حوار – مخرجة «حمام سخن»: النساء في الفيلم يبحثن عن فرصة للحياة والنجاة.. وانحيازي لـ«الستات» سببه عالمهن الغني بالتفاصيل
الصورة للمخرجة “منال خالد” مخرجة فيلم “حمام سخن”
الفيلم ليس سياسيًا عن ثورة يناير، بل يدور حول قصص الإنسانية
بطلات حكايات “حمام سخن” ناس عادية تحت تأثير نفس الحدث
المنتجون رفضوا تمويل الفيلم لأنه يفتقر لـلخلطة التجارية
الستات يجب أن يخلقن معركتهن وينتصرن فيها ويتخلصن من دور الضحية
المخرجات المصريات يعملن في ظروف صعبة وقاسية جدًا
“نحتاج إلى الأمل.. الطاقة.. الإنتاج.. حتى ننجز ما بدأناه” تقول “منال خالد”، مخرجة فيلم “حمام سخن”، متحدثةً عن وليدها الروائي الطويل الأول “حمام سخن”، الذي تعافر منذ سبع سنوات لاستكمال تصويره وخروجه إلى النور .
“خالد” واجهت عراقيلًا إنتاجية كبيرة، ورغم الجهود الفردية والتطوعية ودعم زملائها في الديكور والتصوير، إلخ، الإ أن التكاليف المتبقية لتصوير أسبوع اَخر، لم تعد متوفرةً، فقد نفذت الأموال، وأصبحت التكلُفة أكبر من مقدرة الأفراد جميعًا.
باعت المخرجة سيارتها من أجل الفيلم، وتطلب الآن العون لإتمامه من خلال إطلاق حملة تمويل إلكتروني.. فهل تنجح؟
عن الفيلم، وحكايته، والصعوبات التي تحيط بها.. تحاور “ولها وجوه أخرى ” المخرجة “منال خالد”، للتعرف على هذه التفاصيل عن قرب.
في البداية، ما أهمية اختيار “حمام سخن” للمشاركة في برنامج “المنطلق” بمهرجان الجونة السينمائي الذي اختتم فعالياته يوم الجمعة الماضي؟
فرصة جيدة لصناع الفيلم أن يجري اختياره ضمن الأعمال فى “مراحل ما بعد الإنتاج”، لنعرض أجزاءً منه خلال ندوة أو مناقشة مع منتجين، وصناع للسينما من بلاد مختلفة، لربما يكون هناك خطة لتوزيع الفيلم من خلال هذه الورش والمقابلات أو نعثر على منتج يستكمل معنا مرحلة postproduction، هذا إلى جانب استمرار مسارنا الآخر في طرح الفيلم على موقع التمويل الجماعي للمشاريع الناشئة Indiegogo، لمدة 4 أسابيع أخرى، بهدف استقبال الدعم المادي.
الفيلم من تمثيل؛ ريم حجاب، وأسامة أبو العطا، وحسن الأسمر، ونعمة محسن، وفرح ماجد، ومنى مختار، ومنى هلا، ورجوى حامد، وحبيبة عفت.
هل أنتِ راضية عن النتائج التي وصلت إليها حملة الدعم المادي الإلكتروني للفيلم؟
حققنا رقم مهم من الرقم المطلوب كليًا، يصل إلى 38 في المئة من المطلوب، ويكفي لتغطية البنود الأساسية لاستكمال تصوير أسبوع اَخر للفيلم، واستخراج تصاريح الجهات الحكومية التي تبلغ 6000 دولار، وتكلفة معدات التصوير التي تصل إلى 4000 دولار، وتكلفة تأجير موقع التصوير التي تصل إلى 3000 دولار، ومع ذلك يخرج منها مرحلة الإنتاج النهائي (المونتاج والمكساج وتصحيح الألوان والموسيقى والتترات)، وهي مرحلها تكاليفها أكبر من تكاليف التصوير، ورغم كل هذه الظروف يعمل فريق عمل الفيلم منذ 7 سنوات بشكل تطوعي.
نحتاج إلى الأمل.. الطاقة.. الإنتاج.. حتى ننجز ما بدأناه، قلتِ هذه الجملة .. إذًا فلتحدثينا أكثر عن حلمك ومشروعك الفني “حمام سخن”؟
الفكرة قفزت في ذهني في ذات اللحظة التي عشتها في الواقع، الفيلم عن تجربة شخصية عشتها سواء بمفردي أو مع أصدقائي أو ابنتي، قصة تدور حول ثلاث سيدات مأخوذة عن حكايات حقيقية، وكنت واحدة منهن، وجرى معالجتها دراميًا. لقد بدأت الكتابة بمفردي، ودونت شعوري بأفكاري، لكن بعد فترة شعرت أنني بحاجة إلى شخص يشاركني تجربة الكتابة، ووقع الاختيار على صديقتي الكاتبة الصحافية “رشا عزب”.
أيضــــــــــًا.. «في شقة مصر الجديدة».. رحلة الخروج للحرية وتعضيد التمرد
وما قصص السيدات الثلاثة؟
حكايات “حمام سخن” بطلاتها ناس عادية من خلفيات مختلفة، جانب مع الثورة، واَخر ضدها، وأيضًا جانب لا يعبأ بها، لكن جميعهن تحت تأثير نفس الحدث، ويرصد الفيلم لحظة حصارهن في أماكن مغلقة خلال أيام 25 و26 و28 يناير من العام 2011، في الوقت الذي كانت فيه التحركات خارج المكان المغلق استثنائية جدًا. شخصيات الفيلم لم تكن تعرف أي خبر عن الذي يحدث بالخارج، وما يجري من قتل وغضب جامح ولحظات انتصار القليلة، فقد كانوا يبحثون عن فرصة للحياة والنجاة، وهذه اللحظات الدقيقة نراها في الفيلم.
ألم تتخوفي من الاستعانة في فيلمك الروائي الطويل الأول، بكاتبة تخوض أيضًا أولى تجاربها؟
بالعكس كان الاختيار واضح جدًا، لقد عشنا سويًا كثيرًا من الحكايات، هناك مشاهد شاهدناها سويًا في نفس اللحظة المليئة بالخطر، والخوف، والانتظار، والقلق، وتخيلناها معًا في مشهد سينمائي نابض بالحياة والدراما، وشعرنا بأننا نعيش لحظة سحرية، وقررنا التعبير عنها، لذا كانت “رشا عزب” الشخص المناسب، فضلًا عن أن كتابتها بالفعل مميزة.
بدأنا الكتابة في العام 2011، ووضعنا تصورًا لفريق العمل والممثلين، وبدأنا التصوير في نهاية العام نفسه، ووجدنا حماسًا ودعمًا من زملائي في المجال السينمائي، الذين تعرفت عليهم على مدار 20 سنة، ورغم ضعف الإمكانيات، الإ أن الجميع كان متعاونًا.
كيف سارت الأحداث حتى توقف التصوير، ولجأ صناع الفيلم إلى إطلاق حملة إلكترونية لدعمه ماديًا؟
بدأنا التصوير في ديسمبر من العام 2011، ثم واصنا العمل في العام 2013 إلى أن توقفنا تمامًا في العام 2014، مثلما توقف كل شيء في البلد، حيث تجمَّد العمل العام والتشاركي، وانحصر على كل المستويات الفنية والسياسية والثقافية، والمفارقة أن الفيلم كان يتحرك في نفس الاتجاه مع الحراك العام، ولا أحد ينكر أن العام ،2011 كان أقوى لحظات التدفق على كل المستويات، الفنية والحقوقية والثقافية والسياسية. لقد توقفنا لأسباب إنتاجية ظالمة وقاسية جدًا ،وأصبح الجزء المتبقي من التصوير أعلى من إمكانياتي وإمكانيات فريق العمل كله. نحن نحتاج إلى معدات تصوير بتكاليف ضخمة، لأنها عنصر ضروري لا يمكن التحايل عليه بإمكانيات ضعيفة، وفي النهاية، أنا سيدة أعمل للعيش، لست منتجة أو لدي ميراث، كنت مهتمة طيلة حياتي، بأن أكون مخرجة فقط، وفكرة تحمل الإنتاج عبء ثقيل على أي شخص، فمبالك بمخرج يريد إنجاز رؤيته الفنية في مشروعه الأول!
لماذا لم تحاولي عرض مشروعك على شركات إنتاج؟
حاولت وذهبت مرارًا لمنتجين، وأبدى بعضهم اهتمامًا بالفكرة، وشاهدوا أجزاءً من المادة المصورة، ،ولكن لم أجد منتجًا مغامرًا يوافق على تقديم هذه النوعية من الأفلام الخارجة وغير المرتبطة بشروط السوق التجاري، خاصة أن فيلمي لا يحتوى على خلطة الــ spicy التي تناسب التيار التجاري، وليس لدي نجم شباك مثلًا، وحدوتة الفيلم ربما يرى المنتجون أن موسمها انتهى، لو كان الفيلم مثلًا سيعرض فيما بين عامي 2011 و2013، كان سيضمن جمهوره وسوقه، لأن الاجواء كانت معبئة بالسياسية والثورة، لكن الآن المشهد تغير.
لكن فكرة الربح التجاري ليست عيبًا، فهل تخرجين فيلمًا ليراه النقاد والمتفقين مع رؤيتك والأصدقاء فقط؟
حتى لو شروط السوق في هذه اللحظة تجارية وهدفها الربح، مثل أفلام محمد رمضان وسعد الصغير، في المقابل هناك أفلام فنية، تحقق ربحًا أيضًا، و”حمام سخن” فيلم له جمهوره داخل وخارج مصر، فالمواطن بحاجة شديدة ولديه شغف أن يرى عن يناير 2011 الكثير، وفي رأيي، فإن المنتج الفني الذي تناولها محدود، ولذا نحتاج كمبدعون في كل المجالات إلى الكتابة والتدوين عن هذه اللحظة التاريخية المهمة.
ألا تعتقدين أن رفض المنتجين قد يكون خوفًا من اشتباك مع فيلم عن ثورة يناير في ظل الهجوم عليها في الوقت الحالي؟
سؤال جيد، دائمًا أسباب المنتجين غير معلنة، ولكن هذه فرصة للتوضيح أن “حمام سخن” ليس فيلمًا عن ثورة يناير، ولا يُقيم أو يُنظر لهذه المرحلة، لأنه ليس فيلمًا سياسيًا. أنا مهتمة بــ”البني آدمين” في هذه اللحظة، ونظرتهم وتعاملهم مع بعضهم البعض، من خلال حكايات لثلاث نساء. فيلمي مهتم بالإنسان والعلاقات والقصص الإنسانية في لحظة ما، تحت تأثير حدث كبير وهو ثورة يناير، ذلك الحدث الذي لايمكن لأحد إنكاره حتى لو اختلف معه.
أيهما أفضل إنتاج عمل فني عن الثورة بعد اندلاعها مباشرة مثل تجربتي، 18 يوم وبعد الموقعة، أم الانتظار لسنوات بعدها؟
ليس هناك أفضلية، هناك أفكار وموضوعات تحتاج تصويرها مباشرة، حتى تأخذ بكارة اللحظة وقوتها والعكس موجود كذلك، فالفكرة هي التي تحكم السينمائي، ويختلف من عمل لآخر، ولكن في النهاية من حق الناس أن تُعبر عن اللحظة التي تراها مناسبة، والحكم في النهاية للجمهور، وهل وصل له إحساس الفيلم بصدق أم لا، أما تجربتي في “حمام سخن” لم يكن هدفها ركوب الموجة واللحاق بالموسم، وإنما يهمني العمل على فترات والكتابة والتعديل المستمر منذ العام 2011، وحتى خلال مرحلة التصوير.
هل قرب الفترة الزمنية يُحمِّلك مسؤولية أكبر في تقديم معالجة دقيقة؟
بالطبع، لأنه حدث ضخم جدًا، ورغم بلوغنا العام 2017، لا يمكن إصدار أحكام مطلقة على أي شيء، فهى لحظة قوية ومهمة تحتاج لسنوات طويلة للحديث عنها بمنطق وتكوين وجهة نظر واضحة ودقيقة، لذلك كان هناك تعديل مستمر في الكتابة، خاصة أن الناس عاشت هذه المرحلة منذ سبع سنوات فقط، فنحن لا نكتب فيلمًا عن الأربعينيات، ولهذا وجب مراعاة الصدق والدقة في كل حرف يُكتَب، خاصة أن الموضوع حساس يتعلق بالمرأة والثورة.
أيضـــــــــــــــًا.. سينمائيون كشفوا عورات المجتمع وجسدوا معاناة المرأة تحت وطأة الأبوية
ماذا تعني لك هذه التجربة السينمائية التي يختلط فيها الخاص بالعام؟
تجربة شخصية حساسة جدًا، لا أتعامل مع الأمر باعتباره فيلم أنجزه وحسب، بل أعيش حالة مختلفة على المستوى النفسي والإنساني كلما دارت الكاميرا، أشعر أنني أعمل، واسترد لحظة حقيقية، وجزء من ذاكرتي الشخصية وجزء من ذاكرة البلد كله.
لماذا حكايات عن النساء فقط؟
عالم “الستات” غني واللحظة التي يناقشها الفيلم مكثفة جدًا، والمرأة لديها تفاصيلها التي تجعل هذه اللحظة ثرية بالأحداث والدراما. النساء لديهن معارك كثيرة، ومطلوب منهن قبل اتخاذ قرار واحد، الرد على 100 سؤال، من الأب، والزوج، والأخ، سواء قبل نزولها إلى العمل أو الترفيه أو السفر وصولًا إلى المشاركة في حدث سياسي ومظاهرات، حتى لحظة وقوفها في الميدان تحمل الكثير من التفاصيل، أبسطها أنها لاتعرف أين يضع من يقف بجوارها يده؟!
وهنا نحن نحكي عن نساء معزولة ومحاصرة في مكان معزول وغامض؛ من المؤكد إنها تفاصيل كثيرة تخلق ثراءً فنيًا، ومع ذلك يوجد عنصر ذكوري وهو “أسامة أبو العطا” بطل من أبطال الحكاية، لأن النساء لا يتعاملن مع واقع منفصل، وإنما هناك رجال وأطفال حولهن.
الحصار في الفيلم معنوي أم مادي؟
حصار فكري، كيف تكون أفكارك مُحاصرة لأنك امرأة، ومحرومة من حرية التفكير والتعبير، وأن تكوني فاعلًا من الأساس، إنه حصار مركب، وعندما يكون حصار داخل الشخصيات يخنق أكثر.
لماذا وقع اختيارل لاسم الفيلم على “حمام سخن”؟
أفضل أن اترك فهم معناه للجمهور عند مشاهدته.
هل تفضلين تصنفيك كمخرجة نسوية؟
أنا مخرجة فقط، ولكن سيدة وأعمل فى ظروف صعبة وقاسية جدًا، والمرأة إلى حد بعيد، فرصها أقل من الرجل الذي يعمل فى المجال الفني عمومًا، وبنظرة سريعة على العشرين سنةً الأخيرة، سنرى أعداد المخرجات اللاتي يمكن حصرهن لا يتجاوزن أصابع اليد، مثل؛ كاملة أبو ذكري، وساندرا نشأت، وهالة خليل.
في رأيك، ما الحلول التي يمكن أن تتغلب بها المخرجات المستقلات على الصعوبات القائمة؟
يحتجن معركة، النساء يجب أن يخلقن معركتهن وينتصرن فيها، ويتجاوزن أزمة أن المجتمع يستبعدهن، وعلى النساء أن يفرضن أنفسهن، فالمجتمع ليس وحده مسؤولًا، وإنما المرأة أيضًا مسؤولة، يجب أن تكون صادقة وقوية وتضع قدمها على الأرض، وأن تتخلص من دور الضحية. “الواقع صعب، ولكن الحلم غير مستحيل، لذا عليها أن تعافر.”
وصلتِ إلى 38 في المئة من الدعم المطلوب للفيلم، .. هل هناك وسائل أخرى للحصول على الدعم؟
المتطوعون في الفيلم فكروا خارج الصندوق، كالذهاب إلى البيوت، خاصة مع الصعوبة التي يواجهها كبار السن في الدفع الإلكتروني. ولأننا فنانين لا نريد فقط الحصول على أموال، فقد فكرنا في منتجات للفيلم مثل إكسسوارات، أو بطاقات بريدية، أو ملصقات تحمل تيمات الفيلم بشكل فني، يمكن الاحتفاظ به في المكتب أو المنزل.
المخرجة فى سطور
- أخرجت اول فيلم تسجيلي لها بعنوان ” باب الجنّية ” عن رحلتهافي غزة، في عام 2008
- عملت كمساعد مخرج مع “كاملة أبو ذكري” و”سعد هنداوي” و”هاني خليفة” و”محمد علي” و”وائل إحسان”.
- وشاركت فى أفلام؛ “أنت عمري” و”ملك وكتابة” و”عن العشق والهوى” و”ألوان السما السبعة” و”الأوّلة في الغرام” ومسلسلي؛ “الجامعة” و”زي الورد”.