحت سن البلوغ القانوني وهو 18 عامًا، جاء ذلك بعد إعلان نتائج التعداد السكاني لعام 2017، وقد أظهر ارتفاعًا في نسبة زواج القاصرات، التي وصلت إلى 40 في المئة من نسبة الفتيات المتزوجات و68 في المئة من هذه النسبة، تحت سن 16 عامًا، وأصيب المجتمع بحالة من الاندهاش تجاه الأرقام المعلنة، بينما لم نكن نرى هذه الحالة، عندما كانت ولا تزال مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات النسوية، تنادي بخطورة هذه الممارسات ضد الفتيات وتدعو إلى تطبيق القانون وتقيم ندوات توعية هنا وهناك، وتطالب بقوانين أكثر إنصافًا لحقوق النساء، فقد كانت هذه الجهود تُقابَل بحالة من الإنكار وعدم الاعتراف بأهمية وحجم المشكلة، أو عدم الرضا في  أحيان كثيرة لعدم الضرر، مثلما تُحفَظ المحاضر المقدمة في مثل هذه الحالات لعدم الضرر أيضًا، فالمجتمع لا يرى في الأذى النفسي والبدني والجنسي، الذي تتعرض له الطفلات، ضررًا يستحق أن نُعاقب عليه مرتكبيه، لأن المتضررين في الغالب من هذه الممارسات، هن النساء.
زواج القاصرات ليس مجرد مشكلة قانونية، ولكنه مشكلة إنسانية بالأساس، فهو استمرار لسلسلة ممتدة من الانتهاكات وممارسة العنف ضد النساء. نعم إنه انتهاك، فهذا زواج غير رسمي بأوراق صورية أو بعقد رسمي زُوِّرَ فيه تاريخ ميلاد الأم، وعادة ما يتم العقد على يد مأذون، لإضفاء الشرعية على (الصفقة) أو كما نريد تسميتها.

هذا ليس زواجًا، فالزواج مؤسسة قائمة على اتفاق بين طرفين، لإقامة حياة مشتركة بين طرفين بالغين وكاملي الأهلية، قادرين على إتخاذ قرار بناء هذه المؤسسة بدون أي ضغوط أو مساومات، وفي حالة زواج القاصرات (الطفلات) لا تتوافر هذه الشروط، إذًا فهذا لا يعد زواجًا، كل هذا بخلاف الأضرار القانونية التي تلحق بالفتيات أو الطفلات إذا أنجبن، فالفتاة إذا حدث خلاف أو طلاق لا تحصل على أي حقوق قانونية، لعدم وجود ما يثبت هذا الزواج منذ البداية، والطامة الكبري إذا أنجبت قبل توثيق الزواج، فهذا الطفل غير مُعترف به قانونيًا وليس له شهادة ميلاد، وبالتالي لا يحصل على الرعاية الصحية أو التطعيمات الخاصة بالأطفال بعد الولادة وغيره، حتى يتم الثوثيق، أما في حالة الانفصال ومع وجود خلافات بين الطرفين، قد يرفض الزوج تسجيل الطفل باسمه كنوع من العناد أو العقاب، وتضطر بعض الفتيات إلى تسجيل الطفل باسم واَبائهن في محاولة منهن، لضمان حقوق الطفل الأساسية، وغير ذلك الكثير من الأضرار الجسيمة التي تحدث جراء زواج الأطفال.
ترجع هذه الممارسات إلى أهمية العذرية المفروضة على الإناث، والمحرك الرئيس لزواج الأطفال يكمن في الفقر، وثمن العروس، والتقاليد، والقوانين التي تمرر زواج الأطفال، بالإضافة إلى الضغوط الدينية والاجتماعية، والخوف من تأخر سن الزواج والسبب الأقوى، هو نظرة المجتمع للنساء باعتبارهن ممتلكات، تُباع وتُشترى وتُثمَّن وتُقرر مصائرهن، وتُنقَل ملكيتهن من الأب إلى الزوج، وهكذا سواء كن تحت السن أو بالغات.
هذه هي الحقيقة وهذا هو الوعي، الذي يجب أن تدركه جميع النساء ويجب أن يتبعه ممارسات إيجابية تُرَّسخ قيم المساواة والعدالة بين النساء والرجال، حفاظًا على حقوقهن وأرواحهن أيضًا.
زواج الأطفال يعد انتهاكًا مروعًا لحقوق الإنسان ويسرق الفتيات من تعليمهن وصحتهن وطفولتهن، ويصبحن أكثر عرضةً من غيرهن للعنف من الشريك الحميم وإساءة المعاملة الجنسية، ويصبحن أيضًا أكثر عرضةً للمخاطر الصحية جراء الحمل والولادة المبكرين، كما يصبح أطفالهن أكثر عرضة للمضاعفات المرتبطة بالمخاض المبكر، وطبقًا للأمم المتحدة فإن واحدةً من أصل ثلاث فتيات في الدول النامية، تزوجت قبل بلوغ الثامنة عشر، ويأتي الحمل والولادة كأحد أكثر أسباب الوفاة شيوعًا بين الفتيات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 15 و19 عامًا
الله غالب.