صور | بحضور حقوقيين وممثلين عن لجنة الخمسين.. أسباب وحلول أزمة تغييب النساء عن منصة القضاء على طاولة النقاش
«إشكاليات تعيين النساء بالهيئات والجهات القضائية.. مجلس الدولة نموذجًا» تحت هذا العنوان، عقدت مؤسسة قضايا المرأة المصرية بالتعاون مع مؤسسة نظرة للدراسات النسوية، مؤتمرًا صحافيًا، تناول الناحية التاريخية، والعملية فيما يتعلق بأسباب تغييب النساء عن مجلس الدولة، كما استعرض تفاصيل دعوى المحامية “أمنية جاد الله” للحصول على حقها في التعيين، المقرر أن تُنظَر أمام الدائرة الثانية بالمحكمة الإدارية العليا، في مجلس الدولة، يوم السبت المقبل الموافق 11 من الشهر الجاري.
أحد أكبر الإحباطات في عام المرأة
وفي كلمتها خلال المؤتمر، قالت “عزة سليمان” رئيس مجلس أمناء مؤسسة قضايا المرأة المصرية، إن إشكالية تعيين النساء بالقضاء في مصر، ترتبط بأزمة أكبر، تتجسد في مفهوم الدولة عن التعيين من الأساس، إذ يرتبط بفكرة المنح من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، وذلك منذ تعيين المستشارة “تهاني الجبالي” في العام 2003، في المحكمة الدستورية العليا، ولكن لم تضع الدولة معايير محددة وصريحة بشأن التعيين للنساء، وسبل التقييم والمتابعة لهن، ونظرًا لغياب هذه الرؤية واختزال القضية في «المن» على النساء، نحن أمام إشكالية مجلس الدولة ورفضه لتعيين النساء.
أبدت “سليمان” تعجبها من إعلان العام 2017، عامًا للمرأة المصرية، فضلًا عن التزام القيادة السياسية أمام الجمعية العامة بالأمم المتحدة ،بتطبيق مبادئ الاتفاقيات الدولية لحقوق الانسان، فيما جاءت محصلة هذه الشعارات صفر.
واستنكرت “سليمان” التقارير التي خرجت من مجلس الدولة، لكشف أسباب رفض تعيين النساء كقاضيات، مشددةً على أنها تتنافى تمامًا مع دستور 2014، الذي ألزم الدولة بالمساواة بين النساء والرجال في تولي المناصب.
كما أبدت “سليمان” انزعاجها من غياب المجلس القومي للمرأة عن معركة تولي النساء للمناصب القضائية، في مجلس الدولة، على الرغم من أن ذلك يأتي ضمن التزمات المجلس الأساسية، بصفته الاَلية الوطنية، التي ترسم سياسات النهوض وتمكين النساء بمصر.
شهد المؤتمر حضورًا كثيفًا للحقوقيين والناشطات النسويات، والصحافيين، وممثلين عن لجنة الخمسين التي صاغت الدستور المصري، والشباب والشابات
مقاومة لا تخمد مهما طالت المعركة
أوضحت”مزن حسن” مدير مؤسسة نظرة للدراسات النسوية، أن أزمة تعيين النساء كقاضيات مثارة منذ الخمسينيات، عندما بدأتها الدكتورة “عائشة راتب” للتعيين في مجلس الدولة، ثم “كريمة حسين” وصولًا إلى “فاطمة لاشين” ومعركتها مع التعيين في النيابة العامة، مع استمرار الرفض من جانب بعض المؤسسات القضائية والتنفيذية تجاه مطالبات النساء للانضمام إلى القضاء، مؤكدةً أن هذا لم يمنع نضالهن خلال الخمسين سنة الماضية.
وتابعت “حسن” قائلة إن النساء حققن عددًا من الانتصارات في معركتهن لأجل الوصول إلى منصة القضاء، ونجحن في التعيين بالنيابة الإدارية، ثم وصلن إلى منصة المحكمة الدستورية العليا في العقد الأول من الألفية الجديدية، بعد تعيين المستشارة تهانى الجبالي، وتم تحويل عدد من القاضيات من النيابة الإدارية إلى قاضيات منصة جنائية، إلا أن أزمة المرأة مع مجلس الدولة والنيابة العامة ما زالت قائمة.
واعتبرت “حسن” أن موقف مجلس الدولة غير منطقي ويتعارض مع نصوص الدستور المصري، الذى أعطى النساء أحقيةً في تولي جميع المناصب العامة، مشددةً على أهمية دعم قضية الفتيات خريجات الحقوق وعلى رأسهم “أمنية جاد الله”.
من جانبها استعرضت المحامية “أمنية جاد الله” رحلتها للحصول على حقها في التعيين في مجلس الدولة، قائلة ” إشكالية تعيين المرأة بالقضاء، لم تُحل بعد، وليست على أجندة المسؤولين عنها أو القائمين على حلها، على الرغم من أنه «عام المرأة المصرية»، كما أعلنه رئيس الجمهورية، وقد انقضى نصف هذا العام، دون أي تغيير إيجابي يذكر.”
استرجعت “جاد الله” أبرز محطات معركتها، التي بدأت قبل نحو 4 سنوات، وتحديدًا في 30 يناير من العام 2014، عندما تقدمت في الموعد المحدد لسحب ملف المجلس لشغل وظيفة مندوب مساعد بمجلس الدولة، ولكنها فوجئت بموقف المجلس الرافض، على الرغم من أن المستشار “فريد نزيه تناغو” رئيس مجلس الدولة حينئذٍ، كان قد صرح قبل أيام من إقرار دستور 2014، بأنه بعد إقراره، سيقبل المجلس أوراق الخريجات لشغل وظيفة مندوب مساعد فيه، لكن ما حدث كان العكس تمامًا.
واستطردت “قمتُ بعمل تظلم بمكتب رئيس مجلس الدولة مع أكثر من 20 فتاة، وحررنا محضرًا في قسم الدقي لإثبات الحالة ومطالبة المجلس بإلغاء القرار السلبي بامتناعه عن تسليم الملفات للخريجات أسوة بالخريجين، في مخالفة صريحة للمواد الدستورية.”
وسردت “جاد الله” بالتفصيل، رحلتها داخل أروقة المحاكم، بحثًا عن حقها خلال هذه السنوات، لافتةً إلى أنها ما زالت تبحث عنه وعن حق كل فتاة تسعى للتعيين في مجلس الدولة.
أزمة مجتمع بالكامل تتحكم فيه الأهواء
من جانبه قال الدكتور “عمرو الشوبكي” المفكر السياسي، إنه من المحزن أنه لم يمر سوى وقت قصير، منذ إقرار دستور 2014، ومع ذلك يجري انتهاك مواده وعدم احترامها والتعامل معها بهذا التجاهل، لافتًا إلى أن رفض مجلس الدولة تعيين النساء، يعد أحد أبزر هذه الانتهاكات، لا سيما بعد أن اعترف الدستور بهذا الحق، خاصة في نص المادة 11.
ويرى “الشوبكي” أن اشكالية تعيين النساء في مجلس الدولة، تعكس أزمة المجتمع ككل، الذي غاب فيه تكريث الحقوق وتطبيق القانون كقاعدة عامة مجردة، ومن ثم تتولد أزمة التمييز بين المرأة والرجل، والمسلم والمسيحي، وأصبح رمز العدالة معصومة العينين، غائبًا على أرض الواقع.
وطالب “الشوبكي” بضرورة إقامة حوار مجتمعي حقيقي مع القضاة والرافضين لفكرة تعيين النساء في مجلس الدولة، والاشتباك مع الواقع بشكل حقيقي، لتفكيك الأفكار الرجعية التي تتناقض مع الواقع والدستور.
من بين أبرز الحضور؛ جورج إسحاق عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، والكاتبة الصحافية كريمة كمال، والصحافي عبد الله السناوي واَمال عبد الهادي العضوة بمؤسسة المرأة الجديدة
الظفر بالحقوق معاركه طويلة العمر
فيما عبرت الدكتورة “منى ذو الفقار” عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، عن تفاؤلها، على الرغم من الصعوبات التي تواجهها “أمنية جاد الله”، مستشهدةً بتجربتها في النضال، منذ الثمانينيات، في المطالبة بالمساواة بين النساء والرجال في التعليم والعمل ومحو الأمية، مشيرةً إلى أن أول حملة طالبت بأحقية النساء في منصة القضاء، انطلقت في العام 1988، ولم تؤتِ ثمارها الإ في العام 2000 .
وشددت “ذو الفقار” على أن معركة تغيير أفكار وموروثات المجتمع تحتاج إلى وقت طويل، ومثابرة حقيقية، لتنجح النساء في النهاية، حتى إن تحقق لها ما أرادت بعد 20 سنة.
وتسترجع “ذو الفقار” واحدة من أهم معارك النساء في أواخر الثمانينيات، وهي السعي للنص فى عقود الزواج على شروط تضعها الزوجة، سواء فيما يتعلق بعملها وتعليمها، ولم يتحقق هذا الإ في مطلع الألفية الجديدة، وهو ما حدث أيضًا في معارك قانون الخلع الذي صدر في العام 2004، وقانون أحقية الأم في منح الجنسية المصرية لأبنائها.
وأكدت أنها تثق في أن أزمة خريجات كلية الحقوق مع مجلس الدولة في طريقها للحل قريبًا، ولن تستمر لسنوات طويلة مثل المعارك السابقة، خاصة فى ظل وجود مواد دستورية وقوانين منصفة تستند إليها المرأة الاَن على عكس الوضع إبان سريان العمل بدستور 1971.
ليس هل؟ ولكن متى؟
من جانبه قال المستشار “محمد سمير” المتحدث باسم النيابة الإدارية، إنه لايصح أن يكون السؤال، هل يصح أن تعتلي المرأة منصة القضاء؟، بل يجب أن تكون الصيغة، متى ستعتلي المرأة منصة القضاء؟، خاصة في ضوء تاريخ طويل من ريادة مصر في دعم وتمكين النساء.
وأكد “سمير” أنه يتوقع أن تنجح النساء فى الالتحاق في مجلس الدولة قريبًا، مشددًا على أن النساء قادرات على ذلك، والدليل هو ما ظهر خلال الانتخابات سواء الرئاسية أو البرلمانية، إذ تؤدي الكثير من القاضيات دورهن مثل الرجال، ويسافرن إلى محافظات عديدة ويبلين بلاءً حسنًا.
خرج المؤتمر بتوصيات، تطالب بضرورة تفعيل مواد الدستور التي تؤكد على مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص لكل المواطنين فى تقلد الوظائف العامة، وإنهاء السياسات التمييزية ضد النساء، وإلزام الجهات القضائية بتعيينهن وفقًا للمواد (11، 53 ) من دستور 2014.
كما شملت التوصيات مناشدةً إلى الجهات والهيئات القضائية، بضرورة إصدار مسابقات التعيين بالصيغ التي تشمل النساء والرجال، وتعديل قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972 وقانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972، بما يلغي كافة الصياغات التي تدمج المسمى الوظيفي بالرجال فقط، والتأكيد صراحة على تعيين النساء فى المذكرة التوضيحية لمشروعات القوانين المعدلة .
وأخيرًا مطالبة رئاسة الجمهورية والمجلس الأعلى للقضاء، بتوجيه خطابات رسمية إلى رئيس مجلس الدولة والنائب العام تطالبهم بتطبيق مواد الدستور التي تنص على القضاء على كافة أشكال التمييز ضد النساء وتعيينهن بالجهات والهيئات القضائية.