كاتبات في السينما: أقلامهن تتحدى العقيدة الذكورية.. وبصمات لا يمكن إغفالها
لعبت المرأة دورًا جوهريًا خلال مسيرة السينما المصرية الممتدة لأكثر من مئة سنةٍ، وحملت على عاتقها مسؤولية وضع أسس هذه الصناعة، منذ قررت عزيزة أمير إنتاج أول فيلم روائي طويل في تاريخ السينما العربية، وهو “ليلى” في العام 1927، ولحق بها عدد من النساء اللواتي نزلن إلى الميدان، ليرسين قواعد هذا الفن، وهن؛ بهيجة حافظ، وفاطمة رشدي، واَسيا، وأمينة محمد، وماري كويني، واقتحمن مجالات الإنتاج والإخراج والتمثيل والتأليف، لكن ذلك لم يدم طويلًا، فقد انحصر حضور النساء في هذه المجالات تدريجيًا، وأصبح عدد من يقمن بهذه الأدوار محدودًا.
نستعرض فيما يلي عددًا من أبرز النسوة اللواتي اقتحمن مجال التأليف السينمائي، ونستطلع منتجاتهن، ونتعرف إلى بصماتهن في التاريخ السينمائي، وننظر إلى تأثير عدد من أعمالهن في واقع النساء.
وفية خيري
تتلمذت السيناريست وفية خيري على يد المؤلف والمخرج صلاح أبو سيف، والكاتب حلمي حليم والروائي والمؤلف السينمائي علي الزرقاني، وكان من بين زملائها، من الكتاب والمخرجين؛ مصطفى محرم ورأفت الميهي وممدوح الليثي.
من أبرز ما قدمت خيري للسينما، سناريو فيلم “القاهرة 30” الذي أخرجه صلاح أبو سيف، وهو من إنتاج العام 1966، وهو عن رواية الأديب نجيب محفوظ بعنوان “القاهرة الجديدة”، وقد شاركها علي الزرقاني في كتابة السيناريو، وتدور أحداثه في فترة الثلاثينيات، وفضلًا عن معالجة الفيلم للفساد المستشري وقتذاك، وتأثيره في نفوس المصريين خاصة المنتمين للطبقات الفقيرة، يقتحم الفيلم دواخل عدد من الشخصيات التي يدفعها القهر والظلم في ذلك المجتمع إلى قبول الموبقات، ومنهم “إحسان” التي تؤدي دورها سعاد حسني، الفتاة الفقيرة التي تضطرها الظروف المعيشية الصعبة، لترك حبيبها والإذعان لاستغلالها جسديًا وعاطفيًا من قاسم بك صاحب السلطة والنفوذ، حتى تتمكن من مساعدة أسرتها. بسبب هذا الفيلم، حصلت خيري على جائزة جامعة الدول العربية عن اشتراكها في كتابة السيناريو.
تعاونت خيري مجددًا مع أستاذها، صلاح أبو سيف، في فيلم “القضية 68″، من إنتاج العام 1968، ويتعرض الفيلم في ثناياه إلى قضية زواج الرجال كبار السن، الأثرياء من الفتيات الصغيرات، مستغلين الظروف المعيشية لهن، وتكرر التعاون مرة أخرى، عندما كتبت السناريو والحوار لفيلم “وسقطت في بحر العسل”، ثم قدمت سناريو فيلم “جنون الشباب” الذي أخرجه خليل شوقي، في العام 1975.
التعاون الأكبر للكاتبات في فترة الثمانينيات كان مع المخرجة نادية حمزة، التي شاركت مرارًا في كتابة سناريو الأفلام التي أخرجتها
حسن شاه
صحافية وكاتبة وروائية، تحول عدد من مجموعاتها القصصية إلى أفلام، مثل؛ “الضائعة” في العام 1986، من إخراج عاطف سالم، و”امرأة تدفع الثمن” في العام 1993، من إخراج حسن إبراهيم، و”الغرقانة” في العام 1993، من إخراج محمد خان، و”القتل اللذيذ” في العام 1998، من إخراج أشرف فهمي، لكن يبقى الأهم في مسيرتها، فيلم “أريد حلًا” من إنتاج العام 1975، ومن إخراج سعيد مرزوق، وبطولة فاتن حمامة، وتناولت من خلاله المشاكل الكامنة في قانون الأحوال الشخصية حينذاك، وكيف يهدر هذا القانون عمر المرأة بسبب طول إجراءات التقاضي للحصول على حكم بالطلاق للضرر، علاوة على مسألة “بيت الطاعة” التي يقرها القانون؛ وقد ساهم الفيلم في تعديل قانون الأحوال الشخصية، وصدور قانون 44 لعام 1979، لكن سرعان ما انتهى العمل به بعد أن ألغته المحكمة الدستورية العليا فى مايو 1985.
تطرقت شاه مرةً أخرى إلى قانون الأحوال الشخصية، في قصتها، التي تحولت إلى فيلم بعنوان “امرأة مطلقة” من إخراج أشرف فهمي، في العام 1986، وحاولت من خلاله كشف ثغراته، وكيف يجري استغلالها. ويبدو أن القانون وتمييزه ضد المرأة، كان شاغلها الشاغل، فتكررت الإشارة إلى ثغرات القانون فيما يتعلق بمسألة “الحضانة” في قصتها لفيلم “امرأة تدفع الثمن”.
إيناس بكر
قدمت عددًا محدودًا من الأعمال السينمائية، ويأتي في مقدمتها “نساء خلف القضبان”، الذي أخرجته “نادية حمزة” في العام 1986، ويتناول الفيلم الاستغلال الجنسي بحق الفتيات، لكن بكر لم تكرس كتاباتها السينمائية لطرح مشاكل النساء المصريات في المجتمع، وإنما ركزت في أغلب منتجاتها السينمائية على قضايا الفساد، يبرز هذا في فيلمي “شاهد إثبات” و”عشماوي”، من إنتاج العام 1987.
قدمت هبة العلايلي الرؤية والمعالجة السينمائية لفيلم “امرأة للاَسف” من إنتاج العام 1988، الذي أخرجته وكتبت له السيناريو والحوار نادية حمزة، فيما كتبت نهاد جبر القصة والحوار لفيلم “النساء” الذي كتبت له السناريو وأخرجته نادية حمزة.
سميرة محسن
بجانب عملها كممثلة، ألفت سميرة محسن عددًا من الأفلام، وأبرزها فيلم “المرأة والقانون”، الذي أخرجته نادية حمزة، وصدر في العام 1988، ويتناول إشكالية قانونية كانت قائمة وقتذاك، لا سيما القانون الجنائي في شأن عقوبة الأم التي تجد رجلًا يغتصب ابنتها فتقتله.
وفي العام نفسه، قدمت فيلم “صرخة ندم” من إخراج للمخرج محمد عبد العزيز، وكان يطرح تأثير الخيانة في حياة المرأة وانعكاساتها النفسية، ثم اختفت عن ساحة الكتابة للسينما، حتى عادت في العام 2004، من خلال فيلم “سنة أولى نصب” من اخراج كاملة أبو ذكري.
نادية رشاد
لم تكتف بكونها ممثلة، وألفت عددًا من الأفلام خلال مسيرتها الفنية، يأتي في مقدمتها؛ فيلم “اَسفة أرفض الطلاق” من إنتاج 1985، الذي كتبت له السناريو والحوار، وأخرجته إنعام محمد علي، ويطرح الفيلم التمييز بين الرجل والمرأة، الذي يعضده قانون الأحوال الشخصية، فالرجل عندما يريد إنهاء زواجه، يستطيع التطليق غيابيًا أو بكلمتين ينطقهما، حتى إن كانت المرأة لا تريد هذا الطلاق، بينما تقضي النساء سنوات في ساحات المحاكم، إن أردن الطلاق ورفض الأزواج. كتبت أيضًا فيلمًا تلفزيونيًا بعنوان “القانون لا يعرف عائشة”، أنتِج في العام 1987، وأخرجته علوية زكي.
وسام سليمان
تعتبر واحدةً من أكثر الكاتبات اللاتي انحزن للنساءـ ووضعن المرأة وواقعها في صدر أولوياتهن، على الرغم من أن مجمل إنتاجاتها حتى الاَن ثلاثة أفلام سينمائية فقط، لكن جميعها كان نسوي الطابع، فقد قدمت في العام 2004 سناريو فيلم “أحلى الأوقات” الذي كتبت قصته وأخرجته هالة خليل، واقتحم عوالم ثلاث صديقات، ليمر على مشاعرهن وأحلامهن، وأزماتهن، ثم تعاونت سليمان في فيمليها التاليين، مع المخرج محمد خان، وقدما سويًا “في شقة مصر الجديدة” في العام 2007، و”فتاة المصنع” في العام 2014، وفي الفيلمين، رسمت سليمان الشخصيات النسائية، بدرجة كبيرة من الواقعية، وأجادت في التعبير على ألسنتهن عن مشاعر ومعاناة واحتياجات، لدى كثير من النساء، فضلًا عن أن تسلط المجتمع الذكوري على اختيارات النساء وتحركاتهن وأجسادهن، كان حاضرًا في القصص التي تداخلت وتشابكت في الفيلمين.
مثلما شاركت نادية حمزة في كتابة القصة أو السناريو لعدد من الأفلام التي أخرجتها، فعلت المخرجة إيناس الدغيدي، في فيلم “عفوًا أيها القانون” من إنتاج العام 1985، الذي شاركت في كتابة قصته، ويطرح الفيلم قضية التمييز ضد المرأة في قانون العقوبات، الذي يبرأ الرجل من عقوبة القتل العمد، إذ قتل زوجته لعلة الخيانة، أما المرأة فيعاقبها القانون، بتهمة القتل العمد.
مريم نعوم
كثيرًا ما تُعرَّف بكونها “كاتبة نسوية”، سواء عندما تكتب للسينما أو للتلفزيون، حتى عندما كتبت حلقات لبرنامج تلفزيوني حمل اسم “جمع مؤنث سالم”، ظلت “مريم نعوم” المرأة التي جندت عقلها وقلمها للتعبير عن مشكلات النساء وأوجاعهن، وعلى الرغم من أن إنتاجها السينمائي حتى الاَن لا يزيد عن الفيلمين، إلا أنهما من أهم ما قدمته السينما العربية عمومًا، بشهادة نقاد وسينمائيين وأكاديميين، وأولهما “واحد صفر” من إنتاج العام 2010، ومن إخراج كاملة أبو ذكري، ويعد واحدًا من أكثر الأفلام جرأة في طرح مشكلات تخص نساء من طبقات اجتماعية متباينة، على رأسها، أزمة الطلاق والزواج الثاني للمسيحيات، الذين تمنعهما الكنيسة الأرثوذكسية، أما فيلم “يوم للستات” فقد كتبت له السناريو والحوار، عن قصة لهناء عطية، من إنتاج العام 2016، وتعاونت فيه أيضًا مع المخرجة كاملة أبو ذكري، ويتناول الفيلم قصص نساء ينتمين للطبقة الشعبية الفقيرة، تتوق نفوسهن وأجسادهن إلى الحرية، وتحت وطأة الهيمنة الذكورية والسلطة الدينية، يصبح السبيل للتحرر نفسيًا وجسديًا، هو حمام السباحة الموجود في مركز الشباب