ليس للمقاومة قاموس موحد، أو طريق محدد يجب أن نسلكه. وقد تُقمَع بذور المقاومة، بسبب تكاتف المحيطين لخنق رقابنا بحبل الذكورية، الذي كلما ظننا أننا على وشك التخلص منه، وجدناه يلتف أكثر حول رقابنا، فهل ننجح في قطع الحبل ونتنفس الصعداء يومًا ما؟

“هدى” شابة في العقد الثالث من العمر، تعمل بمجال خدمة العملاء في إحدى شركات الإتصالات، منذ تخرجت من كلية التجارة، مثل جميع النساء المصريات، تتعرض يوميًا للتحرش الجنسي، ولا تسلم منه في الشارع أو العمل، فضلًا عن معايشتها للعنف اللفظي داخل المنزل.

تستيقظ “هدى” يوميًا في السابعة صباحًا، لتبدأ معاركها اليومية، بداية من الشارع، بعد أن تستقل سيارتها، فتلاحقها عبارات من عينة؛ “السواقة مش للستات” و”مين اللى علمكوا السواقة” أو من يطلق السباب والألفاظ النابية لأن قيادة المرأة في نظره سبب كل مشاكل الزحام والطرق، فضلًا عن هؤلاء الذين  يتحرشون بها، ويلاحقونها بسياراتهم، ولا تنتهي هذه المعركة، إلا عندما تصل إلى مقر عملها، لتبدأ معركة أخرى.

ترد “هدى” على مكالمات العملاء، وتستقبل الشكاوى أو الاستفسارات، إلا أن عددًا من تلك المكالمات له أغراض أخرى، فتفاجأ بمن يقول لها  عبارات مثل؛ “ياريت شكلك يكون حلو زى صوتك” أو “ادينى رقمك و سيبك من الشركة”، تحاول أن تتحمل حتى لا تخسر عملها، لكن تماديهم، يدفعها إلى تهديدهم وتذكيرهم بأن المكالمات المسجلة، ومع ذلك يأتي رد الفعل إما بمزيد من التمادي أو بوابل من الشتائم، وعندما أبلغت مديرها في إحدى المرات، رد قائلًا “وفيها ايه لازم نستحمل العملاء!”

قد نظن أن “هدى” تنتظر نهاية يوم العمل بفارغ الصبر للتخلص من هذه الأعباء التي تنوء بها النفس، لكن الحقيقة غير ذلك، فما ينتظرها بعد العودة إلى المنزل أشد إيلامًا.

تزوجت “هدى” قبل سنة، زواجًا تقليديًا، لإرضاء أسرتها وتحديدًا أمها، التى كانت دائمًا ما تحدثها بشأن قلقها من تأخر زواجها وكثيرًا ما رددت جملة “يا بنتى قطر الجواز هيفوتك”، حتى انتهى الأمر بإذعانها لرغبة أمها.

خلال الشهور الأولى بعد الزواج، عاشت حياة هادئة لكنها روتينية إلى حد ما، لكن تأخر الحمل لشهور، حرك الماء الراكد وأنهى الهدوء الذي خيم لفترة. بدأت الأسئلة تأتيها من زوجها، ثم أسرته، وأصر على أن تذهب للطبيب لمعرفة السبب وراء ذلك.

الصادم لــ”هدى” كان اكتشافها أنها لن تستطيع أن تنجب أطفالًا، ومع ذلك تخيلت أن زوجها لن يتخلى عنها، وسيتمسك بها ويرضى بالأمر الواقع، لكن ما حدث كان أسوأ، وعلى الرغم من أنه لم يتركها، أصبح اعتداؤه اللفظي عليها عادةً، والتجريح أمام أسرتها وأسرته بات أمرًا طبيعيًا؛ وفي أحد الأيام، ذهبت لتزور شقيقة زوجها لمباركة مولودها الجديد، لتفاجأ به يسيء إليها أمام عائلته، لأنها “امرأة عاقر”.
بعد هذه الواقعة، قررت “هدى” التمرد على نفسها الصامتة القانعة قبل أن تتمرد على ذلك الرجل، وطلبت الطلاق أمام أسرتها، إلا أنه لم يعبأ لها ولهم، وأجاب طلبها قائلًا “هو أنتِ ليكِ عين كمان تطلبي الطلاق؟”، فيما كان رد والدها هو مطالبتها بتحمله، أملاً في أن يتغير للأفضل، بمرور الوقت.

تعيش “هدى” الاَن، حالة من فقدان الأمل في الحياة، وتتردد في الذهن أسئلة بلا إجابات؛ كيف تستعيد حقها، إن كان جميع من حولها يقفون حائلًا دون تحقق ذلك؟ من يحميها من العنف اللفظي الذي تتعرض له في كل مكان؟  وهل أضحى صمت الأنثى هو الحل الوحيد حتى تستمر حياتها؟