كانت وما زالت قضية «تعدد الزوجات» محل خلاف دائم داخل المجتمع المصري، الذي ينقسم ما بين مؤيد، ينظر له باعتباره حقًا شرعيًا وأصيلًا للرجل دون تقييد، ومعارض يراها شكلًا من أشكال الخيانة المُشرَّعة.

استشاري نفسي: قبول الزواج الثاني أو تعدد الزوجات، أسبابه إما مادية أو بحثًا عن مكاسب اجتماعية

خلال الفترة الأخيرة، ضجَّت القنوات التلفزيوينة والصحف المطبوعة والإلكترونية، بأخبار عن حملة أطلقتها سيدة تدعى “رانيا هاشم”، بعنوان “زوجي زوجك”، التي كانت قد أصدرت كتابًا بعنوان “التعدد شرع”  تدعو فيه وتشجع النساء على قبول فكرة «تعدد الزوجات»، لأنها تراها الحل لكثير من أزمات السيدات اللواتي تأخر زواجهن والأرامل والمُطلقات، فضلًا عما عددته من مبررات تدفع المرأة للدفاع عن التعدد وليس القبول به فحسب، من وجهة نظرها، كارتياح النساء من الإرهاق البدني، الذي تتحمله إن كانت الزوجة الوحيدة للرجل، وتقليل الضغوط النفسية، التي تتعرض لها بسبب تواجده بشكل دائم في حياتها.

للاَسف لاقت الحملة قبولًا بين قطاع من النساء وبالقطع بين قطاع أوسع من الرجال، وهو الأمر الذي يستدعي التوقف أمامه، والنظر إلى ما يحيط بذلك من أسباب نفسية واجتماعية.

المطالبة بتقييد «تعدد الزوجات»، انطلقت مع بداية القرن العشرين، ولم تهمد حتى الاَن، فقد طالبت رائدات النسوية مرارًا بأن يكون الزواج والطلاق بيد القاضي فقط، حتى لا يلقي الرجال كلمة “الطلاق” على عواهنها، لكن تبقى الدعوة الأكثر أهميةً ووضوحًا في هذا الصدد، تلك التي أطلقها الإمام “محمد عبده” قبل مئة عامٍ، عندما أكد حق الحاكم في منع «تعدد الزوجات»، وكتب في ذلك قائلًا “فإذا غلب على الناس الجور بين الزوجات، كما هو مشاهد في أزماننا أو نشأ عن «تعدد الزوجات» فساد في العائلات وتعد للحدود الشرعية الواجب التزامها وقيام العداوة بين أعضاء العائلة الواحدة وشيوع ذلك إلى حد يكاد يكون عامًّا جاز للحاكم رعاية للمصلحة العامة أن يمنع «تعدد الزوجات» بشرط أو بغير شرط على حسب ما يراه موافقًا لمصلحة الأمة.”

لم يتحرك الماء الراكد، إلا مع تعديلات قانون الأحوال الشخصية، وتحديدًا القانون 44 لعام 1979، الذي يُعد محاولةً غير مكتملة، لتقييد الحق المطلق للزوج في الزواج على زوجته، لكن سرعان ما انتهى العمل به، بعد حكم المحكمة الدستورية العليا، بعدم دستورية مواده في العام 1981.

“أميرة” تبلغ من العمر 29 سنةً، تعمل كمهندسة، ارتضت أن تكون زوجة ثانية بعد طلاق سابق. تتحدث الزوجة الشابة عن أسباب قبولها بذلك قائلة إن هذا الزواج يتوافق مع الشريعة الإسلامية ومبادئها، التي لا ُتحرِّم التعدد، لكن جانبًا اَخر دفع “أميرة” للقبول بهذه الزيجة، وهو اعتقادها أن فرصها في الزواج تقل كلما تقدم بها العمر.

تزعم “أميرة” أنها تؤيد حقوق المرأة، ولكن تلك التي لا تتناقض والشريعة الإسلامية، وفي الوقت نفسه تؤكد أنها لا تريد أن ترى زوجها متزوجًا للمرة الثالثة، ومع ذلك لا تملك الاعتراض، لأن الدين يحلل له ذلك، وفق رؤيتها للنص القراَني.

عزة كامل: هناك  تيار يبذل قصار جهده، لإعادة النساء إلى الوراء

أما “رنا.ع”، فتاة عاشت في كنف أسرة، ارتضت فيها الأم بأن يتزوج الأب ثانيةً، وتسترجع قصة زواجه الثاني “تزوج أبي ثانيةً، قبل نحو 15 سنةً، كنت في الرابعة عشرة وقتها، والغريب أنها كانت صديقة لأمي، ولم يمض على طلاقها سوى سنتين، كنت أحبها، فقد كانت ترافقنا في  النادي، والحفلات، وحتى الرحلات خارج مصر. ”

وتتابع “الغريب بالنسبة لي، كان موقف أمي، التي قبلت بذلك الوضع، فعندما أعلمها أبي بزواجه، بعد سنة قضاها متزوجًا بصورة سرية، لم يكن يخبرها ليخيرها بين البقاء معه أو الطلاق، بل أخبرها أن فكرة تطليقه لها غير قابلة للطرح، لأنه يريدها ويريدنا في حياته بهذا الشكل، وبالفعل بعد فترة اضطرابات وخلافات بينهما، قبلت أمي بالبقاء زوجةً له، مشترطةً أن تظل حياتنا على الصعيد المادي كما هي، وألا تتأثر حياتها أو حياتي أنا وشقيقتي.”

بحسب “رنا”، فإن علاقتها بوالدها لم تتأثر كثيرًا، بعد زواجه الثاني، وبعد أن أضحى يقضي أغلب وقته مع أسرته الجديدة، لأنه كان بعيدًا عنها قبل أن يحدث ذلك، إلا أن علاقتها بأمها ازدادت قوةً وصلابة، وبعد أن كانت مشاعرها محايدة تجاه والدها، باتت مشاعر امتعاض وغضب من ذلك الرجل، الذي لم يفكر سوى في نفسه، ولم يرض سوى شهواته، على حد تعبيرها.

تروي “رنا” أن علاقة والديها ببعضهما البعض، أصبحت باردة وجامدة، وأغلب تفاصيل حياتهن، أصبحت تتعمد إخفاءها عنه، وازدادت الفجوة مع نجاح أمها مهنيًا وأكاديميًا.

“اتفهم أن تقبل ربة منزل من الطبقة الفقيرة، منطق الزوجة الثانية، لأنها تحتاج إلى وجود الرجل بسبب مجتمعها، وفي حاجة إلى ماله، وعلى الأرجح لا تملك حق الرفض، وقد تكون مدجنة بأفكار من عينة «الحق الشرعي»، لكن لم أكن أفهم وما زلت لماذا يحدث هذا في بيتي، وتقبله أمي التي تنتمي إلى الطبقة المتوسطة، وتعمل في مجال تصميم الديكور، وحاصلة على الدكتوراة في تخصصها، حتى اكتشفت أن حالات عديدة مثل حالتنا، واعتقد أن السبب وراء قبول أمي بذلك، كان الخوف من الدخول في مشاكل مع أبي بعد الطلاق، قد تجبرها على تحمل مسؤوليتنا المادية كاملة، لقد أرادت لنا أن نبقى في نفس المستوى المرَّفه.” تقول “رنا”

تعتبر “رنا” ذلك تضيحةً من أمها، حتى إن كانت لا تتفق مع ما اختارته، ولو كانت في نفس الموقف ما قبلت بما قبلته، مؤكدةً أنها تتمنى أن ترى منعًا لـ«تعدد الزوجات»، مثلما هو الوضع في تونس، لأنه بالفعل يدمر الأسر، ويترك الرجال لشهواتهم دون قيد.

من جانبها تقول الدكتورة “عزة كامل”، مدير مركز وسائل الإتصال الملائمة من أجل التنمية، إن هناك تغولًا كبيرًا للتيار المحافظ والسلفي المتشدد داخل المجتمع المصري بشكل عام، وفي ضوء هذا، يمكن أن نجد تفسيرًا لمثل هذه الظواهر، مضيفةً أن هذا التيار يسيطر أيضًا على القنوات التليفزيونية والمحتوي الذي تقدمه.

وتلفت “كامل” إلى وجود تيار يبذل قصار جهده، لإعادة النساء إلى الوراء، دون النظر إلى ما حققته الحركة النسوية من مطالب ومكتسبات، استغرقت سنوات كثيرة للحصول عليها.”

وبشأن الحملات التي تدعو النساء إلى قبول فكرة التعدد، تستنكر “كامل” صعود مثل هذه المطالبات في العام 2017، الذي أعلنته السلطة السياسية، عامًا للمرأة المصرية، وتضيف “بدلًا من الحديث عن تمكين المرأة سياسيًا أو العدالة في الأجور، أو مناقشة قوانين لمناهضة العنف ضد المرأة، نجد نقاشات عن قضايا تثير حالة من الجدل المجتمعي، يُفترَض أن المجتمع  بصفة عامة والمرأة بصفة خاصة، تخطت هذه المرحلة.

وعن أسباب قبول المرأة بهذا الأمر، ترى “كامل” أنه لا يمكن حصر الأسباب وراء قبول «تعدد الزوجات»، لأنها متعددة ومتشعبة، مشيرةً إلى أن تحليل الأمر من الناحية الدينية، هو مبرر لمن يترضى بهذا الأمر، وتبرير الأمر بمواجهة  ما يسمى بــ”العنوسة”، هو محض هراء، لأن ثمة رجال يتجاوزون الثلاثين، دون زواج، وبالتالي فالأمر ليس قاصرًا على المرأة.

تقبُّل امرأة أن يعيش شريكها مع امرأتين أو أكثر في الوقت نفسه، تستدعي التوقف أمامها، ويظل العلم يقدم أطروحات مختلفة بشأن التحليل النفسي، لهذا السلوك، الذي قد يصل إلى الترويج لهذا النمط.

يرى الدكتور “خليل فاضل” الاستشاري النفسي، إن قبول الزواج الثاني أو تعدد الزوجات، أسبابه إما مادية أو بحثًا عن مكاسب اجتماعية وقد يكون السبب هو الرغبة في الاتحاق بركب المتزوجات، هروبًا من البقاء بدون زواج أو  هروبًا من حياة ضاغطة أو ظروف صعبة، وقد تكون المرأة مُرغمةً على ذلك.

ويتابع قائلًا “قبول المرأة أن تكون زوجة ثانية، له دوافع نفسية مختلفة، لكن الدور الأكبر في التنشئة والتربية، فقد تكون هي ابنة الزوجة الثانية، وبالتالي تتعاطف مع الأمر، وقد تكون الفكرة مطروحة لدى الأهل أو المجتمع الصغير الذي يحيط بالبنت، بالإضافة إلى وجود تجارب سابقة من الأقارب، ثم تأتي النظرة الاحادية للزواج، مثل النظرة المادية أو المكسب الاجتماعي الذي يعود عليها منه، خاصة لو كان الرجل صاحب منصب رفيع أو ثري، أو الرغبة في تكوين أسرة أو الانجاب على حساب الاحتياجات العاطفية لها كامرأة، والظروف المعيشية الجديدة مثل؛ تأمين الحياة، والنجاة من الالتزام الكامل نحو الحياة الزوجية (نصف  زواج)، والتمتع بالسفر والتنزه، وهو ما يفسر قبول بعض نساء الطبقات العليا لـ«تعدد الزوجات».

من ناحية أخرى، يكشف “فاضل” أن الوقوع في حب رجل متزوج، من الناحية النفسية، يعني البحث عن أجزاء ناقصة في النفس، أي احتياجات نفسية غير مشبعة، ويوضحها قائلًا “عند وجود فارق كبير في السن بين الطرفين، وإن كانت الفتاة عشرينية، فهي تشعر تجاه الزوج الأكبر سنًا بمشاعر الأبوة، وذلك في حالات؛ الأب المتوفي، أو اتساع الفارق العمري بين الأب وابنته، مما يؤدي إلى غياب التواصل العاطفي، أو إن كان الأب قاسيًا، أو لانشغاله بعمله أو لعلاقاته العابرة، أو لبقائه بعيدًا عن أسرته، فضلًا عن وجود صورة ذهنية تروج لتفضيل الزواج من رجل متزوج لأفكار تتعلق بحماية النفس والسند، الاستقرار، مشددًا أن كل ذلك يعود إلى وجود تشوه في فهم الزواج.

ويشرح “فاضل” بعض الأسباب التي تقود المرأة إلى السماح لزوجها بالزواج بامرأة أخرى، مثل أن تكون العلاقة بينهما غير صحية، وترغب في الخلاص من بعض أعباء هذه العلاقة، أما المرأة التي تدفع زوجها إلى الزواج، عادةً ما يكون لديها علم أنه سيفعل ذلك بنفسه، عندها تقرر القيام بذلك حفاظًا على كيانها وحتى تظهر أمامه كامرأة مثالية، ويتمسك بها.

ويشير الدكتور “خليل فاضل”، مؤلف كتاب “البوح العظيم” إلى أن الحملات التي تظهر عبر الوسائل الإعلامية على اختلافها، أو قيام بعض الشخصيات الاجتماعية أو المشهورة بنفس الأمر، سواء قبول أو ممارسة التعدد، لديهم معايير تتعلق بالشهرة كأولوية بالدرجة الأولى، عادةً ما يكون الحفاظ عليها على حساب أمور أخرى مهمة، لكن يتعين عليهم التنازل عنها.