من غير المنصف أن نرى ونتحدث عن الحالة التى تنتشر فى ريف وصعيد مصر مجرد مشكلة و إنما هى أزمة إستوطنت بين الأهالى جيلًا وراء جيل، التهاون من قبل الأسر في استخراج شهادات الميلاد لبناتهم تحديداً والذى يبرروه بأن حياة الفتيات لا تستلزم تلك الشهادات وستستمر بلا أى عائق رغم أن الألف فى أبجدية الحياة لأى شخص “شهادة الميلاد” التى تثبت وجوده من الأصل فى الحياة، فضلاً أنها الضمانة الأساسية للتعليم والإرث والعمل أيضًا ودونها لا بطاقة رقم قومى التى هى الأخرى تعد أهم وأهم وثيقة فى حياة الفرد.

32037592260167 مشكلة عدم استخراج شهادات الميلاد تقترب من كونها ظاهرة خاصة بالنسبة للفتيات في الريف والصعيد حيث تستمر أعداد البنات غير المسجلات أعلى من أعداد البنين غير المسجلين بما يعني أن نظرة المجتمع الريفي المحلي لم تتقدم وأنه لايزال ينظر للفتاة على أنها تأتي بعد الفتى..‏ وأنها مواطنة من الدرجة الثانية‏.‏

والسؤال القائم دائماً كلما طرحنا تلك الإشكالية هل هذا هو الدافع الوحيد الذى يدفع الأهالى للإمتناع عن إستخراج هذه الوثيقة؟ أم هناك أسباب أخرى؟
والحقيقة أن الأسباب تتعدد و تتفرع وربما تجتمع الظروف القاسية التى يعانيها أهالى الصعيد والريف لتودى بنا إلى هذه الظاهرة
1.زواج القاصرات
تسهيل زواج البنات بدون التقيد بسن قانونية يعد من أهم الأسباب، فلا يتقيدون بالسن القانونى و يكتفون باصدار شهادة تسنين فقط كبديل لشهادة الميلاد لاغتيال براءة الفتيات التى لم تتجاوز ال 18 سنة و لا أحد يعى مدى المخاطر النفسية والجسدية التى تتعرض لها الفتيات لمجرد رغبة ولى الأمر فى التخلص من مسئوليتها أو التزامًا بتقاليد رجعية متخلفة
2. التمييز ضد البنات
مازالت نظرة المجتمع الريفى للفتيات أنهن أقل من الرجل أو نصفه، هى فرد “درجة ثانية” وكثيرًا ما تكون شهادة الميلاد بالنسبة للأسرة التى تفضل الذكر على الأنثى شئ من الرفاهية و أمر غير وجوبى للفتاة
3. الحرمان من التعليم والميراث
حينما يستفحل المجتمع الذكورى فى ظلمه يأتى حرمان الفتاة من شهادة ميلادها أول خطوة نحو سلسلة متلاحقة من الحرمان، أهمها الحرمان من التعليم ومن ثم الحرمان من الميراث والحرمان من إمتلاك أى شئ والحرمان من الحقوق الاقتصادية وكلما بحثت فى درب تجد غياب شهادة الميلاد وبطاقة الرقم القومى عائق فى وجه المرأة فى مختلف دروب حياتها.
4. المصروفات
أحد أبرز العوامل يكون تكلفة استخراج شهادة الميلاد و ما يلحق بها من إكراميات وغرامات إذا تأخر إستخراجها عن المدة المحددة “15 يومًا” غير تكلفة الإنتقالات والأوراق المطلوبة وخاصة أننا لدينا معدلات الفقر ترتفع بصعيد مصر وهناك قرى تعانى فقراً مدقعاً فلا تستطيع تحمل حتى نفقات شهادة الميلاد
مع العلم أنه فى حال تأخر تسجيل المولودة بعد الفترة القانونية يكمن ان تصل التكلفة الى 230 جنيه.
5. الاجراءات
بسبب صعوبة استخراج شهادة الميلاد يهملها الأهالى حيث يتعين عليهم أن يمروا على العديد من الهيئات الحكومية و القيام بالكثير من الخطوات‏ وهناك دراسة خلصت إلى وجوب أن يمر المستخرج للشهادة بحوالى 18 خطوة فى هذة الحالة .
6. العادات والتقاليد
صدق أو لا تصدق .. هناك بين أهالى الصعيد وقرى الريف حتى الاَن من إذا استخرج شهادة ميلاد لطفله الأول وتوفى تبدأ حالة “التشاؤم” فى التسرب وإلصاقها بأن شهادة الميلاد كانت “شوؤم”
لذا تقرر الأسرة ألا تستخرج شهادة ميلاد للطفل الثانى و فى حالات أخرى يموت والد الطفل بنت كان أم ولد فلا تفكر الام فى استخراجها.
فضلًا عن تجاهل إثبات ميلاد الفتاة يعد أمرًا مقبولًا بين الكثير من العائلات توراثًا نتاج النظرة الدونية للمرأة.
7. العار
من أهم الاسباب التى تدفع الأهالى لإخفاء انجابهم للبنات هى فكرة العار و التى لازالت تقبع فى الكثير من البيوت الصعيدية ، فلازالت لا تتساوى مع الولد فى أى شيء، وهذا ما يدفع الكثير من الأسر الصعيدية إلى اللجوء إلى القابلات والولادة فى المنزل و يتضح ذلك إذ أنه لا زال ما يفوق ال40 % من حالات الولادة بالريف والصعيد تتم بالبيوت على يد القابلات وليس فى الوحدات الصحية
8. العوامل الجغرافية
بُعد الوحدة الصحية أو السكن في مناطق نائية حيث تقل أو تنعدم الخدمات لذا ينبغي توفير الخدمة على مستوى الجمهورية من أقرب الى أبعد مكان.
9. غياب ولى الأمر
غياب ولى الأمر اثناء الولادة و اثناء فترة الخمسة عشرة يوما الأولى و عند عودته يتعرض للتحقيق ويحرر له محضر‏
وللخوف الاهالى الشرطة يهملون استخراج شهادة الميلاد للإبتعاد عن المشاكل فلماذا تعرض الأسرة نفسها للتحقيق.
10. غياب الوعي

من الأسباب التى تشترك فى تجاهل الاهالى لإستخراج شهادات الميلاد سواء ذكور أو إناث غياب الوعي المجتمعي نتيجة الأمية المتفشية كالورم السرطانى فى جسد الصعيد مما يجعل عدم إدراك أهمية شهادة الميلاد واَثارها على حياة الفتاة أمرًا طبيعيًا.